القاهرة والحجاب

80 % من المصريات يرتدين الحجاب.. لدواع دينية واجتماعية واقتصادية

TT

لم يكن وزير الثقافة المصري فاروق حسني أول من أعلن رأيه في الحجاب الذي وصفه بأنه عودة الى الوراء، ولكنه كان الاجرأ في التعبير عن رأيه والمجاهرة به. وعلى الرغم من طبيعة الحجاب المميزة والخاصة التي يمتاز بها بين نساء المجتمع المصري فقد جعلته 80 % من النساء زيا لهن كما تقول احدى إحصائيات مركز المعلومات التابع لمجلس الوزراء. وليس خافيا عن الأنظار أن ظاهرة انتشار الحجاب بين المصريات في السنوات العشرين الاخيرة جعله القاعدة في الزي لا الاستثناء، خاصة في الأقاليم المصرية التي يصبح فيها الحجاب شيئا طبيعيا مع بلوغ الفتاة سن الثانية عشرة على أكثر تقدير ومن دون إجبار من الأسرة. ولا يختلف الحال كثيرا في العاصمة المصرية القاهرة خاصة في الأحياء الشعبية التي تزيد فيها نسبة الحجاب وذلك لأسباب عدة من بينها ارتباط الحجاب بالعادات الاجتماعية وما يتردد عن ضرورة ستر الفتاة لجسدها كما يقول الدكتور أحمد المجدوب أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية الى جانب العامل الاقتصادي، فلا يمكن للفتيات في تلك الأحياء الفقيرة مجاراة أحدث صيحات الموضة وتسريحات الشعر، وكثيرا ما يكون الحجاب حلا بسيطا يعوضها عدم قدرتها على ارتداء الملابس من الموضات الحديثة.

بالاضافة إلى جانب تلك الاسباب كان هناك سبب آخر دفع سناء التي لم يتجاوز عمرها العشرين وتعمل بائعة في أحد محال بيع الملابس الى ارتداء الحجاب، فهي تسكن كما تقول في منطقة إمبابة أحد الأحياء الشعبية المصرية، وهناك العديد من المساجد التي لا هم لأئمتها سوى الحديث عن حجاب المرأة، مؤكدين انه العلاج الامثل لما يشهده المجتمع الآن من تفكك وتحلل وانه ليس عفة للمرأة فقط وستر لجسدها وانما هو حصن دفاع لالاف الشباب العاجزين عن الزواج في هذا الزمن. وتؤكد سناء اقتناعها برأي هؤلاء الائمة ولذلك فقد ارتدت الحجاب منذ ما يزيد على العامين عن قناعة تامة ولخوفها أن تموت قبل ارتداء الحجاب فيعاقبها الله بدخول النار. في تلك الاحياء الشعبية تستطيع عين الزائر التقاط صور لملصقات عن الحجاب تنتشر على حوائط المساجد والبيوت المتلاصقة تحمل رسما لفتاة ترتدي الحجاب وفي أسفلها عبارات متنوعة مثل «الحجاب فرض اسلامي» و«الحجاب يحميك من عيون الشياطين» وغيرهما من العبارات التي يستخدمها الداعون الى الحجاب في تلك المناطق.

وإذا كان هذا هو الحال في الاحياء الشعبية فالوضع مختلف عنه في الاحياء الراقية وبين الاسر المنتمية الى الطبقة الوسطى بمختلف درجاتها بالاضافة الى الطبقة الراقية أيضا، حيث يرتفع بين هاتين الطبقتين المستوى العلمي والاقتصادي والاجتماعي ايضا ولهذا فغالبا ما يكون اختيار الفتاة لزي الحجاب نابعا من قناعتها الخاصة بها وتأثرها بما تقرأه أو تسمعه عن الحجاب من علماء الدين الذين باتوا ينتشرون على الفضائيات بشكل كبير. فعلى الرغم مما يوجه من انتقادات الى فتاوى البرامج الدينية المنتشرة على الفضائيات الآن واتهامها بالتضارب في بعض الاحيان، الا ان تلك البرامج لا خلاف بينها في مسألة الحجاب الذي يجمع على فرضيته علماء الدين الاسلامي، وهو ما يؤدي الى انتشار الحجاب بين الطبقتين الوسطى والعليا في المجتمع المصري على اختلاف درجاتهما. وتقول الدكتورة منى الفرنواني استاذة علم الاجتماع في كلية البنات بجامعة عين شمس في القاهرة: الحجاب في الأحياء الراقية ارتبط الى حد كبير بوجود ظاهرة الداعيات الدينيات في مساجد تلك المناطق.

ففي السنوات العشر الاخيرة ظهرت بعض الداعيات المنتميات الى تلك الطبقة واللاتي بتن يعطين دروسا دينية في النوادي والمساجد المنتشرة في الاحياء الراقية وكان لهن تأثير كبير في ارتداء النساء الحجاب وبخاصة مع التطور الذي شهدته ملابس الحجاب في مصر في السنوات الاخيرة. ففي الماضي كان يغلب على تلك الملابس عدم مواكبتها لصيحات الموضة وهو ما تغير الان الى جانب تساهل هؤلاء الداعيات مع البنات في شكل الحجاب، فهن لا يشترطن في الحجاب أن يكون فضفاضا واسعا لا يبين جسد المرأة ولكنهن فقط يطلبن ان تغطي النساء رؤسهن وأجسادهن وهو ما سمح للمحجبات بارتداء ملابس تتماشى مع الموضة الحديثة وهو ما سمح أيضا بانتشار الحجاب بين صغيرات السن في المراحل التعليمية المختلفة بعد أن كان قاصرا على الامهات والجدات، كذلك ساعد على انتشار الحجاب فكرة مفادها أن الفتاة المحجبة هي الأصلح للزواج وتحمل مسؤولية الحياة الزوجية، وكثيرات يلجأن الى الحجاب طمعا في الفوز بزوج مناسب في وقت بلغت فيه نسبة العنوسة بين الفتيات كما تؤكد أرقام الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء 9 ملايين فتاة مصرية. شيماء الطالبة في السنة الثانية بكلية الاعلام في جامعة القاهرة ترتدي حجابا أنيقا يتماشى مع خطوط الموضة الشبابية، مؤكدة أنها ارتدت الحجاب في السنة الثانية من المرحلة الثانوية من دون أن تتعرض لأية ضغوط من جانب اسرتها، والدليل كما تقول ان أختها التي تكبرها بعامين ليست محجبة ولكنها ارتدت الحجاب بعد استماعها الى شرائط الداعية الشاب «المودرن» عمرو خالد الذي تحدث فيها عن الحجاب واهميته بالنسبة الى الفتاة. وأضافت أن الحجاب لم يمنعها من التفوق والالتحاق بالكلية التي كانت ترغب في الدراسة بها وتنوي التخصص في دراسة الصحافة من دون النظر إلى موضوع الزواج الذي يرى البعض أنه سبب في اتجاه البنات الى الحجاب كما تقول، لان كل شيء في النهاية يخضع للنصيب وهي فقط أرادت الالتزام بما دعا اليه الاسلام. إن الدعوة الى رفض الحجاب في مصر واعتباره من الموروثات الاجتماعية التي يجب تحرير المرأة منها وليس من الفروض الاسلامية كانت قد انطلقت منذ عهد محمد علي باشا وتحديدا منذ عام 1826 الذي شهد ارسال البعثات المصرية الى فرنسا، الا ان دعوة محمد علي لم تلق قبولا ولا تأييدا من علماء المسلمين ولا من قبل المثقفين في مصر. وفي بداية العقد الاخير من القرن التاسع عشر وبعد سنوات قليلة من الاحتلال البريطاني لمصر عام 1882 صدر كتاب «المرأة في الشرق»، وكان مؤلفه محاميا مسيحيا مصريا كان صديقا للورد كرومر المعتمد البريطاني في مصر وكان يدعى مرقص فهمي. وقد دعا هذا الكتاب للقضاء على الحجاب باعتباره حجابا للعقل. وفي عام 1894 صدر كتاب آخر لمناهضة الحجاب كان من تأليف كاتب فرنسي يدعى الكونت داركور. وقد هاجم فيه المثقفين المصريين لقبولهم الحجاب وصمتهم عليه، وفي عام 1899 ظهر كتاب «تحرير المرأة» لقاسم أمين الذي دعا فيه الى سفور وجه المرأة ورفع النقاب عنه لانه ليس من الاسلام في شيء، وقد حظي الكتاب رغم الهجوم عليه من عامة المصريين بتأييد عدد من الزعماء والمفكرين المصريين من بينهم أحمد لطفي السيد والزعيم سعد زغلول، وكان من بين المعارضين للكتاب الزعيم مصطفى كامل الذي وصف كتاب «تحرير المرأة» بأنه مهين لها وبأنه يروج لأفكار البريطانيين. كما أصدر الاقتصادي المصري طلعت حرب كتابا للرد على كتاب تحرير المرأة لقاسم امين كان عنوانه «تربية المرأة والحجاب» قال فيه إن رفع الحجاب وإباحة السفور كلاهما أمنية تتمناها القوى الاستعمارية على مر العصور، وهو ما دفع بقاسم أمين الى تأليف كتابه «المرأة الجديدة» عام 1900 أكد فيه آراءه مستدلا بآراء عدد من العلماء في الغرب. ومع إندلاع ثورة عام 1919 التي شهدت بداية الحركة النسائية السياسية في مصر، عاد الحديث عن رفض الحجاب وحق المرأة فى عدم ارتدائه. وكانت البداية في ميناء الاسكندرية عند عودة سعد باشا زغلول من منفاه في جزيرة سيشل حين قامت نور الهدى محمد سلطان الشهيرة بهدى شعراوي بنزع النقاب من على وجهها وتبعتها زميلتها سيزا نبراوي.

وفي عام 1924 تأسس الاتحاد النسائي المصري برئاسة هدى شعراوي التي شجعت المصريات على خلع الحجاب، وقد مهد هذا الطريق لعقد مؤتمر الاتحاد النسائي العربي عام 1944 في القاهرة وحضرته عدد من النساء العربيات. وظهرت العديد من الشخصيات النسائية اللاتي دافعن عن حق المرأة في الحياة بدون حجاب وأخذن يروجن لتحرير المرأة من كافة قيودها وعلى رأسها الحجاب ومنهن سهير القلماوي ودرية شفيق وأمينة السعيد. ومع قيام ثورة يوليو (ايلول) عام 1952، لم تشهد مصر صعودا فى اعداد المحجبات، فقد اعتمدت الثورة على الشعارات الاشتراكية، حتى كانت هزيمة الخامس من يونيو (حزيران) عام 1967. كانت الهزيمة بمثابة صدمة قوية فسرها الكثيرون على أنها «عقاب الهي» بسبب عدم التزام المجتمع بالتعاليم الاسلامية، وكان من بين هؤلاء الشيخ محمد متولي الشعراوي الذي قيل انه سجد لله شكرا على الهزيمة لانها كما قال بينت زيف الحكم المصري وادعاءاته وقتها، ولهذا تزايد الاتجاه نحو الدين في تلك الفترة بشكل أفرز الجماعات الاسلامية التي نادت بالعودة الى الاسلام ولاقت تلك الدعوة ترحيبا من الحكم في مصر لصرف أنظار الناس عن الهزيمة. ومع رحيل الرئيس جمال عبد الناصر وتولي السادات للحكم في عام 1970 شهدت مصر عهدا جديدا كان من بين رؤاه دعم الجماعات الاسلامية في الجامعات والترحيب بانتشار الزي الاسلامي بين الشباب والفتيات على حد سواء، فكان الحجاب والنقاب الذي كان غريبا على المجتمع المصري في هذا الوقت الا انه لاقى تشجيعا ليس في مصر وحدها ولكن في المنطقة بأسرها وبخاصة مع تزايد المد السوفيتي في أفغانستان. ومع بدء فترة الثمانينات من القرن الماضي باتت للحجاب قاعدة قوية في مصر وبدأ انتشاره بين الفتيات الصغيرات بشكل ملحوظ وان كان على استحياء طوال فترة هذا العقد، حتى جاء عقد التسعينات الذي أفرز ظاهرة الدعاة الجدد من أمثال الدكتور عمر عبد الكافي وعمرو خالد وخالد الجندي، هنا بات للحجاب شكل آخر حيث كان في البداية قاصرا على الطبقات الفقيرة التي عانت من ضيق العيش، ولكن مع ظهور الدعاة الجدد امتد الحجاب الى فئة جديدة لم تكن تفكر في الدين كثيرا، انها الطبقة الراقية التي شهدت الدروس الدينية لهؤلاء الدعاة في المنازل والقصور ومساجد النوادي الخاصة بهم، وكان الاقبال عليها في تزايد منقطع النظير. ومع ظهور الفضائيات تزايد تأثير هؤلاء الدعاة وأقبلت النساء على الحجاب الحديث الذي استتبع ظهور «بيزنس خاص» به من محال لبيع العبايات والملابس التي تتناسب معه ومصانع لتصنيع أغطية الرأس وشرائط كاسيت تتحدث عن الحجاب وأهميته وضرورته للمرأة المسلمة، وامتد الامر الى الدعوة الى انشاء نواد خاصة بالملتزمين دينيا من أبناء تلك الطبقة، كما حدث مع ناد يعد لانشائه الان الداعية عمرو خالد بمساعدة عدد من رجال الاعمال. وكان أهم ما ميز تلك الفترة هو اعلان عدد كبير من الفنانات المصريات اعتزال الفن وارتداء الحجاب بعد تلقينهن دروسا دينية على يد الدكتور عمر عبد الكافي الذي قيل إنه كان وراء قراراتهن بالاعتزال.

وفي الجامعات المصرية الان تستطيع ان ترصد انتشار ظاهرة المحجبات في مدرجاتها التي يتلقى بها الطلاب دروسهم، فالرؤوس التي يغطيها الحجاب باتت أكثر من نظيرتها غير المحجبة الى الحد الذي يدفع ببعض الطلاب الى القول إن الفتاة غير المحجبة غالبا ما تكون مسيحية وليست مسلمة وان القاعدة العامة باتت للحجاب في الجامعات، وهو أمر لا تعليق لعمداء الكليات الجامعية عليه الا اذا تعارض الحجاب كما يقول الدكتور عبد الحي عبيد رئيس جامعة حلوان مع الامن والنظام العام للجامعة. يذكر أن الدكتور عبد الحي عبيد كان حديث الاعلام المصري مؤخرا بعد إصداره قرارا بمنع إحدى الطالبات المنقبات من الالتحاق بالمدينة الجامعية «سكن الطالبات» الملحقة بجامعة حلوان، وكان مبرره ان النقاب يمنع الامن الجامعي من التأكد من هوية الطالبة وان كثيرا من الحوادث تقع بسبب النقاب، والدكتور عبد الحي عبيد أكد انه لا يعارض الحجاب فهو حرية شخصية للفتاة التي ترتديه، لافتا النظر الى تأثر الفتيات الجامعيات فيما يتعلق بارتدائهن الحجاب بالمد الاسلامي المنتشر في الجامعات المصرية منذ بداية السبعينات من القرن الماضي.

أشرف الطالب بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة أكد بدوره أن نسبة كبيرة من الطالبات في الكلية بتن محجبات، نافيا ما يقال عن تأثير الجماعات الاسلامية على قرار هؤلاء الفتيات كما تردد الاجهزة الامنية، مشيرا الى ان هؤلاء المحجبات غالبا ما يخترن الحجاب عن قناعة على الرغم من عدم اقتناع وزارة الخارجية، التي من المفترض التحاقهن بالعمل فيها فيما بعد مرحلة التخرج، بفكرة الحجاب. وأوضح أنه من النادر الالتقاء بمحجبة في تلك الوزارة السيادية في مصر. حديث أشرف صحيح الى حد كبير وهو ما يؤكده لنا أحد السفراء الذي طلب عدم ذكر اسمه، مشيرا الى أنه على الرغم من عدم وجود قرارات صريحة بمنع عمل والتحاق المحجبات في وزارة الخارجية الا انه من النادر ان تجد محجبة تعمل بالوزارة او تلتحق بالعمل في سفاراتنا بالخارج. واذا كانت الخارجية تتحفظ على ارتداء العاملات بها للحجاب من دون تصريح بذلك، فإن التلفزيون المصري كان واضحا في رفض ارتداء عدد كبير من المذيعات العاملات به على كافة القنوات للحجاب، وهو ما تسبب في وقوع أزمة بين وزارة الاعلام وعدد من مذيعات القناة الخامسة بالتلفزيون المصري على وجه التحديد عرفت بأزمة المذيعات المحجبات، فقد لجأت خمس مذيعات ارتدين الحجاب للقضاء بعد منعهن من الظهور على الشاشة وتحويلهن الى اعمال ادارية بالقناة، للحصول على حكم يمكنهن من مزاولة عملهن بعد ارتدائهن للحجاب.

وهذا العام تحديدا في رمضان الماضي امتد رفض المسؤولين في التلفزيون المصري من حجاب المذيعات الى حجاب الفنانات، حيث شهد هذا العام عودة عدد من الفنانات اللاتي ارتدين الحجاب الى التمثيل وشاركن في بطولة مسلسلات لا تصنف تحت قائمة الدراما الدينية بل الاجتماعية وهن سهير البابلي التي قدمت مسلسل «قلب حبيبة» وسهير رمزي التي قدمت مسلسل «حبيب الروح» وصابرين التي عادت الى الشاشة بمسلسل «كشكول لكل مواطن»، وحنان ترك التي قدمت مسلسل «أولاد الشوارع» وتم منع عرض كل هذه الأعمال على شاشة التلفزيون المصري مما دعا هؤلاء الفنانات الى اعلان غضبهن على صفحات الجرائد الى الحد الذي دفع بالفنانة سهير البابلي الى القول «يقبلونني حين أغضب الله ويرفضون ظهوري عندما أرضيه» بينما أكدت الفنانة سهير رمزي أن التلفزيون المصري خسر الكثير من مصداقيته لانه يتجاهل حقيقة ارتداء غالبية النساء من المصريات للحجاب، مشيرة الى ان الفنانات المحجبات لم يعدن من أجل المال ولكن من اجل تقديم فن راق يعبرن به عن المرأة المحجبة في كل مكان. 

* الحجاب والأناقة > على الرغم من أن نسبة الطالبات المحجبات في الجامعة الأميركية بالقاهرة تصل إلى نحو 30%، إلا أننا حين أوضحنا لضباط الأمن بالجامعة اننا نريد «الحديث مع الطالبات عن الحجاب»، انزعجوا بشدة وأبدوا ضيقا واضحا من وجودنا، وسمعت أحدهم يتحدث مع آخر قائلا: «كنا سنسمح بدخولهم («الشرق الأوسط») لو جاءوا في ظروف أخرى، لكن الآن مستحيل أن نسمح بذلك»، في إشارة إلى الأزمة الدائرة بسبب تصريحات وزير الثقافة فاروق حسني حول الحجاب، وبعد عدة محاولات تمكنا من الحديث مع الطالبات اللاتي شعرن بخوف ما وتوجسن من وجودنا. فيما تباينت آراء الطالبات اللاتي تحدثن معنا عن الحجاب.

هبة طالبة في السنة الثانية قسم بيزنس قالت: إنها تحجبت منذ حوالي ثلاث سنوات، قبل دخولها الجامعة الأميركية، لأنها تريد أن ترضي ربنا ـ حسب قولها ـ ورغم أن أسرتها اعترضت على هذا القرار، إلا أنها صممت عليه، لأنها ترى أن الحجاب فرض لا بد أن تؤديه. وتضيف أن معظم المحجبات قمن بذلك لأنهن يعتبرن الحجاب «موضة».

أما نيفين، وهي طالبة في قسم العلوم السياسية، التي ارتدت الحجاب منذ نحو خمس سنوات، فترى أن النسبة الكبيرة من طالبات الجامعة الأميركية غير محجبات، لأن حياتهن مختلفة عن الغالبية العظمى من المصريين، قائلة إن الكثير منهن إما كن مع أسرهن في دول أجنبية أو اعتدن على السفر إلى الخارج مع ذويهن، لذا فهن لا يتقبلن فكرة الحجاب، أما عن المحجبات داخل الجامعة فلا تواجههن أي مشكلات ويمارسن حياتهن الدراسية بطريقة عادية. وترى نرمين، وهي طالبة في قسم الفنون، وهي غير محجبة، أن تزايد المحجبات في المجتمع المصري يرجع الى زيادة التدين، بسبب زيادة الوعي، كما أن البرامج الدينية، خاصة برامج عمرو خالد، ساهمت في زيادة عدد المحجبات. أما عن سبب عدم ارتدائها الحجاب فتقول: لا أستطيع أن أتخذ هذه الخطوة الآن، لأن الحجاب ليس مجرد غطاء للرأس، ولا بد أن أصل لمرحلة التدين الكامل، حتى يكون حجابي شاملا، يدل على المظهر والجوهر أيضا. هناك طالبة رفضت ذكر اسمها، تدرس في السنة الثانية بقسم الفنون، وهي غير محجبة تنتقد بشدة الفتيات اللاتي يرتدين الحجاب لأنه «موضة»، وتقول: للأسف هؤلاء زاد عددهن بشدة وأصبحن الأغلبية، وعندما أراهن أشعر بغضب شديد، فقد أجد فتاة محجبة ترتدي ملابس ضيقة جدا وأرى أن هذه النوعية من الفتيات لا يسئن للحجاب فقط، ولكن يسئن للإسلام ككل. مريم طالبة فى قسم الإعلام تقول: في الماضي لم يكن عدد المحجبات في الجامعة الاميركية او مصر كبيرا قياسا إلى الآن، ففي الماضي عندما كانت الفتاة تتحجب فإنها لن تعيش حياتها بالشكل، الذي يرضيها، فلم يعد في امكانها ارتداء ما تعودت عليه، بل اصبحت مقيدة بملابس معينة كالعبايات وما شابهها، ولم يعد بوسعها ممارسة الرياضة التي تحبها، لأنها لا تستطيع ارتداء الملابس الرياضية، أما الآن فالوضع تغير، حيث تقدم محلات الملابس أزياء شيك جدا للمحجبات، كما انه أصبح بإمكان الفتاة المحجبة أن ترتدي ملابس رياضية تناسبها، لذا فعندما ترى الفتاة أن حياتها لن تتغير بعد الحجاب، فإنه من السهل عليها أن ترتديه وأنا عن نفسي أؤجل هذه الخطوة، لأني لا أريد أن أتحجب إلا عندما أصل لمرحلة التدين الكامل حتى لا اضطر إلى خلعه بعد فترة.