«ثلاثة أيام في ضيافة أمي» رواية انتظرها الفرنسيون سبع سنوات

تكسر الروتين وتمنح القارئ متعة المختلف

TT

«ثلاثة أيام في ضيافة أمي» Trois jours chez ma mère، رواية جديدة صدرت في الموسم الأدبي الفرنسي الحالي، عن دار النشر «غراسيه»Grasset لمؤلفها فرانسوا وييرغان François Weyergan. لكن هذه الرواية التي تعرف نجاحا كبيرا وغير متوقع، كان ناشرها يعلن عن صدورها في كل موسم أدبي، وعلى مدار سبع سنوات متتالية، ولا تسعف القريحة كاتبها الانتهاء من عمله. وبقيت الرواية مؤجلة ومنتظرة، وها هي عندما أبصرت النور تفرح الكثيرين.

هذه السنة فاجـأنا الكاتب فرانسوا وييرغان بنشر كتابَيْن، بدلاً من واحد. الكتابُ الأول هو رواية «ثلاثة ايام في ضيافة أمي» أما الآخَرُ، فهو أول رواية كتبها، ولم يَسبق له أن نُشرَها من قبلُ. وعنوانها «سالومي» Salomé، وهي شهادة عن ذكريات الشباب كُتبَت منذ 36 سنة.

الكاتب ليس غريبا عن الجو الأدبي الفرنسي، إذ أنه مخرج سينمائي وناقد أدبي كبير وحائز عدة جوائز أدبية فرنسية رفيعة من بينها «رونودو» عام 1992 و«الجائزة الكبرى للغة الفرنسية» سنة 1997. وقد استقبلت عودته بحفاوة بالغة، تقترب من معجزة، مما اضطره إلى التصريح بأن «عدم التجائي للنشر لا يعني أنني توقفتُ عن الكتابة». سبع سنوات تخللتها، كما يقول، آلاف من ساعات العمل، لم يُوقفها من أجل تكسير العزلة، إلا إرساله للمئات من الفاكسات لأصدقائه المُقرَّبين.

«أُحسُّني مثل طفل اكتشف للتو هديته. حين أكتب بضع صفحات، لا أريد أن أبتعدَ عنها. أحيط جسمي بالفراش وأنام في عين المكان».

كي ينتهي الروائي من هذه الرواية «ثلاثة أيام في ضيافة أمي»، التي وعد بها ناشره منذ سنوات، يُقرر الكاتب زيارة أمّه في الجنوب الفرنسي. ومن خلال تجاذب الحديث معها، وتحريك بعض الذكريات وفتح بعض الخزائن، ينتهي به الأمر إلى الانتهاء من الرواية الموعودة. ولكنّ تعرجات حياته الشخصية تلاحقه، وتذكره بذكريات نساء بالإضافة إلى الأسفار التي تلقفته، ومشاريع كُتُب أخرى، كل هذا يُلهيه عن إنهاء العمل. أخيرا يأتي اليوم الذي يصلُ إلى مسمعه خبر العُثور على أمّه من دون حراك في حديقتها، مما جعل حياتَهَا في خطر. في اليوم التالي يلتقي هو وأخواته الأربع على سرير مرض الأم. وها هو أخيرا عنوان الرواية قد ولد «ثلاثة أيام في ضيافة أمّي»، ولكننا نعرف أن فكرة الكتاب تعود إلى سنوات السبعينات. يقول الكاتب: «فكرة كتابة رواية عن أمي تعود إلى سنة 1974، أثناء رحلة إلى روما معها، ولكنه لم يكن إلا مشروعا من بين مشاريع أخرى. بعد نشر رواية تتمحور حول صورة الأب «فرانز وفرانسوا»Franz et François سنة 1997، لم تتوقف التحرشات عن مساءلتي، في المكتبات، عن كتابي القادم، حينها أخرجتُ إلى العلن هذا المشروع الذي يتعلق برجل يبلغ الخمسين من العمر ويذهب في زيارة عند أمّه في المنزل الذي يقضي فيه عطلته. هنا يبدأ عملية تفتيش وتنقيب في حياته وهو ما يمنحه سلاسل من فلاش باك. كان عندي العنوانُ. مشكلتي هو أنني كنتُ أعتمد على صفحات مكتوبة، ولكنها غير ناجحة، ولم تكن بالضرورة مرتبطة بالموضوع. كان القراء ينتظرون كتاباً عن أمي، ولكنه لم يكن يَتَنَاسَبُ مع مشروعي الأولي. ومن هنا سوءُ التفاهم. كان ينتابني الأمل، سنة 2000، في الانتهاء من روايتي. ولكني أفرطتُ في تقدير قِواي».

خلال كل هذه السنوات الطويلة كان يتم الإعلان عن صدور الرواية، ولكن النتيجة في النهاية كانت عبارة عن لا شيء. مما دفع الكاتب إلى أن يقول في سخرية: «قالت لي أمي، حينها، إنَّ عليكَ أن تُصْدِرَ الرواية، وإلا قالوا عنك بأنك ميِّتٌ».

الوسط الثقافي الفرنسي الذي تعب من انتظار الجديد الذي لا يأتي، بدأ يطلق شائعات غير حقيقية. «قيل بأنني أُصِبْتُ بِالعُطْلen panne. أما أنا فلا أعرف سوى «لابَّان»La Panne (الكاتب يلعَبُ على تشابه الكلمتين كتابيا)، وهي حمام بحري صغير ورائع. خلال كل هذه الفترة لم أتوقف عن الكتابة، وكانت عندي فقرات كبيرة من هذا الكتاب. ولكن كانت تنقصني القوة للاشتغال عليها من جديد، ولإحداث تَمَفْصُل بينها، والقيام بعملية مُونتاج. لا تنسوا أنني، في الأصل، مخرجٌ سينمائيٌّ».

«قالتْ لي «دلفين»، البارحة مساء، عند نقطة نهائية لنقاشٍ كان يمكن أن يحْتَدّ: «أنتَ تُخيفُ كلّ الناس». تصرفاتي تدفعها أحيانا إلى تصريحات من هذا القبيل، أحكام إدانة. في الماضي، حتى القريب منه، تعرضتُ إلى ما هو أكثر من قِبَل من أُسمّيها «صغيرتي دلفين» على الرغم من أنّ طول قامتها يصل إلى متر وثمانية وسبعين سنتمترا. إننا نعيش معا منذ أكثر من ثلاثين سنة. دلفين هي المرأة التي أتخيلها بالقرب مني، مائلةً على سريري، إذا ما كان عليّ أن أموت يوما في مستشفى بدل حادث سقوط طائرة، فمن دون شك ستكونُ بجواري. البارحة صدر في حقي حكمٌ أقلّ قسوة من الموت، بالتأكيد، ولكنه حكمٌ لا علاقة له بحكم البراءة، فأنا «فرانسوا وييرغراف» الذي أنجز خمسة أفلام ونشر عشر روايات، أُخيفُ كل الناس. مثل هذه الجملة كنتُ سأسجّلها في مفكّرتي في الفترة التي كنتُ أشتري فيها مفكرات واستخدمها، ولكنني توقفتُ عن أخذ المَوَاعيد، ولم أَعُدْ أُسجّل ملاحظات قط. لِمَ يتوجب عليَّ أن أُسجِّلَ هذه الجملة؟ إنها من الجُمَل التي لا يُمكننا أن ننساها بسهولة».