في حقل الألغام (الحلقة الخامسة) ـ علاوي: لست من طلاب السلطة.. وأخشى أن يلعننا التاريخ غدا

"الشرق الأوسط" تنشر مذكرات أول رئيس للحكومة العراقية بعد سقوط صدام

TT

بعملية حسابية بسيطة نكتشف ان عمر اياد علاوي رئيس الوزراء السابق يشرف على الستين عاما، امضى منها ما يقرب من 48 عاما في العمل السياسي، وما يزال.. تتنازعه مشاعر الابوة ومسؤوليته كرب عائلة لم يلتقها بشكل منتظم منذ اكثر من ثلاثة اعوام، وهموم العراق الذي وصل الى حافة الهاوية. هل يدير ظهره لكل شيء ويعود الى بيته ليعيش بسلام بين افراد عائلته؟ ام يبقى ماشيا في حقل الالغام تحيط به المتاعب ومحاولات الاغتيال؟ في هذه الحلقة تثير "الشرق الأوسط" مواجع هذه الهموم في نفس علاوي.

سأ لناه: ما الذي يجبرك على البقاء في العمل السياسي وانت ما بحثت طوال عمرك عن منصب حكومي؟.

يتأمل علاوي وكأنه ينظر من نافذة تاريخ حياته المؤثثة بالمشاغل والمتاعب وكأننا نبهناه الى نقطة ما من خريطة عمره.. خريطة ذات خطوط مستقيمة احيانا، ومتعرجة جدا في احيان اخرى، ويقول: «بصراحة، وبكل اخوة، عندما ناضلت ضد نظام صدام حسين، بل حتى قبل هذه المرحلة عندما كنت عضوا في حزب البعث واشتركت في انقلاب 17 يونيو (تموز) 1968 وكنت ما ازال طالبا في الكلية الطبية وفي عمر الشباب، لم يكن في تصوري ان اتسلم وظيفة او اي منصب حكومي، ولم افكر بهذه المسألة على الاطلاق. حتى عندما تسلم البعث السلطة عام 1968، وانا تركت البعث والعراق عام 1971، خلال هذه السنوات عرضت علي الكثير من المواقع والمناصب ولم اوافق وكنت استهجن هذا الموضوع. كان أملي هو انهاء دراستي في كلية الطب، وانهيتها، وان يبنى العراق على أسس حقيقية كنا مؤمنين بها. وعندما تركت البعث وناضلت ضد نظام صدام، ايضا لم يكن في خلدي ان آتي في موقع المسؤولية، كنت اعمل للمساهمة مثل بقية العراقيين في تغيير النظام، وانقاذ الشعب العراقي من الممارسات القاسية التي كان يرزح تحتها. وتلاحقت الاحداث حتى عام 2003 عندما دخلنا العراق عن طريق الصحراء الغربية وبعدها صارت حوارات بين القوى السياسية الرئيسية مثلما ذكرت في اللقاءات السابقة، حيث كان هناك اكثر من رأي حول عدم مشاركتنا في الحكومة إذ حققنا ما ناضلنا من اجله وهو ازاحة صدام حسين ونظامه من السلطة، وهنا انتهت مهمتنا. ورأي آخر هو ان ننتظر ريثما تتشكل الحكومة، ورأي ثالث هو ان نساهم نحن في تشكيل الحكومة، وهكذا تشكل مجلس الحكم ومن ثم الحكومة المؤقتة ولم تكن في نيتي ان اشارك في الحكم بل تركت العراق خلال النقاشات التي كانت تدور لتشكيل مجلس الحكم مثلما ذكرت لكم في لقاء سابق. الآن اشعر بمسؤولية كبيرة وضخمة جدا واحمل نفسي مع الآخرين مسؤولية ما وصل اليه البلد، ولهذا من غير اللائق ومن غير المعقول ان نترك البلد بهذا الوضع المتدهور تعصف به الاتجاهات الغريبة العجيبة والتوترات. بلد من غير ربان ومن غير قيادة وبلا وضوح في اي اتجاه يسير. وجدت من غير المعقول، بعد ان شاركنا مع الاخرين المسؤولية، ان اترك الامور على هذه الحالة وهذا هو السبب الرئيسي الذي يجبرني على البقاء في المعادلة السياسية.

كان هدفي قبل ان يتأسس مجلس الحكم او تتشكل الحكومة المؤقتة، انه بعد ان تستقر الاوضاع في العراق وتأخذ الحياة بعدها الحقيقي وتسير بشكل طبيعي ومتوازن ومنتظم ومريح وأمين أن ابتعد واعمل بالسياسة من غير ان يكون لي منصب في الحكومة او أؤسس مركز ابحاث او اعود للعمل بمهنتي كطبيب.

لكن ما يشدني الان هو اننا مسؤولون عن البلد وعن وحدته الوطنية وكرامة شعبه ومن غير المعقول ان نترك المعركة الآن ونغادر.

غير هذا، انا كإنسان اعتيادي، لنترك موضوع السياسة، انا في صراع، فقد تركت اسرتي منذ اكثر من ثلاث سنوات ولا استطيع ان احدد الوقت المعين لاقول ان هذه الاسرة (اسرته) ستعود تعيش حياتها معاً بشكل طبيعي مرة اخرى، لا استطيع القول بعد شهر او سنة.. وتتنازعني في داخلي مسؤوليتي كأب، المسؤولية الشرعية والاجتماعية للقاء زوجتي وابنائي».

في 14 مارس (ايار) الماضي عندما كانت ولاية علاوي كرئيس للحكومة قد انتهت إثر فوز الائتلاف العراقي الموحد (شيعي) باغلبية مقاعد الجمعية الوطنية (البرلمان)، رشحته حركة الوفاق الوطني العراقي لان يترأس الحكومة مرة ثانية، وكانت هذه رغبة الليبراليين العراقيين بغض النظر عما افرزته صناديق الاقتراع. من الناحية العملية كانت القائمة العراقية التي ترأسها علاوي لخوض الانتخابات الاولى هي الفائزة ذلك انها حصلت لوحدها على 40 مقعدا من غير ان تستخدم دعم الرموز الدينية او دعما مفتوحا من قبل دول خارجية، كما ان علاوي كان قد انشغل لتحقيق انتخابات آمنة من غير ان يبذل جهدا اعلاميا لصالح قائمته، بينما حصلت «لائحة الائتلاف العراقي الموحد» المؤلفة من قبل 20 حزبا وحركة سياسية وشخصيات دينية والتي حظيت برعاية آية الله علي السيستاني، ودعم كبير من ايران، على 140 مقعدا.

ولدى ايضاح اسباب ترشيحه لفترة ثانية قال علاوي في تصريحات اعلامية وقتذاك إن «أعضاء القائمة التي انتمي إليها مصرون على إن استمر بترشيح نفسي وأكون احد المرشحين لرئاسة الوزراء وأنا حريص على الاستجابة لمطالب هؤلاء الإخوة الأعزاء». وأضاف «هي مسؤولية وتكليف مسؤولية ليست سهلة، فالذي مر كان صعبا جدا وعلى كل المستويات من الناحية الشخصية والعائلية والعامة والسياسية والأمنية للمضي بالعراق إلى شواطئ الأمان والاستقرار»، مشيرا الى ان هناك سببين يدعوانه للترشيح «الأول من اجل استمرارية المسيرة.. والثاني نزولا عند رغبة القائمة والإخوان لأن يكون للكل الحق في الترشيح». وأوضح أن حكومته بدأت العمل لمدة 7 أو 8 أشهر، «ولا أقول إنها حققت المعجزات لكنها حققت الكثير وسيذكر التاريخ ذلك، ومنها إجراء الانتخابات وإلغاء ديون العراق وإعادة بناء الجيش والشرطة وقوات الأمن».

ونفى علاوي أن تكون قائمة الائتلاف العراقي الموحد قد عرضت عليه أي منصب، وقال «لم يعرض علي منصب، ولا أنا عندي رغبة أن آخذ أو أبقى في منصب بقدر رغبتي في أن نبني العراق بشكل واضح وان تكون هناك قيادة قوية عندها رؤية واضحة وواقعية على تكريس الوحدة الوطنية الحقيقية في العراق».

ورأى علاوي أن «العمل مرهق وثقيل، لكنه يحتاج إلى الإقدام ويحتاج إلى جرأة ومواصلة». وجدد علاوي تأكيده على انه لم يكن يبحث عن منصب قبل أن يصبح رئيسا للوزراء. وقال «عند عودتي إلى العراق لم يكن في ذهني أبدا انه ستشكل حكومة ووزارة، إلى آخره .. شاءت الأقدار أن يتم اختياري من قبل زملائي إبان مجلس الحكم ومن قبل الأمم المتحدة».

ما يتنازع علاوي هي الاوضاع السيئة التي يعيشها العراق. يقول: «اقول لنفسي من غير المعقول ان اترك البلد في مثل هذه الاوضاع وهو يمضي الى الهاوية اليوم، هناك كل يوم اكثر من 60 ضحية اغتيال وهذا شيء لا يصدق، ليست هناك دولة ولا قوانين، وهذا امر غير معقول. الوضع العراقي يثير القلق، ومن المخاطر الاساسية التي يمر بها العراق حاليا تصدع الوحدة الوطنية وغياب مؤسسات الدولة والركود بل الجمود في الوضع الاقتصادي. وهناك غياب في التصور للتوجه الى الامام. لهذا فإن القوى المعادية، سواء في الداخل او في الخارج، تحاول ايقاف عجلة التطور. اليوم نجد غيابا حتى للمؤسسات التي بنيناها خلال فترة حكومتنا القصيرة، وأعني المؤسسات القضائية ومؤسسات الأمن والشرطة والمخابرات والجيش. هناك فراغ خطير جدا في هذه المجالات. في مجال الخدمات اذكر اننا، خلال حكومتنا، استطعنا مثلا ان نحقق درجة عالية من وصول الطاقة الكهربائية للمواطنين بواقع 3 ساعات وساعة انقطاع واحدة. الان الانقطاع يزيد عن 12 ساعة والتيار يصل لساعة واحدة فقط. الخدمات الاخرى تتردى. لنأخذ مثلا الخدمات الصحية وهي مهمة للغاية، تصوروا منذ الانتخابات (جرت في نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي) وحتى اليوم اختفى الف طبيب عراقي إما اغتيالا او اختطافا والاخرون تركوا البلد حفاظا على حياتهم. هذا ينعكس على توفير الخدمات الصحية وحماية المواطن والبلد. الخدمات منعدمة تقريبا وخاصة الجانب الأمني، هناك يوميا اكثر من 60 عراقيا يذهبون ضحية الاغتيالات. كل شيء يتراجع، الامكانيات والاداء، وهذا الموضوع يصب باتجاه الايغال في تمزيق النسيج الاجتماعي. وما يزيد من خطورة الاوضاع انه بدأ الحديث على المستويات الرسمية والشعبية عن سنّة وشيعة، وخلال مناقشات الدستور كانت قضية المحاصصة الطائفية بارزة. هذا لا يصب في مصلحة العراق او العراقيين ولا يخدم البلد. ومن المخاطر ايضا اتساع وجود الميليشيات المسلحة واتساع سيطرتها، وهذا يشكل خطرا مضاعفا على الوحدة الوطنية في العراق. هذا الوضع مرشح للتدهور اكثر، وحتى اذا لم يزدد سوءا سيكون قاتلا للعراق وخطرا على المنطقة كلها».

يسرح علاوي بنظره باتجاه نافذة المكتب وكأنه يريد ان يتخلص من فكرة ما، لكنه سرعان ما يصرح عنها وهو يفكر بصوت عال، ويقول:«اخشى ان التاريخ سيلعننا غدا ويقول هؤلاء جاءوا وساهموا باسقاط النظام وتركوا البلد خايب وسايب، وكل واحد دارَ وجهه وراح، هذا ايضا غير صحيح».

تذكر «الشرق الاوسط» علاوي، بمناسبة ذكر موضوع الاغتيالات وتسأله عن عدد المرات التي تعرض لها للاغتيال أخيرا. يحيب قائلا: «محاولات الاغتيال التي تعرضت اليها كثيرة، في الفترة الاخيرة حدثت ثلاث محاولات لاغتيالي، آخرها قبل اقل من شهر، وتم القبض على افراد المجموعة المسؤولة عنها، ويتم التحقيق معهم وهم من دولة مجاورة، واتمنى الا تكون لاجهزة هذه الدولة الرسمية يد فيها. وابلغتنا بهذه المحاولة اجهزة استخبارات صديقة والقوات متعددة الجنسيات قبضت على افراد المجموعة. لا اريد التعليق الان حتى تظهر نتائج التحقيقات واتمنى الا تكون اجهزة الدولة المجاورة التي جاءت هذه المجموعة منها لها اصابع في هذه المحاولة او غيرها.

وقبل فترة قصيرة جاءني تقرير مهم وخطير من جهة أمنية موثوقة، عدا تقرير القاضي الدولي ديتليف ميليس الذي اشار الى ان عناصر متطرفة قالت ان الذين نفذوا عملية اغتيال المرحوم رفيق الحريري ان علاوي سيكون مع الحريري ليتم اغتيالنا معا، وان المحاولة كانت تستهدفني ايضا. التقرير الاخير المهم يحذرني من محاولة اغتيال حقيقية وبالاسماء والتواريخ والعناوين على ان تتم العملية داخل العراق. الواحد منا يستطيع ان يتخذ اجراءات احترازية ولكن من والى متى؟ ويبدو ان هناك جهات تريد ازاحتي من الطريق بشكل وبآخر ولا ترغب في وجودي. في هذا التقرير الاخير تشير المعلومات الى ان جهة سياسية عراقية شاركت في وضع خطة الاغتيال وارادت تنفيذها».

وكان رئيس الوزراء العراقي السابق علاوي قد كشف لـ«الشرق الاوسط»، تفاصيل (نشرتها الصحيفة في الاول من نوفمبر/ تشرين الاول) الماضي) عن خطة لاغتياله تقف وراءها جهة سياسية عراقية بالتعاون مع احدى الميليشيات المسلحة العراقية، مشيرا الى انه تسلم قبل يومين تقريرا صادرا عن جهة مخابراتية مهمة وموثوق بها يتضمن التفاصيل الكاملة لخطة اغتياله. وفي لقاء لـ«الشرق الأوسط» معه في مكتبه ببغداد قال علاوي، الامين العام لحركة الوفاق الوطني ورئيس القائمة «العراقية الوطنية»: «تسلمت أخيرا وثيقة مهمة من جهة مخابراتية نثق بها ونحترمها لصدقيتها تتضمن خطة متكاملة لاغتيالي بمساعدة جهة سياسية عراقية واحدى الميليشيات». وأضاف قائلا «لم استغرب محاولة الاغتيال، فقد تعرضت لمحاولات مماثلة كثيرة منذ عدت الى العراق، لكنني استغربت دقة الخطة وطبيعة الجهات المشاركة فيها، والتي لا مجال لذكرها حاليا، حتى انهم حددوا أنواع الاسلحة التي ستستخدم لتنفيذ الخطة». «الشرق الاوسط» الصحيفة الوحيدة التي اطلعت على نسخة من تقرير الجهة المخابراتية بشأن خطة الاغتيال التي تتضمن قيام احد قادة الاحزاب العراقية بإعلان انشقاقه عن القائمة التي دخل فيها والانضمام الى حركة الوفاق الوطني والقائمة الانتخابية التي ستنضوي تحت لوائها، ومن ثم يتم استدراج علاوي الى احدى المحافظات العراقية الجنوبية لتنفيذ خطة الاغتيال. وحسب التقرير فان عناصر من احدى الميليشيات العراقية اجتمعت أخيرا في مدينة جنوبية قريبة من البصرة التي من المفترض استدراج علاوي اليها، ووضعت هذه العناصر خطة للقيام بـ«معركة ثأرية» خلال زيارة علاوي المفترضة وقتله هناك. وتضيف الوثيقة المخابراتية انه تم تحديد وشراء الاسلحة التي اقترحت للاستعمال في تنفيذ خطة الاغتيال؛ وهي 50 رشاشة كلاشنيكوف و20 رشاشة بي كي سي وعدد (غير محدد) من بنادق القنص الدقيقة. وأكدت الوثيقة المخابراتية ان العناصر المكلفة تنفيذ الخطة كانت تجتمع في بيت قيادي في حزب سياسي عراقي في مدينة جنوبية قريبة من محافظة البصرة، وان هذه الاجتماعات ومهام التدريب كانت تتم تحت رعاية هذا القيادي الذي كان الفريق المعين لتنفيذ الخطة يتلقى الدعم المادي في بيته. يذكر ان تقرير القاضي ديتليف ميليس الذي يحقق في قضية مقتل رئيس الوزراء اللبناني الاسبق رفيق الحريري، اشار الى معلومات افادت بان سائق الشاحنة التي قتل الحريري بانفجارها كان عراقيا، وقد أقنع بالقيام بهذا العمل على اساس أن المستهدف هو علاوي الذي تصادف انه كان في بيروت قبل الاغتيال. وبمناسبة الحديث عن علاقته برئيس الحكومة اللبنانية الراحل رفيق الحريري، نوه علاوي بالحفاوة التي يستقبل بها من قبل الرؤساء والملوك العرب والغربيين حتى وهو خارج الحكومة.

في زيارته الى جدة في رمضان الماضي (كنت أرافقه فيها) كانت ايام علاوي الثلاثة مشغولة باللقاءات مع المسؤولين، ومنهم أمراء، وكانت الاجتماعات واللقاءات والدعوات تبدأ منذ ساعات الصباح ولا تنتهي حتى ساعات الفجر حيث تناول طعام السحور.

وفي طريق عودتنا عن طريق الكويت التقاه رئيس الوزراء الشيخ صباح الاحمد مرتين بالرغم من قصر الزيارة التي امتدت ما بين الساعة الثانية عشرة ظهرا وحتى التاسعة مساء.

وعندما زار المغرب التقاه الملك محمد الخامس، وفي زيارته الاخيرة للسعودية التقى الملك عبد الله، وفي زيارته العائلية للندن في ايلول الماضي التقاه رئيس الحكومة البريطانية توني بلير مرتين، وهكذا في دولة الامارات او في الولايات المتحدة الاميركية.

هناك ما يعرف بقوة الحضور (الكريزما) التي يتمتع بها علاوي، بينما تغيب قوة الحضور وسحرها لدى كثير من السياسيين العراقيين. وضعت هذه الافكار امام علاوي وسألته عن سر بنائه علاقات بقيت متميزة مع القادة العرب وقادة العالم الغربي، قال: «دعني اتحدث عن علاقاتي مع الدول العربية، ليس على الصعيد الرسمي بل على الصعيد الشعبي، انا تركت العراق وعشت في قلب العمل السياسي العربي ولي اخوة واصدقاء سياسيون، كما لي اعداء طبعا، واستطيع القول ان لي تقريبا اصدقاء وعلاقات طيبة من سياسيين في كل بقعة من الوطن العربي وبدون استثناء، من اليمن حتى لبنان فالخليج والمغرب العربي.

هذه العلاقات لم تكن طارئة او مؤقتة، قسم منها علاقات تاريخية ربطتنا مع اخوة في العمل السياسي صاروا اليوم في مواقع المسؤولية في بلدان عربية كثيرة. عندما عدت الى العراق وتسلمت مسؤولية رئاسة الحكومة عرف الاشقاء والاصدقاء في العالمين العربي والاسلامي أن همي وحرصي كان ان تستقر كل المنطقة، وليس العراق فحسب، وان يكون استقرار العراق هو المفتاح لاستقرارالمنطقة ، لهذا سعيت بكل قوة لان التقي بقادة الدول العربية والاسلامية بشكل مستمر ووصلنا في الحقيقة الى مستويات متطورة من العلاقات حتى اننا، ومثلما ذكرت سابقا، كنا نحل الكثير من الامور بواسطة الهاتف ومنهم مع الاخوة في القيادة الكويتية مثلا، كنا نتوصل الى الكثير من النتائج حول قضايا عالقة بواسطة حديث هاتفي مع الاخ رئيس الوزراء الكويتي الشيخ صباح الاحمد.

لقد توصلت الى نتيجة مفادها ان اي انجاز متقدم في مجال العلاقات الصحيحة يحقق الخير للجميع، ولا سمح الله اذا حدث بالمقابل اي شيء سلبي فسوف يعم على الجميع ايضا. اعتقد ان هذا انعكس على تاريخي السياسي وتاريخ علاقاتي مع القادة والحكومات، وانعكس ايضا على المؤسسات المهنية والاعلامية عندما وجد وشعر القادة انني صريح بأحاديثي، حتى ان بعض الاخوة يلومونني احيانا ويقولون باني صريح اكثر مما يجب، لكن هذه هي قناعاتي التي أؤمن بها. باعتقادي هذا ما خلق نوعا من العلاقات المتوازية والمتوازنة مع الاخوة العرب وانعكس ذلك على الفعاليات الشعبية ومنها الاعلامية.

انا أؤمن بأن العمق الحقيقي للعراق هو بعداه العربي والاسلامي، ولا ادري لصالح منْ عزْلُ العراق عن محيطيه العربي والاسلامي. هذا سيلحق الضرر الكبير بالعراق وبالمنطقة. العراق لعب دورا مهما على الصعيد العربي منذ تشكيله مرورا بعصبة الامم المتحدة وبمواقفه من الصراع العربي الاسرائيلي الذي تحول الان من صراع الى محاولات سلام. واذكر ان العراق كان جزءا من حلف بغداد الذي كنا ضده، وكان ذلك دليلا على اهمية العراق. اتوقع ان الجهات التي تحاول ان تدفع العراق عن محيطيه العربي والاسلامي هي جهات تحاول الاضرار بالعراق اولا وبالمنطقة ثانيا، لان استقرار العراق وسلامته من استقرار المنطقة، وإبعاد العراق لا يقع في خدمة العرب اطلاقا ولا في خدمة الدول الاسلامية.

* غدا:

* هل كانت الحكومة العراقية مستقلة في اتخاذ قراراتها؟

* علاوي يبدأ بتشكيل وحدات القوات المسلحة العراقية ويستعين بعناصر الجيش الذي كان بريمر قد حله من غير اخذ موافقة الادارة الاميركية

* ما هو موقف الدول العربية لدعم العراق في ظروفه الصعبة؟