كابل ما بعد العمامة: تلفزيون ونساء يدخن

TT

اختفت العمامة من كابل، وحل محلها «الباكول» الأقرب الى الطاقية أو «البيريه» الذي أصبح يغطي كل الرؤوس، مستعيدا مكانته التي ازاحتها عنه حركة طالبان، أما البرقع أو «البروكا» الذي غطى وجوه النساء واجسامهن، فلا يزال ثابت القدم في العاصمة، لكنه لم يعد الزي الوحيد في الشارع، وانما سارت الى جانبه أزياء أخرى تراوحت بين الاعتدال والتطرف في الاتجاه المعاكس. عبرنا اسلاكا وحواجز وقطعنا خمسين كيلومترا وسط طرق ملتوية لم تسلم من القصف والحفر وتناثرت على جانبيها الدبابات والسيارات المحترقة، ووسط سلسلة من الخرائب التي لا حياة فيها، كنت واحدا ممن حملتهم السيارة الى فندق الكونتننتال، وهو الوحيد الذي لا يزال يعمل في المدينة.

في عالمنا العربي تعد الفنادق منازل المترفين، ويعير المناضلون اذا ما سكنوها تاركين وراءهم حياة الخنادق، لكن الفندق الذي نزلت فيه بكابل أجهض هذه الفكرة، اذ ساوى بين الفنادق والخنادق حين الغى المسافة بينهما، ويبدو ان الأنظمة المتعاقبة حرصت على تثبيت ذلك الوضع، لأنني لم أجد تغييرا يذكر طرأ على فندق الكونتننتال خلال العقد الأخير على الأقل، حتى اعتبرته تجسيدا للحالة البائسة التي آلت اليها العاصمة منذ تولى أمرها المجاهدون في عام 1992، ثم آلت الى حركة طالبان منذ عام 1996 . ولئن ظل الشكل كما هو عاكسا للخراب الذي حل بالعاصمة والبلد بأسره، الا ان المحتوى تغير كثيرا، وبدا معبرا عن احتمالات التحول التي تلوح في الأفق الأفغاني هذه الأيام.

ظهور التلفزيون، في البهو واختفاء العمامة من فوق رؤوس القاعدين فيه، وانتشار صور أحمد شاه مسعود بشكل لافت للنظر، مجرد قسمات يلحظها الداخل الى الفندق بمجرد ولوجه الباب، قادما من الخارج لأول مرة، لكن ما يجرى داخل الفندق، في قاعاته الأخرى وطوابقه المختلفة له دلالات أخرى أقوى وأعمق.