قصر الحمراء.. بهاء الفن الذي أنتجته العمارة الإسلامية

غرناطة.. تستحضر التاريخ وتستقي الوحي الأندلسي

TT

إن أردت أن تفهم معنى «البكاء على الأطلال»، وأن تدرك أن الأبداع باق مهما حاولت السنين طمس روعته، وإن أردت أن تستحضر التاريخ وتستقي الوحي الأندلسي الذي حل على عظماء الفكر والفلسفة. إن أردت الوقوف على بهاء الفن الذي أنتجته العمارة الإسلامية وجمال التصميم الذي خلفته إرثا أبديا. فما عليك إلا أن تزور جوهرة الأندلس ولؤلؤة غرناطة شامخة منذ مئات السنين، متفوقة على كل ما أبدعته العمارة الإسلامية من بناء، قصر الحمراء. ولكن حذار يا صديقي عند وصولك، فإن تناهى إلى سمعك خرير المياه أو صهيل الخيل، وإذا أرعبك رنين السيوف أو فاجأتك طقطقة الرماح، وإذا أطربك عزف القيثارة أو غناء الجواري، استسلم ولا تجفل، فأنا كفيل لك بأنك في حلم فريد، حلم اليقظة، حضر دون استئذان، ليحملك على بساط من السحر ويضعك في حالة مخاض روحي. قصر الحمراء ليس تاريخيا، إنه التاريخ عينه.

اختلفت الآراء حول مصدر اسمه، فهناك من قال إنه يعود إلى بني أحمر، وهم بنو نصر الذين حكموا غرناطة إلى حين سقوطها، ثم قال آخرون إنه سمي كذلك نسبة إلى مدينة مجاورة عرفت باسم المدينة الحمراء. ولكن الشائع، وربما الأكثر مصداقية، هو القول السائد بأن الاسم يعود إلى اللون الأحمر الذي تتميز به التلال المحيطة وبالأخص تلك التي شيّد عليها القصر. أمر ببنائه يوسف الأول، واكتمل في عهد ابنه محمد الخامس.

يقال إن بناء قصر الحمراء بدأ في القرن السابع الهجري على الرغم من أن بعض أجنحته يعود إلى القرن الثامن الهجري، يتميز بزخرفات بديعة غطت جدرانه الداخلية والخارجية، عمل في تصميمها أكثر الفنانين إبداعا في ذلك الحين، توافدوا من مختلف البقاع الإسلامية آنذاك، ليضيفوا على هندسته رونقة وروعة نادرتين. همهم الوحيد كان تزيين كل شبر منه بالرسوم والزخرفات الفريدة، بهدف جعله تحفة فنية أبدية تثلج الصدور وتفتح العيون وتجعل الإقامة فيه هنيئة وأمينة في آن.

يحمي القصر سور طويل ومزدوج في بعض أجزائه يحيط به من الجهات الأربع، يتخلله 27 برجا تعددت أحجامها وأغراضها، معظمها للحماية والدفاع عن القصر، وبعضها للسكن، وعدد قليل منها بمثابة قصور صغيرة. ويتخلل السور أربعة مداخل هي: باب السلاح وباب العدالة وباب السبع أراض وباب «الأرابال».

اتخذه الملوك والسلاطين مركزا لإقامتهم، وخصّصوا بعض أجنحته لكبار الموظفين ولعناصر من نخبة جيشهم بالإضافة إلى الخدم. يتألف القصر حاليا من اربعة أجنحة، جناح القصور والجناح العسكري، ثم جناح المدينة وجناح الحدائق والبساتين.