فيلم «ماجدة» المغربي يعالج الانفصال في إطار واقعية اجتماعية

أستاذة للموسيقى يدفعها حقدها على والدها بعد انفصاله عن أمها إلى قطع كل صلة به

TT

ثمة ما يجعل من الفيلم التلفزيوني المغربي «ماجدة»، الذي قدمته القناة التلفزيونية الثانية «دوزيم» أخيرا، إنتاجا مختلفا عن باقي الأعمال الدرامية، التي قدمت في السابق، خصوصا تلك التي تناولت موضوع الانفصال في إطار الواقعية الاجتماعية.

قد يكون الانفصال وتداعياته على الأسرة عموما، موضوعا مألوفا ومتداولا في الأعمال التلفزيونية، غير أن هذه الأعمال غالبا ما لا تذهب أبعد من المشاكل الاجتماعية الرتيبة التي تتعلق بتبعات الانفصال، ومعاناة الأبناء أمام زوجة الأب أو زوج الأم، وتقاطعها مع المشاكل المادية وإهمال الأب بعد الطلاق لأبنائه ماديا ومعنويا، عكس فيلم «ماجدة»، الذي يعد من الأعمال القليلة التي انفردت بمعالجة التمزق النفسي الذي يصيب شخصية الطفل بسبب تشويه أحد أبويه لصورة الآخر، ومحاولة طمس وجوده من حياته، وما ينتج عن ذلك من اهتزاز في مفاهيمه عن القيم والحياة.

يروي فيلم «ماجدة» قصة أستاذة للموسيقى سيدفعها حقدها على والدها بعد انفصاله عن والدتها إلى قطع كل صلة به، رغم رسائل الاستعطاف الكثيرة التي كانت تصلها منه قبل وفاته، بيد أن توترا مفاجئا في علاقتها بزوجها سيقودها إلى بيت الوالد، بعد ثلاثة أيام من رحيله لتكتشف شيئا فشيئا زيف الصورة التي رسخت في ذهنها من طرف أمها، حيث سيحيي المكان في دواخلها ذكريات الطفولة التي عاشتها إلى جانب والدها، كما ستكشف عمتها النقاب عن حقائق ظلت لسنين مغلوطة وملتبسة في ذهن ماجدة. طبيعة قصة فيلم «ماجدة» تسمح بتصنيفه في خانة الدراما الاجتماعية ذات البعد النفسي، ويرى عبد السلام الكلاعي مخرج الفيلم، أن هذا النوع من الأفلام «يعتمد السرد الخطي الكلاسيكي الذي ينطلق من نقطة معينة في الزمن ويتطور نحو المستقبل حتى يصل للذروة السردية، ثم إلى الحل أو النهاية»، ويضيف «فيلم «ماجدة»، يعد تجربة متميزة وتحمل كثيرا من التجديد».

وقال الكلاعي لـ «الشرق الأوسط»، إن «التجديد في الفيلم هو أن السرد سرد لولبي ينطلق من الحاضر ويعود للماضي عدة مرات عن طريق تقنية (الفلاش باك) أو الاسترجاع، ثم يعود للحاضر، الذي نجده قد تطور دراميا حتى نصل إلى لحظة الذروة في الفيلم فيصبح الماضي والحاضر موجودين في اللحظة الآنية السردية، ومتداخلين بشكل نهائي، فيصبح المشاهد يرى مثلا في نفس اللقطة ماجدة البالغة، وماجدة الطفلة، في نفس الوقت، وهذا تعبير شكلي عن الموضوع الذي يتناوله الفيلم وهو أن الماضي يعيش في الحاضر ويؤثر فيه بشكل مباشر ويطوره ليصنع منه المستقبل».

ويعد فيلم «ماجدة» الثاني من نوعه الذي يركز فيه المخرج الكلاعي على موضوع الطفولة، إذ سبق للمخرج أن تناول الموضوع نفسه من خلال شريطه السينمائي «يوم سعيد»، وتركيزه على الطفولة يأتي لإيمانه أن هذه المرحلة من العمر أساسية جدا في تكوين الشخصية، ويعتبر المخرج أن «كل شخص بالغ هو بشكل أو بآخر ذلك الطفل الذي كانه في الماضي، وبالتالي فهو في حياته كبالغ لا يقوم إلا باستثمار طفولته إيجابيا أو سلبيا بحب كيف عاشها».

فيلم «ماجدة» تمحور حول فكرة مركزية ثانية تتطور بموازاة مع موضوع الطفولة، وهو الصورة الذهنية التي تشكلت لدى ماجدة عن الماضي، الذي كان مشوها وغامضا ومليئا بالكذب. وهو الماضي الذي جعلها تبني عليه قرارات خاطئة، وهو الخطاب الذي حرص الكلاعي على تمريره بسلاسة مع الحفاظ على الجانب الفرجوي في الفيلم.

لا يجد الكلاعي أي فرق بين الفيلم التلفزيوني والفيلم السينمائي، لذلك اعتمد في إخراج شريط «ماجدة» على عنصر الصورة، بحيث تكون حاملة للمعنى، ويقول «يجب في كلتا الحالتين أن تكون الصورة هي الحامل للخطاب، وبما أن الخطاب في هذا الفيلم يغوص عميقا في نفسية الشخصية المركزية (ماجدة) والشخصيات الثانية التي تصاحبها وتطور السرد الدرامي للأحداث، ارتأيت أن تكون الصورة شاعرية في بعض المقاطع من الفيلم، حتى وإن افترض ذلك الابتعاد قليلا عن الواقعية المباشرة. الشاعرية هي مقاربة تخاطب في الآن نفسه وعي المتلقي وأحاسيسه، وتضمن إلى حد بعيد اندماجه في ذلك الشعور العام الذي يريد المخرج والمؤلف أن يعكساه في الفيلم».

جانب آخر في الفيلم كان له حضور لافت وقوي عكس ما عودتنا عليه الأفلام التلفزيونية وهو «الموسيقى»، التي لم تكن فقط حاضرة في القصة باعتبار أن البطلة أستاذة للموسيقى وعازفة مركزية في فرقة موسيقية، بل جاءت متناغمة مع موضوع الفيلم، خصوصا أنها كانت عبارة عن مزيج من الموسيقى التراثية القديمة.

وبهذا الخصوص يقول العلاكي: «ماجدة موسيقية، تشتغل على الموسيقى العربية، وهذا افترض أن تكون الموسيقى بطلة أخرى للفيلم إلى جانب الممثلين، لذلك قررنا أنا وصديقي المؤلف الموسيقي عبد الحي الحداد والصديق التهامي بلحوات قائد فرقة (أوج) للموسيقى، أن نشتغل على الموسيقى كحامل أساسي للخطاب في الفيلم، وليس فقط كما يتم التعامل مع الموسيقى بشكل اعتيادي بصفتها مصاحبة فقط للصور. وبدأنا العمل بتأليف مجموعة من المقاطع الموسيقية المستلهمة من التراث الموسيقي الشرقي العربي والتركي والفارسي الضارب في القدم كي تتماشي وموضوعة الفيلم التي تتمحور حول الماضي والتباساته»، ويضيف الكلاعي «هناك اعتقاد سائد وسط المخرجين أن السينما هي بالأساس الصورة، لكنني أظن أن الصوت والموسيقى من العناصر الأساسية التي تعطي للفيلم قوة ودفعا تواصليا كبيرا مع الجمهور، لأن العديد من الأفكار والانطباعات والأحاسيس المجردة تماما لا يمكن أن نوصلها للجمهور إلا عن طريق الموسيقى».

شاركت في فيلم «ماجدة» نخبة من الممثلين المعروفين منهم منى فتو وعبد الله ديدان ورشيد الوالي ومليكة العمري وحبيبة المذكوري وحنان الإبراهيمي. ولا يخفي الكلاعي إعجابه بأداء الممثلين قائلا: «إن فيلم «ماجدة» من دون حرفيتهم العالية، وتجربتهم العميقة ما كان ليكون كما أردت له». ويوضح أنه تعمد أن يلعبوا جميعا أدوارا تخرج بهم من الشكل المعهود الذي تعود الجمهور أن يراهم فيه، وأنه بدأ مع الممثلين كل واحد على حدة في بناء الشخصية التي سيقوم بتجسيدها في الفيلم من خلال جلسات عمل تحليلي للشخصيات المكتوبة والتوقف طويلا على كل أبعادها النفسية والاجتماعية وغيرها إلى أن بدأت الشخصيات تتشكل ككائنات وسطى بين ما كتبه وما يقترحه الممثلون معتمدين على خبراتهم وتجاربهم الحياتية في الموضوع».

ويظن المخرج الكلاعي أن نتيجة هذا العمل قد انعكست في النهاية على تمرير شخصيات واقعية وصادقة وشفافة للجمهور.