كتب العراقيين تماهت مع مصائر أصحابها

حرائق في الوطن وضياع في المنفى

TT

مصائر الكتب والمكتبات هو المشهد غير المرئي من المأساة العراقية. لقد اشتهر العراقيون بحب القراءة، لكنه حب مكلف جداً، في بلد مثل العراق لم يهدأ منذ خمسينات القرن الماضي. لقد تماهت الكتب مع مصائر أصحابها، وكانت موضع ريبة واستهداف دائمين. ولدفع ذلك، كانت عوائل المغضوب عليهم تلجأ، أول ما تلجأ إلى حرق الكتب أو دفنها عميقاً في الأرض.

وفي المنفى العراقي، الذي امتد طويلا، نشأت مشكلة أخرى، هي كيفية المحافظة على الكتب والمكتبات حين يضطر المنفي إلى اختيار منفى آخر. في الوطن شاهد المؤرخ عباس العزاوي، وهو على فراش الموت، العمال يرمون بكتبه من الشبابيك إلى بطن سيارة مكشوفة، وكأنهم يرمون طابوقا (الآجر).

وبيعت كتب الكاتب واللغوي هاشم الطعان إلى جامعة الكوفة. وسريعاً ما حُملت باللوريات تحت نظرات أفراد الأسرة الحزينة. وكانت المفاجأة أن الكتب «فرهدت» قبل دخولها إلى الجامعة، وقسمت بين الأساتذة والمسؤولين، ولم يتم دفع ثمنها وهو لا يزيد عن أربعمائة دولار! وفي المنفى، يقول وزير المالية العراقي الأسبق عبد الكريم الأزري، 98 عاماً، الذي يعيش في العاصمة البريطانية، أنه لا يعرف لحد الآن ماذا يفعل بمكتبته العامرة، ومع ذلك هو لا ينوي أن يهديها أو يوصي بها، وذلك لشدة تعلقه بها. أما زميله وزير الزراعة الأسبق عبد الغني الدلي، 93 عاماً، فما زال يبحث عن طريقة لحفظ ما في حوزته من كتب، ومن أمانيه أن يعود إلى العراق، ويؤسس مكتبة في مسقط رأسه سوق الشيوخ، يجمع فيها شتات كتبه.

وفي لندن أيضاً، يعيش المعاناة نفسها المعماري محمد مكية، 91 عاماً، بعد أن أُغلق ديوان الكوفة، ووجدت مكتبته، التي بدأ بجمعها منذ أربعينات القرن الماضي، طريقها إلى مخازن باردة، وفيها كتب تعود الى القرن السابع عشر، ومخطوطات عربية وفارسية، ومجموعة نادرة من اللوحات الفنية لكبار الفنانين العراقيين.