إطلالة جديدة

افتتاحية «الشرق الأوسط»

TT

الافتتاحية ليست تقليدا جديدا في تاريخ الصحيفة الذي يمتد قرابة 35 سنة، بل سبق أن كان للصحيفة لفترة طويلة افتتاحية في صفحات الرأي لا تحمل توقيع كاتبها، كذلك لفترة ما، كانت هناك ثلاث افتتاحيات، إحداها غير موقعة باسم كاتبها، والثانية سياسية المضمون تحمل توقيع الكاتب، وثالثة ذات مضمون متنوع بتوقيع الكاتب. وفي انطلاقة افتتاحية «الشرق الأوسط» الجديدة، رأينا أن تكون أسبوعية، وأن تكون بتوقيع هيئة التحرير.

وهنا لا بد من الإجابة عن سؤالين؛ الأول: لماذا بتوقيع هيئة التحرير؟ والثاني لماذا أسبوعية؟

للإجابة عن السؤال الأول، نعود إلى مفهوم الافتتاحيات الرئيسة في الصحف الجادة في عدد من كبريات الدول، التي تعبّر عن التوجه العام للصحيفة، وليس عن كاتب بعينه له رأيه المعروف عند القراء. وفي تقاليد الصحافة الجادة، لا يكتب المراسل أو المشرف المباشر على منطقة ما من العالم الافتتاحية، إذا كانت تقع في نطاق تخصصه، حرصاً على التجرد والموضوعية، بل يساهم فيها أفراد من هيئة التحرير أقل تواصلاً، وأقدر على التحليل الموضوعي من مراسل أو كاتب، عَايَش منطقة ما وارتبط ببعض تياراتها وقادتها شخصياً. وبالتالي، عندما تعد الافتتاحية بإسهام جماعي بعيد عن الانحياز المباشر، فإنها تكون أكثر موضوعية، وأقدر على تناول الموقف والموقف المعاكس.

على سبيل المثال، وبخاصة في الساحل الشرقي لأميركا حيث الصحف الكبرى ومراكز السيادة والمال، يتهم المحافظون بعض الصحف بأنها ليبرالية وتقدمية أكثر من اللزوم، في حين نجد التهمة نفسها توجه من الليبراليين إلى صحف أخرى، لأنها تميل إلى اليمين وأطروحاته.

هناك أمثلة عديدة لافتتاحيات الصحف وطبيعة الدور الذي تقوم به، فعلى سبيل المثال وفي الانتخابات الرئاسية الأميركية في عام 2012 حظي الرئيس باراك أوباما بدعم 41 مطبوعة، فيما حصل منافسه ميت رومني على دعم 35 مطبوعة، بينما امتنعت 23 مطبوعة على دعم أي من المرشحين الديمقراطي والجمهوري.

أما لماذا تكون أسبوعية، فالإجابة تنطلق من طبيعة المواضيع وأهمية الأحداث التي تستحق التناول الرصين، بشمولية وتعمّق. إن الأحداث والأزمات الكبرى، لا سيما تلك التي يكون لها وقعها الاستثنائي أو طولها الزمني المفضي إلى تراكمات وتعقيدات، تستحق أن ينظر إليها باهتمام خاص. فمعطياتها، أصلاً، لن تتبدّل بين ليلة وضحاها، وبناء عليه يكون من الضروري استيعاب وقائعها وتداعياتها، بدلاً من التعجل في إصدار الأحكام و«إنتاج» افتتاحيات يومية باهتة ومكررة. أيضا لا بد من الإشارة إلى أن الافتتاحيات الأسبوعية ليست استثناء في الصحف البريطانية العريقة، حيث ما زالت هناك صحف تحرص على أن يكون لها افتتاحيات أسبوعية تعالج، ومن ثم تعلق على القضايا المهمة التي تستمر تداعياتها لفترات طويلة. «الشرق الأوسط»، عبر كتاب صفحات الرأي فيها ستحافظ، بالتالي، على التعليق السريع والرأي الشخصي الشجاع، غير أنها في المقابل ستوفر للقارئ أيضاً، مجالاً تحليليا بعيدا عن القراءة الشخصية بغض النظر عن وجاهتها وأهميتها. ومن هنا نبدأ معاً اليوم، هذه التجربة الجديدة – القديمة في إطار مفهوم التطور الدائم، الذي كان وسيبقى عنواناً للصحيفة ومهنيتها وتفاعلها مع قارئها.