«السوق الكبير» نموذج مصغر لمدينة أم درمان وترجمة لأصالة السودان

محال التجار الهنود تجاور الأقباط واليهود

TT

تعتبر أم درمان العاصمة القومية للسودان والتي تعيش بها الأعراق والديانات المختلفة، اليهودية والمسيحية والإسلامية والبوذية. والسوق الكبير هو نموذج مصغر للمدينة التاريخية يعود الى حوالي قرنين، وكانت محال التجار الهنود تجاور محال الأقباط الذين جاءوا من صعيد مصر ويتخصصون في المنسوجات والمفروشات والتي بدورها تجاور محلات اليمنيين أو «اليمانية» الذين يشتهرون بتخصصهم في مجال البقالات، ولا يزال موقع محل «العدني» شهيرا ودليلا للأجانب والسياح رغم زواله من الوجود. وهناك أيضا شارع يعرف بسوق اليهود والذي ما زال يحمل اسمه رغم مغادرة أصحابه للبلاد في سبعينات القرن الماضي.

وما زال سوق أم درمان من الأماكن التي يكثر فيها السياح، حيث ظل محتفظا بماضيه القديم في صناعة المنتجات المحلية وطريقة عرض السلع والمحلات القديمة والباعة يقومون بعملهم في خدمة الزبائن بالجلابيب التقليدية. ويعتبر هذا السوق قبلة لباحثي الثقافة «القديمة» التي لم تدرج محتواها بعد أو تفرّغ على شبكة الإنترنت، وقد يحالفك الحظ وتجد الطبعات الأولى من الكتب القديمة لعباس محمود العقاد وطه حسين ومارون عبود والروايات الغربية، التي أصبح يستغني عنها أصحابها ببيعها بأثمان زهيدة نظرا للضائقة الاقتصادية أو لرؤية الجيل القديم أن الجيل الحديث قد لا تعني له هذه الكتب شيئا، ثم الكتب الدينية على الواجهة الشمالية للمبنى تشاركها السبح وسجادات الصلاة، وعلى الجانب الآخر يقف الحلاقون في محلاتهم في الهواء الطلق مع زبائنهم الغارقين في قراءة المجلات أو متابعة حركة السوق، بينما أيدي الحلاقين تجري على رؤوسهم.

تنتشر بائعات الشاي والقهوة في كل ركن بالسوق، حيث تضع البائعة الموقد بجانبها وحولها مقاعد قصيرة، بينما لا يزال القهوجي يأخذ حيزا من المشهد، فهو متمسك بتقاليده بحمل الصينية الدائرية وعليها الفناجين البيضاء والدلات المعدنية الصغيرة التي لا تزيد سعتها على فنجانين، ويأخذ في بيع «الجبنة»، أي القهوة باللهجة العامية، يدور بها على الدكاكين والمارة. أما الوجبات فتحصل عليها من المطاعم الشعبية المنتشرة، وتعتمد على الكسرة والعصيدة والملاح والفول، ويتم حملها لأصحاب المحلات عند مواعيد الوجبات فيضعونها على الأرض ويجتمعون حول الصحن الكبير ويدعون زبائنهم المارين بكرم أصيل للمشاركة في تناول الوجبة!