«ثقافة الكراجات» من نتاج العولمة

ظاهرة يتجاهلها المثقفون

TT

ثقافة شعبية طالعة من افواه الناس وأوجاعهم في بيئات محددة، لكنها بدأت تشكل جزراً تتسع رقعتها، في القرى والأرياف ومحطات النقل وزوايا الحارات المدينية. فمن نتاجات العولمة ايضاً ان يصير لكل مجموعة عالمها وثقافتها وألحانها وربما نزواتها. وإن كان الانطباع بأن ثقافة الهوامش تبقى منغلقة على نفسها مكتفية بذاتها.

محطات النقل السورية، او ما يسمى «الكراجات»، وما تغلي به من اسطوانات وكاسيتات وكتب وصحف ومصانع صغيرة لإنتاج الفيديو كليبات، ومدى تأثيرها على الملايين، هي نموذج لما هو موجود في بلدان عربية أخرى، وهو نموذج يثبت أن الجزر تمد جسورها بسرعة في كل اتجاه، وان اهمال المثقفين لما يسمونه الثقافة «الوضيعة» او «المنحطة» هو نوع من التعامي المريح لكنه خطير ايضاً.

كتب أحدهم في مدونته المسماة «أنس ولكن أون لاين» عن فن الكراجات، يقول: «إنها المرة الأولى التي أمر بها من هذه المنطقة دون أن يصيبني الانزعاج، ما السبب يا ترى؟ تبحث عن السبب ثم تدرك بأن هذا الكشك عند الزاوية، القريب من كلية الحقوق مغلق، وبالتالي لقد كفّ عن بث موسيقى «البلاك سياء» كما صار يسميها الشباب هذه الأيام. وموسيقى البلاك سياء هي تلك الأغاني المعروفة بأغاني الكراجات». المصطلح الشبابي «بلاك سياء» خليط من اللغة الانجليزية الـ«black» الأسود و«سياء» التي تعني مجاري الصرف الصحي. يعبر المصطلح عن ازدراء الشباب ـ طلبة جامعات ومتعلمين ـ من أبناء المدن والمناطق الحضرية لما نطلق عليه مجازاً «ثقافة الكراجات»، وتتمثل بفجاجة ما يطرح داخلها من أغان شعبية، وكتب تجارية رخيصة، ومجلات وصحف صفراء تعتاش على الأعداد الكبيرة للركاب الذين يقصدون محطات النقل العام في مراكز المدن والمحافظات، التي يصفها الشاعر السوري محمد عضيمة: «بنقطة توزع وانتقال من جهة إلى أخرى».

ويشير عضيمة الى أن لكل كراج أغاني تلائم ذائقة ركابه. فالأغاني في كراجات جبلة عادة تكون جبلية، وفي كراجات دير الزور والحسكة؛ عراقية وبدوية. وفي حلب نسمع أغاني جزراوية وقدود حلبية، وحدها الأغاني الدمشقية لا تسمع في الكراجات. مرد هذا أن دمشق كعاصمة تستقطب الأفراد من خارجها، وهؤلاء هم المحور الأساسي لحركة دخول وخروج البشر.