عبد المهدي: جهات حكومية تستخدم جريمة المصرف لتصفية حسابات

نائب الرئيس العراقي قال لـ«الشرق الأوسط»: من مصلحة المالكي الانضمام للائتلاف

د. عادل عبد المهدي نائب رئيس الجمهورية العراقية («الشرق الأوسط»)
TT

شغلت حادثة السطو على مصرف الرافدين ـ فرع الزوية (الكرادة في جانب الكرخ من بغداد) قبل نحو أسبوعين، ومقتل ثمانية من حراسه الأوساط السياسية والاجتماعية في عموم العراق، بل شغلت العراقيين الذين هم خارج بلادهم أيضا. وكانت مشاركة ضابط من فريق حماية نائب رئيس الجمهورية، الدكتور عادل عبد المهدي، القيادي في المجلس الإسلامي الأعلى، في حادثة السطو، الباعث لتوجيه اتهامات إلى التنظيم الذي يترأسه عبد العزيز الحكيم، واستغلالها لمصالح انتخابية، أو «تصفيات حسابات سياسية» من قبل مسؤولين في الحكومة العراقية، وكذلك من قبل تنظيمات سياسية.

ويعترف عبد المهدي في حديث لـ«الشرق الأوسط» جرى عبر البريد الإلكتروني، أمس، بأن هناك «أشخاصا في الحكومة يحاولون تصفية حسابات سياسية، هذا أمر صحيح ومؤسف ويهدد المؤسساتية والتجربة الديمقراطية. العراق يخزن ممارسات وسلوكيات هائلة في وأد الديمقراطية والمؤسساتية».

وكان نائب رئيس الجمهورية قد كشف، أمس، أمام حشد جماهيري من شيوخ وعشائر ووجهاء ومثقفي مناطق مدينة الصدر، والرصافة، والحبيبية، والكرادة، واليوسفية، والمحمودية «أن التحقيقات الجنائية أثبتت أن جريمة سرقة مصرف الرافدين في الزوية لم تكن وراءها أي جهة سياسية، على العكس مما روج له بعض المسؤولين وبعض وسائل الإعلام»، وقال متسائلا: «ماذا سيقول الذين أطلقوا تلك الكلمات وهيجوا الرأي العام وتناولوا كيان رئاسة الجمهورية بالتسقيط والتشكيك والاتهام؟». وفي ما يلي نص الحوار:

* ألا تعتقدون أن فكرة وجود ائتلاف شيعي أو غالبيته العظمى من الطائفة الشيعية تكرس للطائفية في العراق؟

ـ التكتلات لا يمكن أن تبتعد كثيرا عن الواقع، ولا يمكن شراؤها جاهزة. الشيعة أغلبية في العراق. تشكلت منها القاعدة الواسعة لمختلف الأحزاب، بما فيها من يسمي نفسه علمانيا. بل تشكلت منها قيادات الأحزاب التاريخية كالحزب الشيوعي، والحركة القومية العربية. «البعث» نفسه بقيت غالبية قواعده من الشيعة، وقياداته كانت حتى عام 1963 أغلبية شيعية. صدام حسين في مقابلته مع الـ(إف بي آي) المنشورة في صحيفتكم الموقرة قبل فترة يقول هذه الحقيقة. المهم ليس أن يكوّن الشيعة أو السنة غالبية التشكيل، بل المهم ما هو برنامج هذا التشكيل. هل هو برنامج طائفي يكرس الطائفية؟ أم هو برنامج وطني يدفع الطائفية، التي نمت خلال قرون وفي السنوات الأخيرة، إلى الوراء والذهاب إلى المواطنة.

* هل سيضم الائتلاف القادم التكوينات ذاتها التي أسسته أو ساهمت فيه خلال الانتخابات الماضية؟

ـ كما قلت، لا يمكن اختراع أو شراء القوى، وهي ليست جاهزة في الأسواق. الإخوة يجهدون أنفسهم لتجاوز الائتلاف السابق الذي انتهى دوره بكل ما له وما عليه. هم يحاولون تجديد القوى وإدخال مكونات ووجوه جديدة. مع اعتقادي أن المهم هو الدور الحقيقي الذي يجب أن يعطى للأفكار والدماء الجديدة.

* هل سينضم حزب الدعوة الإسلامية إلى الائتلاف؟ وماذا عن ما قيل حول شروط الدعوة للحصول على نسبة المجلس الإسلامي نفسها في البرلمان، وعلى أن يكون ممثله (رئيسه) رئيسا للحكومة المقبلة؟

ـ الدعوة حزب جهادي تاريخي قدم تضحيات كبيرة، وله وزنه وجماهيره، وأمر طبيعي أن تكون له نسبة المجلس نفسها. أما رئاسة الحكومة فهناك يتجه إليه الإخوان، وهو «لا فرض ولا رفض».. لا توجد امتيازات مسبقة والآليات يجب أن يحترمها الجميع. أعتقد أن من مصلحة الائتلاف، بل من مصلحة الدعوة، الانضمام إلى الائتلاف، وأن تكون الحسابات بعيدة. ففي يوم ما كان الميزان لصالح المجلس، وكان يمكنه فرض أمر واقع لكنه فضل البقاء في الائتلاف وترشيح غير ممثله. ففي رسالة كتبتها لقيادة المجلس في 5/2/2005 اقترحت على قيادة المجلس تقديم الأخ الدكتور الجعفري لرئاسة الحكومة، رغم نفوذية المجلس حين ذاك، وقدرته على أخذ رئاسة الحكومة. وفعلا وافقت قيادة المجلس على الاقتراح، وكان المجلس هو الذي روج للأخ الجعفري أمام مرشحين آخرين كالإخوة الدكاترة الشهرستاني، والجابري، وآخرهم الجلبي.

* قال القيادي في المجلس الإسلامي، رضا جواد تقي، لـ«الشرق الأوسط» إن هناك أشخاصا في الحكومة يحاولون تصفية حساباتهم السياسية من خلال قضية مصرف الزوية، وكان يلمح إلى، أو يعني بالضبط، وزير الداخلية البولاني، هل فعلا هناك تصفية حسابات بين وزير الداخلية والمجلس؟

ـ أشخاص في الحكومة يحاولون تصفية حسابات سياسية، هذا أمر صحيح ومؤسف ويهدد المؤسساتية والتجربة الديمقراطية. العراق يخزن ممارسات وسلوكيات هائلة في وأد الديمقراطية والمؤسساتية. ومن دون تشبيه، لعل أقرب حالتين هما، وقوف مجموعة من العسكر وحجز الطريق أمام حكومة المرحوم عبد الرحمن البزاز. أو عندما استخدم صدام حسين أكاذيب واتهامات لإزاحة وتصفية خصومه ممهدا الطريق لنفسه بإزاحة البكر والاستيلاء كليا على الأمور. أقول من دون تشبيه، لأن التجربة الديمقراطية اليوم أعم وأشمل، وفيها من الحصانات أكثر بكثير مما كان قبلا.

* هل تتوقعون أن تتصاعد حدة العنف كلما اقترب موعد الانتخابات؟

ـ العنف لم يتصاعد لاقتراب الانتخابات. فمن الخطأ تصوير تصاعد العنف وكأنه بين القوى السياسية. هذا خطأ. العنف يتصاعد لأن الإرهاب ما زال موجودا وفاعلا، ويقوم اليوم باغتيالات وأعمال قتل جماعي وجرائم ضد الإنسانية من الموصل إلى البصرة. نعم، الاختلافات السياسية لها دور في تفتيت الجهد الذي يساعد الإرهاب والعنف على أن يشقا طريقهما.

* ما هي توقعاتكم حول سيناريو الائتلافات التي ستتم استعدادا للانتخابات المقبلة؟

ـ الانتخابات الماضية جرت بين كتل تمحورت حول استقطاباتها الذاتية. وجود سني لدى ائتلاف شيعي، أو بالعكس هو أقرب للديكور. أما اليوم فأرى قناعة تتولد لدى الجميع أنه من دون مشاركة الآخر مشاركة جدية وفاعلة، فإن كل ما قيل عن المحاصصة والطائفية ستجدد نفسها في مواقع أخطر، وهي مواقع الدولة. لذلك هناك سعي أن الأمور الصحيحة تتشكل ابتداءً، أي عند الائتلافات، فتتكون ائتلافات تتجاوز الطائفية والقومية، وتستطيع أن تنجح في الانتخابات بقائمة مشتركة، أو بكتلة أو جبهة واحدة تكون فيها قوائم متعددة. النتيجة، الوصول ابتداءً إلى أغلبية نيابية فيها المكونات المختلفة، وأقلية نيابية فيها المكونات المختلفة. أي أن التفاوض على الحكومة والبرامج بخطوطها العامة يمكن أن يبدأ قبل الانتخابات، وليس بالضرورة بعدها. المهمة ستكون صعبة، وفيها عقبات عملية ودستورية وسياسية، لكن هناك أبحاثا مستمرة فيها لتدليل الأمر.

* اعترض آية الله السيستاني على نظام القائمة المغلقة، ألا تعتقدون أن هذا الاعتراض يشكل تدخل المرجعية في موضوع الانتخابات من جهة، ويؤثر على بعض الناخبين، خاصة إذا اعتقدوا أن ما قاله المرجع الأعلى فتوى يجب الأخذ بها؟

ـ القائمة المغلقة هي من مصلحة الأحزاب الكبيرة، والقائمة المفتوحة هي من مصلحة الأفراد والكتل الصغيرة التي هي قوى كبرى لكن غير منظمة. في انتخابات مجالس المحافظات الأخيرة كانت الكتل الصغيرة هي المتقدمة بحصولها على 35% من الأصوات كمعدل وطني، التي لم تحتسب لعدم عبورها العتبة القانونية.. وفي بعض المحافظات 60%. فالقائمة المفتوحة، خصوصا إذا ما طورت ستضمن أوسع مشاركة، وتسمح باستطلاع الرأي وموازين القوى أفضل من غيرها.. فنكسب على الصعيدين، فلا نفتت القوى الكبرى، التي هي ضرورة في النظام الديمقراطي، ونسمح بمشاركة أوسع. أنا لم أطلع على فتوى لسماحة آية الله العظمى السيد السيستاني، دامت إفاضاته بهذا الشأن، ولا أعتقد أنها موجودة. فنصائح سماحته حرصت دائما على مصلحة جموع الشعب خصوصا من لا صوت له من الضعفاء والمهمشين.

* هل تعتبرون أن حكومة المالكي نجحت في إدارة العراق خلال السنوات الأربع الماضية؟

ـ تحسن الأمن نسبيا مع أمور أخرى.. ولم تتحسن أمور الاقتصاد والنفط والخدمات وأمور أخرى.

* تحدثت حكومة المالكي، وقبلها حكومة الجعفري، عن الدفاع عن المظلومين والمظلومية التي لحقت بشيعة العراق خلال نظام صدام حسين، لكن النتائج الملموسة توضح أن غالبية من أوغل في ظلمهم هم من الشيعة، عمليات مداهمة البيوت في مدينة الثورة، اعتقالات عشوائية لسكان الثورة، عدم تطوير الخدمات والحالة الاقتصادية لسكان هذه المدينة، التي غالبية سكانها من الشيعة؟

ـ يجب عدم ظلم أي جهد، كما يجب عدم المداهنة والمكاشفة الموضوعية الهادفة. نظام صدام حسين ورث بلدا ليس متقدما بمعايير الدول المتقدمة لكنه بلد فيه تعليم، وصحة، وبنى تحتية، وزراعة، وصناعة، وجيش، وشرطة، وعلاقات عربية ودولية. ما استلمه صدام حسين خلال الأعوام الأولى من بداية حكمه، عند الفورة النفطية الأولى، كان أضعاف ما حصلت عليه الموازنة العراقية منذ بدء إنتاج النفط إلى ذلك التاريخ. هذه القدرات سرعان ما تحولت إلى حروب داخلية وخارجية واستبداد وتسلط دمر كل شيء في البلاد. فحكومتي الجعفري والمالكي، وقبلهما حكومة علاوي، بدأت من خراب مطلق وعلى كل الصعد. زاد عليه الاحتلال الذي فرض على العراق بقرار دولي، إضافة لوجود الإرهاب والقتل الجماعي والجرائم ضد الإنسانية، وخروج قوى من ظلمات السجون والاستبداد المطلق والتجهيل الشامل إلى مواقع القدرة، سواء في الشارع أو في الحكم. هذا وضع يجب أخذه في الاعتبار عند تقديم كشف حساب الحكومات تلك. لكن بالمقابل هناك توقف وعطل وانحباس وتضادات حادة. بل أستطيع أن أقول عجزا عن فهم المعادلات لدى البعض، خصوصا بعد التحسن الأمني. فالموقع السياسي في الوزارة الفلانية لا يعني أن الوزير أو المسؤول يجب أن يقوم بكل شي ويقرر ويخطط ويأمر وينهي، بل يعني أنه معادلة سياسية ضرورية يجب أن تحترم، معادلة إدارية، أمنية، فنية، مهنية أو غيرها من مستلزمات. الرئيس الأميركي مثلا، لا يعرف أكثر من جنرالاته عن الأمن، لكنه القائد العام للقوات. فهو لا ينهي ويأمر، ولا يحرك الفرقة الفلانية أو الفوج الفلاني، ولا يؤسس أمورا ويعطل أخرى، بل يسمع ويقبل أو يرفض خطط المختصين في الأمر عبر تسلسل وسياق محدد لا يستطيع بقرار منفرد أن يتجاوزه. هذا مثال مؤسساتي. أما إذا أردنا تجديد نظام صدام حسين فكل منا سيصبح اقتصاديا وماليا وعسكريا وتخطيطيا ونفطيا وطبيبا ومهندسا.. إلخ. لا عيب أن يكون هناك سياسي في موقع، بل العيب أن يعتقد أنه أصبح الخبير الذي يتجاوز خبرة الوزارة أو المؤسسة ويسيرها وفق فهمه المحدود خارج السياقات والتراتبات المتفق عليها. السياسي ضرورة للموقع ليدافع عنه في مواقع السياسة والبرلمان. والتخصص ضرورة لحسن الأداء. إن أمكن جمعها فهذا جيد، وإن تعذر، كما هو الواقع، ليس في العراق فقط بل في العالم كله، فإنه يجب أن يحترم كل طرف في المعادلة دوره، ولا يحشر أنفه فيما لا يفقه فيه. وإلا خربت الأمور، وسنضيف على خراب الماضي خرابا جديدا.

* هل سترشحون أنفسكم لرئاسة الحكومة المقبلة؟

ـ رئاسة الوزراء ليست مشروع سفرة جميلة إلى لبنان أو مصر. إن رئاسة الوزراء في العراق اليوم قرار صعب للإنسان نفسه، وللقوى التي تأتي به. فمن دون توفير شروط النجاح الذاتية والعامة، من الغباء أن يتنافس الإنسان على هذا الموقع. هذا جنون وطموح غير مشروع. أما الشروط العامة فهذا يعتمد على الآخرين. والآخرون هم ليسوا فقط معادلة وطنية، للأسف الشديد، بل أيضا معادلة إقليمية ودولية. شروط النجاح معقدة وصعبة للغاية لكنها ممكنة إلى حد معقول. أما الظروف العامة فهذا يعتمد على توازنات اللحظة والإرادات والمصالح المختلفة. وفي كل الأحوال إنني رجل خدمة عامة ورجل مبادئ وبرامج عمل، جندت نفسي منذ نعومة أظفاري لخدمة هذا الوطن الذي ضحينا كثيرا من أجله ولم ننجح، لحد الآن، من انتشاله. فإذا كان الموقع سيلبي الخدمة العامة فسأتقدم إليه بكل تصميم وإصرار. أما إذا كان غيري سيلبي هذه الخدمة بنجاح ورشد فسأكون جنديا عنده.

* توحي التصريحات التي يدلي بها بعض قياديي حزب الدعوة والمجلس الأعلى أن هناك صراعا بين التكوينين السياسيين مع قرب الانتخابات، ما رأيكم بذلك؟

ـ الاختلافات كانت دائما بين المجلس والدعوة منذ البداية ولحد الآن. إنهما كزوجين يسمع الجيران خلافاتهما وصراخهما لكنهما يعيشان في بيت واحد ولهما من علاقات الروابط المشتركة الشيء الكثير.

* كان النظام السابق يدعي أنه يطبق النظام الاقتصادي الاشتراكي، لكننا اليوم نجد أن العراق لا يتبع أي نظرية اقتصادية في تطبيقاته، تُرى هل لنا أن نعرف السياسة الاقتصادية التي تنتهجها الدولة؟

ـ لم يكن لدينا نظام اشتراكي في السابق، بل كان نظاما فرديا مافيويا لا أكثر ولا أقل. أما النظام اليوم فهو اللانظام. ما زلنا في فترة القرارات السريعة وسياسات ردود الأفعال.. لم ننجح بعد في الوعي الجمعي الموحد للعمل على أساس خلفية نظرية أو فلسفية تنظم سياسات الدولة ككل. الدستور يتكلم عن اقتصاديات السوق، لكن الدولة ما زالت تخنق الاقتصاد الوطني وتطوق سياسات الاستثمار والمبادرة الحرة، ولم تكشف عن قدرة حقيقية لتطوير سياسات القطاع العام. هناك فوضى مطلقة في هذا الجانب وتضادات تعطل بعضها بعضا. هناك من يلوم مجلس النواب بأنه يعطل المشاريع لأنه لا يعطي الحكومة موافقة لاقتراض 70 مليار دولار لمشاريع للبنى التحتية أعدت خلال أسابيع قليلة. ومجلس النواب يقول إنه لا يستطيع الموافقة لأن البلاد لم تخرج بعد من المديونية التي تمنع العراق من الخروج من أحكام الفصل السابع لتبقى الولاية الدولية على العراق، ولم ينهي ملف التعويضات والمطالبات وغيرها من أمور، فهو لا يريد أن يكبل العراق مجددا بالتزامات مالية أمام حكومة يعتقد أنها بذرت الأموال ولم تبرهن عن قدرة ملموسة في أي موقع لتطوير المصالح العامة أو الخاصة. بل اختصرت قراراتها وإجراءاتها الاقتصادية بزيادة الإنفاق العام وتضخيم جهاز الدولة، ولم تستطع إنفاق مليارات الدولارات كل عام، وصارت تدورها من ميزانية إلى أخرى لتبقى البنى التحتية والكهرباء والنفط والخدمات على حالها. فهم يخشون عن حق، وكما حصل في التصرف بالأموال الموجودة فعلا بيد الحكومة أن يبذر المال وتبقى التبعات المدمرة.

* يعتبر العراق في مقدمة الدول المتورطة حكومتها بملفات الفساد الإداري والمالي، ألا تعتقد أن أربع سنوات من عمر الحكومة لم تكن كافية بمكافحة هذا الفساد؟ حيث لم يتم تقديم أي مسؤول كبير متهم بالفساد إلى القضاء، بل إن رئيس الحكومة دافع عن وزير التجارة عندما تم الكشف عن ملفات الفساد المتورط بها؟

ـ كان يمكن قطع خطوات مهمة لمحاربة الفساد لولا تعطيل دور مجلس النواب الرقابي، ولو عملت الحكومة على الانطلاق الاقتصادي. الانحباس الاقتصادي إضافة لعوامل أخرى هو أساس لانتشار الفساد، أو على الأقل لكي يأخذ هذا المنحى السرطاني. الدخول فعلا في الحركة الاقتصادية النشطة المنتجة هي التي تزيل الكثير من عفن الفساد. الركود يولد الفساد والعوامل الأخرى مهمة لكن أقل أهمية.

* تعاني الصحافة العراقية من تضييق وتهديدات حقيقية، خاصة تهديدات الشيخ جلال الدين الصغير (قيادي في المجلس الأعلى الإسلامي) مؤخرا لبعض الكتاب والصحافيين، ما هي جهودكم للمساهمة بحرية الرأي والإعلام؟

ـ إنني أعتبر حرية الصحافة مقدسة، وهي سلطة رابعة، ويجب أن تعمل بكل حرية وأن تنتقد وتكشف البواطن وتلاحق المسؤولين. إن ذلك ضمانة للبلد وحرياتها وحقوقها الفردية والعامة. الرقيب الحقيقي على السلطات الأخرى هو السلطة الرابعة، فهي سلطة تختلف عن بقية السلطات، إذ يمكن للحكومة أن تتضامن فيما بينها وتتعسف. ويمكن للبرلمان أن تسيطر عليه كتلة.. أما هذه السلطة، بسبب تنوعها واختلاف مصادرها ومهنيتها، فإنه لا يمكن أن يسيطر عليها كلها. يكفي أن تبقى صحيفة واحدة حرة تكشف الانحرافات لتبقى الأمور بخير، لكن مع حرية الصحافة، هناك حرية التعبير. فالحرية التي تريدها الصحافة لنفسها يجب أن تحترم أيضا حرية التعبير. فكما أن المسؤول يجب أن لا يستنفر قواه لمعاقبة صحيفة لأنها هاجمته بشكل تقره تقاليد وقوانين المهنة، فإن الصحافة نفسها يجب أن لا تستنفر قواها لتسقيط إنسان حر يريد أن يقول رأيه متقيدا بالقوانين والأعراف والتقاليد المقبولة. هذه الحريات وهذا التدافع والضغوطات المتبادلة أمر إيجابي ما دام يجري في إطار عام بناء وليس مخربا أو غير أخلاقي أو تهديدي.