الخرطوم عرضت اعتقال بن لادن وتسليمه وأميركا دربت كوماندوز باكستانيين لاختطافه

رامسفيلد أطلع الرياض على الأدلة الأميركية ضد تنظيم القاعدة ولم يطلب منها استخدام قواعدها في العمليات

TT

كشف مسؤولون حاليون وسابقون لأول مرة تفاصيل عرض قدمته الحكومة السودانية لواشنطن عام 1996، وطرحت فيه اعتقال أسامة بن لادن الذي كان مقيما وقتها في الخرطوم، وتسليمه الى السعودية او الولايات المتحدة.

وقال المسؤولون ان الحكومة السودانية قدمت العرض خلال لقاءات ومحادثات سرية بدأت في الخرطوم وتواصلت في واشنطن. ولكن واشنطن صرفت النظر عن العرض برسالة بالفاكس، خصوصا بعدما فشلت ادارة الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون في اقناع السعودية بتسلم بن لادن من الخرطوم، اذ كانت السعودية وقتها سحبت الجنسية من بن لادن.

وترجع جذور العرض السوداني الى وجبة عشاء بمنزل وزير الخارجية ـ حينها ـ علي عثمان محمد طه بالخرطوم. وكان ذلك في 6 فبراير (شباط) 1996. وكانت تلك هي الليلة الاخيرة للسفير الأميركي تيموثي كارني قبل اخلاء السفارة ومغادرة السودان وفق تعليمات واشنطن.

ولأن علي عثمان طه كان يشعر بقلق شديد من تدهور العلاقات، فقد دعا السفير كارني وديفيد شين المسؤول عن شرق أفريقيا بوزارة الخارجية الأميركية لتناول العشاء بمنزله في تلك الليلة. وتساءل طه حينها عما يمكن ان تفعله بلاده لاقناع الولايات المتحدة بالتخلي عن رأيها القائل بأن السودان مسؤول عن «دعم دائم للارهاب العالمي».

وكانت بحوزة كارني وشين قائمة طويلة، وكان بن لادن، كما يذكران، قريبا من قمة القائمة. وكذلك كان الحال بالنسبة لأعضاء الجماعة الاسلامية المصرية الثلاثة الذين هربوا الى السودان بعد محاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك.

وبعد اقل من شهر من عشاء طه مع المسؤولين الأميركيين ارسل الرئيس السوداني عمر البشير مساعدا موثوقا به الى واشنطن، هو اللواء الفاتح عروة، الذي كان وقتها وزيرا للدولة بوزارة الدفاع. ووصل عروة الى واشنطن سرا حيث كان كارني وشين في انتطاره، ولكن الاجتماع اشرف عليه عملاء سريون من القسم الأفريقي بوكالة المخابرات الأميركية (سي آي ايه). وقدم الأميركيون مذكرة من صفحتين تحتوي على 6 مطالب. وكان المطلب الثاني في القائمة يتعلق بموضوع بن لادن.

بعد اسابيع من ذلك اللقاء، رفع عروة حدود العرض. وقال ان اجهزة الأمن السودانية يمكن ان تفرض على بن لادن مراقبة صارمة، بالوكالة عن الولايات المتحدة. واذا كان هذا ليس كافيا فان الحكومة مستعدة لاعتقاله وتسليمه لجهة لم تحددها. وفي احد الخيارات التي طرحها عروة قال ان السودان سيقبل اية قائمة اتهامات جنائية ضد بن لادن. واضاف ان السعودية هي اكثر الخيارات منطقية، لتسليمه اليها.

ولكن واشنطن بعد مشاورات واتصالات تراجعت عن قبول العرض السوداني وقبلت بدلا من ذلك ان يقوم السودان بترحيل بن لادن.

من ناحية اخرى كشفت مصادر اميركية مطلعة امس النقاب عن ان وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (سي آي ايه) دربت وجهزت عام 1999 مجموعة كوماندوز تابعة للاستخبارات الباكستانية مكونة من 60 فردا لدخول افغانستان بغرض اعتقال اسامة بن لادن او قتله. واضافت المصادر ان العملية احبطت بعد تولي الجنرال برويز مشرف السلطة في انقلاب عسكري في اكتوبر (تشرين الاول) من نفس العام.

وكانت الترتيبات الخاصة بالعملية المذكورة قد اجريت مع ادارة الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون ورئيس الوزراء الباكستاني السابق نواز شريف ورئيس الاستخبارات الباكستاني خلال فترة حكمه. واضافت المصادر ان الادارة الاميركية وعدت من جانبها برفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على باكستان وبتقديم معونة اقتصادية لها. وبدأت التحضيرات للخطة بعد اقل من 12 شهرا على الهجوم الذي شنته القوات الاميركية بصواريخ كروز على معسكرات تدريب تابعة لابن لادن داخل الاراضي الافغانية. على صعيد اخر أجرى أمس وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد مباحثات مع القيادة السعودية تناولت التطورات بعد الهجمات الارهابية الاخيرة. كما اطلع رامسفيلد الرياض على الادلة الاميركية حول تورط بن لادن، لكنه تحاشى ان يطلب استخدام المقاتلات الاميركية القواعد السعودية في اي هجمات تشنها الولايات المتحدة على افغانستان.

وقال رامسفيلد للصحافيين انه لن يطلب من السعودية السماح باستخدام قواعدها. ويذكر ان الرياض كانت قد رفضت السماح باستخدام اراضيها وقواعدها.

وأكدت القيادة السعودية للوزير الأميركي ضرورة التفريق بين الارهاب كعمل اجرامي وأعمال المقاومة الوطنية المشروعة للدفاع عن الحقوق والنفس. وتشمل جولة الوزير الأميركي الحالية كلا من عمان ومصر وأوزبكستان.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»