برويز مشرف.. اللاعب بالنار

الرئيس الباكستاني كسب الكثير من الخصوم.. وأثار ضجيجا واسعا.. ويحمل مسدسا طيلة الوقت بسبب التهديدات

TT

بعد أربع محاولات اغتيال، يعيش الجنرال برويز مشرف في اطار ظروف امنية غاية في الصرامة. وهو يحمل مسدسا شخصيا طيلة الوقت في جيبه. وخلال دقائق من محاولة اغتياله في ديسمبر (كانون الاول) عام 2004، عندما انفجرت قنبلة قرب موكبه المتحرك، عاد الى موقع التفجير متجاهلا كل القواعد الأمنية. وهو يحب الظهور في زي الكوماندوز في اللقاءات العامة وفي التلفزيون. وهو يدعي المسؤولية عن نزاع كارغيل مع الهند عام 1998 الذي يعتبر نصرا عسكريا تكتيكيا، ولكنه كارثة دبلوماسية وسياسية. ونادرا ما يهتم الجنرال مشرف، العسكري في مشاعره، بالضرورات السياسية عندما يتعين عليه التعبير عن رأيه بشأن قضايا سياسية مهمة راهنة، أو اتخاذ قرار حول مسألة سياسية لديه آراء راسخة بشأنها. وكان قراره الوقوف الى جانب الأمم المتحدة والغرب بعد الهجمات الارهابية على المدن الأميركية، يوم الحادي عشر من سبتمبر (ايلول) قرارا مفاجئا. وكذلك كانت سياسته لتطبيع العلاقات مع الهند خصم باكستان اللدود. وغالبا ما جلب له القراران، اللذان غالبا ما وصفا بأنهما تغييران في الاتجاه، أعداء في الطبقات المحافظة التقليدية الباكستانية، التي تدعم العلاقات العدائية مع الهند والولايات المتحدة. ومن أجل قطع علاقات باكستان مع طالبان، اقام تحالفات جديدة مع العالم الغربي، ولكنه كسب اعداء جددا قرب بلاده. ووجه اجهزة الدولة ضد الجماعات المتطرفة التي تعمل داخل باكستان وفي الدول المجاورة، وبسبب ذلك حصد سخط اللوبي الديني. وقد جعلته سمة الصراحة في الحديث جذابا لوسائل الاعلام، على الرغم من انها غالبا ما خلقت له ولحكومته مشاكل سياسية ودبلوماسية. وفي سيرته الذاتية الصادرة مؤخرا، كشف عن ان الولايات المتحدة هددت بقصف باكستان قبل ان تنضم الى التحالف الدولي في الحرب ضد الارهاب لمهاجمة افغانستان.

وقد اجتذب هذا الكثير من اهتمام الاعلام، غير انه خلق مشاكل دبلوماسية لباكستان في علاقاتها مع الولايات المتحدة. وعلى نحو مماثل كلفته صراحته الكثير خلال الزيارة الى الهند عام 2000 عندما اتهمه أتال بيهاري فاجبايي، رئيس الوزراء الهندي، في حينها، بالكشف عن تفاصيل اتفاق السلام لوسائل الاعلام، قبل ان يجري التوقيع عليه في مدينة أغرا الهندية، حيث لم يجر التوقيع على الصفقة نهائيا.

ويعتبر مشرف ليبراليا في تفكيره في القضايا الاجتماعية. وهو مولع كثيرا بالموسيقى والرقص، ويمكن رؤيته وهو يرقص مع مجموعة من فناني البلد البارزين في التلفزيون الحكومي. وفي مجتمع محافظ تماما سمح لابنته المعمارية أيلا بالزواج من شخص حسب اختيارها. ولد برويز مشرف في عائلة مسلمة من الطبقة الوسطى في منطقة دارياغانج بالعاصمة الهندية دلهي يوم 11 أغسطس (آب) 1943، وهو ثاني ثلاثة أبناء لوالد كان يعمل في وزارة الخارجية. وبعد تقسيم الهند وولادة باكستان عام 1947 نزحت عائلته من دلهي واستقرت في مدينة كراتشي أول عواصم باكستان المستقلة. وبسبب طبيعة عمل الوالد الدبلوماسي، عاش برويز الصغير في تركيا بين عامي 1949 و1956. وبعد العودة من تركيا درس مشرف في مدرسة سانت باتريك الخاصة في كراتشي، وتخرج فيها عام 1958، ومنها انتقل إلى مدرسة مسيحية خاصة أخرى، هي كلية فورمان المسيحية في مدينة لاهور عاصمة إقليم البنجاب (شمال البلاد). وفيها أكمل دراسته الثانوية. وعام 1961 التحق بالأكاديمية العسكرية الباكستانية في كاكول، وانتظم لاحقاً في سلاح المدفعية, وفي ما بعد تخرج في كلية الأركان العامة في كويتا (عاصمة إقليم بلوشستان)، ثم كلية الدفاع الوطني في راولبندي. ولاحقاً الكلية الملكية للدراسات الدفاعية في بريطانيا. وخلال سنوات خدمته النشيطة في الجيش، كان يعتبر ضابطا حديثا على الطراز الغربي، حيث وجهات النظر الليبرالية كانت شائعة جدا بين ضباط الجيش الباكستاني قبل حكم ضياء الحق. وكان مشرف نفسه قد درس في معاهد التعليم العسكري في بريطانيا.

وفي سيرته الذاتية التي تحمل عنوان «على خط النار»، يروي حادثة منعه من دعوة موسيقيين الى برنامج ثقافي في كلية الدفاع الوطني عندما كان يعمل معلما عام 1980.

ويروي الجنرال مشرف في سيرته الذاتية قائلا: انه «في عام 1980 كنا نعد للاحتفال بالعيد الخامس السبعين لتأسيس الكلية. وكان من المقرر أن يحضر المناسبة الرئيس ضياء الحق. ولهذا كنت اعد برنامجا خاصا للأمسية. وقد فعلت ذلك عبر اداء تقوم به جماعة فنية باكستانية. وكانت هذه الجماعة تضم افضل الموسيقيين والراقصين من النساء والرجال. وقبل يومين من المناسبة تلقيت مكالمة هاتفية مستعجلة من آمر الكلية، أبلغني ان الرئيس لا يحب تقديم أي غناء او رقص على الأقل من جانب النساء».

وبعد فترة قصيرة من مجيئه الى السلطة وفي مناسبات كثيرة بعدئذ، عبر مشرف عن اعجابه بالزعيم التركي كمال أتاتورك.

ولم يكن مشرف، الابن الأوسط لدبلوماسي، الأكثر تألقا في عائلته، ولكنه حقق أمجادا شخصية في النشاطات الرياضية للمدرسة. ويشير زملاؤه الضباط الى انه «لم تكن هناك لعبة لم يكن قادرا على ممارستها»، بل انه حقق فوزا في رياضة كمال الاجسام في السنوات الأولى من حياته ضابطا في الجيش. وجاء من عائلة مثقفة من الطبقة الوسطى تتمتع بمواقف ليبرالية. فقد عمل والده في وزارة الشؤون الخارجية الباكستانية، وكانت امه تعمل ايضا وتقاعدت من عملها في منظمة العمل الدولية عام 1986. وقد ترقى الجنرال مشرف في الجيش، على الرغم من حقيقة انه لا ينتمي الى طبقة الضباط البنجاب المهيمنة على الجيش الباكستاني، وانما لعائلة تتحدث الأوردو في كراتشي، من الجماعات التي لا تحتل مكانة مهمة في الجيش.

وترقى الجنرال مشرف الى منصب رئيس الأركان عام 1998 عندما استقال قائد جيش باكستان القوي الجنرال جيهانجير كرامات، بعد يومين من الدعوة الى اعطاء الجيش دورا أساسيا في عملية صنع القرار في البلاد.

واشار بعض المعلقين المستقلين الى أن رئيس الوزراء آنذاك نواز شريف اختار الجنرال مشرف قائدا للجيش، لأنه بالضبط لا ينتمي الى طبقة الضباط البنجاب. وقالوا ان رئيس الوزراء كان يعتقد ان الخلفية الاثنية لمشرف ستجعله عاجزا عن بناء قاعدة قوة.

وكان مشرف قد شارك في الحرب الهندية الباكستانية عام 1965 ضابطا برتبة ملازم ثان في فوج المدفعية الميداني، ولاحقا في الحرب الهندية الباكستانية عام 1971 قائدا لسرية في القوات الخاصة الباكستانية.

وفي وقت لاحق اعترف بأنه «بكى فعلا» عندما سمع بالأنباء «المقرفة» لاستسلام باكستان الى الهند في نهاية حرب عام 1971.

وغالبا ما يوصف الجنرال، من جانب زملائه القدامى، بشخص كان يرغب على الدوام بالانتقام لهزيمة باكستان على ايدي الهنود عام 1971. وغالبا ما وجدت مشاعر الانتقام هذه سبيلها الى تصريحاته كزعيم عسكري والخطط التي يعدها في هذا الاطار.

وفي سبتمبر 1987، كان قائدا لقوة كوماندوز خاصة تشكلت حديثا في قاعدة خابالو (كشمير)، وشن هجوما غير ناجح للاستيلاء على مواقع بيلافون لا العسكرية الهندية في سياشين غلاسيير، في أعلى ميدان قتال في العالم بين الهند وباكستان.

وعين الميجور جنرال مشرف في يناير (كانون الثاني) 1991 قائدا لفرقة مشاة. ولاحقا رقي إلى لفتنانت جنرال. وفي أكتوبر (تشرين الاول) 1995، تولى قيادة الفيلق الهجومي في الجيش الباكستاني في شمال البلد.

وفي عام 1998 وبعد استقالة الجنرال جيهانجير كرامات تمت ترقيته على يد نواز شريف وأصبح رئيسا لقيادة الأركان. ونجح الجنرال مشرف في قيادة انقلاب عسكري ضد نواز شريف. وكانت تلك اللحظة هي الأولى في تاريخ باكستان، التي يسيطر فيها الجيش على السلطة، نتيجة لمواجهة بين حكومة مدنية والقيادة العسكرية.

وبدأت المواجهة حينما أعلن رئيس الوزراء آنذاك عن قراره بتنحية برويز مشرف من رئاسة قيادة الأركان.

صعد مشرف، الذي كان خارج البلد بطائرة ركاب عادية للعودة إلى باكستان. ورفض جنرالات الجيش قبول إقالة مشرف وأمر نواز شريف مطار كراتشي بعدم السماح للطائرة بالهبوط على مدارجه. وخلال الانقلاب نحى الجنرالات رئيس الوزراء ووضعوه تحت الإقامة الجبرية، ثم أرسل لاحقا إلى المنفى. وبوصوله الى السلطة، اصبح مشرف خامس عسكري يصل الى سدة الحكم منذ عام 1956 حيث حكم العسكر 30 سنة، بينما حكم المدنيون 13 سنة فقط منذ الاستقلال.

يقول المسؤولون الهنود إن الجنرال مشرف العقل المفكر وراء اندفاع القوات الباكستانية إلى موقع هندي على خط السيطرة في كشمير وكارغيل، أثناء نزاع كارغالي مع الهند عام 1998، لذلك فإن تصرفهم تجاهه ظل متصلبا خلال الأيام الأولى من الحوار بينه وبين القيادة الهندية.

كان الجنرال مشرف أول مسؤول باكستاني كبير يعترف بأن الوحدات الباكستانية دخلت قطاع كشمير الهندي خلال القتال. وسابقا كانت باكستان قد قالت، إن كل القوات تعود لناشطين إسلاميين.

كانت الخلافات حول كارغالي وراء المواجهة بين الجنرال مشرف ورئيس الوزراء السابق نواز شريف، التي أدت إلى مواجهة بين القيادة العسكرية والحكومة المدنية، والتي ترتب عنها وصول مشرف إلى الحكم يوم 12 أكتوبر 1999.

وكان نزاع كارغالي هو الأخير الذي سمح الجنرال مشرف فيه للاصوليين الإسلاميين، كي يحاربوا ضد جارتهم الهند. ومن جانبها فإن الهند اتهمت باكستان بدعمها للاصوليين لتنفيذ غزوات عسكرية داخل أراضيها وجلبت الطرفين إلى نزاع عسكري واسع على الحدود الدولية الفاصلة بينهما.

وفي مديح غير متوقع قال الجنرال مشرف، إن الجماعات الإسلامية المتطرفة، التي تقاتل القوات الهندية في كشمير الهندية هي التي وراء منع الهند من كسب كارغالي.

وبالنسبة لمشرف يعتبر نزاع كارغيل نقطة تحول، ذلك انه لم يستول على السلطة فحسب في باكستان، بل أعاد توجيه ماكينة الدولة ضد الجماعات الاسلامية المتشددة المتمركزة في باكستان، التي تشن حربا في افغانستان والشطر الهندي من كشمير. اللحظة الثانية الحاسمة لدى مشرف، جاءت بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 عندما اصبحت باكستان تحت ضغوط واشنطن بغرض حملها على دعم مجهودها العسكري ضد تنظيم «القاعدة» ونظام طالبان في أفغانستان. ويقول الجنرال مشرف ان أحداث 11 سبتمبر غيرت مجرى حياته ومهنته، وقال في هذا السياق انه لم يكن يعرف انه سيجد البلاد في الخط الأمامي لحرب اخرى «حرب ضد اشباح»، على حد وصفه. سمح مشرف للولايات المتحدة باستخدام مجال باكستان الجوي لشن هجمات على أهداف في افغانستان، الشيء الذي تسبب في اندلاع احتجاجات عنيفة من جانب الجماعات الاسلامية. ووصفه كثيرون بالخيانة، إلا ان مشرف يقول: «لا يمكن التلاعب بمستقبل 140 مليون شخص. حتى القانون الاسلامي ينص على انه اذا واجهنا صعوبتين او شرين من الافضل ان نختار اهونهما».

بعد وقت قصير من وقوفه الى جانب الولايات المتحدة شن مشرف حملة مشددة على العناصر المتشددة والانفصاليين الاسلاميين، كما قاد حملة واسعة لـ«الاسلام المعتدل»، على حد وصفه، إلا ان كل ذلك لم يكن بدون ثمن. إذ اصبح مشرف هدفا مباشرا للجماعات المتشددة والمتطرفين داخل القوات المسلحة، وهي العناصر المعارضة لوقوف باكستان الى جانب الولايات المتحدة في الحرب ضد الارهاب. تعرض مشرف الى اربع محاولات اغتيال شارك في اثنين منها على الأقل بعض صغار الضباط في الجيش الباكستاني، الى جانب محاولات اخرى لم يعلن عنها رسميا. وعلى الرغم من استيلائه على السلطة بواسطة انقلاب عسكري، يعتبر مشرف الحاكم العسكري الوحيد الذي لم يفرض احكاما عرفية على البلاد، كما انه كثيرا ما يعبر عن ميله الى الديمقراطية. جاء ايضا في سيرته: «اعتقد بقوة في انه ليس هناك دولة يمكن ان تتقدم بدون الديمقراطية، إلا ان الديمقراطية يجب ان تكون على نحو يناسب سمات وخصوصيات الدول». إلا ان منتقدين يرون ان الديمقراطية المفصلة على مقاسات محددة، التي اتى بها الجنرال مشرف لباكستان لم تجلب سوى الفوضى الى نظام الدولة السياسي. ويقول هؤلاء ان مفهوم البرلمان الكامل تحت مظلة عسكرية لا يعدو ان يكون نكتة كبيرة. بات الجنرال مشرف على استعداد الآن لاستخدام كل المجالس الموجودة (البرلمان والمجالس الاقليمية) سعيا للحصول على فترة حكم اخرى مدتها خمس سنوات، إلا ان المعارضة تقول ان فترة المجالس الحالية تنتهي في سبتمبر 2007 ولا يمكنها ان تعيد انتخاب مشرف رئيسا لفترة خمس سنوات اخرى.