استقبلت العاصمة الأولى للإسلام، ومدينة خاتم الأنبياء، أميرها الجديد عبد العزيز بن ماجد بن عبد العزيز بعد أدائه للقسم بين يدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، مساء يوم الإثنين الماضي، في قصر الصفا الملكي بمكة المكرمة. والأمير عبد العزيز بن ماجد بن عبد العزيز هو خامس أمراء المدينة المنورة في تاريخ الدولة السعودية الثالثة الذين تولوا الأمارة أصالة عقب كل من الأمير محمد بن عبد العزيز الذي تسلم إمارتها من عبد المجيد باشا قائد العسكرية (العثمانية) ومن الشريف أحمد بن منصور وكيل أمير المدينة في الخامس من ديسمبر (كانون أول) العام 1925م، والأمير عبد المحسن بن عبد العزيز الذي تولى الإمارة في العام 1965م، والأمير عبد المجيد بن عبد العزيز الذي صدر قرار ملكي بتعينه أميرا للمدينة المنورة في يناير (كانون ثاني) العام 1986 م، والأمير مقرن بن عبد العزيز الذي تم تعيينه أميرا للمدينة في شهر نوفمبر العام 1999م.
وفي نظام مجلس الوزراء السعودي يحظى حاكم المدينة المنورة، الى جانب كل من أمراء مكة المكرمة والعاصمة الرياض وأمارة المنطقة الشرقية، بمرتبة وزير بحسب الوضع الدستوري والقانوني في النظام. وتعتبر المدينة المنورة عاصمة الإسلام الأولى، وهي المدينة الوحيدة التي فتحت بالقرآن. وبسبب قدسيتها وباعتبارها ثاني الحرمين الشريفين ومهجر ومثوى الرسول صلى الله عليه وسلم ظلت درة المدن في تاج الخلافاء والملوك والسلاطين على مر العصور وتوالي الأيام في التاريخ الإسلامي.
وكان إسباغ شرف إمارتها على من حكمها لا يناله إلا كل ذي حظ عظيم. فالأمير فيها يستشعر أنه يجلس في مقام كان الرسول صلى الله عليه وسلم أول من جلس فيه، ويحكم في أبناء وأحفاد الرعيل الأول من المسلمين الذين فروا بدينهم الى هذه المدينة الوارفة النخيل والعيون. وللدلالة على شرف أمارتها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يختار ربيبه وابن عمه الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ليخلفه في رعاية أهل المدينة خلال فترة غيابه في الغزوات التي كان يخرج إليها. ومنها غزوة تبوك الشهيرة، التي قال فيها للإمام علي عندما اختاره ليكون خلفا له في المدينة «الا ترضى أن تكون مني بمثابة هارون لموسى غير أنه لا نبي بعدي». وحظيت المدينة النبوية بقدسية خاصة بحسب الأحاديث الصحيحة، فهي محرمة بتحريم النبي لها في قوله صلى الله عليه وسلم «إن إبراهيم حرم مكة ودعا لها، وإني حرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة» كما رغب النبي الخاتم في مجاورتها والإقامة بها في قوله «لا يصبر أحد على لأوائها وجهدها، الا كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة». وتولى إمارة المدينة المنورة، بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، الخلفاء الراشدون الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، رضي الله عنهم، وكل من سهل بن حنيف وأبو أيوب الانصاري رضي الله عنهما في فترة خلافة الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ليصبح عدد من تولاها بعد النبي 6 أمراء. وخلال العهد الأموي الذي أستمر نحو 89 عاما تولى إمارة المدينة المنورة بين عامي 40 ـ 132 هجرية ( 660 ـ 749 ميلادية) 29 أميرا أولهم الصحابي أبو هريرة رضي الله عنه، وآخرهم يوسف (وقيل عيسى) بن عروة.
وفي العهد العباسي الذي امتد بين عامي 132 ـ 248 هجرية (749 ـ 862 ميلادية) تولى حكم المدينة المنورة 38 أميرا خلال 113 سنة، أولهم داؤود بن علي بن عبد الله بن عباس، وآخرهم محمد بن عبد الله بن طاهر من قبل الخليفة العباسي المستعين بالله. وبعد ذلك تولى من قبل العلويين على المدينة 27 أميرا، أولهم إسماعيل السنك سنة 250 هـ (864 م) حتى حسين بن زهير سنة 1100 هـ (1688م). ثم أتت الخلافة العثمانية وصارت المدينة تابعة للآستانة بتسليم الشريف علي بن الحسين سنة 1337 هـ (1918م) ـ وكان وكيل الإمارة آنذاك الشريف أحمد بن منصور، والشريف شحات بن علي قائم مقام المدينة.
وفي عهد الدولة السعودية الأولى ظلت المدينة المنورة 6 سنوات تحت حكمها خلال الفترة مابين 1220 ـ 1226 هجرية، بعد أن اتفق أعيانها على مخاطبة الأمير السعودي سعود بن عبد العزيز ومفاوضته لإنهاء الحصار وبحث الصلح معه، وخرج وفد صغير من المدينة الى الدرعية عاصمة الدولة السعودية الأولى يحملون رساله وقعها شيخ الحرم والقضاة وكبار الأعيان، والتقى بالأمير سعود واتفق معهم على تسلم المدينة وتأمين أهلها، وعاد الوفد بالأمان ونفذت إجراءات الاتفاق في ربيع الأول عام 1220 هـ . وزار الأمير السعودي المدينة بعد ذلك، وأعاد تنظيمها تحت إمارة مسعود بن مضيان الحربي وتوجهت الجهود الى المحافظة على الأمن والاستقرار وتحقيق الرخاء. وفي الدولة السعودية الثالثة التي أرسى دعائمها الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، وكان أول أمير سعودي للمدينة المنورة هو الأمير محمد بن عبد العزيز والتي دخلها في 1924 م نيابة عن والده الملك عبد العزيز، حيث أعلن العفو العام عن موظفي الإدارة الهاشمية وباشر مهام ترسيخ الأمن وتدبير الأمور العامة. ثم تولى إمارة المدينة بالوكالة كل من إبراهيم السبهان لمدة عام واحد (1924 ـ 1925) فالأمير مشاري من غرة رجب سنة 1345 هـ إلى 9 ربيع الأول عام 1346هـ ، فالشيخ عبد العزيز بن إبراهيم من 10 ربيع الثاني سنة 1346هـ إلى 13/2/1355هـ ، فالشيخ عبد الله السديري من 21/2/1355هـ إلى 13/8/1379هـ ، ثم تولى إمارة المدينة بالوكالة أيضا الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله السديري من 29/8/1380هـ إلى عام 1385هـ حيث صدر الأمر السامي بتولي الأمير عبد المحسن بن عبد العزيز أمارة المدينة المنورة في ربيع الثاني عام 1385هـ وصارت إمارة المدينة تمتد شمالا إلى حدود إمارة تبوك وإلى حدود إمارة منطقة مكة جنوبا ومن حدود المهد شرقا إلى ساحل البحر الأحمر غربا.
ثم صدر أمر ملكي بتعيين سعد الناصر السديري وكيلا للأمارة وباشر عمله من تاريخه وظل قائما بأعمال إمارة المدينة المنورة بعد وفاة سمو الأمير عبد المحسن بن عبد العزيز إلى أن عين الأمير عبد المجيد بن عبد العزيز خلفا له في العام 1986م وذلك بعد نقله من إمارة منطقة تبوك بدرجة وزير. وخطت المدينة خطوات رائعة نحو التطور والتوسع والعمران خصوصا في مشروع خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز يرحمه الله لتوسعة المسجد النبوي الشريف والمنطقة المحيطة به. كما شهدت المدينة كثيرا من مشاريع التطوير والبناء للبنية التحتية للمدينة المنورة.
وفي شهر شعبان 1420هـ صدر الأمر السامي الكريم بتعيين الأمير مقرن بن عبد العزيز أمير منطقة حائل أميرا لمنطقة لمدينة المنورة بعد أن أمضى في حائل عشرين عاماً، شهدت خلالها المنطقة مزيداً من التطور والتقدم في مجالات الحياة العمرانية والثقافية والزراعية، وكان فيها مثالاً للإخلاص والنزاهة، والتجرد من المظاهر، والحرص على لقاء المواطنين ومتابعة أمورهم المعيشية والرسميّة، ورأس فيها عدداً من المجالس والجمعيات. وبتولي الأمير عبد العزيز بن ماجد بن عبد العزيز (46 عاما) الذي يحمل شهادة البكالوريوس في الحقوق من جامعة عين شمس بالقاهرة، وشهادة في الإدارة الصناعية من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن لأمارة المدينة المنورة، يكون أول أمير للمدينة المنورة من الجيل الثاني للأسرة المالكة، وأول نائب لأمير منطقة يعين أميرا على المدينة المنورة.