نص اللقاء الكامل لعبد الحليم خدام مع قناة العربية

TT

أحدث اللقاء الذي أجرته قناة "العربية" (وبث الاثنين 2 يناير 2006م، 02 ذو الحجة 1426 هـ) مع نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام الكثير من ردود الأفعال الأقليمية والدولية وكان مدار نقاش وجدل على الصعيدين الشعبي والرسمي في سوريا، وفيمايلي ينشر موقع قناة "العربية. نت" النص الكامل لحديث خدام، والذي اجراه معه مراسل "العربية" في باريس حسين فياض قنيبر:

حسين فياض قنيبر: مشاهدينا الكرام ضيفنا في هذه المقابلة الخاصة هو عبد الحليم خدام نائب الرئيس السوري السابق، رافق الرئيس الراحل حافظ الأسد 55 عاماً في العمل الحزبي، وفي الدولة رافقه على مدى 35 عاماً كوزير للخارجية بدءاً من العام 70، وكنائب لرئيس الجمهورية بدءاً من العام 84، ومع وصول الرئيس بشار الأسد إلى الحكم بوفاة والده احتفظ خدام بكل مناصبه الحزبية والرسمية لكن وهجه لم يبق، واضطر في وقت لاحق إلى الاستقالة من كل مناصبه الحزبية والسياسية.

ما هو سر القطيعة بين الرجل القوي في نظام حافظ الأسد وبين بشار حافظ الأسد؟ أبو جمال سيتحدث في هذه المقابلة عن سوريا داخلياً وخارجياً، وعن لبنان، وعن أسباب انهيار علاقات لبنان بسوريا، وكذلك عن التعاطي السوري مع الملفين العراقي والفلسطيني، عبد الحليم خدام أهلاً بك على شاشة العربية.

عبد الحليم خدام: شكراً أهلاً بك.

حسين فياض قنيبر: بداية أنت هنا في باريس مبعداً أم مبتعداً لماذا؟ وإلى متى؟

عبد الحليم خدام: الواقع لست مبعداً ولست مبتعداً، جئت إلى باريس ليتسنى لي كتابة مرحلة هامة من تاريخ سوريا والمنطقة، في هذه المرحلة كنت أحد القياديين الأساسيين في التخطيط وفي التنفيذ في مجال سياستنا الخارجية، ورأيت أن من واجبي الوطني أن أؤرخ هذه المرحلة لتطلّع الأجيال وليطلّع الناس على الحقائق والوقائع الصحيحة، حيث استطعنا أن نحقق لسوريا مكانة مرموقة في المجالين أو في الساحتين العربية والدولية، في باريس أستطيع الكتابة بهدوء بعيداً عن الضجيج السياسي الموجود في سوريا، فآثرت الابتعاد من أجل الكتابة وليس الابتعاد عن العمل السياسي، وسأعود إلى دمشق، وسوريا هي في قلبي وفي عقلي.

حسين فياض قنيبر: هل جئت إلى باريس بعد تعرضك لتهديد من جهة معينة في سوريا أو بعد تعرضك للتضييق عليك؟

عبد الحليم خدام: جئت إلى باريس من أجل الكتابة، لم أتعرض لا لإساءة ولا لتهديد، وخرجت وعلاقاتي مع الرئيس بشار الأسد علاقات حسنة وودية، والخلاف في وجهات النظر لا يغير شيء، لي وجهات نظر مختلفة، لكن قبل سفري ودعته ويعرف أني سأقيم طويلاً من أجل الكتابة، فما يقال حول تهديد وحول مضايقة غير صحيح يعني حتى الآن غير صحيح.

حسين فياض قنيبر: لماذا حتى الآن؟ يعني هل تتوقع أن تصدر تهديدات معينة لاحقاً؟

عبد الحليم خدام: يعني أتوقع أن يقوم بعض الذين ضللوه في تحريضه..

حسين فياض قنيبر: هل تخشى في حال عودتك من محاكمة؟ أو فتح بعض الملفات ضدك؟

عبد الحليم خدام: أولاً السوريون جميعاً يعرفون من هو عبد الحليم خدام، ويعرفون التضحيات التي قدمتها من أجل إعلاء كلمة سوريا، ويعرفون الجهود التي بذلتها من أجل أن تكون سوريا رفيعة في مقامها وموقعها، ويعرفون أنني تعرضت لخمس محاولات اغتيال ليس لأني اختلفت في كازينو قمار مع أحد، لكن لأني كنت المدافع القوي عن سياسة سوريا، يعرفون كل ذلك، وبالتالي إذا جَرُأ أحد على التفكير بمحاكمتي يجب أن يحسب أنه سيكون في يوم في قفص الاتهام.

حسين فياض قنيبر: يعني هل هناك ملفات يمكن أن تستحضرها للآخرين؟

عبد الحليم خدام: لديّ الكثير.. لديّ الكثير مما أقوله، لكن أنا.. هناك الكثير لا أقوله لمصلحة سوريا، لمصلحة البلد، ومن يحاول أو يفكر بذلك يعرف ما لديّ، يعرف جيداً ما لديّ، ويعرف أن لديّ أمر كثير وخطير.

حسين فياض قنيبر: بماذا يتعلق هذا الأمر الخطير؟ وبمن يتعلق تحديداً؟

عبد الحليم خدام: مصلحة سوريا تقتضي أن لا أتحدث.

حسين فياض قنيبر: عائلتك عبد الحليم خدام أين تقيم الآن؟ هل هي هنا في فرنسا؟ أم أن قسماً منها بقي في سوريا؟

عبد الحليم خدام: هي في دمشق ولكن جاءوا إلى باريس لقضاء إجازة الأعياد.

حسين فياض قنيبر: إذاً سيعودون وهم ليسوا هنا لأسباب أمنية؟

عبد الحليم خدام: سيعودون.

حسين فياض قنيبر: في آخر لقاء لك مع الرئيس بشار الأسد كيف كانت أجواء اللقاء؟ هل حصلت مشادة أو نقاش حاد بينكما؟ ماذا قال لك؟ ماذا قلت له؟

عبد الحليم خدام: الواقع في جميع لقاءاتنا كانت اللقاءات ودية، وهو الرجل يعني هذا الرجل يتصف بأدب رفيع في حديثه مع الناس، وكان يبدي لي مودة واحتراماً، وأعتقد قسم كبير من ذلك يعود إلى معرفته بطبيعة العلاقة بيني وبين والده، لم أسمع منه أية كلمة تؤذي مشاعري أو تسيء لي، وعندما غادرت قبل مغادرتي بيومين استقبلني وكان الحديث ودياً وشاملاً، وبالتالي هناك اختلاف في وجهات النظر، ولكن هناك احترام متبادل.

حسين فياض قنيبر: عبد الحليم خدام يُقال أنك تركت سوريا في الزمن الصعب، تركتها عندما لم يعد لديك هذا الموقع الذي استفدت منه سابقاً، بماذا تردّ؟

عبد الحليم خدام: تركت سوريا في الزمن الصعب هذا صحيح، تركتها من أجل سوريا، أنا كما أشرت أريد كتابة تاريخ مرحلة كنت عاملاً أساسياً في هذه المرحلة.

حسين فياض قنيبر: أنت أول مسؤول سوري على هذا المستوى يقدم استقالته من قيادة الحزب ومن الدولة، هل يعود ذلك إلى خلاف مع الرئيس بشار الأسد شخصياً؟ أم لأسباب أخرى؟

عبد الحليم خدام: أنا تعرفت على الرئيس بشار الأسد في عام 1998 في المرحلة التي كان والده يُعدّه بها لوراثته، وجرت عدة لقاءات بيننا، كان محور هذه اللقاءات الوضع الداخلي، الوضع العربي، الوضع الدولي، وكانت وجهات نظرنا متفقة على وجوب تحقيق إصلاحات جدية في سوريا، إصلاحات سياسية تتناول توسيع المجال الديمقراطي، وحرية العمل الحزبي، والحريات العامة، والحريات الفردية، كما ناقشنا الوضع الاقتصادي، والحاجة إلى إصلاحات اقتصادية أيضاً جذرية، توفر لسوريا القدرات من أجل رفع مستوى معيشة الناس، ومن أجل محاربة البطالة، وتوفير متطلبات الدفاع الوطني، وناقشنا الوضعين العربي والدولي، وكنا متفقين على كيفية التعامل بما يخدم مصالح سوريا والأمة العربية، ولذلك عندما تسلّم رئاسة الجمهورية قررت التعاون معه، وتقديم كل العون والمساعدة، وأن أضع خبرتي المتراكمة خلال السنين الطويلة في العمل السياسي، وأن أضع معرفتي بما يؤدي إلى ضمان مصالح البلاد.

بعد أدائه القسم قدمت له دراسة حول تطوير الحزب، وتطوير الحزب يعني تطوير النظام السياسي في سوريا، وتناولت في هذه الدراسة عدد من المواضيع منها: قضية الحريات والديمقراطية، الوضع الاقتصادي، وكيفية الخروج من الأزمة الاقتصادية التي تعيشها سوريا، مسألة العلاقة بين الإسلام والعروبة، ومسألة الحداثة، وناقشته في هذه المذكرة، بعد النقاش قال: فلنناقش هذا الأمر في قيادة الحزب، في قيادة الحزب عندما عُرض الموضوع كانت له وجهة نظر أخرى وهي البدء بالإصلاح الاقتصادي قبل الإصلاح السياسي، ولست مبالغاً إذا قلت أن أعضاء القيادة وافقوا على وجهة نظر الرئيس بشار الأسد، بعد ذلك قدمت مجموعة من الدراسات الاقتصادية والتي أعددتها بالاتفاق أو بالتعاون مع مجموعة من الخبراء، علماً أني مارست العمل كوزير للاقتصاد لمدة سنتين، ولي اهتمامات واسعة بالشأن الاقتصادي لأني أعتبره الأساس في تحقيق النهوض في البلاد، وفي توفير الأمن والاستقرار الاجتماعيين، وفي تأمين متطلبات الصمود، كما قدمت له كانت الدراسة حول تطوير الحزب في 23 تموز أي بعد أدائه القسم الدستوري بأيام، وفي 9 آب قدمت له دراسة تحليلية عن الوضع الدولي، تتناول الأوضاع الدولية والإقليمية والعربية وتطوراتها بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وتوازن القوى الدولي، وسياسات الدول الكبرى ودول الجوار الجغرافي، والعلاقات العربية، وفي الحديث في الدراسة عن القوى الدولية تحدثت عن السياسة الأميركية، وكيف يُصاغ القرار السياسي في الولايات المتحدة الأميركية، والعوامل التي تؤثر في هذا القرار، وكيف يعجز العرب رغم إمكانياتهم الكبيرة عن أن يكون لهم دور في رسم هذه السياسة بينما المجموعات اليهودية تمارس ضغوطاً كبيرة، واقترحت مجموعة مقترحات للتعامل مع الولايات المتحدة الأميركية، وأبرز هذه المقترحات هي إتباع سياسة الحوار وليس سياسة المواجهة، سياسة الحوار مع التمسك القوي في الثوابت الوطنية والقومية، لأنني أدرك أن التفريط بهذه الثوابت أو ببعضها أو ببعض قليل منها سيؤدي إلى سلسلة لا نهاية لها من التنازلات، كما تحدثت عن التعامل مع أوروبا وبصورة خاصة مع فرنسا، عن تركيا، عن إيران، وعن العلاقات العربية قدمت مجموعة من المقترحات بشكل أن المذكرة تُشكّل إستراتيجية للسياسة الخارجية لسوريا، وأعتقد لو أن الرئيس بشار الأسد تبنى هذه الإستراتيجية لما وقعت سوريا في هذه الحقول من الألغام، ولما واجهنا هذه الصعوبات الخارجية والداخلية، لأن المشكلة الكبرى هي أن الدولة عندما لا تكون لها سياسة تكون سائرة في طريق مليئة بالألغام وفي ظلام دامس، ركزنا في القيادة على الموضوع الاقتصادي، اتخذنا قرارات في تشرين الأول عام 2000 تتضمن مجموعة هامة من الإصلاحات الاقتصادية، وأُرسلت إلى مجلس الوزراء فنامت هناك ولم يجرِ تنفيذ أياً من هذه القرارات، بعد سنتين ازداد الوضع الاقتصادي سوءاً، ازدادت حدة الأزمة الاقتصادية، ازدادت البطالة ازداد الفقر، جاء الرئيس إلى القيادة القطرية وقال: يجب أن نبدأ بالإصلاح الإداري، لأن الإصلاح الاقتصادي لا يتحقق بدون إصلاح الإدارة، طبعاً هذه نظرية صحيحة، لكن متى طُرحت؟ طُرحت في عام 2003 أو في أواخر 2002، قلنا طيب نبدأ بالإصلاح الإداري، قدمت دراسة حول الإدارة في سوريا وكيفية إصلاح هذه الإدارة في مستوياتها المختلفة، والأسس التي يجب أن تقوم عليها الإدارة الحديثة، وفي إحدى زياراتي إلى فرنسا التقيت الرئيس جاك شيراك وتمنيت عليه أن يُقدم أو أن يبعث لنا بمجموعة من الخبراء تدرس الإدارة في سوريا وكيفية تطويرها وتحديثها، وجاءت بالفعل مجموعة من الخبراء، ودرست وقدمت مقترحات، ونامت هذه المقترحات في أدراج الحكومة ولم ينفذ منها شيء، عندئذ تشكّلت لديّ القناعة أن عملية التطوير والإصلاح سواء كان سياسياً أو اقتصادياً أو إدارياً لن تسير فقررت الاستقالة، وكان آنذاك وكنا آنذاك على أبواب التحضير لمؤتمر قطري قررت الاستقالة في المؤتمر، هنا عادت القيادة لطرح موضوع جديد وهو تطوير فكر الحزب على اعتبار أن تطوير فكر الحزب يُشكّل القاعدة لتطوير المجتمع والدولة، ومع قناعتي بعدم جدية هذه المحاولات فقد أعددت دراسة طويلة نسبياً عرضت فيها تطور الحزب في مراحل مختلفة منذ تأسيسه، وأين كان الحزب يصيب وأين كان يخطئ، وخلصت إلى مجموعة من المفاهيم، مثلاً قضية الوحدة العربية كان الفهم لدى الحزب أن الوحدة العربية هي الوحدة الاندماجية كما حدث مع مصر، فأطلقت مفاهيم أخرى وهي أن الوحدة العربية يجب أن تبدأ بتوحيد المصالح بين الدول العربية وإزالة الحواجز الاقتصادية، وتوحيد مناهج التعليم حتى نزيل ما ترسب من عوامل سلبية خلال قرون من الانفصال بين الأقطار العربية، وأعطيت وفرقت بين مفهومي الأمة والقومية، فقلت القومية هي الرابطة التي تربط بين الفرد وبين القوم الذي ينتمي إليهم، أما الأمة فهي تُشكّل مجموع الناس الذين يعيشون في الوطن بغض النظر عن قوميتهم، وبالتالي فالأمة العربية لا تعني فقط العرب الموجودين في الوطن العربي، وإنما تعني كل الناس الذين يعيشون في هذا الوطن سواء كانوا عرباً أو كرداً أو تركماناً أو بربراً أو آشوريين أو غير ذلك، هناك أمة فرنسية ولكن هذه الأمة فيها من جذور مختلفة، هناك أمة أميركية متعددة الثقافات ومتعددة القوميات، ولكن هناك أمة أميركية وهناك وطن أميركية، فتسمية الأمة تُنسب إلى الأرض إلى الوطن، أما القومية تسمية القومية تُنسب إلى القوم والعلاقة بين الفرد وبين القوم، وكان الهدف من هذا التعريف هو احتواء الانشقاقات أو التمزقات في الوطن العربي المكون من قوميات متعددة في المشرق العربي وفي المغرب العربي، كما أعطيت فهماً جديداً للاشتراكية، وهو أن الاشتراكية تعني زيادة الإنتاج وزيادة الموارد لرفع مستوى الناس وتحقيق العدالة، وأكدت على الحاجة إلى إزالة كل العقبات أمام الاستثمار الوطني في التنمية وأمام الاستثمار الخارجي على أن لا يؤدي إلى المس باستقلال البلاد، بالنسبة للحرية أعطيت أيضاً مفهوماً يقول أن: الحرية هي مكون أساسي للإنسان، العقل والحرية هما المكونان الطبيعيان للإنسان، والشعوب التي تقيد حريتها شعوب محكوم عليها بالتخلف، لأن تقييد الحرية وزرع الخوف ومصادرة التفكير من شأنه أن يولد الخوف ويولد التخلف، وقلت يجب إطلاق الحريات العامة والفردية بما في ذلك حرية العمل الحزبي، وقلت أيضاً أن الحزب لا يجوز أن يخاف من الرأي الآخر، وعندما يخشى الحزب الحرية ويخشى الرأي الآخر فكأنما حكم على نفسه بالعجز.

لماذا لم تطرح الأفكار الأصلاحية

حسين فياض قنيبر: سيد عبد الحليم خدام يعني السؤال الذي يطرح نفسه من خلال ما قلته الآن هو أنت بقيت في العمل الحزبي وفي الدولة من ثلاثين إلى أربعين عاماً، لماذا لم تطرح هذه الأفكار الإصلاحية والأفكار حول الحرية والرأي الآخر قبل ذلك؟

عبد الحليم خدام: سأعود إلى هذا الأمر لكن دعني أكمل موضوع أسباب الاستقالة، وتحدثت عن الديمقراطية وعن الأحزاب وعن حرية الانتخابات، كل هذه الأمور موجودة، أخذنا في المناقشة أكثر من سنة، وجاء المؤتمر القطري ولم تصدر القرارات التي كان يجب أن تصدر، فاللقاءات التي كانت تجري بيني وبين الرئيس بشار الأسد وكانت تجري تقريباً كل أسبوع أو كل عشرة أيام، في كل لقاء كنت أركز على مسألتين أساسيتين، الأولى الضغوط الخارجية، والثانية الوضع الداخلي، وكانت وجهة نظري أنّا لا نستطيع أن نواجه الضغوط الخارجية ووضعنا الداخلي بهذا الشكل، نصف الشعب السوري يعيش تحت خط الفقر، والنصف الآخر يعيش على التوازي مع خط الفقر، وقلة صغيرة من الناس تعيش في بحبوحة، لا نستطيع أن نواجه الضغوط الخارجية والشعب السوري مصادرة حريته وممنوع عليه العمل السياسي، وتتسلط عليه أجهزة الأمن، وشبهت الوضع في سوريا في مرات عديدة أنه ككومة القش، صحيح حتى الآن قوى المعارضة ليست كبيرة، مع أن جميع أطراف قوى المعارضة هي أطراف وطنية ومخلصة للبلاد ولم تتخذ أي موقف بشأن الإضرار بمصالح البلاد، لكن مع ذلك..

حسين فياض قنيبر: بما في ذلك الإخوان المسلمون.

عبد الحليم خدام: بما في ذلك الإخوان المسلمين نعم، وسأتحدث عن ذلك فيما بعد، شبهت البلاد بكومة القش تحتاج.. أي عود كبريت ممكن أن يشعلها، وقلت علينا أن ننتزع أعواد الكبريت من خلال تعزيز الوحدة الوطنية والحوار مع كل قوى المجتمع والوصول إلى صيغة تعزز الجبهة الداخلية، حتى الإصلاح الاقتصادي حتى الإصلاح الإداري حتى الإصلاح السياسي يحتاج إلى دعم شعبي كبير، لأن كل عملية إصلاح تحتاج إلى قرارات جريئة وإلى قرارات قد تكون متعبة في مرحلة صدورها لكن لا بد منها من أجل المستقبل، ومن أجل امتصاص ردود الفعل لا بد من الوحدة الوطنية حتى تحمي عملية الإصلاح، وعملية الإصلاح في سوريا تعادل تماماً عملية حماية الوطن من الضغوط الخارجية، بعد ذلك بعد هذه السنوات راجعت نفسي، ووضعت نفسي أمام أحد خيارين: إما أن أكون مع الوطن، وإما أن أكون مع النظام، إما أن أختار الوطن أو أختار النظام، اخترت الوطن لأنه هو الحقيقة الثابتة، والنظام هو حالة عارضة في تاريخ البلاد كغيره من الأنظمة في البلدان الأخرى، الآن في هذه المراجعة ماذا وجدت؟ إنفراداً في السلطة، وتمركز في السلطة كبير بشكل غابت فيه المؤسسات الدستورية تماماً، غابت فيه قيادة الحزب وقيادة المنظمات الشعبية، وأصبح دورها جميعاً هو تغطية القرار الذي يصدر عن الرئيس، الأمر الثاني توقفت عملية الإصلاح فازداد التسيب في الدولة وازداد الفساد، لدرجة أن موظفاً سابقاً في الأمن العام قبل عام 1970 كان يتقاضى راتباً لا يزيد عن 200 ليرة سورية، توفي عن ثروة تعادل 4 مليارات دولار، وموظف آخر محاسب في شركة طيران قبل عام 1970 يملك وأولاده ثروة لا تقل عن 8 مليارات دولارات، في الوقت الذي يزداد فيه الفقر، وتزداد فيه الحاجة إلى موارد البلاد.

حسين فياض قنيبر: هل لنا أن نعرف بعض الأسماء سيد عبد الحليم خدام؟

عبد الحليم خدام: هم من الدائرة الضيقة المحيطة بالرئيس دائرة الأقرباء والأصدقاء، في الوقت الذي تشكو فيه ميزانية الدولة نقص الموارد يعطى امتياز الاستثمار الهاتف النقال إلى شركتين واحدة يملكها قريب، والأخرى يملكها صديق، الدخل الصافي للشركتين السنوي يعادل 700 مليون دولار أي مبلغ يقارب 1/6 موازنة الدولة، هذا الأمر ظاهرة ملفتة وغير مسبوقة في الحياة السياسية في سوريا منذ الاستقلال.

حسين فياض قنيبر: ماذا تقصد بالقريب هل لنا أن نحدد من هو القريب؟

عبد الحليم خدام: الأقرباء يعني ابن العم ابن الخال ابن العم يعني الدائرة القريبة من الأقرباء يعني، والدائرة القريبة من بعض الأصدقاء هذا هو المقصود، عندما لا يجد ملايين السوريين ما يأكلونه، وعندما يبحث بعضهم عن الطعام في القمامة تتراكم الثروة بأيدي مجموعة قليلة من الناس وبشكل غير مشروع، لأن القانون غائب، الحاضر هو مصالح الدائرة الضيقة التي تحيط في الحكم، وهنا السؤال كيف نطلب من الناس من ملايين العاطلين عن العمل من مئات الألوف من عشرات الألوف من حملة الشهادات الجامعية الذين تعبوا ودرسوا في تحصيل العلم لا يجدون فرصة للعمل، وهناك أعداد كبيرة منهم تعمل في أعمال لا تتناسب إطلاقاً مع ما يحملونه من شهادات، بينما نجد مواطناً قريباً حديث التخرج من الجامعة يملك مليارات الدولارات وهكذا، إذاً رأيت أن موضوع الفساد يستشري، موضوع الفقر يزداد، موضوع الخلل في الدولة يتعاظم، موضوع التسلط على الحريات مستمر، فلم يبق أمامي إلا أن أغادر هذا النظام الذي أمضيت فترة طويلة من عمري في بنائه حتى تكون سوريا في موقع القرار في المنطقة، وفي موقع مهم في الساحة الدولية، فخسرنا كل ذلك خلال سنوات خمس.

حسين فياض قنيبر: يعني كي نكون موضوعيين سيد عبد الحليم خدام كل ما تطرحه عن ضرورة الإصلاح ومنح الحرية للناس ووقف تسلط أجهزة الأمن عليهم، كل ذلك لماذا لم تطرحه عندما كنت في موقع القرار على مدى ثلاثين عاماً أو أكثر من ثلاثين عاماً في الدولة السورية؟

عبد الحليم خدام: نحن لو عدنا إلى مؤتمرات الحزب منذ عام 1971 حتى عام 2005 وإلى اجتماعات القيادات القطرية خلال تلك المرحلة، نجد أن وجهات نظر كنت أطرحها مبنية على أساس تطوير البلاد، وتحقيق المنطلقات التي قامت عليها حركة تشرين عام 1970، قامت الحركة على أساس الانفتاح ومشاركة الشعب، وتم وضع دستور على هذا الأساس، وتم إطلاق حرية الأحزاب السياسية في تلك الفترة، ثم بعد ذلك جاءت تراكمات سلبية، لكن بعد انهيار الاتحاد السوفيتي والتطورات الهائلة التي جرت في العالم في مجال المبادئ والقيم والفكر وأنماط الحياة المترافقة مع الثورة في مجال المعلوماتية لاسيما في مجال نقل المعلومات ومجال الاتصال، ومع طرح الإدارة الأميركية سياسة العولمة، ومع بروز قضايا كانت نائمة في ظل الانضباط الذي فرضه التوازن الدولي بين القوتين العظميين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي كالأصوليات القومية العرقية والأصوليات الدينية والأصوليات القبلية والأصوليات الطائفية، يعني بدأ العالم يتحرك باتجاه مختلف عن تحركه في ظل الحرب الباردة، عندئذ ترسخت قناعتي بأن على العرب أن يعيدوا تأهيل أنفسهم في التغيير في أنظمتهم، وفي اعتبار الشعب مصدر السلطة، وفي تطوير عقولهم وفي إطلاق الحريات، لأن الحرية وحدها هي التي تطلق كوامن العقل، وهي التي تطلق حركة التجديد وحركة النهوض في أي بلد، عندما تغير الأحزاب الشيوعية عقائدها وتتخلى عن الماركسية لتصبح أحزاباً ليبرالية، وعندما تقوم الصين وهي الدولة الشيوعية الأكبر في العالم بالانتقال إلى مرحلة أخرى لا علاقة لها بالماركسية، وعندما تغيّر فيتنام منطلقاتها وبنية الدولة إلى مرحلة لا علاقة لها بالماركسية، يجب أن نستنتج أنه لا يمكننا أن نعيش في هذا العصر في معطيات عصر آخر قد مضى، وبالتالي يجب أن تجري عملية التغيير حتى يتمكن العرب ونتمكن نحن في سوريا من التعامل مع العالم الجديد، ومن مواجهة مفرزات هذا العام، العولمة أصبحت حقيقة، الآن حدث يحدث في أستراليا بعد ثواني تسمعه في دمشق، إذاً لم يعد بالإمكان حبس المعلومة عن الناس، العولمة أصبحت حقيقة في المجال الثقافي في المجال الاقتصادي في المجال الأمني، كيف نستطيع أن نتعامل مع عالم بمكونات غير مسبوقة، بينما نحافظ على مكوناتنا الفكرية والسياسية التي نشأت في ظل الحرب الباردة، في ظل الحرب الباردة كان هناك الاتحاد السوفيتي، وكان يُشكّل دعماً كبيراً لسوريا في سياساتها الداخلية والعربية والدولية، رحل.. انهار الاتحاد السوفيتي أصبحت سوريا مكشوفة لا تستطيع أن تعوض الدعم السوفيتي إلا من خلال مراجعة البنية الداخلية من خلال تعزيز الوحدة الوطنية، من خلال مشاركة الناس.

حسين فياض قنيبر: سيد عبد الحليم خدام أنت تقول أنك حاولت طرح أفكار إصلاحية وهم أي الرئيس بشار الأسد وفريقه لم يتجاوبوا مع ذلك، ولكن ما تردد سابقاً كان العكس، وهو أن الرئيس بشار يطرح أفكاراً إصلاحية ويعيق هذه الأفكار والحرس القديم وأنت من ضمنه هذا ما قيل بداية؟

عبد الحليم خدام: سأجيب على هذا السؤال بعد أن أكمل الجهود التي بذلتها، في عام 1998 كان هناك في جنوب إفريقيا مؤتمر لقمة عدم الانحياز، وشاركت في هذا المؤتمر ممثلاً لسوريا، كان الموضوع العولمة، بعد عودتي قدمت عرضاً سياسياً لاجتماع يضم الكوادر الحزبية المتقدمة في الحزب، وتحدثت عن العولمة وعن المناقشات التي جرت، وعن مخاوف البلدان النامية من العولمة، وقلت لا نستطيع أن نستمر بالوضع الذي نحن فيه، يجب علينا أن نعيد تأهيل النظام وأن نعيد تأهيل المجتمع وأن نعيد تأهيل الدولة، لا يجوز أن يغيب مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين، وركزت على موضوع الحرية ومما قلته مصادرة الحرية تترك إحدى حالتين: إما العقم في العقل وعقم العقل يولد التخلف، وإما الحقد والحقد يولد التطرف وكلاهما خطر على الأمن والاستقرار في البلاد، وقلت لا خيار إطلاقاً أمام سوريا للنهوض إلا بإطلاق الحريات العامة والفردية، هذا الحديث جرى نقاش حوله في القيادة، بعض أعضاء القيادة اعتبر الحديث خروجاً عن ثوابت فكرة الحزب، وكان ردي أن الثابت هو عقيدة الحزب ولكن فكر الحزب يتغير بتغير ظروف المرحلة، في مرحلة قلنا لا للتفاوض مع إسرائيل، ولكن جاءت ظروف أخرى تفاوضنا مع إسرائيل، إذاً لا يمكن تجميد البلاد بفكر وُضع في مرحلة معينة، الاتحاد السوفيتي كان أقوى دولة في العالم دولة عظمى تملك إمكانيات هائلة، ما سبب انهيار الاتحاد السوفيتي؟ هو جمود الفكر والاستفراد بالسلطة والانفراد بالسلطة، في عام2001 في عام 2000 كان أول 2000 أجريت مقابلة مع مجلة المنابر اللبنانية، وكان هناك عدة مواضيع، لكن أهم هذه المواضيع موضوع الديمقراطية والحرية، وكانت وجهة نظري واضحة، وتساءل الكثيرون هل ما يطرحه أبو جمال وجهة نظره أم هي وجهة نظر النظام؟ وكان ردي أن هذه وجهة نظري، ثم أصدرت كتاباً تحت عنوان: "النظام العربي المعاصر" وهو نقد وهو كتاب تحليلي ونقدي للنظام العربي المعاصر، وطرحت فيه وجهة نظري كاملة وسأقرأ عليك بعض السطور: (إن حاجة العرب إلى الديمقراطية عظيمة بقدر حاجتهم إلى النهضة، ولا يمكن للأمة أن تنهض وهي مغيبة وقدراتها معطلة وحريتها مقيدة، فالحرية هي التي تطلق القدرات التي إذا وظفت لمصلحة الأمة تصبح قادرة على تحقيق طموحاتها وطموحات أبنائها، إن الشعوب الطليقة صاحبة الدور في تقرير مصيرها وإدارة شؤونها كانت السباقة في مجالات العلم والمعرفة وفي النمو الاقتصادي والاجتماعي، ومع ممارسة الشعوب لحقها في الاختيار تتسع رقعة التقدم ويزدهر الإنتاج بكل أنواعه، ويسود القانون ويتحقق العدل ويتقدم الكفء ويتراجع الانتهازي، والديمقراطية تتيح للشعب ومؤسساته المنتخبة الرقابة والمساءلة، وعندما يغيب دور الشعب وتغيب الرقابة على ممارسة الحكومة وأجهزتها في أي بلد يزداد التخلف، ويضيع العدل وتضعف الدولة وتعجز عن القيام بمهامها الأساسية).

وفي هذا الكتاب قدمت وجهة نظري حول الدولة الحديثة المبنية على الديمقراطية، وعلى أن يكون للشعب الدور الأساسي في تقرير مصيره، وفي مجال النظام العربي أيضاً قدمت مجموعة من المقترحات لكيفية الانتقال في الوضع العربي من حالة التفكك إلى حالة التضامن والتعاضد، وصولاً في مرحلة قد تطول إلى نوع من الاتحاد، إذاً أنا لست صاحب القرار كنت جزءاً من القرار، في هذا الجزء في السياسة الخارجية كنت جزءاً أساسياً من القرار، والسوريون يعرفون جميعاً أن لدى نظامنا ما يفتخر به هو سياستنا الخارجية، الكل يتحدث عن السياسة الخارجية والكل يتحدث عن سوء الوضع الداخلي، في الوضع الداخلي دوري كان كعضو في القيادة القطرية، والقيادة القطرية كانت مغيبة، لم يكن لها أي دور إطلاقاً، كانت تمارس السلطة التنفيذية من قبل رئيس الدولة، ومع ذلك في اجتماعات القيادة ليس هناك اجتماع وبصورة خاصة بعد عام 2000 وتسلم الرئيس بشار الأسد مسؤولية رئاسة الجمهورية، ليس هناك اجتماع وأنا أتحدى ووثائق القيادة ومحاضر الاجتماعات موجودة إلا وكنت أطرح مسألتين، الضغوط الخارجية والحاجة إلى الإصلاح الداخلي، وإلى تحقيق الحوار الوطني، وتعزيز الوحدة الوطنية، ومشاركة الناس، ليس هناك اجتماع إلا.. حتى أحياناً يكون اجتماع في موضوع اقتصادي أدخل على الخط وأتحدث عن الوضع الداخلي وعن الحاجة إلى الإصلاح، وهذا موجود محاضر مسجلة في اجتماعات القيادة سواء كانت في القصر الجمهوري أو في مقر القيادة القطرية، وأذكر اجتماعين في أحد الاجتماعات كانت القيادة تناقش القرار 1559 والأخطار، وتحدث أحد أعضاء القيادة عن صلابة الجبهة الداخلية في مواجهة الضغوط الخارجية، وتناولت الحديث وقلت: لا أحد يشك في وطنية السوريين، وفي رفضهم لكل أشكال التدخل الخارجي والضغوط الخارجية، ولكن السوريين يسألوننا ماذا فعلتم أنت لتحصين الوطن؟ ما هو الوطن؟ الوطن ليس فندق لإقامة عابرة خلال أيام، الوطن هو الكرامة هو العيش هو المشاركة هو الحرية، السلطة أخذتموها ولا يجوز لأحد من أبناء.. يقول السوريون لا يجوز لأحد من أبنائنا أن يكون له موقع في هذه السلطة إلا عن طريق التسلق والانتهازية أو الواسطة، فليس لنا شيء في هذه السلطة، الكرامة والحرية ممنوعة علينا الحياة السياسية وأجهزة الأمن تتسلط علينا، المال نعيش في فقر وعشرة أشخاص في سوريا يملكون من المال أكثر من موجودات الخزينة السورية، فكيف تطلبون منا ما لا تطلبونه من أنفسكم؟ وهنا دعوت إلى اتخاذ قرارات جدية وجريئة لامتصاص الاحتقان الداخلي، وتعزيز الجبهة الداخلية، وفي اجتماع آخر كان قبل المؤتمر القطري بأيام، كان هدف الاجتماع دراسة وضع المؤتمر، تحدث بعض أعضاء القيادة، وقلت: سأتحدث بكلمات قليلة ولكنها جدية أرجو التمعن بها، سوريا كانت في دائرة الخطر والآن هي في مركز دائرة الخطر، وليس هناك من سبيل لحماية سوريا إلا بتعزيز الوحدة الوطنية، وبالحوار مع كل الأطراف حتى الذين كانت بيننا وبينهم خصومات دامية، لأن حاجة الوطن الآن لكل مواطن لا يجب أن نترك مواطن واحد خارج الوحدة الوطنية، وهذا يتطلب اتخاذ قرارات جريئة بما فيها تعديل الدستور، لا نرتكب خطيئة صدام حسين، صدام حسين أغلق أذنيه وعقله عن نداءات المعارضة العراقية للحوار، طيب ماذا كانت النتيجة؟ هذا الإغلاق من صدام حسين للعقل وللأذن عن الحوار أدى لأمر لم يكن أحد يتوقعه، وهو أن المعارضة العراقية والتي هي حليفة لسوريا وإيران شكلت الغطاء السياسي للحرب الأميركية ضد العراق، علينا أن لا نترك مبرر لأي مواطن سوري أنا لا أقول أن هناك سوريون سيتعاملون مع الأميركان، لكن أقول أن علينا أن لا نترك المبرر لأي مواطن سوري في أن ينزلق خارج مصلحة الوطن.

حسين فياض قنيبر: هل يعني كلامك أن النظام السوري قد يواجه السيناريو العراقي إذا ما استمرت الأمور على ما هي عليه؟

عبد الحليم خدام: لأ أنا رأيي السيناريو العراقي بمعنى الحرب غير وارد إطلاقاً، وأنا رأيي منذ فترة طويلة أن الولايات المتحدة لن تستخدم القوة العسكرية ضد سوريا، لكن حالة الضغوط النفسية والسياسية حالة معيقة للبلاد، حالة مقلقة، يعني الآن سوريا تعيش في وضع لم تراه منذ الاستقلال، عزلة عربية عزلة دولية، تهديدات مستمرة وهذا يشكل قلقاً كبيراً عند المواطن السوري، عندما يرى المواطن السوري أن قيادته عملت على تحقيق الإجماع الوطني، وعملت على جلب كل الناس إلى الوطن، وعملت على أن تكون الوحدة الوطنية هي الجدار الذي يحمي الوطن، عندئذ المواطن في سوريا يطمئن على أن النظام قام بكل جهد ممكن، وعندئذ سيكون هناك إجماع شعبي حول النظام، وسينسى الناس كل الأخطاء السابقة، لأنه عندئذ العمل الوطني يستطيع أن يحتوي أخطاء الماضي، لكن عندما نرى أن هناك عشرات الألوف من السوريين ممنوع عليهم العودة إلى سوريا، وإذا عادوا يجب أن يدخلوا السجن، إذا مات أحدهم لا يستطيع أهله أن يدفنوه في سوريا إلا بعد معاملة طويلة عريضة، هل هذا الأمر لا يخلق الأحقاد؟ هل هذا الأمر لا يؤذي الوحدة الوطنية؟ لماذا؟ الخطر على البلد، البلد أهم من النظام، عام 1967 بعد نكسة حزيران قيادة الحزب آنذاك قالت العدوان فشل لأن النظام لم يسقط، عندئذ نمى تيار في الحزب وقاده الرئيس حافظ الأسد كان وزيراً للدفاع، كان يقول العدوان على الوطن وبالتالي الشعب هو الذي يجب أن يواجه العدوان ويدافع عن الوطن وليس النظام، وأطلقنا هذا الشعار والذي قامت على أساسه الحركة التصحيحية عام 1970، والذي حقق هذا الشعار حقق إجماع شعبي منقطع النظير حول الحركة التصحيحية وحول الرئيس حافظ الأسد، ليس هناك أخطر على أي شعب من التضعضع في الوضع الداخلي، طبعاً في وسائل الإعلام يجري حديث الشعب والجماهير وكذا الخ.. لكن هذه الصورة الخارجية لا تعكس الوضع الداخلي.

حسين فياض قنيبر: يعني تقصد التظاهرات اليومية تظاهرات التأييد للنظام.

عبد الحليم خدام: نعم، لا تعكس الوضع الحقيقي للناس، في العراق كانت تخرج مظاهرة بمليونين إنسان تهتف لصدام حسين، لكن ماذا رأينا بعد ذلك؟ هناك فرق بين أن يخرج الناس بقناعاتهم الوطنية وهذا لا يتحقق إلا إذا غيّر النظام كل معطياته وتعامل على أساس أن الشعب مصدر السلطات، وأن السلطة هي مصدر للشعب هي من حق الشعب، وأنه ليس بالإمكان أن يقرر فرد مهما كان ومن كان مصير البلاد، وإنما الذي يقرر الشعب بالاختيار الحر، عندئذ يخرج الناس، في عام 1970 خرج الناس بقناعاتهم تجوّل الرئيس حافظ الأسد بسوريا كان الناس يحملون سيارته، لكن الآن الأمر مختلف، الأمر مختلف 180 درجة، لذلك أعود لسؤالك حول الحرس القديم والحرس الجديد، هذه النقمة طرحتها أجهزة الأمن هي أرادت أن تغطي التقصير في الإصلاح، وبالتالي أرادت أن تنسب هذا التقصير للحرس القديم، عملياً ما سمي بالحرس القديم الذين شاركوا الرئيس حافظ الأسد لم يبق في السلطة إلا واحد اسمه عبد الحليم خدام، وحاولت أجهزة الأمن حتى عبر مراسلي بعض الصحف الحرس القديم الحرس القديم الحرس القديم، وهم يعرفون جيداً أن هذا الرجل الذي استمر من أجل البلاد ومن أجل مصالح سوريا هو الذي يدق يده على الطاولة ويطالب بالإصلاح، ويطالب بالتحديث ويطالب بالتغيير والتجديد، ما هي الأسباب التي أدت لهذا الوضع؟ أول سبب الانفراد بالسلطة، ثاني سبب القراءة الخاطئة للأحداث العربية والدولية..

حسين فياض قنيبر: يعني عفواً انفراد الرئيس بشار الأسد شخصياً؟

عبد الحليم خدام: شخصياً طبعاً، ثاني سبب القراءة الخاطئة للتطورات الدولية والإقليمية، والاستنتاج الخاطئ لقرارات لمواجهة هذه التطورات، وأعطي بعض الأمثلة، في مطلع أيلول 2004 زار سوريا داريل عيسى وقابل الرئيس، كما زارها مارتن أنديك وقابل الرئيس، هذا ما سمعته من الرئيس قال داريل عيسى سيعمل على تعزيز العلاقات السورية الأميركية، ومارتن أنديك انتقد سياسة إدارة بوش حول العراق، ثم قال للرئيس بشار سيأتي خلال أيام برينز مع وفد طويل وعلى كل حال الولايات المتحدة الأميركية لا يهمها لبنان يهمها العراق، وفي مرات أخرى قيل في القيادة نفس الكلام، وزُرع في عقل الرئيس بشار الأسد أن الولايات المتحدة الأميركية ستأتيه زاحفة تفاوضه من أجل العراق وتبقيه في لبنان هذه قراءة خاطئة، هذه القراءة الخاطئة أوصلت إلى نتائج أتت فيما بعد، إذاً القراءة الخاطئة والاستنتاج الخاطئ وضع البلاد أيضاً في مجموعة من المطبات تعاني منها الآن، السبب الثالث هو الانفعال وردود الفعل وهما صفتان سيئتان إذا لازمتا أي مسؤول، لأن التصرف بالانفعال وردود الفعل يُفقد المنفعل القدرة على التمييز بين

حسين فياض قنيبر: الانفعال.. انفعال مَن؟

عبد الحليم خدام: انفعال الرئيس، يعني يعطيه خبر يتحمس يتخذ قرار، بعد فترة يكتشف أن ما نُمي إليه غير صحيح فيبادر إلى تصحيح الخطأ الذي ارتُكب، لكن لماذا ننفعل؟ يعني الرئيس حافظ الأسد كانت لديه قدرة متميزة على ضبط النفس وهذه صفة مهمة بمن يتولى مسؤولية إدارة أي بلد، الأمر الآخر هو ما يزرعه المحيطون بصاحب القرار في عقله من أنه المتميز وإذا أخطأ يرون خطأه صواباً، وإذا ظلم يصورون ظلمه عدلاً، وعندئذ تضيع الحقائق ويضيع العدل، وويل للناس الدائرة المحيطة بما تزرعه من أوهام لعبت وتلعب دوراً كبيراً.

حسين فياض قنيبر: يعني هل لي أن أدخل في بعض الأسماء آصف شوكت، ماهر الأسد كيف هي علاقاتك مع هاتين الشخصيتين تحديداً؟

عبد الحليم خدام: في الواقع أنا عندما كنت في السلطة لم تكن لي اتصالات بالقوات المسلحة إلا عبر وزير الدفاع ورئيس الأركان، إذا اقتضت مقتضيات العمل، أعرفهم لكن ليست هناك بيني وبينهم علاقات سياسية أو غير ذلك.

حسين فياض قنيبر: حصل سجال حاد بينك وبين فاروق الشرع خلال المؤتمر العاشر لحزب البعث، وانتقدت خلال السجال السياسة الخارجية لسورية، ألا تشعر بالغبن وأنت ترى فاروق الشرع يصبح الرجل الثاني في سورية، وأنت الذي رافقت حافظ الأسد على مدى أكثر من 30 عاماً؟

عبد الحليم خدام: أولاً لا أشعر بالغبن لأني لا أقبل أن أضع فاروق الشرع بمواجهتي هذا أولاً، وثانياً لم تجر ملاسنة حادة هو أخطأ في إدارة الجلسة، وثالثاً اللجنة السياسية كما أشرت في مطلع الحديث رفضت التقرير الذي قدمه، ورابعاً ليس هو الرجل الثاني ولا العاشر في سورية إطلاقاً، يعني لا أريد أن أظلم نفسي وأن أقبل أن يقال أن هناك ملاسنة جرت بيني وبينه، هذا بعيد.

حسين فياض قنيبر: تعرف غازي كنعان جيداً وقد جمعكما الإمساك بالملف اللبناني، الرواية السورية الرسمية تقول أنه انتحر هل لديك أسباب للتشكيك بهذه الرواية؟

عبد الحليم خدام: في الواقع ليست لدي معلومات ولم أتصل أو لم يتصل بي أحد من الدائرة الضيقة حول المرحوم غازي كنعان، ولكن إذا أخذنا بالاعتبار الظروف التي وُضع بها غازي كنعان والضغوط النفسية التي تعرّض لها يمكن أقول يمكن ترجيح عملية الانتحار، يعني لا أستطيع أن أعطي رأياً قاطعاً، لكن يمكن ترجيح عملية الانتحار، لا أدري إذا جرى تحقيق في هذا الأمر جديّ، وبالتالي إذا وصل هذا التحقيق لاستنتاجات جدية، لكن أنا آخذ ظواهر الأمور.

حسين فياض قنيبر: يعني ما هي هذه الظروف النفسية التي وُضع بها والتي يمكن أن تكون كبيرة أو خطيرة لدرجة تدفعه إلى الانتحار؟

عبد الحليم خدام: هو قبل يوم كان مدعواً على الإفطار عند أحد أصدقائه وكان موجود عدد من الناس، كان في حالة من المرح لا يبدو عليه أنه في صدد الانتحار، في اليوم الثاني صارت هناك صورة أخرى شوهد وهو متوتر، خرج من مكتبه، أين ذهب؟ بمن اتصل؟ من اتصل به؟ ماذا قيل له؟ لا أحد يعرف حقيقة لا أحد يعرف، على الأقل أنا لا أعرف.

حسين فياض قنيبر: كنت على تواصل معه في الفترة الأخيرة؟

عبد الحليم خدام: غازي عملياً مضى أكثر من سنة ونصف لم أجتمع به، كنا نتحدث بالهاتف أحياناً، لكن هو كان منشغل في وزارة الداخلية، وأنا منشغل في عملي، كانت اللقاءات قليلة أو توقفت خلال سنة سنة ونصف، وأعتقد أن توقيفها لم يكن بإرادته، توقيف اللقاءات لم يكن بإرادته.

حسين فياض قنيبر: يعني طُلب إليه أن يوقف اللقاءات بك؟

عبد الحليم خدام: أعتقد ذلك..

حسين فياض قنيبر: مَن هي الجهة التي كانت تمارس ضغطاً عليه أو أبعدته عن الواجهة وهو الذي كان صاحب نفوذ قبل ذلك؟

عبد الحليم خدام: يعني هلأ فيه أمور مختلفة، يعني الوضع اللبناني ما فيه شك انعكس انعكاساً كبيراً، انعكس على غازي لكن لم ينعكس على رستم غزالي، مع العلم أراد البعض أن يُحمّله مسؤولية التراكمات في الوضع اللبناني ونُسي رستم غزالي، غازي كانت له أخطائه في لبنان لا أحد يناقش في هذا الأمر، لكن كان يُخطئ بأدب ويتراجع بأدب، رستم غزالي تصرف وكأنه الحاكم المطلق في لبنان، في أحد المرات علمت أنه شتم الرئيس الحريري، وشتم نبيه بري الرئيس بري، وشتم الأستاذ وليد جنبلاط، قلت للرئيس بشار ليش مخليه في لبنان؟ هذا عم يسيء إلك عم يسيء للبلد، هذا يتصرف بشكل غير معقول مع القيادات اللبنانية، يشتم رئيس الوزارة يشتم كذا يشتم يشتم إلخ.. قال لي والله كمان غلطان مع نجيب ميقاتي، قلت له طيب إذا نجيب ومع سليمان فرنجية، قلت له هدول أصحابك غلط معهم كيف؟ قال: طيب الحق على غازي هو رشحه، قلت له: غازي غلط غيّره، قال: أنا رح أحكي معه أنبهه، فعلاً نبهه ونزل اعتذر، بعد فترة زادت أعمال السوء، قلت له: رستم غزالي آخذ من بنك المدينة 35 مليون دولار، والملف أكيد جابوا لك ياه، قال لي: بالفعل هذا حرامي، روح شوف شو عامل بضيعته؟ عامل قصر وعامل سوق، قلت له: يا أخي أنت قائد الجيش ورئيس جمهورية وبتعرف ضابط عندك مرتكب هالموبقات كيف بتخليه؟ رجع قصة غازي كنعان هو اللي رشحه، بعد اغتيال الرئيس الحريري اجتمعت مع.. يعني 28 شباط 2005 قلت له: هذا المجرم جيبه اقطع له رقبته، هذا هو اللي خلق هذا الوضع في لبنان.

حسين فياض قنيبر: قلت هذا الكلام للرئيس الأسد عن رستم غزالي؟

عبد الحليم خدام: طبعاً.. عن رستم غزالي، قال على كل حال بكرة بدنا يعني بتشكيلة كذا بينشال ما انشال، خطب الرئيس في مجلس الشعب وقال هناك أخطاء في لبنان، قلت له أنا رايد أحميك، شكّل لجنة تحقيق، جيب الضباط اللي أساءوا في لبنان حولهم لمحكمة ميدانية، حاكمهم ويتحمّلوا مسؤولية الأخطاء اللي صارت في لبنان، ليش بدها تتحمّلها الدولة؟ ليش بدك تتحملها أنت؟ قال: هلأ ما فينا نحاسب حدا لبعد المؤتمر، وجيب وزير الخارجية اللي ورطك بالـ 1559 حطّه في بيته، قال: هلأ ما فينا نحاسب حدا لبعد المؤتمر، إجا المؤتمر وإذا برستم غزالي عضو في المؤتمر، وسلمه رئيس فرع الأمن في ريف دمشق اللي إله علاقة في لبنان، وبدا الواحد يتساءل لماذا حماية رستم غزالي والجميع يعرف موبقات هذا الرجل؟ لماذا حمايته؟ إذا الجميع يعرف موبقاته وارتكاباته، هذا السؤال عم يسائلوه السوريون وعم يسائلوه اللبنانيين.

عبد الحليم خدام: هل تعتقد أنك أُبعدت عن دائرة القرار أو ابتعدت، هل تعتقد أن مواقفك من المسألة اللبنانية كانت سبباً في عدم الأخذ بآرائكم لاحقاً؟ أم أن هناك أسباباً سورية وراء ذلك؟

عبد الحليم خدام: أولاً أنا ابتعدت عن دائرة القرار منذ عام 1998، في تلك المرحلة الرئيس حافظ الأسد كان عم يتفاقم المرض معه، وبدأ ابنه يمارس السلطة بصورة خاصة في الملف اللبناني فأخذت خيار الانسحاب، طبعاً انسحابي من دائرة القرار ليس معنى أنني لم أكن أتابع ولم أكن أطلع، كنت أعرف كل شيء لكن لا أحاول التدخل إلا عندما أرى الحاجة لتقديم النصيحة أو تقديم الرأي في هذا الموضوع أو ذاك.

حسين فياض قنيبر: كيف تلقيتم في سوريا نبأ اغتيال رفيق الحريري؟ ماذا كان وقع النبأ على القصر الجمهوري على الرئيس الأسد على الدائرة المحيطة به على المسؤولين عموماً؟

عبد الحليم خدام: يعني أنا كان عندنا اجتماع في القيادة القطرية، بعد الاجتماع كنا جالسين في غرفة أعضاء القيادة وصدر الخبر، في الواقع أنا شخصياً صعقت، وجميع الموجودين كان رأيهم أن هذه كارثة على لبنان ومؤذية لسوريا، لم يجر اتصال مع الرئيس بشار الأسد حتى أعرف ردة فعله، ولا مع الدائرة الداخلية، لكن إذا أردنا أن نأخذ الصورة نأخذها من تصريح فاروق الشرع، فاروق الشرع كان موجود عنده موراتينوس، سأله الصحفيين هناك انفجار في لبنان أودى بحياة الرئيس رفيق الحريري شو رأيك؟ قال لهم وقع انفجار كبير في لبنان وأودى بحياة عدد من الأشقاء اللبنانيين، بعمره ما سمع باسم رفيق الحريري، صار رفيق الحريري مجهول الهوية ومجهول الاسم، بينما موراتينوس تحدث دقائق عن الرئيس الحريري وعن مواصفات الرئيس الحريري، طبعاً هذا يدل يعني هذا التصريح اللي هو ردة فعل يعكس الشعور الباطني تجاه الرئيس الحريري.

حسين فياض قنبير: قيل أنك قبل اغتيال الرئيس الحريري دعيت إلى مائدة الغداء، دعيت من قبله شخصياً وتناولت معه طعام الغداء كان ذلك قبل أسبوع من اغتياله في منزله جرى ذلك، هل تذكر ماذا دار بينكما؟ هل تذكر آخر لقاء لك؟

عبد الحليم خدام: في الواقع آخر لقاء كان الحديث يدور حول العلاقات بينه وبين القيادة السورية، وحول الوضع اللبناني ونصحته بالسفر، وأكدت عليه لاسيما بعد أن قال لي أن الأمن قوات الأمن اللبنانية سُحبت من عنده، كان متفق مع لحود على إعطائه ستين عنصراً حماية أو أربعين عنصراً سحبوهم وتركوا ستة أشخاص، قلت له: هذه إشارة، سافر، كان قلقاً، يعني كان يريد إنهاء الإشكالات مع القيادة السورية بأي شكل، كان لا يريد أن يجد نفسه في مواجهة مع القيادة السورية، لكن بالوقت نفسه كان مُصّراً على أن لا يساير في موضوع الانتخابات في بيروت وفي لبنان، يعني هكذا الحديث في الواقع طويل مضى عليه بعض الوقت، لكن كان متوتراً.

حسين فياض قنيبر: حضرت إلى منزله معزياً في جو عاصف، يعني حتى أن بعض السياسيين اللبنانيين الذين كانوا أصدقاء لسوريا وأصدقاء لك شخصياً ترددوا حتى في مصافحتك، عبد الحليم خدام هل لك أن تنقل لنا جو ما دار في أثناء هذه اللحظات؟

عبد الحليم خدام: أولاً لم يتردد أحد بمصافحتي، وإذا كان المقصود وليد جنبلاط، وليد جنبلاط مجرد أن رآني هجم عليّ وعانقني بحرارة والدموع في عينيه، يعني هذا الكلام الذي نُشر غير دقيق، كل الناس يعرفون معزتي لأبي بهاء، يعرفون حجم الصداقة بيننا، منذ الثمانينات عندما كان له دور أيضاً في إلغاء اتفاقية 17 أيار وفي عقد مؤتمر جنيف ثم مؤتمر لوزان، وتردداته على سوريا ثم تبنى الرئيس حافظ الأسد فكرة أن يأتي رفيق الحريري رئيساً لوزراء لبنان، يعني هناك تعامل طويل في العمل كان الرجل يعمل لمصالح سوريا كما لمصالح لبنان، وكانت في كثير من الأحيان يقوم بتغطية الأخطاء التي كان يرتكبها وزير خارجية سوريا في المجالين العربي والدولي.

حسين فياض قنيبر: تردد أنه كان للحريري دور في تأمين لقاء بين جاك شيراك وبشار الأسد، اللقاء الأخير ما مدى دقة هذا الكلام؟

عبد الحليم خدام: في الواقع هذا الأمر ليس لديّ معلومات لأنه أتيحت للرئيس بشار أن يتم هذا اللقاء عندما طرحت عليه أنا، وأنا طيب ما بنفذ الزيارة الدعوة، سافر أنت رايح على إسبانيا نام ليلة في باريس شوف الرئيس شيراك ما قبل، يعني لا أعرف إذا كان الرئيس الحريري نصحه في هذا الاتجاه، لأن في تلك المرحلة أيضاً كانت بدأت التوترات مع الرئيس الحريري.

حسين فياض قنيبر: كل هذا يقودنا إلى الحديث عن لبنان ولك معه قصة طويلة، بدأت مع الدخول السوري إلى هذا البلد عام 76 وانتهت بدموع ذرفتها في منزل رفيق الحريري الذي حضرت إليه مرتين معزياً، عبد الحليم خدام من قتل رفيق الحريري؟

عبد الحليم خدام: للجواب على هذا السؤال يجب أن ننتظر نتائج التحقيق، هناك تحقيق دولي، وجميع الأطراف تعترف وتؤيد هذا التحقيق، لذلك من السابق لأوانه القول هذا الفريق أو ذاك، لكن ما أريد الإشارة إليه هو أن الحملة السياسية التي وُجهت ضد المرحوم الرئيس الحريري شكلت وزمة لدى اللبنانيين، وعلى كلٍ علينا انتظار التحقيق، السؤال هل كانت العلاقات جيدة بين القيادة السورية وبين الرئيس الحريري؟ هذا السؤال قد يعطي أضواءً على المشكلة بين الرجل وبين القيادة السورية.

حسين فياض قنيبر: ولكن قبل الدخول في هذا الموضوع سيد عبد الحليم خدام يعني أريد معرفة وأنت الخبير بدقائق الأمور في سورية، هل هناك جهات سورية في دمشق أو في بيروت وجهّت قبيل الاغتيال تهديدات لرئيس الوزراء اللبناني السابق؟

عبد الحليم خدام: نعم جرى توجيه تهديدات كثيرة للمرحوم الرئيس رفيق الحريري.

حسين فياض قنيبر: تهديدات بالقتل؟

عبد الحليم خدام: يعني عندما يقول رئيس جهاز الأمن لزواره وهو يلعب بمسدسه.

حسين فياض قنيبر: تتحدث عن رستم غزالي؟

عبد الحليم خدام: نعم، سأعمل وأترك كذا وكذا، يعني هناك تهديدات كثيرة يعني سواء في دمشق أو في.. وهناك كلام خطير قيل عن الرئيس الحريري.

في إحدى المرات استدعي إلى دمشق وهذا الكلام سمعته مباشرة من ثلاثة مصادر، من الرئيس الأسد ومن الرئيس الحريري ومن غازي كنعان، أُسمع رئيس الحريري كلاماً قاسياً جداً جداً..

حسين فياض قنيبر: تقصد عن اللقاء القصير بينه وبين الرئيس بشار الأسد؟

عبد الحليم خدام: لأ قبل ذلك بأشهر، قبل التمديد بأشهر أُسمع كلاماً قاسياً جداً جداً جداً، علمت بالأمر من الرئيس..

حسين فياض قنيبر: من قبل من أُسمع؟

عبد الحليم خدام: من قبل الرئيس بشار الأسد، وهو الذي حدثني كان لي موعد معه، وقلت له: أنت تتحدث مع رئيس وزراء لبنان.

حسين فياض قنيبر: وجه له هذا الكلام وكان بعد رئيساً للوزراء يعني قبل أن يستقيل.

عبد الحليم خدام: كان رئيساً للوزراء، وكان الكلام بحضور رستم غزالي ومحمد خلوف وغازي كنعان، كيف توجه هذا الكلام لرئيس وزراء لبنان؟ كيف توجه هذا الكلام بحضور ضباط صغار؟ عندئذ أدرك أن هناك خطأ جرى، فطلب إلي الاتصال بالرئيس الحريري ولقاؤه، وإزالة الوزمة التي تُركت لدى الرئيس الحريري.

حسين فياض قنيبر: عفواً هل لنا أن نعرف يعني بعض مضمون هذا الكلام أين كانت تكمن قساوته مثلاً؟

عبد الحليم خدام: يعني القساوة تكمن.. أنت تريد أن تأتي برئيس لبنان، أنت تريد كذا أنا لا أسمح لك سأسحق من يحاول أن يخرج عن قرارنا، يعني بمثل هذه الشدة لا أذكر الكلمات بالضبط، لكن الكلام كان بمنتهى القسوة، خرج الرئيس الحريري ارتفع ضغطه وبدأ معه نزيف في الأنف، أخذه غازي كنعان إلى مكتبه وحاول أن يهدئ الموضوع، يعني هذا الحقيقة يعني معروفة.

في القيادة في إحدى المرات كان يجري الحديث حول القرار 1559 وجرت حملة على الرئيس الحريري بأنه يقوم بعمل غير مسبوق بلبنان وهو تجميع طائفته حوله وهذا ضد سورية إلخ و و.. بالفعل أنا اتصلت بعد ذلك بالرئيس لماذا هذا الحديث في القيادة؟ هذا الكلام سينتقل..

حسين فياض قنيبر: اتصلت بالرئيس الأسد؟

عبد الحليم خدام: طبعاً يعني الرجل أنا على صلة كنت دائماً فيه، لماذا هذا الحديث؟ الوضع السياسي في لبنان قائم على الطوائف، طيب رفيق الحريري تجمّعت طائفته حوله، نبيه بري شو؟ حركة أمل حركة شيعية، حزب الله حزب شيعي، المردة حركة مارونية، القوات اللبنانية حركة مارونية حركة مسيحية، طيب لماذا رفيق الحريري خطر على سورية إذا تجمّعت طائفته حوله وحسن نصر الله ونبيه بري لا يشكّلون خطراً إذا تجمعت طائفتهم حولهم؟ يعني وآنذاك بعد أيام جاءني محسن دلول وطلبت إليه إبلاغ المرحوم أبو بهاء أن يغادر لبنان لأن وضعه معقد في سورية..

حسين فياض قنيبر: كان ذلك قبل اغتياله بكَم؟

عبد الحليم خدام: بفترة بأشهر، طبعاً لم يخطر في بالي في لحظة من اللحظات أن تقوم سورية باغتيال رفيق الحريري إطلاقاً، ولذلك يعني المناخ خلق انطباعات معينة عند الناس، ما يثبّت هذا المناخ ويعززه أو ما ينفيه نتائج التحقيق.

حسين فياض قنيبر: ما صحة ما تردد عن أن اجتماعاً التئم بحضور ستة من المسؤولين السوريين الكبار وكنت واحداً منهم، وطُرحت فكرة تصفية الرئيس الحريري وأنت اعترضت على ذلك؟

عبد الحليم خدام: هذا الأمر غير صحيح لا من قريب ولا من بعيد إطلاقاً إطلاقاً لم يجر مثل هذا الاجتماع.

حسين فياض قنيبر: هل يمكن تصديق ما تردد في فترة ما من أن جهازاً أمنياً سورياً قد يكون اغتال الرئيس الحريري من دون علم بالضرورة من دون علم الرئيس بشار الأسد؟

عبد الحليم خدام: علينا أن ننتظر التحقيق، ولكن من حيث المبدأ لا يستطيع أي جهاز أمني أو غير أمني في الدولة السورية أن يتخذ مثل هذا القرار منفرداً، والرئيس بشار نفسه في حديثه مع مجلة دير شبيغل قال ونفى التهمة عن سورية، وقال: إذا كان فيه سوريين متورطين هذا يعني أنا متورط، يعني جهاز أمني أن يتورط منفرداً هذا أمر غير ممكن، هل الجهاز الأمني متورط؟ هذا الأمر يحدده التحقيق.

حسين فياض قنيبر: عبد الحليم خدام كنت المسؤول السوري الوحيد الذي حضر للتعزية بالرئيس رفيق الحريري، حضر إلى بيروت، وقبل ذلك كنت المسؤول الوحيد في سورية الذي حضر لعيادة الوزير مروان حمادة إثر تعرضه لمحاولة اغتيال، هل كنت في ذلك موفداً من الرئيس بشار الأسد؟

عبد الحليم خدام: لأ ذهبت بصفتي الشخصية وليس بصفتي الرسمية، بحكم علاقة الصداقة والمودة بيني وبين الرئيس الحريري، وزرت الأستاذ مروان حمادة بحكم علاقة الصداقة والمودة بيننا، فذهبت للتعزية بالرئيس الحريري وذهبت للمشاركة في جنازته، لأنه صديق وصديق أعرف جيداً ماذا قدم لسورية، وكيف كان يخدم سورية في مراحل مختلفة.

هنا أريد أن أشير إلى مسألة العلاقة معه هناك مرحلتان في العلاقة مع الرئيس الحريري، مرحلة الرئيس حافظ الأسد كانت العلاقة جيدة جداً وأذكر حادثتين، الأولى عندما حاول اتحاد العمال القيام بإضرابات، اتصل الرئيس حافظ الأسد برئيس اتحاد العمال في سورية، وطلب إليه دعوة اتحاد العمال في لبنان ولقائي أنا مع الاتحاد لإقناعهم بعدم الإضراب، وقال آنذاك الرئيس حافظ للسيد عز الدين ناصر رفيق الحريري حاجة سورية لا يجب أن نضعفه، ويجب أن نعمل على تقويته هذه حادثة، عندما انتُخب العماد لحود رئيساً للجمهورية زار دمشق، سأله الرئيس حافظ الأسد من هو رئيس الوزراء القادم؟ أجابه الرئيس لحود: الدكتور سليم الحص، رد عليه الرئيس حافظ أسد لأ يجب أن يأتي رفيق الحريري، لبنان بحاجة له ونحن بحاجة له.

حسين فياض قنيبر: ولكن مع ذلك كان الرئيس الحص هو الذي تولى..

عبد الحليم خدام: تولى لماذا؟ لأن عقبات وضعت من قبل الرئيس لحود أدت لاعتذار الرئيس الحريري، وجيء بالرئيس سليم الحص.

في الحقبة الثانية في مرحلة الرئيس بشار كان التعامل مختلفاً، كانت الحملات من الرئيس لحود ومن أجهزة المخابرات اللبنانية شديدة على الرئيس الحريري، وكان يتأثر بها الرئيس بشار الأسد، وبالتالي كان توترات مستمرة من جانب سورية القيادة السورية يحاول الرئيس الحريري التعامل معها بكل إيجابية، ويقبل بتقديم بعض التنازلات حتى لا يغضب القيادة السورية.

حسين فياض قنيبر: يعني بالإضافة إلى رستم غزالي من كان أفراد الحلقة التي كانت تحرّض الرئيس الأسد على الرئيس رفيق الحريري؟

عبد الحليم خدام: بالدرجة الأولى الحلقة اللبنانية الرئيس لحود، جميل السيد، أجهزة الأمن، بعض اللبنانيين المتضررين من الرئيس الحريري، يعني التحريض الجدي كان يأتي من الجانب اللبناني، يعني أعطي مثال صغير جون عبيد معروف تاريخياً صديق سوريا، جون عبيد رفض قرار التمديد، وهو كان من المرشحين لرئاسة الجمهورية، يأتي تقرير من المخابرات لبنانية إلى عنجر إلى دمشق يقول أن جون عبيد وكان وزيراً للخارجية اجتمع الساعة كذا ليلاً بالسيارة مع السفير الأميركي ليتآمر معه، صدقنا التقرير، وجرت القطيعة من جون عبيد هذا مثال عما كان يجري، طيب جون عبيد وزير خارجية إذا أراد أن يجتمع بالسفير الأميركي يستطيع أن يأتي به إلى الوزارة، يستطيع أن يأتي به إلى بيته، فلماذا بالسيارة؟ وهل جون عبيد بهذا الغباء حتى يجري مثل هذا اللقاء في السيارة؟ يعني الصور اللي كانت تجري حقيقة كان هناك تخطيط في بعض الجهات اللبنانية لجرّ سوريا إلى ما وقعت به.

حسين فياض قنيبر: وفي سوريا من هي الأطراف المحرضة غير الاسم الذي ذكرته؟

عبد الحليم خدام: أفراد قلائل يعني تأثيرهم محدود.

حسين فياض قنيبر: المحرضون في لبنان كانوا من الأجهزة الأمنية حصراً أم أن هناك قيادات سياسية أيضاً؟ هل لنا أن نعرف بعض التفاصيل؟

عبد الحليم خدام: بشكل أساسي الدائرة المحيطة برئيس الجمهورية، هناك بعض الأفراد ليس لهم شأن أو تأثير في القرار العام لا في سوريا ولا في لبنان، ينقلون معلومات مخابراتية إلى أجهزة الأمن بهذا الشكل.

حسين فياض قنيبر: هل تقنعك فرضية أحمد أبو عدس؟ وفرضية أن انتحارياً فجّر نفسه وهو ينتمي إلى جهات أصولية وهو ما تردد بداية؟

عبد الحليم خدام: مَن طرح فرضية أحمد أبو عدس هو في غاية الغباء، ومن طرح فرضية الحجاج هو في غاية الغباء، عملية تفجير تطلّبت ألف كيلو متفجرات من نوع خاص، تطلّبت أجهزة تقنية عالية لتعطيل أجهزة التشويش بسيارات الرئيس الحريري، هل يستطيع أحمد أبو عدس أن يأتي بهذا الحجم من المتفجرات؟ وإذا كان في السيارة فأين جسمه؟ أين أشلاؤه؟ هذه نظرية غبية عملية أمنية غبية، زادت الشكوك بالتوجهات المعروفة، فلذلك لا أعتقد أن هناك عاقل يستطيع أن يقول أو يقبل أن يقال أن أحمد أبو عدس هو وراء الجريمة.

حسين فياض قنيبر: يعني أنت تقصد أن الأمر كان يستدعي أمنياً تدخل للجهة التي كانت ممسكة بالأرض آنذاك كي يحصل ما حصل.

عبد الحليم خدام: يعني هذا الموضوع طبعاً لا أريد أن أتهم، لكن هذا الموضوع يتطلب تقنية عالية وكمية كبيرة من المتفجرات، وجهاز عامل للرقابة لا يقل عن عشرين شخصاً، وإدارة لهذه العملية الكبرى، يعني مين فيه أي منظمة أي شخص يستطيع أن يأتي بـ 1500 كيلو أو 1000 كيلو متفجرات؟ لا أحمد أبو عدس ولا أحمد أبو حمص، هذه عملية كبيرة وراءها جهاز، من هو هذا الجهاز؟ هذا ما يجب أن يصل إليه التحقيق.

حسين فياض قنيبر: يعني أنت تتحدث عن جهاز سوري؟ لبناني؟ إسرائيلي؟ نريد أن نعرف نريد تحديداً أكثر.

عبد الحليم خدام: أنا أتحدث عن جهاز لأني لا أريد أن أتهم.. هناك لجنة تحقيق أنا شخصياً لي ثقة بها، وكل الأطراف في لبنان لها ثقة باللجنة، ما يصدر عن هذه اللجنة عندئذ نستطيع القول أن هذا الجهاز أو ذاك، لكن هذه العملية الكبرى لا يستطيع القيام بها إلا جهاز قوي ولديه الإمكانيات الكبيرة.

حسين فياض قنيبر: ما رأيك بما ورد في تقرير ديتليف ميليس حول الظروف التي حصلت بها عملية الاغتيال؟

عبد الحليم خدام: الظروف كلنا نعرفها، يعني الحملة على الرئيس الحريري من قبل بعض أصدقائنا، سليمان فرنجية يقول عن الرئيس الحريري أنه مشروع أجنبي من عام 1996 هذا قبل الاغتيال بأسبوع أو عشرة أيام، الرئيس عمر كرامي يقول: الحريري وجنبلاط عم ينفذوا مشروع أميركي، طلال أرسلان، عاصم قانصو، وئام وهاب كل هذه المجموعة كانت تشن حملة مسمومة على الرئيس الحريري، ثم جاءت قضية الزيت..

حسين فياض قنيبر: عندما اتُهم بأنه يوزع الزيت لغايات انتخابية.

عبد الحليم خدام: نعم، نعم، مجمل هذه الحملات.

حسين فياض قنيبر: هل تجد أن تقرير ميليس كان ظالماً لبعض الأطراف اللبنانية والسورية، وأنه وجه اتهامات دون أن يقدم أدلة مادية كما يقول منتقدو التقرير؟ أم أنك ترى فيه توصيفاً دقيقاً لما كان يحصل قبيل الاغتيال؟

عبد الحليم خدام: أنا محامي، التقرير تقرير فني مهني، هو أعطى خلاصة ما لديه، وهو لا يستطيع أن يعطي ما لديه لأن ذلك يضرّ بسلامة التحقيق، فميليس رجل مهني وقاضي معروف، وتقريره تقرير مهني جيد، فهو تجنب تسييس التحقيق رغم أن الجريمة جريمة سياسية، الجريمة جريمة سياسية لكن تجنب تسييس التحقيق، من سيّس التحقيق المشتبه بهم، سيسوه عندما يصدر التقرير ويعودون إلى مدحه عندما يكون التقرير هادئاً، الذين يتحدثون عن الممانعة ويحاولون الزرع في رأس القيادة السورية أن الشارع العربي سيثور دعماً لسوريا يرتكبون نفس الخطأ الذي ارتكبوه مع صدام حسين عندما أوهموه أن الأنظمة العربية ستسقط إذا وقع الاعتداء على العراق.

حسين فياض قنيبر: لكن الرئيس بشار الأسد قال أكثر من مرة أنه ليس صدام حسين وأنه لم يرتكب الأخطاء نفسها.

عبد الحليم خدام: هو ليس صدام حسين بالتأكيد، لأن طبيعة الوضع في سوريا وطبيعة المجتمع السوري وطبيعة الوضع في العراق مختلفة، لكن كيف تكون هناك ممانعة للسياسة الأميركية ويجري بقي التعاون مستمراً ونشطاً بين أجهزة المخابرات السورية وأجهزة المخابرات الأميركية حتى حزيران 2005، حتى تموز 2005، يعني كيف؟ ممانعة من هون وتعاون مع أجهزة المخابرات من هون، الأمر الثاني لماذا تم تسليم شقيق صدام حسين؟

حسين فياض قنيبر: برزان التكريتي.

عبد الحليم خدام: لأ أعتقد غضبان..

حسين فياض قنيبر: غضبان الحسن..

عبد الحليم خدام: لماذا؟ جاء في إطار تخفيف الضغط الأميركي ولاسترضاء الأميركان، لماذا توسيط بعض الدول العربية لفتح الحوار مع الولايات المتحدة؟ ولدا صدام حسين جاءا إلى سوريا..

حسين فياض قنيبر: عدي وقصي..

عبد الحليم خدام: عدي وقصي، اكتُشف وجودهما في سوريا فجيء بهما إلى الأمن ووضعا للحدود وقيل لهما عودا إلى العراق، وعادا للعراق، من أجل من؟ طارق عزيز وصل للحدود السورية رُفض دخوله، اتُخذت إجراءات لإرضاء الأميركان بالنسبة للعراق، إجراءات حتى على الحدود اتخذت إجراءات لمنع التسلل، لكن هناك قراءة خاطئة للسياسة الأميركية، كان من المفترض أن تجري المفاوضات والحوار مع الأميركان بعد استلام الرئيس بوش مباشرة، آنذاك كان وضع سوريا الإقليمي والدولي وضع جيد، لكن متى سعينا للمفاوضات بعد أن ازداد تعقيد أوضاعنا حولنا لاسيما الوضع العربي والوضع الدولي، وبالتالي المسألة ليست مسألة وجود أو عدم وجود ضغوط أميركية، نعم هناك ضغوط أميركية حقيقية، لكن المسألة كيف تدير الأزمة لتجنيب البلاد هذه الضغوط؟ دعنا نستعرض ماذا قدمنا من تنازلات، هل الممانعة مترافقة لتقديم التنازلات؟ طبعاً أنا لا أقول ولا بشكل من الأشكال أن يُتخذ قرار يؤدي إلى تصعيد الضغوط ضد سوريا هذا خطأ وطني كبير، لكن كان علينا أن لا نقوم بالأعمال أو لا نتخذ القرارات التي من شأنها أن تسهّل هذه الضغوط، اليوم الأميركان عم يضغطوا..

حسين فياض قنيبر: أي قرارات تعني تحديداً؟

عبد الحليم خدام: التمديد للحود، هذا قرار مفصلي.

حسين فياض قنيبر: هل تعتقد عبد الحليم خدام أنه كان ممكناً تجنب صدور القرار 1559 لو أن اتصالات جرت أو لو أن لهجة معينة اعتُمدت قبل ذلك؟

عبد الحليم خدام: طبعاً يقال أو قيل دمشق أن القرار كان طبخة فرنسية أميركية، في واقع الأمر القرار بالفعل كان اتفاقاً فرنسياً أميركياً، بس لكن متى حدث هذا الاتفاق؟ حدث هذا الاتفاق بعد أن اضطربت العلاقات السورية الفرنسية، كيف اضطربت العلاقات السورية الفرنسية؟ ولماذا؟ فرنسا كانت ضد التمديد للعماد لحود، وفرنسا كما نعرف كلا الحزبين يعتبر الموضوع اللبناني جزء من السياسة الداخلية الفرنسية، كل المعطيات التي كانت أمام الفرنسيين أن التمديد للحود سيقع، بتلك الفترة ناقشنا الوضع الخارجي وهذا كان في أواخر آذار 2004 وتم الاتفاق على أن أقوم بزيارة باريس ولقاء الرئيس شيراك، آنذاك طلبت الزيارة تحدد الموعد بـ 6 نيسان، آنذاك جاءتنا برقية من سفيرتنا في باريس تقول نجاح زيارة نائب الرئيس يرتبط بإنهاء مشكلة عرض الغاز مع شركة توتال، اجتمعت بالرئيس الأسد وهذا الموضوع.. يعني بالنهاية العلاقات بين الدول المصالح، الفرنسيين يقولون عندما تكون هناك مصلحة تُعطى للشركات الأميركية وعندما تريد مصلحة لفرنسا، وعندما تكون هناك مصلحة لسوريا مصلحة سياسية تأتون إلينا، مصلحة اقتصادية لفرنسا تعطون العقود للأميركان وعندما تكون لسوريا مصالح سياسية تأتون إلينا وتطلبون دعمنا، قلت له: السياسية تنصرف بالمال أيضاً، الرئيس شيراك زعيم اليمين بفرنسا، سيُحرج كثيراً عندما يقول له رجال الأعمال لماذا أنتم مع سوريا وسوريا تعطي العقد لشركة كندية شريكها الأساسي شركة أميركية، والولايات المتحدة وضعت عقوبات على سوريا رغم أن الولايات المتحدة وضعت عقوبات على سوريا؟ فقال لي هذا طلع مناقصة وأُعلنت، بالفعل جيت لباريس اجتمعت بالرئيس شيراك يعني مناخ الاجتماع ما كان كما كان يجري في الماضي، حاولت تهدئة يعني التأكيد على ثوابتنا بعلاقتنا مع فرنسا، وتحدثت عن موضوع توتال والقوانين السورية والمناقصة وأن التدخل السياسي من قبل فرنسا لم يجر في الوقت الملائم، أجابني الرئيس شيراك سوريا بتعرف مصالحها هذا موضوع ما لنا علاقة فيه، أنتم تعرفون مصلحتكم مع شركة فرنسية إيطالية اختاروا مصلحتكم، طلعت غير مرتاح، بعد أسبوع طلب السفير الفرنسي مقابلتي، استقبلته أبلغني دعوة من الرئيس شيراك لزيارة باريس بعد أسبوع ومتابعة المحادثات حول العلاقات السورية الفرنسية، أنا طبعاً استنتجت أن الرئيس شيراك يريد أن يصحح الانطباع الذي تولد لديه وبالتالي لدى القيادة في سوريا، وافقت مباشرة ورحبت وشكرت الرئيس شيراك، أبلغت الرئيس رفض، قال: في الاجتماع كان فيه إهانة لسوريا، قلت له: وين الإهانة؟ الاجتماع كان فيه شوية توترات، وفي كل المناقشات بين الدول تجد توترات، التوترات ما بتعني إهانة فريق للفريق الآخر، هذا الرجل يريد أن يصحح الصورة، قال: لأ ما بتروح، قلت له: طيب أنا ما بروح، خلينا نرتب زيارة أنت تروح لباريس، أنت رايح لأسبانيا تمر تنام ليلة في باريس، وشوف الرئيس شيراك، قال: طيب بعدين ببحث الموضوع، وطبعاً لا سمح لي أنا إجي وهو ما راح، وهذا الأمر خلق توتر عند الفرنسيين، طبعاً الشركة الأخرى اللي أخذت العقد شركة كندية الشريك الأميركي لشركة أوكسي تونتال الأميركية، ووكيل الأعمال الذي سينفذ العقد أحد السوريين من الدائرة القريبة، هذا التوتر خلق المناخ لأن تتفق فرنسا مع الولايات المتحدة تحت عنوان منع التمديد في لبنان للرئيس لحود، ومن ثم.. هذا الأمر سيؤدي بشكل من الأشكال للضغوط على سوريا، قال: ما العمل؟ قلت له: لا تستطيع أن تجابه القرار 1559 إلا بحوار جدي مع الجانب المسيحي مع البطرك وقرنة شهوان وسميت عدد من الأسماء، واسترداد وليد جنبلاط.

حسين فياض قنيبر: سيد عبد الحليم خدام لماذا لم يحصل الحوار مع هذا الجانب المسيحي في الوقت الذي كنت أنت في دائرة القرار، يعني كان سمير جعجع في السجن، كان ميشال عون وأمين جميل في المنفى الجميّل عاد لاحقاً، البطريرك صفير وجه عدة نداءات لتطبيق اتفاق الطائف لم تُسمع هذه النداءات، لماذا في فترة وجودك في دائرة القرار لم تُسمع اعتراضات الجانب المسيحي؟

عبد الحليم خدام: أولاً هذا غير صحيح، طيب عمر كرامي شكّل أول وزارة أو تاني وزارة برئاسة الرئيس إلياس الهراوي، عمر كرامي، توني سليمان فرنجية متهم بقتل المرحوم الرئيس رشيد كرامي، من أقنع عمر كرامي في أن يقبل بسمير..

حسين فياض قنيبر: سليمان..

عبد الحليم خدام: من أقنع عمر كرامي بأن يقبل بسمير جعجع وزيراً في وزارته؟ أولاً الحكومة اللي شكلها لرئيس عمر كرامي كان فيها سمير جعجع وزيراً..

حسين فياض قنيبر: قبل مجيء الحريري إلى السلطة.

عبد الحليم خدام: نعم، عام 1991.

حسين فياض قنيبر: ويومها رفض جعجع وانتدب روجيه ديب.

عبد الحليم خدام: وانتدب روجيه ديب هذا لم يأت من فراغ، أولاً كان نتيجة حوار مع القوات اللبنانية، وكان نتيجة حوار مع القوى المسيحية الأخرى، حتى العماد عون وهو محاصر طرحنا على الرئيس الهراوي أن يقترح عليه أن يكون وزيراً للدفاع في الحكومة التي يزمع تشكيلها، نحن بالعكس اتصلنا بجميع الأطراف، أذكر آنذاك اتصلت بالرئيس عمر كرامي جاءني إلى دمشق مساءً، سألته: ما رأيك أن تتحمل مسؤولية رئاسة الوزارة؟ الرجل احمّر يعني تفاجأ، قال: طبعاً موافق وكذا، قلت له: لكن بدنا نأخذ بالاعتبار الحكومة التي ستؤلفها حكومة اتحاد وطني، وسيكون فيها أشخاص أنت تكرههم، قال: من؟ قلت له: سمير جعجع، هنا عبّأ وجهه قال: ماذا سأقول للرئيس كرامي إذا التقيته أمام الله؟

حسين فياض قنيبر: للرئيس رشيد كرامي الذي اغتيل.

عبد الحليم خدام: نعم للرئيس رشيد كرامي الذي قتله سمير جعجع، ماذا أقول له أمام الله إذا سألني كيف تأتي بقاتلي وزيراً معك؟ قلت له: بتجاوبه للرئيس رشيد الكرامي قبلت به حتى أوقف القتل في لبنان، يعني كان متوتراً وأميل للرفض، قلت له: لا تعطيني قرار، انزل لبيروت ناقش أصدقاءك، حلفاءك، فكّر في الموضوع وخبرني، نزل بعد وصوله بيروت بشي ساعتين اتصل فيني وقال لي: ماشي الحال، وقت تشكلت الوزارة واسم سمير جعجع وإيلي حبيقة موجودين فيها، إذاً سوريا عملت جهد كبير، لكن الحوار أو التعامل ما بيكون من طرف واحد، سمير حطّ روجيه ديب بدأت الخلافات بينه وبين الأطراف اللبنانية الموجودة في الحكومة، بالنهاية خرج روجيه ديب لكن لم يخرج بطلب من سوريا إطلاقاً، نحن كنا حريصين أن يكون الجميع كل.. واعترض بعض السياسيين في لبنان على صيغة الحكومة، قلنا لهم: يجب أن يأتوا قادة الحرب، كيف تستطيعون إنهاء الميليشيات ونزع أسلحتها وقادة الحرب الذين يعتبرون أنفسهم وضعوا دم و.. و.. إلى آخره خارج السلطة؟ يجب أن يأتوا إلى السلطة حتى يكون ذلك مدخلاً لإنهاء الميليشيات ونزع أسلحتها، وهذا الذي حدث.

حسين فياض قنيبر: يعني سجن سمير جعجع ألم يكن عقاباً له على إسقاطه الاتفاق الثلاثي الذي عرف بأنه اتفاق خدام؟

عبد الحليم خدام: شوف لأقول لك، موضوع الاتفاق الثلاثي أمر آخر..

حسين فياض قنيبر: يعني لم تكن لكم علاقة بسجن سمير جعجع، وباجتياح مواقع العماد عون كان ذلك قراراً لبنانياً؟

عبد الحليم خدام: قرار العماد عون قرار لبناني 100%، الرئيس الهراوي كان كل يوم يبعث خليل الهراوي وأنطوان جديد للضغط والمطالبة بتدخل القوات السورية لإنهاء وضع العماد عون، قلنا له: بدنا قرار من مجلس الوزراء، جمع مجلس الوزراء وعمل القرار، في الواقع نحنا كنا مترددين، عم نحاول يعني الحلول السلمية، لكن وصل لمرحلة الرئيس الهراوي قال أنا بدي استقيل، أنا يعني أنتم موجودين في لبنان حتى تساعدوا السلطة بلبنان، وكان قرار التدخل الذي حدث ومع ذلك بعد التدخل حاولنا أن يكون العماد عون وزيراً في الوزارة ووزيراً للدفاع، يعني ما تركنا فرصة بالعكس الاتصالات كانت مستمرة مع كل الأطراف، مسألة سجن سمير أنا حقيقة لا علم لي بها، لم أطلع عليها كل معلوماتي أنه اتهم بموضوع الكنيسة ثم فُتح ملف المرحوم الرئيس كرامي، يعني لم يكن لديّ يعني هذا الأمر لم يُناقش في المستوى السياسي في سوريا.

حسين فياض قنيبر: أعود إلى اللقاء العاصف القصير والشهير بين الرئيس بشار الأسد والرئيس الراحل رفيق الحريري، والذي أعقبه لقاء بين الحريري ورستم غزالي في عنجر، اللقاءان كانا عاصفين، هل علمت بهما؟ وبما دار خلالهما؟

عبد الحليم خدام: سألني الرئيس بشار إنه شو ممكن ينعمل؟ قلت له: ما فيه حل إلا الوحدة الوطنية، الحوار مع البطرك مع الجانب المسيحي، استرداد وليد جنبلاط، والحوار لا يجوز أن يتم عبر الأمن، لازم يكون حوار سياسي وأنت تباشره.

حسين فياض قنيبر: يعني عفواً الحوار مع الجانب المسيحي كان يهدف فقط لاسترداد وليد جنبلاط أم لاسترداد الجانب المسيحي؟

عبد الحليم خدام: لا.. لا عم بحكي أنا حوار مع الجانب المسيحي وأيضاً استرداد وليد جنبلاط، لأنه وليد جنبلاط بدأت التوترات معه، قلت له: بعد.. قال: أنا ما فيني حاور البطرك وشوفه وكذا وإلى آخره، قلت له: اقتراحي تجيب وليد جنبلاط ونبيه بري وحسن نصر الله ورفيق الحريري، بتقول لهم سوريا مفوضتكم تعملوا حوار مع الجانب المسيحي، وتتفقوا على حكومة وحدة وطنية مناصفة بين الجانبين مهمتها إجراء الانتخابات، ووضع قانون انتخابات، هون قاطعني الرئيس وقال لي وضع قانون انتخابات يرضي الجانب المسيحي، قلت له: تماماً، لأنه بكل الأحوال عشر نواب بالزايد وعشر نواب بالناقص مو مهم، المهم أن يتغير المناخ الموجود في البلد المناخ السلبي، وافق، مضت أيام ما استدعى أحد، بعد فترة كان فيه اجتماع في الجبهة الوطنية أنا كنت غائب، قدم فاروق الشرع عرضاً سياسياً، تحدث عن القرار 1559 قال هو طبخة مصالح في سردينيا، بين الرئيس شيراك وبين الحريري، سُئل: هل سيكون الحريري رئيس وزارة؟ قال له: لأ.

حسين فياض قنيبر: من سئل؟ الرئيس بشار.

عبد الحليم خدام: لا.. لا.. وزير الخارجية، الرئيس بشار لا يحضر الاجتماع، علمت بالموضوع اتصلت بالرئيس، قلت له: وزير الخارجية حكي كذا كذا بالجبهة، هذا الكلام سيتسرب إلى الفرنسيين وسيُعقّد الوضع مع فرنسا، شو مصلحتنا الآن؟ انزعج حقيقة انزعج، قال: شو دخل فاروق بموضوع لبنان شو بيفهّمه بموضوع لبنان؟ خود التلفون واتصل بالرئيس الحريري وقول له ما فيه رئيس وزراء في لبنان غيرك..

حسين فياض قنيبر: كلفك الرئيس بشار بإجراء هذا الاتصال.

عبد الحليم خدام: تماماً، وأنا رح شوفه بعد أيام، فعلاً اتصلت برفيق وقلت له: أخي إذا سمعت أي كلام الرئيس بلغني كذا كذا عم بلّغك، وفعلاً اجتمع فيه بعد بضعة أيام كما فهمت من الرئيس ومن رفيق كان اللقاء ودياً، كُلف رفيق تشكيل الحكومة، بدأت المشاكل توضع أمامه، يوم اثنين ثلاثة أربعة ما تشكلت الحكومة، اتصلت فيه سألته ليش ما تشكلت الحكومة؟ قال: جماعتكم ولحود عم يوضعوا مشاكل..

حسين فياض قنيبر: جماعتكم ما هو..؟

عبد الحليم خدام: يقصد رستم غزالي يعني، يضعون مشاكل، قلت له: هل اتصلت بالرئيس بري؟ قال: نعم زرته وكانت المقابلة سيئة، الرئيس بري كان يعتقد رستم يتصل فيه، أبو مصطفى كان أيضاً معرّض للضغوط لضغوط شديدة من قبل بشكل خاص من قبل رستم غزالي.

حسين فياض قنيبر: الرئيس بري كان خاضعاً لضغوط رستم غزالي بأي معنى؟ أي نوع من الضغوط؟

عبد الحليم خدام: الرئيس بري يريد أن يحافظ على هيبة المجلس النيابي واستقلاليته، مثال عندما وضع المجلس النيابي قانون تعديل أصول المحاكمات، بعد 48 ساعة مورست ضغوط على نبيه بري، وجرى حديث معه بمنتهى السوء، اضطر أن يجمع المجلس ويلغي قراره الذي أصدره قبل 48 ساعة، يعني نبيه كان يريد أن يحافظ على هيبة المؤسسة، على دوره كرئيس للمجلس النيابي، لكن التشابكات في لبنان معروفة.

حسين فياض قنيبر: عبد الحليم خدام أعود إلى المرحلة التي كنت فيها في دائرة القرار في سوريا، الاغتيالات في لبنان ليست جديدة يعني بعد اغتيال الحريري وسمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني ومحاولتي اغتيال مروان حمادة ومي شدياق، قبل ذلك كانت هناك أيضاً اغتيالات كمال جنبلاط بشير الجميل، رينيه معوض، المفتي خالد، يعني هذه الاغتيالات حسب معرفتك بدقائق الأمور آنذاك من كان يقف وراءها؟

عبد الحليم خدام: في الواقع في تلك المرحلة يعني المرحلة التي سبقت اتفاق الطائف كانت هناك حرب أهلية، وكانت هناك قوى مختلفة تعمل في الساحة اللبنانية، لبنانية وقوى خارجية تعمل عبر القوى اللبنانية، وبالتالي كان الاختراق سهلاً، وتناول أي شخص كان ممكناً، بعد انتخاب الرئيس معوض جاءتنا معلومات، وقد جاء بهذه المعلومات على ما أذكر المرحوم جورج حاوي، أن رقيباً في الجيش اللبناني من عكار سيقوم باغتيال الرئيس رينيه معوض، طبعاً أصابنا قلق كبير توجهت أنا والعماد حكمت الشهابي إلى طرابلس، والتقينا بالمرحوم الرئيس معوض في الهيكلية، وأذكر كان ذلك يوم أحد، سألته قلت له: فخامة الرئيس ليش ما شكّلت الحكومة؟ بتذكر لما جينا هنياك ترجيناك تعجل بتشكيلها حتى لا يقع فراغ في البلاد، وقلت عندك كان تصور معين، قال: غيرت رأيي عم فكر بخطورة أقطاب، بدي حاول اقنع الرئيس سليمان فرنجية أن يكون في الحكومة، قلت له: فخامة الرئيس شكّل أي حكومة بدك ياها، أقطاب وغير أقطاب شكّل أي حكومة بدك ياها، لأن هذه الحكومة هي شهادة تأمين على حياتك، هناك من سيحاول قتلك لإحداث فراغ في البلاد، لذلك نرجوك شكّل الحكومة فوراً، قال: أنا ذاهب إلى بيروت يوم الثلاثاء وسأعلن تشكيل الحكومة مساء الثلاثاء، وأعتقد كان ثاني يوم كان عيد الاستقلال، نستقبل عيد الاستقلال بحكومة جديدة، قلت له: شكّلها إذا تبين في المستقبل فيها ثغرة فيها كذا ممكن الإضافة ممكن التعديل لكن المهم الآن أن تكون في لبنان حكومة، لأنه اللي بده يغتالك من أجل فراغ يعرف أنه لم يعد بالإمكان حدوث فراغ باعتبار صار فيه حكومة شرعية، هذا كان قبل الاغتيال بأيام، وبعد أيام بالفعل طبعاً ما تشكّلت الحكومة صباح الأربعاء صباح يوم عيد الاستقلال جرت الجريمة الكبرى، وهي جريمة كبرى حقيقية يعني هزت لبنان وهزت الأمل في عودة السلم للبنان، ماذا كان يمثل رينيه معوض؟ كان رينيه معوض يمثل الاعتدال اللبناني، كان هناك اثنان من السياسيين يمثلان الاعتدال، الرئيس رشيد كرامي والرئيس رينيه معوض..

حسين فياض قنيبر: يعني أنت من تتهم باغتيال الرئيس معوض؟

عبد الحليم خدام: لا أستطيع، حقيقة لا أستطيع حقيقة ليس لديّ معطيات، ولكن كان واجب السلطات اللبنانية أن تحقق بكل الجرائم، قد تصل إلى معرفة الحقيقة وقد لا تصل، لكن لا يجب أن يبقى الوضع بهذا الشكل، ومع ذلك يعني مضى زمن والناس تعيش جراحاتها، هناك الآن ضغوط متصاعدة، أعتقد أن مهمة قيادة الدولة أي دولة في العالم هي تجنب الضغوط وتجنب الانزلاق باتجاهها، بالنسبة للضغوط الأميركية سأتحدث عن مرحلتين، مرحلة الرئيس حافظ الأسد، ومرحلة الرئيس بشار الأسد، لو أخذنا عقد التسعينات بين 90 وبين وفاة الرئيس حافظ الأسد واستعرضنا العلاقات السورية الأميركية، نحن بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ناقشنا الوضع وكان التوجه لحماية البلاد تجنب الانزلاق إلى مواجهات ليست لدينا مقومات مقاومتها، يعني هذا كلام كان واضحاً، جاءت عملية اجتياح الكويت طلب الأميركان عبر السعودية مشاركة قوات مصرية وسورية، وأُبلغنا أن الأميركان أبلغوا الإخوان في مصر وفي السعودية أنهم لا يستطيعوا أن يشكلوا تحالفاً لإخراج القوات العراقية من الكويت إذا لم يكن هناك غطاء عربي، ناقشنا الموضوع وضعنا سلبيات المشاركة ووضعنا الإيجابيات، فاستنتجنا أن المشاركة ستؤدي إلى تخفيف الضغوط الدولية حول سوريا، وستؤدي إلى أن الدول العربية الخليجية وعلى رأسها السعودية ستشكّل خط دعم ومساندة لسوريا، فاتخذنا القرار وأبلغته ذهبت إلى الرياض وأبلغته للمرحوم الملك فهد بن عبد العزيز، وكان القرار مفاجأة سارة للملك فهد، بعد ذلك ماذا حدث؟ لقاء بين الرئيس بوش الأب والرئيس حافظ الأسد في تشرين في جنيف، مجيء بيكر إلى المنطقة وإلى سوريا بالتحديد واستمر بالذهاب والإياب مرات عديدة للترتيب لمؤتمر مدريد، وجرت المفاوضات السورية الإسرائيلية في واشنطن، خلال عشر سنوات التقى بصورة خاصة في حكم الديمقراطيين التقى الرئيس حافظ الأسد ثلاث مرات مع الرئيس كلينتون، جاءنا وزراء خارجية أميركا الولايات المتحدة كذا مرة إلى سوريا، وذهبت وفود سورية إلى الولايات المتحدة، ذهبت وفود سورية إعلامية واقتصادية ومثقفين إلى الولايات المتحدة وأتت وفود بالمقابل، لدرجة وصلت العلاقات بعد المفاوضات التي جرت بين وزير الخارجية السوري ورئيس وزراء إسرائيل باراك في واشنطن، جاء وزير خارجية سورية ليقدم عرضاً سياسياً في القيادة القطرية، ماذا قال؟ كيف بدأ الحديث؟ قال: الرئيس كلينتون مع سوريا ومتفهم لموقفها وهو يحترم الرئيس الأسد، أولبرايت معنا متفهمة موقفنا، باراك يريد السلام طلب مهلة بضعة أشهر لترتيب وضعه، قال باراك أن الرئيس الأسد أهم رئيس في المنطقة بعد معاوية، عندما وزير خارجية سورية يتكلم بهذا الشكل أن كلينتون معنا، وأولبرايت معنا، هل يعني أن هناك صراع وتوتر مع الأميركان؟ طبعاً أنا أنبّت وزير الخارجية، وقلت له: أنت تعمل في وزارة الخارجية منذ أكثر من عشرين عاماً، كيف تستخلص وتستنج أن كلينتون معنا والولايات المتحدة تعلن أنها حليفة إسرائيل؟ هذه مصيبة كبرى إذا كان وزير الخارجية السورية هكذا قلت في القيادة وهو مسجل، إذا كان وزير خارجية سوريا يقرأ السياسة الأميركية بهذه البساطة، هل يستطيع أن يقول أحد الرئيس حافظ لم يكن وطنياً؟ في الوقت الذي يجري فيه الحوار مع الأميركان كنا ندعم المقاومة في لبنان، وكنا نساعد الانتفاضة في فلسطين، وكنا نعترض على الضغوط الأميركية على العراق، ونعمل على إزالة الضغوط الموجهة ضد الشعب العراقي، كان هناك حوار ولكن هناك تمسك في المبادئ.

حسين فياض قنيبر: في تصريح لك قبل عام قلت أنه ليس وارداً أن يحصل لقاء بين بشار الأسد وأرئيل شارون، بعد مرور هذا العام الذي كان قاسياً على لبنان وعلى سوريا هل تتوقع اتجاهاً سورياً إلى التفاوض مع إسرائيل لتخفيف الضغط الدولي على جبهة لبنان؟

عبد الحليم خدام: أنا لا أريد أن أتوقع مثل ذلك، لا أريد أن أتوقع مثل ذلك لأن المناخ العام في سوريا المناخ الشعبي في سوريا ليس في هذا الاتجاه، نعم هناك محاولات لاستئناف المفاوضات، يعني محاولات لاستئناف المفاوضات وفق شروط معينة شيء واللقاء مع شارون شيء آخر.

حسين فياض قنيبر: عبد الحليم خدام شكراً على هذه المقابلة الخاصة، شكراً على كل إجاباتك، مشاهدينا الكرام شكراً على متابعتكم وإلى اللقاء.

عبد الحليم خدام: شكراً لفريق العربية على إتاحة هذه الفرصة للحديث عما يهم السوريين والعرب في هذه المرحلة متمنياً لكم التوفيق.