وثيقة داخلية لفتح: قيادي في حماس جاء من غزة لدمشق ليمنع أي اتفاق

«الشرق الأوسط» تكشف تفاصيل فشل اجتماع المصالحة الفلسطينية

رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل يتحدث مع العضو القيادي في فتح عزام الأحمد لدى لقائهما الأخير في سبتمبر الماضي (رويترز)
TT

تنشر «الشرق الأوسط» تفاصيل وثيقة داخلية لحركة فتح حصلت عليها حول مجريات اجتماعات المصالحة بينها وبين حركة حماس، لا سيما الاجتماع الأخير الذي تم في العاصمة السورية دمشق 9 نوفمبر (تشرين الثاني)، للاتفاق على نقطة الخلاف الأخيرة، وهي الملف الأمني، التي تعترض طريق حماس للتوقيع على ورقة المصالحة المصرية.

وتحت عنوان ماذا حدث بعد اجتماع 24 سبتمبر (أيلول) بين حماس وفتح؟ وماذا جرى في اجتماع 9 نوفمبر الجاري.

وتقول الوثيقة: «إذا ما سادت الاجتماع المقبل نفس الروح التي سادت اجتماع سبتمبر، فحتما الأبواب ستفتح أمام المصالحة». بهذه العبارة ختمنا الرسالة التي تم تعميمها حول اللقاء الذي جرى بين حركتي فتح وحماس في دمشق يوم 24/9 بل في كل التصريحات التي أدلينا بها حول ذلك اللقاء منذ 25/9 وحتى انعقاد اللقاء التالي يوم 9/11/2010. (عبارة) كنا نرددها حتى لا نرفع سقف التوقعات في اللقاءات التي تتم بين فتح وحماس حول المصالحة، رغم أن رغبتنا كانت وما زالت وستبقى هي سرعة تحقيق المصالحة في الساحة الفلسطينية وإنهاء الانقسام بأسرع وقت ممكن لأن شعبنا دفع ثمنا باهظا له وأصبح مصدر تهديد وخطر على مستقبل القضية الفلسطينية».

وقالت الوثيقة: «أردنا أن نسوق تلك المقدمة قبل أن نعرض ما حصل في لقاء 9 - 10/11/2010 في دمشق لنثير الانتباه والحذر لدى الجميع. أما سيل المقالات والتعليقات التي نشرت في وسائل الإعلام المختلفة التي (كانت) في معظمها لا تهدف إلا إلى نشر روح الإحباط واليأس من إمكانية تحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام. وهنا نود أيضا أن نشير إلى حالة الهلع والقلق التي سادت لدى الكثيرين (قوى وأفرادا) من إمكانية نجاح الحوار وإنهاء حالة الانقسام الذي أصبح حاجة ملحة لمصالح هؤلاء بمختلف أشكالها سياسية ومادية».

وتطرقت الوثيقة إلى المشادة الكلامية التي وقعت بين الرئيسين (السوري) بشار الأسد و(الفلسطيني الرئيس محمود عباس) الأخ أبو مازن. وقالت: «نود هنا أن نوضح أنه وبعد الاتفاق على عقد اجتماع بتاريخ 20/10/2010 في دمشق برزت عقبة أمام ذلك وانعكست سلبا على مكان الاجتماع نتيجة الأجواء السلبية التي سادت قمة سرت (في ليبيا في 10 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي) حيث جرى نقاش اتخذ طابع الحدة بين الرئيسين (السوري) بشار الأسد والأخ أبو مازن (الرئيس محمود عباس) مما جعل الاجتماع يؤجل إلى وقت آخر. كنا حريصين في حركة فتح على تجاوز هذه السلبيات، وبعد معالجة الإشكال الذي حصل، تم الاتفاق على عقد الاجتماع في مكانه المتفق عليه دمشق بتاريخ 9/11/2010، ولكن نود أن نطرح سؤالا مهما هل بقيت الروح التي سادت اجتماع 24/9 كما هي؟».

وشككت الوثيقة في نوايا حماس بعد اجتماع سبتمبر بالقول: «ونود أن نوضح ما يلي:

أولا: لاحظنا وفور انتهاء الاجتماع 24/9 صدور سيل من التصريحات من قادة ومسؤولي حركة حماس من قطاع غزة كلها تتسم بالسلبية والانزعاج مما حصل في اجتماع 24/9 بل كانت هناك محاولة لتزوير ما حصل من خلال الحديث عن اتفاق على ملحق ومرفق بالورقة المصرية.. وحماس تعرف جيدا أنه لا صحة لذلك على الإطلاق، وكذلك إطلاق عبارة (التوافق) التي ترددها حماس باستمرار في كل صغيرة وكبيرة على النقاط التي تم الاتفاق عليها (لجنة الانتخابات، محكمة الانتخابات) وهي تعلم أيضا أنه لا صحة لذلك إطلاقا. واستمر سيل هذه التصريحات من غزة وامتد إلى تصريحات قادة حماس في دمشق (محمد نزال) الذي أطلق سلسلة من التصريحات التويترية متحدثا عن الضغط الأميركي على المصالحة.

ثانيا: نشر محضر لاجتماعات الفصائل المتواجدة في دمشق اتسم بالسلبية في تناول موضوع ما جرى في اجتماع دمشق 24/9، وحيث استخدمت لغة التحريض والتشويه بمواقف حركة فتح لخلق أجواء سلبية أمام الاجتماع اللاحق المقترح بين حركتي فتح وحماس، وتنصلت معظم الفصائل من المحضر المذكور متهمة الجبهة الديمقراطية بكتابة محضر خاص بها مناف لحقيقة ما جرى في اجتماع الفصائل المذكورة! ثالثا: رغم أن الخلاف الذي جرى حول مكان الاجتماع لا علاقة لحماس به وإنما هي نتيجة أجواء قمة سرت، حاول بعض الناطقين باسم حماس استغلاله لكيل الاتهامات لحركة فتح. وسرعان ما توقف ذلك بعد اتصالات مباشرة قامت بها حركة فتح مع حماس وطلبت منها عدم استغلال الإشكال.

رابعا: جرت محاولة أولا من بعض قادة حماس لإظهار ملف الأمن وكأنه هو عقدة العقد وضخمت الصعوبات أمام الاتفاق عليه. وشاركها في ذلك الكثير من (الأفراد والقوى) التي زاد رعبها من إمكانية نجاح المصالحة، متناسية أن المطلوب من الاجتماع هو فقط سماع ملاحظات فتح وحماس عما جاء حول ملف الأمن في الورقة المصرية، إلا أن لنا ملاحظات أساسية على ما ورد وسبق أن أعلنا مرارا وتكرارا أن ما كتب حول ذلك في الورقة المصرية هو أقرب، بل يلبي كل ما طلبته حركة حماس وهو:

إعادة بناء الأجهزة في الضفة وغزة. واستيعاب عناصر من أجهزة الأمن الشرعية في الأجهزة التي أقامتها حركة حماس بعد الانقلاب. وتشكيل اللجنة الأمنية العليا بالتوافق.

والحديث عما يسمى بجهاز (الأمن والحماية) وكأنه جهاز جديد إلى جانب الأجهزة الأمنية الأخرى».

وبعد شرح الأجواء التي سادت فترة ما قبل لقاء دمشق الثاني، تنتقل الوثيقة للحديث عن تفاصيل ما جرى في لقاء 10/11 الذي استمر نحو 8 ساعات بين وفد فتح الذي ضم عزام الأحمد عضو اللجنة المركزية.. مفوض العلاقات الوطنية، وصخر بسيسو عضو اللجنة المركزية.. مفوض التعبئة والتنظيم - قطاع غزة، وماجد فرج عضو المجلس الثوري.. رئيس المخابرات العامة، والدكتور سمير الرفاعي عضو المجلس الثوري.. عضو مفوضية العلاقات الوطنية. ووفد حماس الذي ضم موسى أبو مرزوق نائب رئيس المكتب السياسي، ومحمد نصر عضو المكتب السياسي، وصالح العاروري _ عضو المكتب السياسي، وإسماعيل الأشقر مسؤول الملف الأمني في المجلس التشريعي في قطاع غزة.

وتواصل الوثيقة: «عقد الوفدان جلستين على مدار يومين جرى نقاش عام حول ما تم بحثه والاتفاق عليه في لقاء 24/9، وتحديدا تشكيل لجنة الانتخابات المركزية وتشكيل محكمة الانتخابات، وشعرنا أنه نقاش مفتعل هدفه إضاعة الوقت والابتعاد عن بحث الموضوع الأساسي المحدد للقاء وهو موضوع (الملاحظات حول ملف الأمن). طلبت حماس خلال النقاش صياغة ما تم الاتفاق عليه حول المواضيع الثلاثة التي أنجزت بتاريخ 24/9. وكان ردنا أنه بعد الاتفاق على البند الرابع (الأمن) والتوقيع على الورقة المصرية في القاهرة، يتم صياغة محضر حول كافة التفاهمات وكذلك ملاحظات الفصائل الأخرى.

وعند حصر النقاش في موضوع الأمن في الجلسة الأولى تبين أن حماس ليس لديها سوى ملاحظة واحدة وهي إضافة كلمة التوافق بعد عبارة (تشكيل اللجنة الأمنية العليا)، رغم أن هذه الكلمة موجودة في نفس الفقرة التي تقول: (ويصدر الرئيس مرسوما بتشكيل اللجنة من ضباط مهنيين من ذوي الكفاءة بالتوافق).

وقلنا لهم ما دام الأمر كذلك اذهبوا إلى القاهرة للتوقيع على الورقة المصرية وبعد نقاش عام تأجلت الجلسة إلى اليوم التالي 10/11 وعدنا مرة أخرى إلى نفس النقاش الذي جرى في جلسة 9/11 ومحاولة حماس إضاعة الوقت في نقاش لا علاقة له بموضوع (ملف الأمن) ثم جرى تصحيح مسار الجلسة في موضوع الأمن حيث كررت حماس ملاحظتها بإضافة كلمة التوافق فبادرت فتح إلى طرح ملاحظتها حول ملف الأمن وهي:

* تشكيل اللجنة الأمنية العليا يتم وفق قانون الخدمة في الأجهزة الأمنية.

* إعادة بناء الأجهزة في غزة فقط وإعادة الهيكلة في غزة والضفة.

* تشكيل قوة أمنية مشتركة وليس استيعاب عناصر الأمن التي كانت تعمل في الأجهزة الشرعية في أجهزة الأمن التي أقامتها حماس بعد الانقلاب.

* لا يوجد شيء مستقل اسمه جهاز الأمن والحماية (استحدثته حماس في غزة) وإنما هذه مهمة من مهمات أجهزة الأمن.

وبعد عدة ساعات تم الاتفاق على تأجيل اللقاء إلى موعد لاحق بعد عطلة عيد الأضحى. و(قبل اختتام الجلسة) طلبت فتح منهم تحديدا ما سيبحث في اللقاء الجديد من ملاحظات حماس حول الأمن لأنه لا مبرر لعقد مثل هذا الاجتماع إذا كان لا توجد ملاحظات حول الأمن، تستطيع فتح الرد عليها في اللقاء. فاستفسر موسى أبو مرزوق من إسماعيل الأشقر عن ملاحظات حماس فكان رده أنها غير جاهزة وسيحضرها لاحقا.. وسيسلمها لنا في اليوم التالي، وطرحوا إصدار بيان صحافي فكان رد فتح لا داعي لبيان ولا لتصريحات صحافية لأنه لا يوجد شيء نقوله للناس. وبعد انتهاء الجلسة ومغادرة وفد فتح مقر حماس فوجئنا بسلسلة من التصريحات السلبية لقادة حماس رغم الاتفاق بعدم الحديث مع الإعلام حتى لا يصاب الناس بالإحباط وهذا يدل على أن هناك موقفا مسبقا لدى حماس بعدم التوصل إلى أي اتفاق في هذه الجولة وأبرزها: تصريح لإسماعيل هنية (رئيس وزراء الحكومة المقالة في غزة) قبل عقد الجلسة الثانية بين الجانبين يتحدث عن صعوبة وتعقيد المواضيع الأمنية. وتصريح مكتوب وموزع سلفا باسم عزت الرشق عضو المكتب السياسي قبل عقد الجلسة الثانية يتحدث عن التأجيل وبقاء الأبواب مفتوحة أمام المصالحة. وتصريح لأيمن طه يتحدث عن التأجيل قبل انتهاء الجلسة والاتفاق على ذلك. تصريح لأسامة حمدان في السياق نفسه.

وأمام سيل هذه التصريحات السلبية اضطررنا كحركة فتح أن نتحدث لوسائل الإعلام وللفصائل التي التقيناها. وأمام مهرجان جماهيري حاشد في مخيم اليرموك بمناسبة إحياء الذكرى السادسة لرحيل الشهيد الخالد ياسر عرفات، وكشف كل ما جرى في اللقاء حتى نضع الحقيقة أمام جماهير شعبنا. وانتظرنا يومين في دمشق دون تسلم أي ملاحظات من حركة حماس حسب وعدهم، غير أنه وفي لقاء مساء يوم 12/11 بين الأخ عزام الأحمد وخالد مشعل بناء على دعوة الأخير ولدى استفسار الأخ عزام عن ملاحظات حماس الذي استغرب مشعل إزاء عدم تسلمها، كلف محمد نصر الذي كان موجودا في اللقاء بإجراء الاتصالات مع بعض مسؤولي حماس تم بموجبها إحضار ورقة تتضمن ملاحظات حماس التي شملت ما يلي:

* التعاون والتنسيق الأمني مع العدو (إسرائيل) خيانة وطنية يعاقب عليها القانون.

* المقاومة حق مشروع لشعبنا الفلسطيني في الدفاع عن حقوقه وثوابته.

* سلاح المقاومة سلاح شرعي يجب المحافظة عليه لأننا ما زلنا في مرحلة تحرير وطني.

* اللجنة الأمنية العليا يجب أن تتشكل بالتوافق الوطني.

* نؤكد على أن إعادة البناء والهيكلة للأجهزة الأمنية الفلسطينية في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة.

* الاستيعاب حسب ما تم الاتفاق عليه في الورقة المصرية مربوط بالتدرج والتزامن مع تطبيق الاتفاق في الضفة الغربية.

وفي الحوار الذي جرى في هذا اللقاء عبر الأخ عزام الأحمد عن القناعة بأن حماس غير جاهزة للمصالحة ولا ترغب فيها ومن الواضح أن ما جرى في هذا اللقاء يومي 9 - 10/11 يؤكد هذا الانطباع، ويؤكد عدم وجود انسجام في حركة حماس حول ذلك ولا يوجد موقف موحد، وكان واضحا أن إسماعيل الأشقر جاء وكأنه ممثل للقيادة في غزة ليمنع أي اتفاق وهم أصحاب (الفيتو).

كما أن ورقة الملاحظات التي سلمت من حماس تدل على أن صياغتها جاءت لتبرير عدم الاتفاق حيث كل ما جاء فيها موجود في الورقة المصرية والفقرة الأولى التي تتحدث عما يسمى بالتنسيق الأمني مع الجانب الإسرائيلي هي مجرد صياغة استفزازية ادعت حماس أنها للرد على الملاحظات التي طرحها الأخ ماجد فرج في الاجتماع. كما أن سيل التصريحات غير الدقيقة والمفتعلة من قبل موسى أبو مرزوق وأسامة حمدان وغيرهما هي مجرد تبريرات للتهرب من التوقيع وكسب مزيد من الوقت. لا نريد أن نحلل أسبابها التي تؤكد عدم وجود قرار ورغبة من جانب حماس للذهاب للتوقيع على الورقة المصرية تمهيدا لإنهاء الانقسام والسير في طريق إنهاء المصالحة. وسندرس لاحقا عقد مزيد من اللقاءات مع حماس أمام ما حصل ومدى فائدته في إزالة العوائق أمام المصالحة وكذلك لا بد من بحث الأساليب لوضع حد للمراوغة والتسويف في الحوار على الطريقة الإسرائيلية في المفاوضات بل وكأنها تقليد أعمى لها.

كما نود أن نشير هنا لمسألة المصالحة أنها حاجة فلسطينية ملحة ويجب أن تثير فينا الرغبة في إنجازها وتعزز روح الأمل للسير نحو إنجازها، والمسألة ليست مسألة تفاؤل أو تشاؤم فموقع حركتي فتح وحماس واضح للعيان تاريخيا تجاه ذلك والتوقيع على الورقة المصرية هو بداية نحو المصالحة وإنهاء الانقسام ونعي تماما بعيدا عن السفسطة والسذاجة لدى البعض عمق الخلافات والتباين في البرامج والمواقف والرؤى السياسية، لكن لا بد أن نبدأ الخطوة الأولى لأننا نريد أن ننطلق نحو الوطن وحريته واستقلاله».