العلماء يتساءلون: هل تنظيف العالم من الأمراض المعدية خير كله؟

قضية تتفاعل وتشغل الرأي العام الطبي

TT

مفارقة عجيبة وأزمة يعيشها الوسط العلمي الطبي، إذ سرى بين العلماء انه ومع انتشار تطعيم الأطفال وحتى الكبار ضد الإصابة بالأمراض المعدية وبالتالي تدني حالات أمراضها، فإن أمراضاً لم تكن في السابق منتشرة أصبحت كذلك اليوم. ليس هذا فحسب، بل أن هناك من يطرح قضية جدوى تنظيف العالم من أنواع معينة من الأمراض المعدية وهل يستحق الأمر كل هذا الجهد والعناء؟ وهل ستجني البشرية فائدة من ذلك أم أن الفكرة لم تنظر بعمق إلى تاريخ صراع البشرية الطويل مع الميكروبات؟ وهل ستجتاح العالم موجات من الأوبئة الفتاكة من تلك التي كان البشر أقدر في السابق على مقاومتها، أم أن المخاوف مبالغ فيها؟

وأوضح أمثلة القضية المطروحة اليوم، هو مرض الحزام الناري الذي يصيب الكبار وينجم عن عودة النشاط لفيروس «فارسيلا زوستر» الكامن في الجسم، فمع انتشار تطعيم الأطفال بلقاح الجديري المائي Chickenpox أو ما يعرف بالعنقز، انتشرت حالات مرض الحزام الناري بين البالغين بشكل لم يسبق له مثيل، وتحديداً بالتزامن مع التناقص في حالات الجديري المائي لدى الأطفال المطعمين. والسبب قد يبدو غاية في الغرابة لكنه حقيقة، فوجود حالات العنقز في المجتمع أمر يعطي حماية للبالغين من نشاط الفيروس الكامن في أجسادهم. وهو ما يعد جزءا من وسائل تقوية «مناعة القطيع» في المجتمعات ضمن آثار النظرية الطبية القديمة التي تقول لولا وجود المرضى لما كثر عدد السليمين. فالذي يبدو أننا في سبيل منع مرض العنقز نزيد من نسبة الإصابة بمرض آخر تفوق الوفيات الناتجة عنه ثلاثة أضعاف ما يحصل في مرض العنقز، وحاجة دخول مرضاه للمستشفى تفوق خمسة أضعاف حالات العنقز من الأطفال. المثال الحديث الآخر يوضح المقصود، فبعض الباحثين من السويد وفنلندا أعلنوا نتائج دراسة حول «ضرر حرمان الأطفال من التعرض للأمراض المعدية!»، وذلك ضمن فعاليات المؤتمر العالمي لجراحة وأمراض القلب المنعقد هذه الأيام في العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس. وبينت دراسة للدكتور إيرك بينسن من المستشفى الجامعي بالسويد أن تعرض الأطفال للأمراض الفيروسية والبكتيرية المعدية كالجديري المائي والحمى القرمزية والحصبة والحصبة الألمانية والنكاف وغيرها، هو ما يقلل من عرضة إصابة المرء في الكبر بأشد أمراض العصر فتكاً وانتشاراً وهي أمراض شرايين القلب.