نجيب محفوظ.. الفصل الأخير: ابتسامة لابنته وقلبه توقف مرتين

جنازة عسكرية لصانع مجد الرواية العربية * مبارك: كتاباته نشر لقيم التنوير والتسامح * زعماء عالميون يعتبرون رحيله خسارة للعالم

TT

كتب نجيب محفوظ الفصل الأخير في مسيرة حياته بابتسامة لابنته في آخر لحظات وعيه في السادسة من مساء أول من أمس، ثم توقف قلبه مرتين حسب رواية الأطباء؛ الأولى مساء ونجحوا في إعادته للعمل قبل أن يتوقف مجددا صباح أمس، وهذه المرة فشلوا ورحل محفوظ تاركا كنزا أدبيا ومجدا صنعه للرواية العربية التي أدخلها العالمية بحصوله على جائزة نوبل للأدب.

وسيشيع محفوظ، في جنازة عسكرية يتوقع أن يحضرها الرئيس المصري حسني مبارك اليوم، حيث سيوضع النعش على عربة مدفع تجرها الخيول من جامع مسجد «آل رشدان» بحي مدينة نصر في القاهرة. وكان محفوظ ودع الحياة عن عمر 95 عاما في الثامنة من صباح أمس بعد أن كان محبوه يتابعون حالته الصحية طوال شهر ونصف الشهر قضاهما محفوظ بمستشفى العجوزة إثر إصابته بجرح في الرأس نتيجة ارتطامه بالسرير في بيته المجاور. وصرح رئيس الفريق الطبي، المشرف على متابعة محفوظ صحيا، أن الراحل محفوظ كان يعاني التهابا رئويا وتغيراتٍ في الجسم وهبوطا في وظائف الكِلَى. وقال إنه جرت عدة محاولات في الساعة السابعة من صباح أمس لتنشيط القلب، إلا أن الوفاة حدثت نتيجة تدهور حالة القلب، والتي استمرت على مدار 11 ساعة، موضحا أن آخر لحظات وعي الأديب الكبير كانت الساعة السادسة من مساء اول من أمس عندما ابتسم الى ابنته. وطيلة حياته، شغل محفوظ الوجدانَ المصري والعربي، سواء بأعماله التي أرخت للحياة الشعبية والسياسية في مصر في حقبة القرن العشرين، وعرف معظمها طريقه الى الشاشة الفضية، أو بآرائه التي أثارت الكثير من الجدل السياسي والثقافي في أوساط النخبة والبسطاء.

وعكس محفوظ في معظم هذه الأعمال واقعَ الحارة المصرية على شتى المستويات، حتى عرف بحكائها ومنشدها الروحي. ولنجيب محفوظ الفضل في بلورة فن الرواية ودفعها لمكانة خاصة، بفضل تجديده في طرائق الحكي والسرد وتوظيف المكان كطاقة حية مفتوحة على الماضي والحاضر والمستقبل.

وخيم الحزن على منزل الأديب المجاور للمستشفى والواقع على بعد خطوات قليلة منه، حتى أن زوجته السيدة عطية لم تستطع السير حتى المنزل واستقلت سيارة الناقد والمخرج السينمائي، توفيق صالح، الذي يعد أحد المقربين من نجيب محفوظ والذين كان يطلق عليهم «الحرافيش». وكان الأديب جمال الغيطاني، أحد أكثر المقربين من نجيب محفوظ، والذي رفض التحدث الى وسائل الإعلام، قد رصد ساعات أديب نوبل الأخيرة في مقال عنونه «مواقيت الألم»، وتناول فيه يوميات نجيب محفوظ في المستشفى وبدأها منذ يوم 13 أغسطس. وقد نعى الرئيس المصري حسني مبارك شيخ الرواية العربية الراحل ووصف كتاباته بأنها نشر لقيم التسامح والتنوير، ونعاه أدباء ومثقفو مصر والعالم العربي، وكذلك زعماء عرب وأجانب، وأصدر البيت الأبيض بيانا عزى فيه الشعب المصري، ووصف الرئيس الاميركي جورج بوش محفوظ بأنه مؤلف استثنائي عالمي للأدب الروائي والقصص القصيرة والسيناريوهات السينمائية. كما عزى الرئيس الفرنسي جاك شيراك المصريين، واصفا محفوظ بأنه «من كبار أدباء العالم» و«رجل سلام».

وجاء في بيان للرئاسة الفرنسية «رسم نجيب محفوظ في نتاجه المجتمع المصري بعاطفة ورقة وواقعية وكان أول كاتب عربي يفوز بجائزة نوبل للأدب عام 1988، وقد أعطى شهرة عالمية للأدب المصري وللقاهرة القديمة التي عاش فيها طفولته». واعتبر كتاب وشعراء ومثقفون رحيل نجيب محفوظ بالخسارة الفادحة للثقافة العربية، وقالوا في كلمات رثاء سريعة بالرغم من المكانة الرفيعة التي يتميز بها نجيب محفوظ باعتباره أبا الرواية المصرية والعربية أنه تميز بالروح الأبوية الخالصة، فكان شديد التواضع، في كبرياء، غير سافر ولا فج، ويصغي إلى الآخرين دون افتعال أو كذب، كما لا يمكن أن ننسى ضحكته المجلجلة والتي تنم عن نفس صافية مقبلة على الحياة.