الميليشيات في العراق.. لمن؟

دمج الميليشيات وتحييد سلاحها.. صعب

TT

لم ينشغل الزعماء السياسيون فى العراق بقضية فى الآونة الأخيرة، كما انشغلوا بموضوع الميلشيات المسلحة التى تتبع للقوى السياسية المختلفة. وكلما جاء الحديث عن الميليشيات المسلحة توجهت اصابع الاتهام الى الاحزاب الشيعية، لكن الحقيقة تؤكد وجود ميليشيات مسلحة لغالبية الاحزاب والجماعات الشيعية والسنية تحت تسميات متعددة ومختلفة. وحسب الدكتور برهم صالح نائب رئيس الوزراء العراقي، فإن «أحد أسباب وجود هذه المجموعات المسلحة، هو الانفلات الأمني وكل جماعة تريد ان تكون لها ذراع مسلحة تدافع بها عن نفسها او تهدد بها، وفي معظم الاحيان تهدد بها».

ويشخص صالح أسباب تفاقم مشكلة الجماعات المسلحة قائلا لـ«الشرق الأوسط»، ان «هناك مشكلة أمنية مركبة في البلد جزء منها متأتية من أعوان النظام السابق لزعزعة الأمن في البلد، وهناك من جاء من انحاء مختلفة من العالم وجعل من العراق مسرحا لأجندته الخاصة، وجعل الشعب يدفع الثمن، وهناك الجماعات المسلحة التي تعيث في الارض فسادا» لمصالحها، مشيرا الى ان «قضية حل الميليشيات لم تتم فقط باتخاذ القرارات السياسية والحكومية.. والتعامل معها يتطلب جهدا استثنائيا وارادة سياسية واضحة من قبل القيادات السياسية والحكومية. اذا أردنا ان يكون العراق بلدا ديمقراطيا دستوريا، يجب ان نتعامل مع اية جماعة خارجة عن اطار الدولة بحزم. والسلاح يجب أن يكون بيد الدولة حصرا، ولا مجال لوجود أية جماعة مسلحة خارج إطار الدولة والقوانين». وقد بقيت مشكلة الجماعات المسلحة في العراق متفجرة، بالرغم من تصدي الحكومات التي تعاقبت على حكم العراق منذ 2003، فقد صدر في عهد حكومة الدكتور اياد علاوي القرار 91 لسنة 2004 الخاص بدمج الميليشيات في الحياة المدنية والعسكرية بعد إعادة تأهيلهم.

ويرى علاوي الحل لموضوع الميليشيات في القانون 91، حيث قال لـ«الشرق الأوسط» عن القانون رقم 91 الذي اصدره عندما كان رئيسا للحكومة وبدأ بتنفيذه «هو إنه يضع النقاط على الحروف، بقدر تعلق الموضوع بالميليشيات المسلحة في العراق، وفي وقتها قلنا ليس هناك انضمام للميليشيات للجيش، وأن هناك حلا للميليشيات ومن ثم يتم التعامل مع أعضائها كحالات فردية، بعض الافراد يمكن ضمهم للقوات المسلحة وبعضهم يعمل في قطاعات الدولة الاخرى، وبعضهم يعمل في القطاع الخاص، اما ان نحول الجيش والشرطة الى مجاميع تمثل كيانات وكتلا وميليشيات سياسية، فهذا يعني انها ستتحول الى اطراف متصارعة داخل الكيانات الامنية للدولة. لهذا، الدعوة الى ضم الميليشيات للجيش او للشرطة هي دعوة غير صحيحة ولا تفي بالغرض ويجب النظر الى القانون 91 الذي وقعت عليه كل الكيانات السياسية العراقية».

وحسب وثيقة صادرة عن الأمانة العامة لمجلس الوزراء في 10/8/2005، وتحمل الرقم ق/2/1/12/8980، اي في عهد حكومة ابراهيم الجعفري، وموقعة من قبل خضير فاضل عباس الأمين العام لمجلس الوزراء، وتحمل ملاحظة (عاجل) موجهة الى «السيد وزير الداخلية/ رئيس لجنة تنفيذ عملية التحول وإعادة الدمج، الموضوع / تنظيم الميلشيات، جاء فيها: «يرجى الالتزام بأحكام الأمر 91 لسنة 2004 الذي يحظر عمل الميليشيات والمجموعات المسلحة داخل العراق، الا اذا كانت تحت سيطرة الحكومة العراقية». وتمنح الوثيقة اللجنة التي كان يترأسها باقر جبر صولاغ وزير الداخلية السابق إمكانية «إعادة دمج ميلشيات محددة بوصفها مشاركة في العملية السياسية بالقوات المسلحة»، وتذكر الوثيقة الميليشيات التي تعترف بها الحكومة والتابعة للأحزاب والحركات السياسية «القوات المسلحة التابعة للحزبين الكرديين (الاتحاد الوطني الكردستاني برئاسة جلال طالباني والديمقراطي الكردستاني برئاسة مسعود بارزاني، والميليشيات التابعة للأحزاب «منظمة بدر ـ الدعوة ـ الحزب الشيوعي ـ حزب الله فرع العراق ـ الإسلامي العراقي ـ الوفاق الوطني ـ المؤتمر الوطني». (ملاحظة: وثيقة مرفقة رقم 1).

وزير الداخلية ورئيس لجنة إعادة دمج الميليشيات السابق بيان جبر صولاغ، وزير المالية حاليا، أوضح لـ«الشرق الأوسط» قائلا «باعتباري كنت رئيس اللجنة العليا لدمج الميليشيات حسب القرار 91، بدأت في الأشهر الثلاثة الاولى من عملي (في حكومة الجعفري) بارسال مذكرات الى 9 أحزاب وحركات، كان بريمر (الحاكم العسكري الاميركي السابق للعراق)، قد تبناها واعتبر ان لها ميليشيات يجب دمجها في الحياة السياسية والعسكرية، وهي: منظمة بدر التابعة للمجلس الاسلامي الاعلى بقيادة عبد العزيز الحكيم والحزب الاسلامي العراقي وحزب الدعوة (ميليشيا الشهيد محمد باقر الصدر)، وحزب الله فرع العراق، والحزب الشيوعي العراقي، والوفاق الوطني العراقي والمؤتمر الوطني والحزبان الكرديان الرئيسيان(الاتحاد الوطني الكردستاني والديمقراطي الكردستاني)، لمناقشة وسائل تنفيذ هذا القرار، لكن هناك بعض الأحزاب ترددت وأخرى ارسلت طلباتها والاسماء، وبالفعل أعددنا الجداول للبدء بالعمل، ولكن حكومتنا انتهت ولايتها قبل ان يتم دمج الملشيات».

وأوضح صولاغ «قسم من هذه الميليشيات تم ادراجهم للعمل في المؤسسات العسكرية. وآخرون في الوزارات المدنية، وقسم منهم اعد للتدريب للعمل في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، لكن هذا لم يتم، وأمام الحكومة الحالية ملف اعادة دمج الميلشيات»، مشيرا الى انه «يجب اضافة جيش المهدي وميليشيات سنية تقوم بعمليات مسلحة تحت عناوين مختلفة، ولكني أؤكد انه لم يتم تفعيل هذا الموضوع، باعتبار اننا كنا في انتظار جمع الميليشيات الجديدة التي ظهرت على الساحة العراقية بعد القرار 91 مع اننا أرسلنا اسماء خمسة آلاف من أعضاء الميليشيات الى التقاعد حسب الأسماء التي تسلمناها من بعض الأحزاب والحركات السياسية».

وتوقع صولاغ نجاح قرار الدمج «إذا كان هناك عمل جدي بهذا الاتجاه، وقد لمست خلال عملي أن هناك بعض الميليشيات جاهزة للدمج»، من غير ان يسمي هذه الميليشيات. وتؤكد الفقرة 19 من مشروع المصالحة الوطنية، الذي طرحه المالكي نهاية الشهر الماضي، على «جعل القوات المسلحة غير خاضعة لنفوذ القوى السياسية المتنافسة، والا تتدخل في الشأن السياسي، وحل موضوع الميليشيات والمجموعات المسلحة غير القانونية ومعالجتها سياسيا واقتصاديا وامنيا».

وحسب ايضاح موقع المكتب الاعلامي لرئاسة الوزراء في 25 يونيو (حزيران) الماضي، حول قرار الحكومة بحل الميليشيات وطريقة التعامل معها، اوضح رئيس الوزراء الحالي المالكي ان «الميليشيات جميعاً مشمولة بقرار الحل، وليس هناك فرق بين ميليشيا شيعية واخرى سنية، هناك حوارات مركزة مع الميليشيات بمختلف انواعها من اجل ايصالها الى مرحلة الحل بدون اللجوء الى القوة»، مبينا ان «ضبط الامن سيسهل عملية حل الميليشيات رغم ان هذا الملف فيه الكثير من التعقيد، ولكن لا بد من حسمه، لأن القرار متخذ في أن يكون السلاح بيد الحكومة فقط». وشدد المالكي «لا نتصور استقرارا امنيا مع وجود الميلشيات» وأن «المصالحة وما يترتب عليها اضافة الى تطوير قدراتنا الأمنية هي السبيل الأفضل للتعامل مع هذه المشكلة على اساس ثلاثة محاور: المصالحة الوطنية لاستيعاب افراد هذه الميليشيات والقوة لمواجهة المتمردين، فضلاً عن توفير الخدمات حتى نشعر الميليشيات ان لا حاجة بعد، لحمل السلاح مع وجود الامن والخدمات وضمان حق المشاركة في العملية السياسية».

* البيشمركة

* بعض الجماعات المسلحة ومنها «منظمة بدر» تصر على مقارنتها بالبيشمركة، وهي قوات المقاتلين الاكراد الذين قاتلوا ضد الحكومات والانظمة العراقية السابقة، ومفردة «البيشمركة» تعني الفدائي أو الذاهب الى الموت.

الدكتور فؤاد معصوم، عضو مجلس النواب وعضو المكتب السياسي للاتحاد الوطني الكردستاني تحدث لـ«الشرق الأوسط» عن تجربة القيادة الكردية في اقليم كردستان مع قوات البيشمركة، قائلا «قمنا بتحويل المقاتلين البيشمركة الى القوات النظامية، ولم يتبق من البيشمركة الا الاسم، فقد اختلفت الآن مهماتهم. في السابق كانوا قوة للدفاع عن الشعب ولضرب اجهزة النظام السابق ومقاتلته، بينما هم اليوم يقومون بالحرص على اقرار النظام وتطبيق القوانين، وذلك بعد ان تم تأهيلهم دراسيا وعمليا على المهام الجديدة»، مشيرا الى ان «مقاتلي البيشمركة يرتدون اليوم ملابس نظامية، ولهم دوائرهم ومراكز عملهم الثابتة، بعد ان كانوا يرتدون الزي الكردي الشعبي، ويتجولون بين الجبال. شرطي المرور الذي تراه يقف حتى ساعات ما بعد منتصف الليل في الشارع، لينظم السير، كان من مقاتلي البيشمركة، وكذلك ضابط اصدار جوازات السفر او ضابط الشرطة أو شرطة النجدة، يعملون في قوات الآسايش (الأمن). كما أن البعض من عناصر البيشمركة اختار العمل في دوائر الدولة المدنية، ومنهم من أكمل الدراسات الجامعية والعليا. الآن لا يوجد عندنا ما يسمى بالميليشيات المسلحة».

* الميليشيات الشيعية

* ومن الجماعات الشيعية المسلحة، جماعة جيش المهدي، فالوقائع الثابتة تؤكد وجود ميليشيات تابعة للزعيم الشيعي مقتدى الصدر، وهي تحمل اسم جيش المهدي. هذه الميليشيات خاضت معارك ضد القوات الحكومية لأكثر من مرة واهمها في النجف عام 2004، وكان آخرها خوضهم معركة في السادس من يوليو (تموز) الماضي في مدينة الصدر، عندما تصدوا لقوات حكومية واميركية لمنعهم من القبض على متطرف عراقي معروف يدعى (ابو درع)، والذي كان يعمل في الأجهزة الأمنية التابعة لنظام صدام ـ فرع الكرخ.

وقد تشكل جيش المهدي في يوليو عام 2003 بعد اغتيال زعيم المجلس الأعلى للثورة الإسلامية السيد محمد باقر الحكيم. وقد استمد اسمه من الامام المهدي المنتظر الإمام الثاني عشر عند الشيعة، وضم آلاف المتطوعين، بينهم اعداد كبيرة من فدائيي صدام الذين وجدوا انفسهم بعد رحيل النظام بلا عمل وبلا غطاء يؤمن على حياتهم، للالتحاق بجيش المهدي منذ الإعلان عن إنشائه، وهم ليسوا جيشا نظاميا تقليديا كما يوحي اسمهم بالمصطلح العسكري، بل «هو جيش عقائدي وضع في خدمة الحوزة الشريفة والمرجعية»، حسب تأكيد للصدر نفسه الذي يعد القائد الأوحد لهذا الجيش.

بعض المراقبين يقدر عدد افراد جيش المهدي ما بين 5 الى 10 آلاف في عموم العراق، وهم لا يتمتعون بأي ضوابط عسكرية او يخضعون لأوامر صارمة، بل هم يستجيبون لأوامر صادرة عن مقتدى الصدر او ممثليه في بغداد والمحافظات، وهؤلاء الممثلون هم من الشيعة المتشددين الذين لا يتمتعون بأية خبرات عسكرية او سياسية، وتتراوح الرواتب الشهرية لمنتسبين جيش المهدي ما بين 50 الى 200 دولار اميركي، بينما ينعم قادته من ممثلي الصدر، برواتب تصل الى خمسة آلاف دولار شهريا.

وتتركز قوات جيش المهدي، الذين يرتدون في العادة الملابس السوداء في مدينة الصدر ببغداد وفي النجف والكوفة وكربلاء والمحافظات الجنوبية كالبصرة. وحول قرار رئيس الحكومة بحل الميليشيات، قال بهاء الاعرجي، القيادي في التيار الصدري الذي يقوده مقتدى الصدر لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك خططا خاصة بنا للتعامل مع هذا القرار، ثم ان جيش المهدي ليس ميليشيات مسلحة ولا ينطبق عليها اي قرار يخص الميلشيات». وكان مقتدى الصدر الذي يلقب داخل جيشه وبين اتباعه مرة بـ«السيد»، ومرة بـ«القائد»، قد اكد في حديث صحافي سابق انه «غير قادر على حل جيش المهدي»، لأنه ليس جيشه، بل «هو جيش الإمام المهدي المنتظر»، وعندما اشتد الحديث عام 2004 عن ضرورة حل الميليشيات أوكل الصدر موضوع جيش المهدي للمرجعية الشيعية، وترك لها حرية التصرف بمصير الجيش، بينما لم يصدر عن المرجعية اي تعليق حول هذا الموضوع.

هناك ايضا قوات فيلق بدر الشيعية التى تشكلت في إيران عام 1982 كجناح عسكري للمجلس الأعلى للثورة الاسلامية، الذي تشكل هو الآخر في ايران برئاسة محمد باقر الحكيم.

وكانت قوته تقدر قبل تغيير النظام في 2003 بـ10 آلاف إلى 15 ألف شخص. وقال رئيس منظمة بدر هادي العامري لـ«الشرق الأوسط» «بالنسبة لنا نحن رفعنا السلاح في عهد الدكتاتور صدام حسين، ونعتبر رفع السلاح لمحاربة نظام دكتاتوري امرا مشروعا، وبإذن شرعي من المرجع الكبير الشهيد محمد باقر الصدر، بعد الفتوى المعروفة للشهيد الصدر، وقمنا بأعمال ضد النظام السابق. ونتيجة لعدم توازن القوى وقتذاك، اضطررنا للقتال من خارج العراق. وبذلك نحن مشروع تحرير ودفاع عن الشعب العراقي، الذي تعرض للظلم والحرمان من قبل النظام السابق. اذن نحن لسنا احزابا تصارعت مع بعضها وشكلت ميليشيات، وانما نحن مشروع جهادي كان يسمى بفيلق بدر، الذي قاوم النظام السابق بكل شرف واعتزاز واقتدار وخضنا معارك كبيرة في جنوب العراق وشماله ووسطه ولدينا مقرات في كل انحاء العراق، وهذا شيء معروف للجميع. بعد سقوط النظام تخلينا عن السلاح طوعا وتحولنا الى منظمة سياسية لتشارك في العملية السياسية منذ مجلس الحكم، وشاركنا في الانتخابات الاولى والثانية وفي مجالس البلدية وما زال لدينا 6 محافظين، كما اننا اعضاء في البرلمان العراقي ككتلة مشكلة للائتلاف (العراقي الموحد).

وحول التعامل مع قرار نوري المالكي رئيس الحكومة العراقية القاضي بحل الميليشيات المسلحة، اوضح العامري «نحن تخلينا عن رفع السلاح طوعا، وهناك القانون 91 لسنة 2004 الذي يسمى خطأ دمج الميليشيات، ووافقنا عليه وقلنا هو عبارة عن دمج كل القوات العسكرية التي حملت السلاح ضد النظام الصدامي. كل الاحزاب والحركات كانت لها قوات عسكرية ونحن من ضمنها. ووافقنا على دمج قواتنا كما وافقت البيشمركة على الانضمام لوزارتي الدفاع والداخلية. نعم لدينا عناصر رفعت السلاح سابقا، وهي مستعدة الآن للانضمام للقوات المسلحة أو في بقية دوائر الدولة. ولكن لدينا مجموعة من الإخوة الذين يقومون بحماية مقراتنا وشخصياتنا، ولديهم إذن قانوني بحمل السلاح، واذا تحسن الوضع الأمني فسوف نتخلى حتى عن هذا السلاح المحدود، وسوف نحمله الى الدولة».

ويضيف قائلا «نحن نريد تطبيق القانون 91 ولا نريد أن نعتبر ميليشيا، بعد ان تحولنا الى منظمة سياسية. القانون 91 متكامل وليست لنا مشكلة مع تطبيقه، بالرغم من رفضنا تسميتنا بالميليشيا».

يذكر ان عبد العزيز الحكيم زعيم المجلس الاعلى للثورة الاسلامية، كان قد دعا إلى إعطاء دور أكبر إلى منظمة بدر الجناح المسلح للمجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق، والذي يتهمه السنة العرب باستهداف رموزه. وطلب عبد العزيز الحكيم في المؤتمر التأسيسي الثاني لمنظمة بدر اعطاء المنظمة «الأولية في تحمل المسؤولية الادارية والحكومية وبالخصوص في المجالات الأمنية، تقديرا لجهود وتضحيات ومواقف إخواننا وأبنائنا الأبطال من ابناء منظمة بدر»، مشيرا الى ان «جهودا تبذلها قوى الشر لتشويه سمعة القوى الوطنية، وفي مقدمتها منظمة بدر، وصولا الى تحقيق مآرب وأهداف تقف بالضد من مصالح الشعب العراقي». مصدر أمني عراقي موثوق به، كان يشغل منصب وكيل وزارة الداخلية في حكومة ابراهيم الجعفري، أكد لـ«الشرق الأوسط» ان جميع الاحزاب والحركات السياسية الشيعية ومعظم الاحزاب الاسلامية السنية، لها اجنحة عسكرية غير معلن عنها». وأضاف المصدر الأمني الذي فضل عدم نشر اسمه قائلا «يمكن للمتتبع ان يتأكد من وجود هذه الأجنحة عندما تحدث مواجهات مسلحة، سواء بين الاحزاب الشيعية والسنية أو بين الأحزاب الشيعية نفسها، وهذا ما حصل بالفعل في مدينة البصرة الشهر الماضي، عندما تقاتلت الاحزاب الشيعية فيما بينها بواسطة اجنحة عسكرية تابعة لها».

وفي حكومة الائتلاف العراقي الموحد الذي يترأسه عبد العزيز الحكيم، الاولى، والتي ترأسها ابراهيم الجعفري أدخلت «منظمة بدر» العديد من عناصرها في الأجهزة الأمنية في وزارة الداخلية. وحسب وثيقة سرية حصلت عليها «الشرق الاوسط» صادرة عن قيادة منظمة بدر، فرع بغداد ـ الرصافة، مؤرخة في 2/4/2005 وتحمل الرقم 1893 ص، ومسجلة حسب وثائق وزارة الداخلية بتاريخ 2/4/2005 وتحت رقم «واردة 2916، موجهة الى «مكتب السيد وزير الداخلية المحترم (بيان جبر صولاغ)، الموضوع/تعيين»، جاء في تفاصيل المذكرة ما يلي: «يرجى التفضل بالموافقة على قبول تعيين الاخوة المدرجة اسماؤهم بالقائمة المرفقة على مغاوير وزارتكم، شاكرين تعاونكم معنا»، وتحمل المذكرة توقيع «مسؤول بغداد ـ الرصافة، ذو الفقار الحسن». هذه المذكرة التي هي أمر تعيين اكثر منها مذكرة طلب تعيين لا سيما ان منظمة بدر تابعة للمجلس الاعلى للثورة الاسلامية برئاسة الحكيم والتي يعتبر وزير الداخلية بيان جبر صولاغ، وقتذاك، أحد قياديي المجلس، ارفقت معها قوائم تضم 271 اسما من اعضاء منظمة بدر من الشيعة، حسب ما توضحه عناوينهم (مدينة الصدر) مع ان الشهادات التي يحملونها هي ابتدائية ومتوسطة في الغالب، حسب ما هو مثبت امام اسم كل منهم. (الوثائق رقم:2 و3).

* ميليشيات السنة

* ويرى كثير من العراقيين أنه من الخطأ الربط بين كل الجماعات السنية المسلحة بتنظيم «القاعدة»، الا ان هناك جماعتين أصوليتين مسلحتين إسلاميتين على الأقل، متأثرتان أو مرتبطتان بتنظيم «القاعدة»، وتتحملان مسؤولية أعمال القتل والتفجيرات في العراق.

* الأولى هي «تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين» التي ورد أن مؤسسها هو أبو مصعب الزرقاوي، الذي تمت تصفيته من قبل القوات الاميركية الشهر الماضي. وكانت هذه الجماعة تُسمى في البداية التوحيد والجهاد، لكن في أكتوبر(تشرين الأول) 2004 أصدر الزرقاوي بياناً في نوفمبر (تشرين الثاني) 2004 عبر الإنترنت ذكر فيه أنه غيَّر اسم الجماعة ليصبح تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين.

> والمجموعة الثانية هي أنصار السنة التي انبثقت عن أنصار الإسلام، وهي جماعة إسلامية ورد أنها مرتبطة بـ«القاعدة». وأُسست في كردستان العراق في سبتمبر (أيلول) 2001 بعد توحيد عدد من الجماعات الإسلامية الصغيرة، من ضمنها «جند الإسلام» التي ترسخت جذورها في الجبال الموجودة على الحدود الإيرانية.

هناك أيضا «فيالق ثورة العشرين» المسلحة، وبحسب معلومات أوردتها منظمة العفو الدولية في الوثيقة المرقمة MDE 14/009/2005، والمؤرخة في 25 يوليو 2005، فإن هذه الجماعة تنشط في غرب بغداد وفي محافظات الأنبار وديالى ونينوى. وقد وزعت بيانات تزعم فيها مسؤوليتها عن هجمات محددة ضد أهداف أميركية، وخارج المساجد عقب صلاة الجمعة. فمثلاً في بيان صدر في 19 أغسطس (آب) 2004 قالت الجماعة إنها قامت بين 27 يوليو و7 أغسطس 2004 بما معدله 10 عمليات في اليوم، أدت إلى مقتل جنود أميركيين وتدمير عربات عسكرية. وتشمل الجماعات السنية الأخرى: الجبهة الوطنية لتحرير العراق، التي ورد أنها تضم مجموعات صغيرة من الوطنيين والإسلاميين. وتنتشر أنشطتها حول شمال العراق والفلوجة وسمراء والبصرة في الجنوب؛ والجيش الإسلامي في العراق وجيش محمد والجبهة الإسلامية العراقية المقاومة، وجيش تحرير العراق والصحوة والجهاد. وحسب مصدر أمني عراقي رفيع، فإن غالبية هذه الجماعات هي واجهات لحزب البعث.

من كل هذا يتضح أن مسألة حل الميليشيات العراقية ستبقى عقدة صعبة أمام حكومة المالكي نظراً لتشعب ارتباطاتها وعلاقات بعضها بقوى سياسية نافذة في الحكومة أو خارجها، كما أن الجيش العراقي لا يزال غير قادر على فرض قرار حل الميليشيات بسبب انشغاله بمواجهة الجماعات المسلحة، إضافة إلى أنه ما يزال محدود العدد والعتاد في مواجهة الميليشيات المتعددة. يضاف إلى كل ذلك أن الإرادة السياسية لحل الميليشيات غير متوفرة عند كل القوى السياسية، في وقت تبرز فيه النعرات الطائفية والمصالح والمطامح المتضاربة للقوى السياسية في العراق.