حتى في فترة الستينات كان يريد أن تمتلك ابنته موقعا متساويا مع الرجال، لذلك شجع ذلك المسلم الملتزم ابنته كي تدرس كيفية القاء خطابات على الجمهور وأخذ دروس في الصوت، والتنافس في مجال ظل حكرا على الرجال: تجويد القرآن في الأماكن العامة.
وفي العالم المسلم يحتل تجويد القرآن أهمية كبيرة، ويمكن لأداء تجويد القرآن أن يجلب الآلاف من الناس، ويتم بثه عبر ميكرفونات المساجد ومحطات الراديو والتلفزيون.
بدأ حجي مظفر، والد ماريا بخطوة صغيرة مع ابنته: بدأ بتجويد القرآن في مسابقات ببلدته في جاوا الشرقية، كي تتمكن ابنته من تذوق المسابقة، ثم من هناك تبدأ بتوسيع طبقاتها الصوتية، وهي تجود كلمات القرآن.
وأعطت مغامرته نتائج إيجابية، إذ أصبحت ابنته ماريا أولفا واحدة من أهم قارئات القرآن في جنوب شرق آسيا. وهي مدرّسة وأكاديمية ونجمة ثقافية، منح نجاحها إلهاما كبيرا للنساء عبر كل اندونيسيا. وقالت ماريا أولفا، 51 سنة، «أبي كان رجلا عصريا. فمنذ البداية علّمني أن أكون متساوية مع أي شخص، رجلا أو امرأة. وبقيت كلماته حية في نفسي».
وفي اندونيسيا، اكبر دولة في عدد المسلمين بالعالم، يشكل ترتيل القرآن جزءا من برنامج أغلب المدارس. والنساء هناك بعكس الكثير من البلدان الاسلامية، يحتللن موقعا أعلى في ثقافة أكثر تسامحا من غيرها. والفتيات يشجَّعن منذ سن مبكرة كي يتنافسن مع الصبيان.
إنه المناخ الذي وفر لماريا أولفا الفرصة كي تزدهر. ففي عام 1980 فازت بجائزة أحسن قارئة قرآن نظمت للنساء على مستوى عالمي في ماليزيا، وهذا ما منحها شهرة واسعة في بلدها وأطلقها على مستوى عالمي.
فجأة اصبح صوتها يبث عبر الراديو والتلفزيون. وفازت بعقود تسجيل كثيرة ودعيت إلى الكثير من البلدان المسلمة كي تجود القرآن. وكانت النتيجة أن أصبح تجويدها معروفا في الكثير من العالم. وفي اندونيسيا أصبحت تسجيلات صوتها تتردد حتى في الملاعب الرياضية.
ومع تعدد الأساليب اللحنية التي تتبعها ماريا أولفا أصبح لكل سورة قرآنية أسلوب في القراءة، يخلق نوعا محددا من التأثير في نفس المتلقي. وهي تستخدم تسريعا مختلفا في الإيقاع مع طبقات صوتية مختلفة وزخرفات صوتية كثيرة. والنتيجة هي أداء ديني موسيقي فريد، يجمع بين ما هو فني وروحي وما هو أقرب للغناء منه إلى الترتيل.
وقالت آن راسموسن، الأكاديمية في حقل الموسيقى بجامعة ويليام وماري ومؤلفة كتاب «النساء، والقرآن المجوَّد، وفنون الموسيقى الإسلامية في اندونيسيا المعاصرة»، إن ما «هو مهم حول عمل ماريا أولفا هو الطريقة التي تتبعها، والتي أصبحت عالمية».
وأضافت راسموسن: «خلال زياراتها إلى أوروبا والولايات المتحدة والشرق الأوسط، أظهرت ماريا أولفا طريقة طبيعية تماما لما تمثله النساء بالنسبة للإسلام وبالنسبة للعمل الحرفي والفني. واليوم هناك آلاف من الفتيات في اندونيسيا وجنوب شرق آسيا يردن أن يكن مثلها».
وقال أكاديميون إسلاميون، إن مواهب أولفا غيرت كثيرا السلوك التقليدي تجاه المرأة. وقال ناديرسياه هوسن الأكاديمي في مجال القضاء، «الكثير من الديانات تغذي الزعامة للرجال، فالكاثوليكية على سبيل المثال، ما زالت ترفض قبول النساء كي يصبحن قساوسة. لكن ذلك قد يتغير. وفي الإسلام، نحن لدينا ماريا أولفا، التي دعمت فكرة أن النساء متساويات مع الرجال»، بل هناك الكثير من الآباء الذين راحوا يسمون بناتهم باسمها. وقالت أولفا التي تدرّس القرآن في معهد دراسات القرآن: «حينما فزت بجائزة المسابقة الدولية، أصبح هناك الكثير من ماريا أولفا. ففي صفوفي لدي على الأقل ماريا أولفا واحدة كل سنة».
«سألت كل واحدة منهن: لماذا سماك والداك بهذا الاسم؟ وكان جواب كل واحدة فيهن: لأن أبي وأمي أرادا أن نكون مثلك». لكن ماريا هي الأخرى أخذت الاسم عن امرأة أخرى. وسميت أولفا، المولودة عام 1955، وهي التاسعة من بين 12 من الأشقاء، عشرة أولاد وابنتين، على اسم وزيرة في الحكومة كان والدها يكن لها الاعجاب. وتذكرت أولفا «كان يمجدها. كان متأثرا من أن امرأة يمكن أن تكون على هذه الدرجة من الذكاء. وأبلغني انه يريدني أن أكون لائقة باسمها وأن أصبح وزيرة ايضا».
بدأت ماريا دراستها في تجويد القرآن عندما كانت في المرحلة الأولى. وفي البداية كانت تهرب الى بيت صديقة لها بدلا من الذهاب للدراسة. ولكن والدها أدرك موهبتها وشجعها على مواصلة حفظ القرآن. وخسرت في المسابقة الأولى التي نظمها والدها.
وقالت: «طلب مني أن اكون اكثر دأبا».، وهذا ما حصل، حيث فازت أولفا بمسابقتها الاولى عندما كانت في الثانية عشرة من عمرها. وبعد ست سنوات كانت مؤدية ممتازة تدرس الصيغة الفنية بجدية عالية.
وبعد ان حققت أولفا مكانة متميزة وجهت اليها الدعوة للتلاوة في مكة المكرمة.
وقالت: «التقيت بإمام هناك يدرك ان الرجال والنساء متساوون. وشجعني على الاداء أمام جمهور من الرجال. كنت متوترة المزاج لأنني اعرف ان هناك بعض المسلمين لا يريدون أن يسمعوا صوت امرأة. ولكنه دفعني الى المضي في السبيل».
وجاء الخلاف والجدل من أماكن غير متوقعة. ففي عام 2002 جرت مقاطعة تجويد أولفا في جامعة بتورنتو من جانب طلاب مسلمين. ولكنها مضت في اداء التجويد على اية حال. واستمرت على الاداء على مستوى دولي، حيث ظهرت هذا الشهر في كيوتو باليابان. وما يزال المعجبون بها ينظرون اليها بروح التمجيد.
ويذكر الباحث الاسلامي هوسن ان أولفا سافرت مؤخرا مع شقيقتها، فأوقفهما موظفو الجمارك الاندونيسيون، وطلبت الموظفة هويتيهما الشخصيتين. وقال هوسن، نظرت الموظفة الى ماريا وقالت: لديك الاسم نفسه الذي تحمله قارئة القرآن الشهيرة. قالت شقيقتها: هذه ماريا أولفا الحقيقية، فصرخت الموظفة، يا إلهي هل هي انت حقا؟! ولم تواجههما أية مشاكل بعدئذ.
وفي المحاضرات وصفوف الدراسة تشجع أولفا النساء على العمل الدؤوب من أجل ان يصبحن مسلمات أفضل ولا يسكتن على رفضهن. وتؤكد لهن ان المساواة قادمة.
ولكن أولفا ما تزال تواجه عوائق، فعلى الرغم من انها شاركت في تقييم تجويد القرآن في اندونيسيا وخارجها، فان المنظمين ما زالوا لا يسمحون للنساء بالتحكيم في المسابقات الدولية. ولهذا فانها تعمل خلف الكواليس من أجل تغيير وجهات نظر الرجال بشأن النساء. وقالت ان «هذا هو هاجسي». وقد توفي والدها عام 1974 قبل ان تتم انجازها الأعظم كقارئة قرآن. ولكن أولفا واصلت رسالتها. وتصر على أن الاسلام ليس هو الذي يفرق بين الجنسين وانما الثقافات.
* خدمة «لوس انجليس تايمز»