رجل الأعمال العراقي علي شمارة: فرص الاستثمار أمام الشركات العراقية لا تتعدى 10% من عطاءات الحكومة

تحدث في حوار مع «الشرق الأوسط» حول التحديات الاقتصادية الجديدة في ظل عدم الاستقرار

TT

شخّص رجل الاعمال العراقي علي شمارة سبب عدم نمو وتكوّن طبقة رجال الاعمال في العراق الى عدم الاستقرار السياسي وانتشار ظاهرة الفساد الاداري والرشاوى وعدم منح الفرص المتكافئة امام المستثمرين العراقيين، مشيرا إلى ان حجم استفادة الشركات العراقية من العطاءات المتوفرة في العراق منذ 2003 وحتى اليوم اقل من 10% وباقي الفرص تمنح لمستثمرين عرب وغربيين.

وقال شمارة الذي يدير أكثر من 14 شركة ومشروعا ضخما داخل العراق وبحجم مالي يقدر بأكثر من 250 مليون دولار، لـ«الشرق الأوسط» في عمان، ان الحكومة العراقية لم تساعده وحسب، بل وقفت بوجهه لتنفيذ بعض المشاريع ومنها معمل الحديد والصلب في البصرة.

وشمارة الذي يرفع شعار العراق أولا، هو أول رجل أعمال عراقي يتحدث في حوار مع «الشرق الأوسط» عن هموم المستثمر العراقي: > أين تنتشر مشاريعك اليوم؟

ـ جميع شركاتي واستثماراتي هي في العراق، وأنا رفضت نقلها إلى الخارج وبعد رحيل النظام السابق وسعت من استثماراتي في بلدي والآن أدير 14 شركة كلها في داخل العراق ومن الممكن أني اكبر مستثمر في الداخل وبدأت استثمر بصناعات ثقيلة في الداخل مثل إنشاء معمل للحديد والصلب في مدينة البصرة وأنا أول عراقي استثمر في مجال الطاقة الكهربائية داخل العراق حيث أقوم بتصنيع الطاقة الكهربائية وأبيعها لوزارة الصناعة ولأول مرة يقوم مستثمر عراقي بمقام الشركات الكبرى مثل سيمنس وميتسوبيشي وغيرها، حيث نقوم بإنشائها بكوادر عراقية تماما، وكنت حريصا كل الحرص على ان تنتشر مشاريعي في جهات متعددة من العراق، خاصة في الجنوب وفي غرب وشمال العراق، لتشغيل اكبر عدد من الأيادي العاملة بغض النظر عما يتداول سياسيا اليوم عن المحاصصات الطائفية البغيضة فانا اعمل أولا وأخيرا للعراق وارفع شعار العراق والعراقي اولا بمعنى انه يجب ان نفضل العراق على مصالحنا الشخصية ذلك اننا اذا خسرنا العراق نكون قد خسرنا كل شيء بما فيها عوائلنا.

> ما هو عدد العمال الذين يعملون في مشاريعك؟

ـ عدد الأيدي العاملة في أي مشروع لا يقل عن أربعة آلاف عامل عراقي ومعمل الحديد والصلب في البصرة سيعمل فيه ثلاثة آلاف عامل لإنتاج نصف مليون طن من الحديد وسيرتفع هذا الرقم إلى مليون طن سنويا في 2007 واسم المشروع حديد العراق وسيرافقه إنشاء محطة لتوليد الطاقة الكهربائية خاصة بالمعمل سعتها 75 ميغاواط وسيقوم هذا المشروع بتقديم مشروع سنوي لمدينة البصرة مجانا مثل بناء الجسور او المدارس او المستشفيات وهكذا.

> ما هي الأسباب التي أدت إلى عدم تكوين فئة حقيقية من رجال الاعمال العراقيين؟

ـ السبب الرئيسي لعدم تكون طبقة رجال اعمال في العراق هو عدم الاستقرار السياسي وتغير أو غياب القوانين التي تساعد على نمو مثل هذه الطبقة.

> ما هو سبب عدم إنشاء ونمو مصارف أهلية أو خاصة في العراق؟

ـ هذا يعود إلى قرارات التأميم التي حدثت عام 1963 التي تم بموجبها تأميم القطاع المصرفي في العراق، ونحن نعلم ان الشريان الرئيسي للنمو والتطور الاقتصادي قائم على القطاع المصرفي، فلكي تؤسس لمشروع صناعي او عقاري او زراعي يجب ان تعتمد على القروض المصرفية في البداية. العراق أمم هذا القطاع الحيوي وأنشأ مصرفا حكوميا اسمه مصرف الرافدين الذي تعرض للخسائر ثم تم انشاء مصرف الرشيد الذي تعرض هو الآخر للخسائر، على الدولة الابتعاد عن هذا القطاع وتركه للقطاع الخاص، وأساس نجاح أي دولة اقتصاديا هو وجود مصارف اهلية عديدة تتنافس فيما بينها وانا ضد اي تدخل من قبل الدولة في العمل الاقتصادي. الآن نحن نقوم بافتتاح مصرف اهلي وهو البنك العربي العراقي بالاشتراك مع البنك العربي في الاردن.

> هل تكونت لرجل الأعمال العراقي خبرة كافية ليعمل على تقدم اقتصاد بلده؟

ـ رجل الاعمال العراقي يتمتع بخبرات كبيرة تؤهله لأن يلعب هذا الدور والتاجر العراقي الأصيل، معروف بنزاهته وأمانته وإخلاصه لبلده وقد نجح رجل الاعمال العراقي في ادارة استثمارات كبرى خارج العراق. والوضع الاقتصادي الممتاز لا يخلقه في العراق سوى رجل الاعمال العراقي الذي يعرف الظروف البيئية لبلده مع اني ارحب بكل مستثمر عربي او غربي يعمل في العراق كونه سيحتاج لخبرة وتجربة رجل الاعمال العراقي والايدي العاملة العراقية. العراق هو البلد الوحيد الذي أدى تعاقب الحكومات والانقلابات فيه الى عدم تمكين رجل الاعمال من تكوين مؤسساته، ففي عهد صدام اعتبر النظام ان التجار او رجال الاعمال، سواء كانوا من الصناعيين او في بقية القطاعات معادين للنظام، وشن العهد السابق حربا على رجال الاعمال فأعدم منهم من أعدم او اغتيل وهرب الباقي من العراق. كل هذه العوامل أدت الى عدم النمو الاقتصادي من جهة، والى غياب طبقة رجال اعمال في العراق. > لقد ذكرت بأنك لا تؤيد تدخل الدولة في العمل الاقتصادي، ماذا تعني؟

ـ الحكومات في العراق، خاصة في عهد صدام حسين، لم تساعد على تكوين شركات كبرى أو إنشاء مصارف خاصة، وعلى سبيل المثال نحن لم نلاحظ وجود متخصص في الصناعة او المالية او التجارة على رأس وزارات مهمتها هذه التخصصات وحتى لو وجد وزراء متخصصون فإنهم كانوا يخافون من التصرف كمسؤولين. من هو أكثر علما في التجارة من رجل الأعمال. ان هذه الوزارات يجب ألا يحتلها رجال اختصاصهم السياسة بل رجال أعمال، لماذا أضع رجلا سياسيا على رأس وزارة الصناعة او التجارة مثلا، كيف سيتمكن هذا السياسي من إدارة وزارته وتطويرها او الاحساس بمشاكل رجال الاعمال؟ المشكلة ان هذا الخلل ما يزال قائما وما تزال الحكومة العراقية تضع هذا السياسي او ذاك في مناصب بعيدة عن تخصصاتهم كونهم ينتمون لهذا الحزب او ذاك هذا هو عين الخطأ.

> ألا تخشى على مشاريعك في ظل الظروف الأمنية الحالية في العراق؟

ـ الإصرار والتفاؤل هما أساس نجاح أي مشروع، وأنا متفائل بمستقبل العراق والعراقيين وأنا مصر على أن تكون كل مشاريعي داخل العراق مهما بلغ سوء الاوضاع الامنية، وأنا سعيد أن هناك آلاف العمال العراقيين يجدون فرص عملهم وخبز عوائلهم من العمل في هذه المشاريع، وكلي إيمان بالله انه سيحمي هذه المشاريع. واحدة من أهم نقاط نجاح رجل الأعمال هي جرأته على اتخاذ القرارات وتنفيذها ويرافق ذلك نظرته الانسانية من وراء إقامة أي مشروع. نعم أنا لا أهدر أموالي لكنني يجب ان أفكر بحياة ومعيشة العمال وعائلاتهم، أي الا يكون الربح على حساب هؤلاء الفقراء هو الهدف، في هذه الحالة يسقط الجانب الاخلاقي في العمل، وأنا نشأت وسط عائلة متدينة تخاف الله وتفكر بالآخرين.

> ما هو حجم استثماراتك المالية في العراق؟

ـ أكثر من 250 مليون دولار وعبر 14 شركة ومشروعا.

> لماذا لم تفكر بإقامة مشاريعك خارج العراق؟

ـ نعم أنا أستطيع أن أنشئ مشاريعي في الامارات او الاردن، ولكن نسبة النجاح التي أحققها في خارج العراق اقل مما هي عليه في داخل بلدي كون حجم المنافسة في العراق اقل مما في بلد آخر، يعني اذا حققت نسبة ارباح في الامارات مقدارها 10% ففي المقابل سأحقق نسبة ارباح 40% داخل العراق على الا تكون على حساب جودة الانتاج او جيب المواطن او جهد العامل، وقبل هذا أنا عراقي أنتمي لبلدي وشعبي ويهمني ان تتحقق مشاريعي في العراق وليس في مكان آخر، ومن خلال تجربتي فأنا انصح اي مستثمر عراقي لأن يعمل في داخل العراق لا خارجه اليوم وغدا عندما تنتشر المشاريع العربية والغربية هناك فسيكون المستثمر العراقي قد سبقهم وحقق ارضية واسعة من الشهرة والتكريس لمشاريعه.

> هل تساعد الحكومة العراقية المستثمر العراقي على إقامة مشاريعه في الداخل؟

ـ الحكومة العراقية لا تتيح اليوم امام المستثمر العراقي فرص النجاح مثل التي تتيحها امام المستثمر العربي والغربي، حيث لا ينال العراقي سوى اقل من 10% من العطاءات والمقاولات وباقي النسبة لمستثمرين عرب وغربيين. ولي تجربة مع هذا الموضوع انا طلبت من الحكومة العراقية شراء كل بقايا الحديد (السكراب او الخردة) من بقايا اسلحة ودبابات ومخلفات مصانع تم تدميرها وغيرها، وراجعت وزاراتي الصناعة والتجارة والمشرفين الاميركيين في هاتين الوزارتين من اجل شراء كل هذه المخلفات وبسعر يفوق سعر بيعه لشركات خارج العراق، وقلت لهم هذا حديد العراق ويجب ان نبني فيه البلد، لكن الجهات المعنية أصرت على بيعه لشركات خارج العراق وبثمن بخس ليتم تصنيعه من جديد وبيعه للعراق اضعاف سعره، وهذه الامور لا تنم عن سذاجة او عدم خبرة بل هناك رشاوى تدفع للمسؤولين من اجل عقد مثل هذه الصفقات وانا لا ادفع اية رشوى لأنني مؤمن بأن العمل يجب أن يتم بطرق شفافة ونظيفة. يجب ان نرأف بالشعب وان نتمتع بحس وطني حتى نتمكن من بناء العراق ونخدم الشعب العراقي.

> ألم تساهم المساعدات الغربية على نمو الاستثمارات العراقية؟ ـ المساعدات الأميركية والغربية قدمت للعراق على أساس أن تعطى لشركات عراقية لتعمل وينمو الاقتصاد الوطني، لكن غالبيتها أعطيت لشركات عربية او غربية، وبعضها أعطي لشركات عراقية بفعل المحسوبية والعلاقات مع فلان مسؤول وكذلك دخل موضوع الرشوى للحصول على بعض هذه المشاريع يجب ان تتاح الفرص عن طريق العطاءات وبصورة نزيهة ويتم الاعلان وفتح هذه العطاءات امام الناس وإتاحة فرص العمل بالتساوي للقضاء على الفساد المالي في العراق.

> ما هي طرق القضاء على الفساد الإداري؟

ـ الفساد المالي في الدولة سيفضحه الاعلام الشريف. أنا مؤمن بدور الاعلام النزيه ومهما تم التستر على هذا الفساد فسوف يفضحه الاعلام الوطني النزيه. والاعلام هو الذي سينهي الفساد الاداري والمالي المنتشر في مفاصل الدولة ويجب ان يأخذ دوره المؤثر كما في باقي الدول المتقدمة عندما يقوم الاعلام فيها بالإطاحة بحكومات من خلال كشفه للفساد وللصفقات المشبوهة. وعندما يغيب دور الاعلام والرادع القوي فهذا سيتيح الفرص لضعاف النفوس لسرقة أموال الشعب والمستثمر العراقي النزيه يفضل العمل مع إدارات نزيهة وليس مع لصوص.

> هل هناك قوانين عراقية تحمي المستثمر العراقي؟

ـ ليست هناك أي قوانين تحمي المستثمرين في العراق، ناهيك من غياب شركات التأمين. > ما هي مشاريعك الاخرى في العراق؟

ـ هناك مشاريع خيرية أنشأناها في عموم العراق، وهي عبارة عن ورش لتعليم الكمبيوتر والنجارة والحدادة والميكانيك لتعليم الشباب مهارات عملية تمكنهم من العمل وافضل من ان اعطي للجائع سمكة، اعطيه الشباك واعلمه صيد السمك.