الأسد: الاعتقاد بأن التخلص من الحرس القديم سيحقق التحديث في سورية تبسيط للأمور

الرئيس السوري في حديث تنشره «الشرق الأوسط» لا نرى أن واشنطن مستعدة لبدء مفاوضات المسار السوري

TT

* المخابرات السورية كشفت مخططات تستهدف القوات الأميركية في مكان ما وأبلغت بها واشنطن

* هناك سوء فهم أميركي لعلاقتنا بحزب الله

* مزارع شبعا لبنانية وليست سورية

* لا نضع شروطا لانطلاق المفاوضات

* قال الرئيس السوري بشار الأسد انه لا يرى اي مؤشر على ان الولايات المتحدة مستعدة للبدء في استئناف عملية السلام على المسار السوري في المستقبل القريب، ودعا الولايات المتحدة الى اتخاذ رؤية واضحة لعملية السلام وايجاد الوسائل المناسبة لهذه العملية ثم تشرع في المفاوضات.

وأكد في حديث شامل تنشره «الشرق الأوسط» ان مزارع شبعا لبنانية وليست سورية، مشيرا الى سوء فهم اميركي حول علاقة دمشق بـ«حزب الله» اللبناني، وان واشنطن تضع دائما امورا تتعلق بإسرائيل في طريق العلاقات الثنائية.

وأكد الرئيس الأسد في حديثه الذي تناول قضية العراق والشؤون الداخلية السورية ان التحديث يعتمد على الحوار وليس بمجرد التخلص من الحرس القديم، مؤكدا انه ليس نسخة من ابيه. وأكد التعاون مع الولايات المتحدة في مجال محاربة الارهاب، كما اكد ان العراق ليس المشكلة في علاقات البلدين وانما اسرائيل.

* ربما بدأنا بموضوع العلاقات السورية ـ الاسرائيلية ذلك ان زمنا طويلا قد مر دون ان نلاحظ أي تحرك في ذلك المجال. أتساءل عما اذا كنتم تودون رؤية ادارة بوش تبادر الى محاولة انعاش تلك المفاوضات.

ـ نحن لا نرغب أو نتمنى فحسب وانما ندعو، على الدوام، في كل لقاء وكل خطاب، الولايات المتحدة الى العمل الدؤوب لاستئناف المفاوضات. ونحن ندعو أيضا جميع الأطراف الدولية القادرة على الاسهام في استئناف المفاوضات لبذل كل ما في وسعهم للقيام بذلك، ولكنني أعتقد ان دور الولايات المتحدة يبقى ذا أهمية أساسية في هذا المجال.

نحن ندعو الولايات المتحدة الى ان تتخذ أولا رؤية واضحة لعملية السلام، وتمتلك ثانيا الوسائل المناسبة لهذه العملية، وأن تشرع، ثالثا، في المفاوضات. وبقدر تعلق الأمر بنا في سورية نحن مستعدون دائما لاستئناف مفاوضات السلام على أساس بنود اتفاقية مدريد.

* هل لديكم أية مؤشرات تدل على ان ادارة بوش تسعى الى ذلك؟

ـ تحدثنا الى عدد قليل من كبار المسؤولين الأميركيين حول هذه المسألة التي تطرحها. كما ان زعماء عربا وأوروبيين طرحوا هذه القضية مع مسؤولين أميركيين، وكان رد الفعل الأميركي هو التالي «نعم، نحن نتفق مبدئيا، ويتعين أن يحدث هذا ولكن ليس الآن». وقالوا انهم مهتمون، في الوقت الحالي، بالمسار الفلسطيني. ويعرف كل المعنيين حقا بعملية السلام بأن السلام لا يمكن تحقيقه اذا لم يكن شاملا.

ولكي نكون واضحين حول تلك المسألة فاننا لا نرى أي مؤشر على ان الولايات المتحدة مستعدة للبدء أو استئناف عملية السلام على المسار السوري في المستقبل القريب.

* من أين يمكن أن تبدأوا المفاوضات؟ اذا ما أخذنا بالحسبان المفاوضات السابقة حول تحديد الحدود، فهل ستبدأون ثانية من تلك النقطة؟

ـ يذكر بعض الناس ما ذكرته أنت كما لو أن سورية لا تقبل أي شيء باستثناء هذا كنقطة انطلاق. يقول البعض ان هناك شروطا سورية، وجوابي أن ليس هناك، فنحن لا نضع شروطا سورية. ان ما تقوله سورية هو التالي: يتعين أن تبدأ المفاوضات من النقطة التي توقفت فيها ببساطة لأننا حققنا الكثير في هذه المفاوضات. واذا لم نقل هذا فذلك يعني أننا نريد أن نعود الى نقطة الصفر في عملية السلام. ويمكن ان يعني هذا تبديد المزيد من الوقت، وكل يوم نضحي بالمزيد من الناس الذين يقتلون والمزيد من أعمال العنف في المنطقة.

وبغض النظر عن ذلك فعندما نقول اننا اتفقنا على80 في المائة من نقاط عملية السلام، ان تفاصيل النقاط التي جرى الاتفاق عليها هي، بالطبع، مع الادارة الأميركية، أعني اننا اذا عدنا الى نقطة الصفر فقد لا نتفق حتى على النقاط التي كنا قد اتفقنا عليها في الماضي ليس لأننا غيرنا موقفنا في سورية وانما لأن تغييرات حدثت في اسرائيل. وهذا هو السبب الذي يجعلنا نقول اننا نرغب في استئناف المفاوضات من النقطة التي توقفت عندها لكي نتوصل الى أفضل النتائج في أقصر وقت ممكن.

*هناك اشاعات بين حين وآخر تقول ان سورية ظلت ترسل مبعوثين. هناك قصة تشير الى ان شقيقك ذهب الى الأردن للقاء بمسؤول اسرائيلي لكي يتعرف على امكانية استئناف المفاوضات. هل هناك صحة لأي من هذه الاشاعات؟

ـ شقيقي ليس معنيا بقضايا السياسة ولم يسافر الى الأردن أبدا.

* ولكن السؤال الأكبر هو ما اذا كانت هناك أية لقاءات تمهيدية بين سورية واسرائيل بشأن استئناف المفاوضات؟

ـ كلا. نحن نتطلع الى مؤشرات عبر وسطاء. وأولئك الوسطاء هم أصدقاء سورية، عرب وأجانب. ولكننا نتطلع الى هذه المؤشرات من الولايات المتحدة وليس من اسرائيل، لأننا في سورية، كما قلت، نعتقد انه اذا لم تكن لدى الولايات المتحدة الرؤية والارادة لتحقيق السلام في الشرق الأوسط، فان كل شيء آخر سيفقد قيمته ولن يكون هناك سلام.

اضف الى ذلك حقيقة ان هناك دلائل واضحة من اسرائيل ضد السلام في الوقت الحالي. وأنا أتحدث خصوصا عن الفترة منذ تسلم شارون مقاليد الحكم في اسرائيل.

* هل ترى بداية رؤية من جانب ادارة بوش؟

ـ لنأخذ جانبين في هذه الرؤية. نحن نتفق مع ما قلته بشأن حل عبر اقامة دولتين وانهاء المستوطنات. فهذه مبادئ سليمة. هذه هي البدايات لكنها تبقى مبادئ. ويتعين استكمال هذا بوضع آليات لتحقيقه. لا يمكنك ان تواصل الحديث عن هذه الرؤية فحسب، بل يتعين عليك أن تضع آلية لتحقيق تلك الرؤية. يمكن لأي بلد في العالم، بما فيها تلك الدول التي لا تتمتع بنفوذ في المنطقة، ان يتحدث عن رؤية عامة ولكن ليس الولايات المتحدة. ان الولايات المتحدة تمتلك الوسائل والأدوات لتنفيذ رؤية، فهي بلد ذو نفوذ.

* عندما تتحدث عن آلية هل تعني استخدام نفوذهم مع اسرائيل؟

ـ أعني مع كل الأطراف ولكن لا أن تكون منحازة الى طرف ضد آخر. انها يجب أن تكون وسيطا نزيها مع كل الأطراف. دعني أقدم مثالا آخر: اعتمدت مرجعيات مدريد على قرارات مجلس الأمن، وأولئك الذين نفذوا هذه القرارات ومرجعيات مدريد هم أولئك الذين يريدون السلام والعكس صحيح. لن أتحدث عن الماضي، ولكن دعنا نفترض اننا سنبدأ المفاوضات الآن. كيف نتعامل مع أولئك الذين يقفون ضد السلام؟ أنا لا أقدم اقتراحا الآن، ولكن اذا لم نحدد معايير وآليات فان أي طرف يمكن أن يعرقل عملية السلام دون أن يواجه أية عواقب. ربما تستطيع الولايات المتحدة أن تضع مثل هذا النمط من المعايير أو أن أعضاء مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة يمكنهم فعل ذلك. هناك سبل كثيرة.

* اذا كان بوسعكم حل مشكلة الفلسطينيين ومشكلة الجولان، فهل سورية ما تزال مستعدة لتطبيع رسمي للعلاقات مع اسرائيل كما جرى التعبير عنه من جانب الجامعة العربية في قمة بيروت؟

ـ هذه احدى النقاط التي حققنا فيها تقدما كبيرا في مفاوضات السلام في أوائل التسعينات. تخيل أنك تتفاوض مع طرف آخر حول الحدود والمياه واتفاقيات الأمن والعلاقات في اطارها العام، فان هذا يعني أنك قطعت شوطا كبيرا في الطريق الذي يطرح تصورا لعيش دول المنطقة بسلام.

* هل تشعر ان علاقاتكم مع حزب الله، ودعمكم لحزب الله، قد أصبحت عائقا في وقت تنظر فيه الولايات المتحدة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر الى الموقف من الارهاب باعتباره اطارا للحكم على علاقاتها؟

ـ دعني أوضح أولا الكيفية التي نرى فيها هذه المسألة. ان سورية لا تدعم طرفا او دولة أو حكومة بشكل عام. فعندما قامت اسرائيل بغزو لبنان عام 1978 ومن ثم على نطاق أوسع عام 1982 قلنا اننا ندعم المقاومة اللبنانية لتحرير بلادها من الاحتلال. ولم يكن هناك طرف يسمى حزب الله ولا أي طرف آخر في ذلك الوقت. كانت هناك جماعات من الناس تقاوم الاحتلال. كنا ندعم المقاومة التي تهدف الى تحرير الأراضي اللبنانية. ولم ندعم، في أي وقت، طرفا ينفذ عمليات خارج الأراضي اللبنانية لأغراض مختلفة، وهذا ما تعلنه المقاومة اللبنانية على الدوام، وحزب الله بشكل خاص، من أنهم يقاومون الاحتلال على أراضيهم ليس الا.

* ولكن مزارع شبعا تقع خارج لبنان، أليس كذلك؟

ـ انها جزء صغير داخل لبنان. انهم يقولون انها سورية ونحن نقول: كلا، انها لبنانية وليست سورية. انها منطقة صغيرة جدا. ان كل عمليات حزب الله تجري، الآن، على الأراضي اللبنانية لا خارجها، بينما تقوم الطائرات الاسرائيلية بانتهاك الأجواء اللبنانية يوميا. ليس هناك تبادل قصف بين اللبنانيين والاسرائيليين على الرغم من أن اسرائيل، على خلاف لبنان، تقوم بين حين وآخر، بقصف الأراضي اللبنانية بالقنابل.

هناك سوء فهم في الولايات المتحدة للعلاقات السورية مع حزب الله. ولا يتعلق الأمر بهذه المسألة فقط وانما هناك سوء فهم في ما يتعلق بالمواقف السياسية السورية التي أدت ربما الى علاقات غير جيدة بين سورية والولايات المتحدة.

* ولكن الولايات المتحدة تعتبر حزب الله منظمة ارهابية، بالاضافة الى منظمات أخرى تقدمون لها دعما. وما دام ذلك يستمر، فانه سيكون من الصعب التوصل الى أي نمط من العلاقات الطبيعية مع الولايات المتحدة. فكيف ستواجهون تلك القضية؟

ـ ببساطة، نحن لا ندعم حزب الله، نحن ندعمه سياسيا. نحن لا نقدم له أموالا أو أسلحة، وهذه هي سياستنا العامة مع أي طرف في هذه المنطقة. وهكذا فنحن ندعم سياسيا تحرير الأرض اللبنانية، بينما ما يقولونه هو اننا نقدم لهم الاسلحة والقنابل وما الى ذلك. وذلك ما أعنيه بسوء فهم الموقف السوري. لا نستطيع الاعتماد على الأمور الخاطئة، ونحن نحاول أن نوضح موقفنا في هذه المسائل للأميركيين. بعضهم يفهمون هذا والبعض الآخر لا يفهمون، خصوصا عندما نركز في حديثنا على العلاقات الثنائية السورية ـ الأميركية والمصالح المتبادلة التي تتمتع بها الولايات المتحدة مع سورية في المنطقة. والمشكلة ان الولايات المتحدة تضع، على الدوام، أمورا تتعلق باسرائيل في طريق علاقاتنا الثنائية. وهذا هو أحد الأسباب التي تؤدي بالعلاقات السورية ـ الأميركية الى التقلب.

* لقد كانت سورية متشددة في معارضتها لما فعلته الولايات المتحدة في العراق، وانت ذكرت في شهر مارس انك تأمل في فشل الولايات المتحدة. كما ان هناك سلسلة من البيانات صدرت في سورية تؤيد الهجمات على الاميركيين وتؤيد الانسحاب الفوري. وبالرغم من ذلك، اذا تحدثت الى العراقيين انفسهم، كأنهم يخشون من أنه اذا ما غادر الاميركيون البلاد ستنتشر الفوضى والمزيد من العنف. ما هو تصورك لعواقب الانسحاب الاميركي او اي نوع من الفشل في العراق، بالنسبة للمنطقة العربية بصفة عامة وسورية على وجه الخصوص؟

ـ النقطة الاولى التي اود التأكيد عليها هي ان كل ما قلته للاميركيين، سواء للمسؤولين الاميركيين او عبر بياناتنا قبل وبعد الحرب، اصبح حقيقة.

وفي الواقع فإن الامور تسوء اكثر مما كانت سورية تتوقع. انت تتحدث عن الفوضى في العراق، ولذا علينا معرفة اسباب تلك الفوضى. ان الموقف الفوضوي في العراق سيئ للعراقيين، وسيئ للمنطقة وربما سيئ بالنسبة للدول خارج المنطقة.

لقد التقينا مع عراقيين من مختلف الفئات ولكن لم نسمع اي رؤية متناقضة منهم. اعتقد انهم يتفقون على النقاط العامة والمبادئ. وأثار بعض الناس نفس النقطة التي تثيرها وكأن هناك حربا اهلية في العراق. لا توجد حرب اهلية، ولكن قوات اميركية وبريطانية تحتل العراق. ان الولايات المتحدة موجودة في مناطق معينة وليست موجودة في مناطق اخرى في العراق. وفي مناطق متعددة، التي لا توجد فيها قوات اميركية او اي سلطة عراقية، فالامور منظمة بين العراقيين انفسهم.

ولنتحدث من منطلقات اكثر عمومية. ان انتشار الفوضى من عدمه يعتمد على كيفية معالجة الولايات المتحدة لمطالب واحتياجات العراقيين. ولنكن واضحين. ما هو الامر الذي يقف في طريق انتشار الفوضى في اي بلد؟ انها المؤسسات والحكومة. اذا ما اعد دستور من صياغة العراقيين وحكومة منتخبة من قبل العراقيين، لماذا تنتشر الفوضى؟ ولذا فإن الطريق واضح: دستور من صياغة العراقيين وحكومة منتخبة، ولكن اذا فرض دستور على العراقيين وفرضت حكومة عليهم، ستنتشر الفوضى. ولكن على اي حال هناك فوضى في العراق الان.

ما نخشاه هو موجود بالفعل، ويوجد اتجاه متصاعد للارهاب لايستطيع جيراننا ولا نحن السيطرة عليه. ويوجد ايضا تهريب للاسلحة بين الدول. كما لا يوجد جانب في العراق يمكن ان تتفق معه على اي اجراء. ولذا، اعتقد ان الحل في العراق هو السماح للعراقيين بصياغة دستورهم وانتخاب حكومتهم.

* من تعتقد أنه يشن حرب مقاومة ضد الاميركيين؟

ـ لن اتكهن، سأقول لك الذي سمعناه من العراقيين، لم يكن لدينا وجود في العراق ولا علاقات قوية مع العراق بسبب النزاع بين سورية والعراق الممتد لعقود طويلة.

ان علاقاتنا مع العراق علاقة جديدة. الذي سمعناه منهم بوضوح هو ان هذه مقاومة عراقية. هذا ما قاله بعض الناس.

في العالم يقولون ان هذه المقاومة العراقية هي بقايا نظام صدام حسين، ويتهمون المقاومة بالارتباط بصدام. وفي الواقع ـ هم يقولون ـ اننا كعراقيين، ضد صدام حسين، معظمنا، سنة او شيعة او اكراداً، ضد صدام وضد الاحتلال. هذا ما يقولونه، وسمعنا ذلك بوضوح منهم.

بالطبع بعض الاميركيين قالوا انهم بقايا نظام صدام، ارهابيون، واعضاء في القاعدة، ربما، ولكن نختلف مع هؤلاء الذين يقولون ان كل المقاومة قادمة من خارج العراق. ربما هناك ما بين الف الى الفين من خارج العراق، ولكن ماذا عن 25 مليون عراقي.

* نعود مرة اخرى لهذا الموضوع. بعد الحديث مع العديد من المسؤولين حول العالم، يبدو انهم يواجهون ورطة معينة لانهم يعارضون حقا ما تفعله الولايات المتحدة في العراق، وهم ضد الاحتلال، ولكن في الوقت نفسه يخشون من نتائج الفشل، هم لايريدون حقا للولايات المتحدة النجاح لانه لا يعجبهم ذلك من البداية، ولكنهم لايريدون لها الفشل لان عواقب انتشار الفوضى هناك في غاية الصعوبة.

* اذن ما هي رؤيتك للموقف؟ كيف تختار بين هذين الموقفين؟

ـ اتفق ان الموقفين في غاية الصعوبة مثلما يخشى البعض. هو مثل دخول نفق طويل، لا يوجد ضوء في نهاية النفق، وهو يضيق ويضيق، وفي النهاية ستحاصر. لا يمكنك التقدم ولايمكنك التراجع، هكذا افهم الموقف الذي اتحدث عنه. ولذا فإن الحل الوحيد هو كسر هذا النفق ووضع دستور عراقي وانتخاب حكومة. لايوجد طريق اخر كما نراه في سورية.

* ان ادارة بوش، او على الاقل الجيش الاميركي، يخطط لوجود في العراق حتى عام 2006 على الاقل. هل يشعرك ذلك بعدم الراحة لوجود 100 الف جندي اميركي كجيران لسورية؟

ـ الولايات المتحدة ليست عدوة لسورية. والمسار الطبيعي للعلاقات مع الدول القوية مثل الولايات المتحدة، وهي قوة عظمى في المجالات العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية، هو ان تصبح عاملا مساعدا لنا. ولذا فإن المشكلة ليست ما اذا كان هناك جندي اميركي او مليون جندي . والمشكلة ليست ما اذا كانوا سيبقون لمدة سنة او لعشر سنوات. المشكلة هي ما اذا كانت الولايات المتحدة ستصبح عاملا لاضطرابات ام عاملاً من عوامل الاستقرار. وانا لا أتحدث عن العراق الان، ولكن بصفة عامة، فالعراق بالطبع جار لنا وسنتأثر اكثر من اي بلد آخرى في العالم من هذه الفوضى.

والمهم هنا ما اذا كانت الولايات المتحدة تملك الرؤية لحل المشاكل في العراق وفي المنطقة وفي الشرق الاوسط او اذا كانت لاتملكها. ان اهم النقاط المتعلقة بسؤالك هي ما الذي يطالب به الشعب العراقي؟! العراقيون يريدون من القوات الاميركية الانسحاب الكامل من بلادهم. واذا كانت الولايات المتحدة تنوي الانسحاب تماما من العراق، فإن الشعب العراقي والجميع يوافقون على مبدأ الانسحاب الكامل من العراق. وبالنسبة للفترة اللازمة لتحقيق ذلك هو امر يجب على العراقيين انفسهم تقريره، وليس من خارج العراق.

* تتحدث عن رؤية اميركية.. هناك رؤية معلنة للأميركيين بأنهم يريدون خلق عراق ديمقراطي ومتحرر وبلد يكون مثالا للدول الاخرى في المنطقة. وخلال حديثي مع الناس في شوارع العواصم العربية، حتى الناس الذين يكرهون فكرة وجود الجيش الاميركي هناك، ويكرهون فكرة الاحتلال، فإنهم يؤيدون هذه الرؤية.. ما هو رد فعلكم على هذا النوع من الجاذبية الشعبية لما يفعله الاميركيون؟

ـ كنت اتحدث عن نفس المفهوم عندما تحدثت عن دستور من اعداد العراقيين وحكومة منتخبة. هذه هي بداية الديمقراطية. كيف تبدأ الديمقراطية؟ بالدستور، هذا هو المفهوم الذي يتفق عليه كل انسان في هذا البلد. هذه هي الديمقراطية، بينما ما تتحدث عنه هو الديمقراطية بالقوة وهذا امر مختلف، إذ لا يمكنك فرض الديمقراطية، ولكن اترك للناس اختيار طريقة الحياة التي تعجبهم. هذه هي بداية الديمقراطية. ولكن اذا قال شخص ما انني سأفرض الديمقراطية على هذا البلد أو ذلك فهذا ضد الديمقراطية.

* النقطة التي احاول شرحها هي ان المواطنين في دول اخرى يأملون في ان ما حدث في العراق سيؤثر على حياتهم إيجابا. السوريون على سبيل المثال يريدون مزيدا من الحرية. هل تعتقد انه اذا ما فعلت الولايات المتحدة ما تقوله، ستضغط عليك لتكون اكثر انفتاحا وتنشر الاصلاح هنا؟

ـ سأقدم لك وجهة نظر المعارضة السورية الموجودة في كل مكان، سواء كان داخل سورية او خارجها. هم لايؤيدون النظام السوري، ولا الدستور ولا الحكومة، ولكنهم ضد ما يقوله الاميركيون بخصوص نشر الديمقراطية في العراق. اقصد انهم ضد تصدير الديمقراطية بالقوة او بأي وسيلة اخرى. هذا هو رأيهم، وهو في غاية الوضوح ويمكنك العثور عليه في التلفزيون والصحف. يمكنك سؤالهم.

* نعم، يقولون انهم لا يريدون ما حدث في العراق ان يتكرر هنا بأي وسيلة. ولكنهم يأملون في ان يصبح العراق نموذجا لدفع الحكومات الاخرى في المنطقة للسماح لمواطنيها بمزيد من الحرية.

ـ آمل في تحقيق خطوات افضل نحو الديمقراطية في بلادنا، ولكن ذلك يستغرق وقتا. ولا يوجد احد في سورية، او ربما في المنطقة اذا اردت المبالغة بعض الشيء، يطالب بمساعدة من اي دولة لتحقيق الديمقراطية في بلاده. اعتقد ان البعض فكر في هذا الموضوع، قبل الحرب، ولكن بعد الحرب غيروا تفكيرهم. هناك نسبة بسيطة من الناس كانت تفكر، قبل الحرب على العراق، ان الحرب ستؤدي الى الديمقراطية في المنطقة. ومعظمهم الان يعتقدون ان ذلك كان مثالا مضخماً لنشر الديمقراطية.

* ما هو شعورك تجاه حكومة برئاسة احمد الجلبي لادارة العراق؟

ـ لا أعرفه، ولم التق به في حياتي، ونحن لسنا بالذين نحدد افضل شخص في الحكومة العراقية المؤقتة، ونعرف جيدا بعضهم ونتعامل معهم باعتبارهم وضعاً قائماً، نتيجة لاحتلال العراق. ونثق بهؤلاء الذين نعرفهم منذ فترة طويلة ويثقون بنا، وهناك اشخاص لا نعرفهم وبالتالي لايمكننا الحكم عليهم او اعطاء انطباعات سلبية او ايجابية عنهم.

* هل يمكن ان تتخيل اي وضع يمكن من خلاله لسورية ان تلعب دورا في حفظ السلام او ان تصبح جزءاً من جهود حفظ السلام في العراق؟

ـ سأل عدد من المسؤولين الاوروبيين هذا السؤال، ووجه السؤال الى عدد اخر من الدول. الفرق بين سورية وغيرها من الدول التي وجه اليها هذا السؤال هو ان سورية جارة للعراق ودولة عربية، وعلى طول الحدود العراقية السورية توجد علاقات قربى بين الاسر السورية والعراقية. وفي الوقت نفسه توجد مشكلة كبيرة بين سورية والعراق منذ عقود. ولذا فإن اي دور يمكن ان تلعبه سورية تجاه العراق يجب ان يأخذ في اعتباره هذا الوقت الطويل من الخلافات مع العراق بهدف التوصل الى علاقات سورية عراقية جيدة في المستقبل.

هذا هو السبب في عدم وجود اي اعتراض على القيام بدور مع العراقيين او في العراق، بشرط وجود موافقة عراقية على الدور الذي نود ان نلعبه او حتى يطلب العراقيون منا القيام بهذا الدور. لقد سألنا العراقيين الذين زارونا عن هذه النقطة فقالوا لنا بوضوح تام انهم لايريدون اي دولة في العالم. وأي بلد في العالم، وأية قوة ستدخل العراق سواء أكانت قوات أجنبية أم عربية ستعامل على انها عدوة. وبإمكاننا مشاهدة الأحداث أمامنا، فنحن نرى ما يحدث، فبالأمس قتل سبعة ضباط اسبان في العراق، وقبل ذلك إيطاليون، رغم ان الدولتين لا توجد لديهما مشكلة مع العراق.

* الولايات المتحدة دفعت سورية أو طلبت منها أن تحاول السيطرة على الحدود بشكل أفضل. وأنا مدرك انكم قارنتم ذلك بحدودنا مع المكسيك، فهي حدود طويلة وربما من الاستحالة السيطرة عليها بشكل تام، لكن ألم تبذلوا بعض الجهود المعينة للحد من حركة التنقل من سورية إلى العراق؟

ـ أنا لن أقارن الأمر بحدودكم، لكنني سأقارنه بحدودنا مع العراق خلال الثمانينات. ففي تلك الفترة اعتاد صدام على ارسال عربات كبيرة محملة بالمتفجرات لقتل المئات والآلاف في سورية، وقتل ما يزيد على 15 الف شخص خلال أربعة أعوام، ولم نتمكن من سد هذه الحدود. ولذلك، فعندما طلب منا الأميركيون للمرة الأولى ضبط هذه الحدود، قلنا لهم إننا لا نستطيع فعل ذلك. لدينا حرس حدود، لكن إذا أمكن تهريب عربات النقل، فكيف سيتسنى لنا السيطرة على حركة الأفراد، إنها مسألة مستحيلة. فأنتم لديكم الجيش في الطرف العراقي من الحدود، يمكنكم السيطرة على تلك المسألة. وبطبيعة الحال اتخذنا بعض الخطوات من أجل إحكام سيطرتنا على الحدود بشكل تام، لكن قبل الحرب وليس بعدها.

وهكذا ما زلنا أمام نفس الاجراءات. والآن يبدو ان حركة التهريب تضاعفت، لكن باتجاه سورية وليس نحو العراق، فالأسلحة تأتي من العراق إلى سورية. بمعنى اننا إذا قارنا فإننا نفعل ذلك فيما يخص حدودنا وظروفنا. لقد اعتدنا السيطرة على الحدود وحاولنا دائما القيام بذلك من خلال اتخاذ بعض الخطوات. لكن المهمة تبدو مستحيلة خاصة مع حالة التوتر الراهنة. والآن إذا ما أردنا الحديث حول حدودكم مع المكسيك، فلا بد أن يكون هناك تعاون بين المكسيك والولايات المتحدة. إذا لا يمكنكم السيطرة عليها استنادا إلى كونكم الولايات المتحدة. إذاً من ذا الذي سنتعاون معه في العراق؟ فليس لديهم جهاز دولة، وليس لديهم جيش، وليست لديهم قوات شرطة. وهكذا فحالة الاضطراب هذه ستؤثر، وكأن لديهم أزمة على الحدود. لكننا نحاول بطبيعة الحال.

* هل توجد أشياء محددة قمتم باتخاذها؟

ـ تقصد عند الحدود؟

* نعم ـ الشيء الوحيد هو ان هناك حرساً، لكن الشيء المحدد الذي قامت به الولايات المتحدة هو مهاجمة حراسنا عند الحدود. وفي العديد من الحوادث المتفرقة هاجموا حراسنا مستخدمين طائرات ودبابات وقتلوا الكثير منهم. وفي الواقع، الشيء الوحيد الذي يمكننا فعله هو مراقبة الحدود، هذا هو الإجراء الوحيد الذي نواصل القيام به منذ بداية الثمانينات.

* سيادة الرئيس، هناك بعض الوثائق، لم يكشف النقاب عنها بعد، تشير إلى أن صدام حسين كان يتفاوض مع كوريا الشمالية بشأن بناء مصنع للصواريخ ونقل معدات الإنتاج إلى العراق. هذه الوثائق التي عثر عليها في بغداد أشارت إلى أن المفاوضات تمت في سورية، وان الحكومة السورية قد لا تكون علمت بأمرها، وان هناك بعض الأشخاص ممن اشتركوا في المفاوضات ما يزالون هنا؟

ـ بين صدام وكوريا الشمالية؟

* أجل، وقد تمت في سورية.

ـ هذه هي أول مرة أسمع فيها عن هذه القصة.. لقد استمعنا إلى روايات عديدة حول سورية، لكن هذه هي المرة الأولى التي أسمع فيها مثل هذه الرواية. لم يكن الرجل (صدام) قادرا على الثقة في سورية على الإطلاق، ولم يسع من أجل ذلك، كما اننا لم نسع لإقامة أية علاقات بينه وبين أية دولة أخرى، لأنه لم يكن يثق فينا أساسا ولم يكن لدينا مثل ذلك النوع من العلاقات مع صدام حسين على الإطلاق.

* أشرتم في أحاديث أخرى إلى بعض الأسلحة أو عمليات تهريب تمت عبر سورية إلى العراق، وهى مسألة قد تكون مثالا اخر على ذلك؟

ـ هذا ما يطرحه علينا المسؤولون الأميركيون، وقد قلنا لهم إنكم بعد احتلالكم للعراق، أصبح لديكم جميع وثائق العراق لتتبينوا الأمر من خلالها. قلنا للأميركيين إذا ما اكتشفتم أي دليل قد يشير إلى أن أية جهة في سورية تعاملت مع تلك المسألة أو تحدثت عنا، فستسعدنا معرفة ذلك. وحتى الان لم نتلق شيئا من الأميركيين، وقبل الحرب أبلغت الأميركيين إنه إذا ما توفر لديكم أي دليل على تهريب الأسلحة إلى العراق، فنرجو أن تطلعونا عليه.

وفي الحقيقة فتشنا كميات هائلة من السلع التي نسمح بمرورها إلى العراق ولم نعثر البتة على أية إسلحة. تحدثوا عن نظارات استطلاع ليلية، وهذه أعتتقد ان بإمكانك شراؤها من أي مكان، ومن أي متجر استهلاكي، ذلك انها لا تندرج ضمن الأسلحة. على انه من المؤكد اننا في سورية لا نمتلك أية معلومات حول تهريب أية أسلحة من سورية إلى العراق.

* يبدو انه بعد الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001 حدث بعض التعاون عندما عرضت سورية تقديم بعض العون للولايات المتحدة في الحرب ضد الإرهاب، لكن منذ ذلك الحين يبدو ان العلاقات تراجعت. لم ذلك؟

ـ أعتقد ان هناك مصالح عديدة مشتركة بين سورية والولايات المتحدة، لكنني أعتقد ان هناك في بعض الأحيان خلافاً في رؤى المسؤولين السوريين والأميركيين بشأن هذه المصالح. فأنت تتحدث عن التعاون. وسورية عرضت دعمها على الولايات المتحدة فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب. لكنك تحدثت عن بعض الدعم. إنه لم يكن دعما محدودا بل كان دعما تاما.

* هل يمكنك الحديث بمزيد من الدقة؟

ـ معظم وفود الكونغرس التي جاءت إلى سورية بدأت لقاءاتها معنا بنقل شكرها لنا على إنقاذ أرواح الأميركيين.

* هل لكم أن تحدثونا عن كيفية إنقاذكم لحياة الأميركيين. ـ نعم، بالطبع لكن ليس بالتفصيل. فالأمر يتعلق بالقضايا الأمنية.

* ولم لا؟

ـ لأن الأمرلا يتعلق فقط بالمخابرات السورية، بل بوكالة المخابرات المركزية (سي آي إيه)، وهكذا يستوجب الأمر أن نتفق مع «سي أي إيه» إذا ما أردنا الكشف عن التفاصيل، ذلك انه إذا تم الإعلان عن التفاصيل، فقد يكون لذلك أثر سلبي على البعض، ولأن هذا التعاون ما يزال متواصلا، ولم يتوقف بعد.

فأنت لديك ممثل في الكونغرس، وأعضاء الكونغرس يعرفون التفاصيل. لكنني أستطيع أن أعرض عليك بعض التفاصيل المتعلقة بأنه كانت هناك بعض المخططات بشأن عمليات تستهدف القوات الأميركية في مناطق ما، وقد اكتشفتها المخابرات السورية، وتم نقل المعلومات فيما بعد لسلطات المخابرات المعنية في الولايات المتحدة، قبل تنفيذ تلك العمليات. وقد أمكن منع حدوثها. وقامت سورية أيضا باعتقال العديد من الارهابيين، وما أستطيع قوله هو انه، وفيما يتعلق بسبعة حوادث متفرقة، ساهمت سورية في إنقاذ حياة أميركيين.

وكما سبق لي الحديث فإن التعاون في هذا الأمر ما يزال متواصلا. وهذا يطرح نفس السؤال الذي أشرت اليه، ألا وهو: كيف يمكن مواصلة التعاون في مكافحة الارهاب مع الولايات المتحدة بينما تعاني علاقتنا السياسية من التدهور؟

بالتأكيد لدينا مصلحة مشتركة في مكافحة الإرهاب. وكما قلت فان لدينا أيضا مصلحة جادة مشتركة مع الولايات المتحدة، في أن يكون العراق مستقرا ولدينا كذلك مصلحة مشتركة في تحقيق السلام في المنطقة.

وهكذا، فإننا لا نعتبر ان العلاقات السياسية تدهورت لأن مصالحنا متناقضة مع الولايات المتحدة، بل على العكس تماما، لدينا مصالح مشتركة معها. وكما قلت فإن العلاقات السورية الأميركية ولسبب ما تتأرجح حسب الظروف الزمنية المختلفة. ومتى ما تدهورت العلاقات السورية مع الولايات المتحدة ، فإن العامل الاسرائيلي، وإلى حد ثابت، هو المتسبب في ذلك التدهور.

ماذا أعني بالعامل الاسرائيلي؟ إنه ذلك الذي يعني النفوذ الاسرائيلي المؤثر في الولايات المتحدة من خلال جماعات الضغط، أو قد يكون السلوك الأميركي المنحاز تماما للحكومة الإسرائيلية. وفي الواقع إذا ما استبعدت العنصر الاسرائيلي من الصورة، فإنني لا أستطيع رؤية خلاف بين سورية والولايات المتحدة، لا توجد خلافات بين سورية والولايات المتحدة بشأن ما نريد ان نحققه في المنطقة.

العامل الإسرائيلي هو الوحيد الذي ما يزال يدفع العلاقات السورية الأميركية باتجاه فترة حرجة. وفيما عدا ذلك، فلماذا نتعاون مع الولايات المتحدة ضد الإرهاب؟ ولم ندعم الولايات المتحدة في مقاومة الارهاب؟ كان بالإمكان تجاهل هذه المسألة تماما. وهذا يدفعني لطرح هذا السؤال: إذا كانت سورية تتعاون مع الولايات المتحدة وتقدم لها دعما عظيما يتضمن إنقاذ أرواح أميركيين، فكيف لرد الولايات المتحدة أن يكون بهذه السلبية تجاه سورية؟

المشكلة ليست العراق، والدليل على هذا هو ان العلاقات بين سورية والولايات المتحدة والمملكة المتحدة كانت جيدة قبل الحرب وخلال الحرب وبعد الحرب، وهناك تعاون بين سورية والمملكة المتحدة يتعلق بقضايا مختلفة بالرغم من تبني المملكة المتحدة لنفس موقف الولايات المتحدة. إذا، كيف تسنى لنا الاحتفاظ بعلاقات جيدة مع المملكة المتحدة، وعلاقات سيئة مع الولايات المتحدة؟

وهكذا، إذا ما كانت المشكلة تتعلق بسورية فلا بد أن تكون علاقاتنا سيئة مع المملكة المتحدة. قد يتطلب الأمر النظر إلى بعض عناصر المسألة، أو بعض جوانبها أو ما يتعلق بالاجابة عليها، من خلال العلاقات بين السيياسيين داخل الإدارة الأميركية . واسمح لي أن أكون أكثر دقة، فالتعاون في مجال مكافحة الارهاب مرتبط بالعلاقات بين جهاز« سي آي إيه» ومخابراتنا، أما ما يتعلق بالشؤون السياسية فالأمر مرتبط بوزارة الخارجية. وهكذا قد تكون لدى المؤسسات المختلفة وجهات نظر مختلفة.

في سورية هناك تعاون بين المخابرات ووزارة الشؤون الخارجية والرئيس وغيره من المسؤولين. لدينا رؤية واحدة بشأن القضايا الخارجية، ولا توجد لدينا عدة رؤى. وهذا قد يكون أحد الأسباب. أعني ان الأمر يتعلق بأميركا، ونحن لا نتدخل فيه.

* سيادة الرئيس: إذا ما تسنى لي العودة إلى إحدى تلك النقاط وعند مناقشة هذه المسألة، ومع إدراكي لانشغالكم بمسألة عدم اختراق أمنكم، قلتم ان هناك سبع وقائع قدمتم خلالها الدعم. لو تفضلتم بالحديث عن إحداها لكانت المسألة أكثر إثارة للإهتمام.

ـ في الواقع، لا تحضرني التفاصيل الآن، لكننا نستطيع توجيه السؤال لأجهزة المخابرات بشأن أماكنها. فنحن لا نشير إلى تفاصيل محددة بدقة، لأن الأمر وكما قلت قد يؤثر على التعاون. ومع ذلك فنحن قد نطرح معلومات عامة حول واحدة من هذه الوقائع. لا يمكنني الإدلاء بذلك الآن لأن التفاصيل لا تتوفر لدي.

* هل يمكنكم الحديث عن آخر تلك الوقائع السبع؟

ـ بعضها لا علم لي شخصيا بها، لكن في إحداها اتصلت بزعيم ما طالبا منه أن يبعث بشخص ما. وقد كنت على صلة شخصية بواحدة منها. لكن دعنا ننظر فيما يمكن أن نقدم لك من معلومات بشأنها، لأنني أعلم ان ذلك لمصلحتي كما انه من مصلحة سورية أيضا. والأميركيون يعلمون تفاصيل واحدة من تلك الحوادث، لكن إذا أردت معرفة تفاصيل أدق فيمكننا عرضها عليك عقب المقابلة الصحافية. وأنا سأفعل ذلك بعد المقابلة.

* هل بدأ التدهور في العلاقات السياسية بالتأثير على التعاون المخابراتي؟

ـ لا. وهذا هو الشيءالغريب. إنها تتأرجح كغيرها من العلاقات الأخرى، لكنها لم تتأثر على الإطلاق نتيجة لهذا. لكن ومع مرور الوقت فقد تتأثر، أعني انه ومع مضي الوقت حيث يتعاون البلدان، لكن حياتيهما السياسية متناقضة، فإن التعاون قد يتأثر بالتأكيد.

على انني أستطيع أن أحدثك عن سبب عدم تأثر التعاون في مكافحة الإرهاب بشكل سيئ، وهو اننا في سورية جادون جدا ضد الارهاب، كما إننا مهتمون للغاية بمكافحة الارهاب وبتقديم العون في الحرب ضد الارهاب. وسنكون أيضا على علاقة بمكافحة الارهاب سواء تعاونت الولايات المتحدة معنا أو كنا بمفردنا. فنحن سنكون دائما ضد الارهاب.

* لا أعتقد انك تستطيع القاء اللوم بشأن تدهور العلاقات، تماما على الخلافات داخل الإدارة الأميركية. واسمحوا لي أن أذكر مثالين على ذلك ـ فمفتي سورية دعا لتنفيذ هجمات انتحارية ضد الأميركيين خلال بدء الحرب. وأيضا في حالة مشابهة واصلت سورية التعبير عن دعمها للجماعات التي تنفذ عمليات انتحارية في إسرائيل، وهي عمليات أدانتها السلطة الفلسطينية. ويبدو ان سورية تبنت موقفا متشددا للغاية في دعمها للهجمات الانتحارية، التي يعتبرها معظم العالم إرهابا؟ ـ بالإشارة إلى فتوى المفتي، فإن المفتي ليس مسؤولا رسميا، وهو شخصية دينية يعبر عن الرأي الديني بشأن مسألة ما، أما الحكومة أو الدولة فلا تتدخل في الرأي الديني لرجال الدين، على اعتبار ان لديهم آراءهم الخاصة. وهذه مسألة لا علاقة لها برأينا وعملنا السياسي. أما ما يتعلق بالمنظمات التي تتحدث عنها، فإننا لم نقدم لها البتة أي دعم في أية مرحلة على الإطلاق. وفي الأساس فإن هذه المنظمات لا قواعد لها في سورية.

قبل أعوام قليلة أبعدت إسرائيل بعض زعماء هذه المنظمات وقد جاءوا إلى سورية، لكن القاعدة الشعبية للمنظمات وأغلبية قادتها موجودون في الأراضي الفلسطينية المحتلة، إنها لا توجد في سورية. وهم لم يطلبوا منا أي دعم، كما اننا لم نقدم لهم أي دعم، إنهم يعيشون فقط في سورية وعددهم قليل للغاية، وهم أحيانا يمارسون أنشطة إعلامية من دون ممارسة لعمل آخر على الإطلاق. فلا القانون السوري يسمح للحكومة بدعم أي حزب بالاسلحة أو المعدات الحربية، ولا نحن نقدم لهم المال. كما لا توجد حدود مباشرة أو مشتركة بيننا وبين إسرائيل. الحدود الوحيدة التي تربطنا بإسرائيل هي الحدود العسكرية المليئة بالجيش وبالألغام والخاضعة للسيطرة التامة. وهكذا فنحن لم ندعم هذه المنظمات كما انها أيضا لا تحتفظ بكوادرها في سورية. الشيء الوحيد بالنسبة لهم يجب أن يتمثل في عودتهم للأراضي الفلسطينية.

* هل ما يزالون يواصلون نشاطهم الإعلامي هنا؟

ـ لا، لقد توقفوا.

* هل طلبتم منهم ذلك؟

ـ في الواقع هم أبلغونا قبل زيارة كولن باول وأنا أبلغتهم بذلك. قالوا إنهم سيتوقفون لأنهم يعلمون ان هناك مزاعم أميركية ضدنا، وقد رحبنا باقتراحهم المتعلق بوقف أنشطتهم الإعلامية. الشيء الوحيد الذي فعلوه هو رفع سماعة الهاتف والتخاطب مع وسائل الإعلام ثم مهاجمة عرفات بالكلام.

* ماذا أنتم فاعلون بشأن قانون محاسبة سورية؟ أعلم ان الموقف السوري هو ان القانون سيلحق الأذى بالولايات المتحدة أكثر من سورية. هل ستفعلون أي شيء للاستجابة للشروط التي وضعوها في ذلك القانون؟

ـ هناك رأيان حول تأثير القانون، فالبعض يرى انه سيكون له تأثير ما، والبعض الآخر يرى انه لن يؤثر، أما أنا فلدي رأي ثالث. الولايات المتحدة قوة عظمى، وهي بالتأكيد تتمتع بنفوذ عالمي، في الإقتصاد والتجارة وفي الشؤون السياسية، وفي كل شيء. وبالتالي من الطبيعي بالنسبة لنا أن ننشد علاقات جيدة معها في جميع المجالات. وبغض النظر عن مؤثرات القانون، فأنا شخصيا أعتبره عائقا جديدا أمام علاقات جيدة بين سورية والولايات المتحدة. وهكذا فأنا لن أفكر في قانون المحاسبة هذا من حيث تأثيره الاقتصادي على سورية. وسبب ذلك ان منطقتنا تعيش في ظل ظرف زمني مضطرب ، وهاهي الأحوال تسوء يوما بعد يوم. لكن وكما قلت من قبل، فإننا ننظر إلى دور الولايات المتحدة باعتباره عنصرا أساسيا في تحقيق السلام في المنطقة.

إذ لا يمكن أن يتحقق السلام في المنطقة بدون سورية. كما ان سورية مهمة بالنسبة لاستقرار العراق في المستقبل نظرا لمصداقية طرحها ولكونها جارة للعراق. وإذا لم يكن هناك تعاون بين سورية والولايات المتحدة بشأن جميع هذه القضايا، فأنا أرى أن تحقيق أي منهما سواء في العراق أو في المنطقة سيكون شاقا للغاية.

وهكذا فأنا أعتبر قانون محاسبة سورية عائقا أمام مثل هذا التعاون الذي سيكون مفيدا للغاية لمنطقتنا، أما بالنسبة للآثار الأخرى، فعلاقاتنا جيدة مع الدول الأوروبية والآن وصلنا إلى مرحلة متقدمة في مفاوضاتنا المتعلقة بالتعاون مع الإتحاد الأوروبي. بكل المعايير يعتمد قانون محاسبة سورية الآن على الكيفية التي ستتعامل بها الإدارة الأميركية معه وعلى كيفية تعامل الرئيس بوش معه.

* لنفترض ان الرئيس سيوقع عليه ويطرح مطالب محددة على سورية، هل ستستجيبون لأي من تلك المطالب؟

ـ أي مطالب؟

* بعض منها ناقشناه.

ـ لقد تحدثوا عن الأموال العراقية. وهذه مسألة تم حلها. فلدينا وفد عراقي وقد حلوا القضية، وتحدثوا حول الحدود وعرضت عليهم نفس الاجابة التي طرحتها عليك، اننا نبذل قصارى جهدنا منذ أكثر من 20 عاما، لكننا لا نستطيع فرض سيطرة تامة على الحدود. وهم يعلمون ذلك. وقد قلنا لهم «أنتم القوة العظمى، وليست سورية». لدينا 500 كيلومتر من الحدود مع العراق وهي بالنسبة لنا حدود هائلة. لا يمكننا السيطرة التامة عليها. إننا فقط 18 مليون نسمة. وتحدثوا حول دعم هذه المنظمات وطرحت عليهم نفس الاجابة التي عرضتها عليك، وهي اننا لا ندعم أو نقدم المال أو السلاح. إننا فقط ندعمهم سياسيا، لأننا ندعم مفاهيم الحرية والسلام.

وهكذا فإننا في الواقع لا نختلف حول هذه المسائل، وهو ما دفعني لسؤالك عن المطالب، لدينا مبدأ في التعامل مع أية دولة: نحن لا نمانع إذا ما قمنا بأشياء لمساعدة دولة أخرى في مصالحها الخاصة إلى جانب مصلحتنا في الوقت نفسه، ونحن لا نمانع إذا ما ساعدناهم في تحقيق مصالحهم، لكننا لن نتعاون مع أية دولة تطالبنا بفعل شيء ما يتعارض مع مصلحتنا. ما أود قوله هو ان المصالح المشتركة بين سورية والولايات المتحدة عديدة.

* عندما بدأتم الحكم بدا الأمر وكأنكم بصدد عرض برنامج إصلاح وتحرير للاقتصاد، لكن فيما بعد بدا الأمر، من خلال ما يقوله الناس، وشعر بعض الحرس القديم بالقلق، والآن لم يعد المرء يستمع إلى المزيد من المناقشات الحرة في سورية، وبنفس الطريقة يبدو ان الانفتاح الاقتصادي أصبح بطيئا. لماذا؟ ـ أي مسعى للإصلاح لابد أن يواجه صعوبات. هناك بعض المعوقات المتعلقة بالعقلية، أعني كيف يمكن للآخرين أن يفهموا أو يدركوا مزايا هذا الإصلاح، وهي مسألة طبيعية، إنها مشكلة العقلية أو الجيل، وفي الجانب الآخر، هناك أيضا القدرة المتوفرة على تنفيذ هذا الإصلاح. فعندما يطرحون ان الحركة بطيئة، أعتقد ان هذا مؤشر إيجابي، وليس مؤشرا سلبيا. والسبب هو ان طموحاتنا هائلة للغاية، والسوريون شعب طموح للغاية. لكن في الوقت نفسه أعتقد انه من الصعوبة بمكان وضع مسار محدد يمكن للمرء الالتزام به. وهذه مسألة موضوعية وشخصية. فعلى المرء أن يقرر المسار الذي يمكن للبلد المحافظة عليه. وفي بعض المجالات يمكن التحرك سريعا، لكن في غيرها يتحرك المرء ببطء. أما بالنسبة لي ، فأستطيع القول إنني لم أواجه بأية معارضة أو معوقات من أي شخص في الحكومة.

المشكلة الكبرى التي أواجهها باعتباري المسؤول عن هذا البلد هي توفر الكوادر، الأشخاص القادرون المدربون على تنفيذ الإصلاح خاصة الإصلاح الإداري. وحسب معلوماتي، فإن الولايات المتحدة بارعة في المؤسسات الإدارية، وإذا لم يتوفر لديك إدارة ناجحة، فإنك لن تتمكن من تحقيق أي تقدم في أي مسار. وهذا هو سبب إصدارنا للعديد من القوانين الطموحة الهادفة لتحقيق الإصلاح، لكن تنفيذها بدا شاقا للغاية لأننا لا نمتلك الأشخاص المدربين الذين يمكنهم تنفيذ هذه القوانين بشكل حسن للغاية.

وهكذا، وبدلا من نسبة نجاح 100 في المائة ترغب في تحقيقها بعد إصدار قانون ما، فإنك تحصل فقط على نسبة بسيطة من القانون. وهذه بالفعل واحدة من مشاكلنا الرئيسية التي لن تحل سوى بالتعاون مع دول أخرى متقدمة، عن طريق الاستفادة من خبرات تلك الدول. ومؤخرا، يقدم الفرنسيون لنا الدعم في مجال الإصلاح الإداري لأن نظامنا في الأساس كان فرنسيا. إنها معضلة حقيقية بالفعل. لكن فيما يتعلق بالنقاط الأخرى، فأنا لا أتفق معك فيها لأن الحوار بات يتحسن بالفعل ويتصاعد، وهو سيظل دائما كذلك في أوساط السوريين.

إننا الآن نجري حوارا هنا وأنا واثق أن باستطاعتك اجراء مثل هذا الحوار مع أي سوري في بلادي. بالطبع لدينا اجراءات متعلقة بهذه المسألة. فسورية مجتمع متعدد الطوائف ويضم العديد من العرقيات والديانات. ونحن لا نسمح بأي إنتهاك لهذا النظام المتعدد قد يلحق ضررا بوحدتنا الوطنية وبحياتنا معا أو بأمننا القومي. وفيما عدا ذلك، فيمكننا رؤية انه في سائر المجالات نحتاج لمزيد من التقدم الاجتماعي والتعليمي والثقافي. كل هذه القضايا مرتبطة ببعضها في الواقع ولا يمكننا أن نفصل إحداها عن الأخرى.

* لماذا يقبع أهم ثمانية من منتقديكم في السجن؟

ـ من الذي اعتبرهم الأكثر أهمية؟

* لقد كانوا بالتأكيد الأكثر جرأة على الحديث قبل أن يتم اعتقالهم.

ـ كلا، إذا ما توجهت إلى الشارع اليوم، فإنك على الأرجح ستجد متحدثين أكثر أهمية منهم. فالناس في الشوارع ينتقدون كل شيء. إذا ما وضعنا كل من ينتقدنا في السجن، فلا أعتقد ان لدينا ما يكفي من السجون. الجميع ينتقدون سورية. وكما قلت لك منذ لحظات قليلة، أي شيء قد يلحق الأذى بأمننا أو بهويتنا الوطنية يعد مخالفا لقوانيننا ولا بد من المعاقبة عليه. فعندما تتحدث بشكل طائفي أو ديني، فإن ذلك قد يثير المشاكل بين الطوائف، أو عندما تحاول إلحاق الأذى أو تنتهك وحدتنا الوطنية. بعض أولئك الذين أشرت اليهم لم ينتقدوا الحكومة على الإطلاق. فهم في السجن لأنهم كانوا يتهربون من الضرائب المستحقة عليهم.

* لكنهم لم يعتقلوا بسبب تهمة عدم دفع ضرائبهم، بل اعتقلوا بسبب معارضتهم للدولة.

ـ كلا، لا يوجد في القانون ما يضع المرء في السجن لأنه تحدث ضد الدولة. فنحن لا

* النقطة الاساسية هي وجود فترة كان الحوار فيها مفتوحا، كان الناس يذهبون الى الندوات وكانت تدور مناقشات. لقد توقف كل ذلك. لماذا حدث ذلك؟

ـ لا لم يتوقف اي شيء. يمكنك الذهاب الى ندوة الاتاسي ولدينا العديد من الندوات المماثلة.

* قبل شهرين حاولوا عقد ندوة في حلب الا انه تم القبض على الرجال عقب حضورهم. ـ لذلك علاقة بالحديث عن قضية عرقية. لم ينتقدوا الحكومة، تحدثوا عن حقوق الاكراد. الاكراد سوريون، اذن ما هي حقوق الاكراد؟ الامر متعلق بالوحدة الوطنية اذا ما تُحدث عن العرقيات. يوجد في سورية شيشانيون وارمنيون وغير مسموح طبقا للقانون السوري بالحديث عن هذه الامر. هذا هو قانوننا. لا اعرفهم، ولكن ينظمون مظاهرات لأشياء تتعلق بهذا الموضوع، وهو غير مسموح به في القانون. الامر ليس له علاقة بالنظام.

* اعتقد ان المقصود بذلك هو انه كان يمكنك، قبل عامين، في دمشق الاستماع لعديد من المناقشات بخصوص الديمقراطية، والقانون والاصلاح الاقتصادي، الا ان كل ذلك اختفى الآن.

ـ لا لم يختف. سأعطيك عنوان الاتاسي وهو معارض.

* ولكن هذا مجرد شخص واحد. كان هناك العشرات؟

ـ دعني اسألك سؤالا: ما هو العدد المثالي؟

* السؤال لايتعلق بالعدد. السؤال يتعلق بأن الناس لم يعودوا يشعرون بالحرية في مناقشات مفتوحة.

ـ هذا جيد. فلنتحدث عن المفهوم. اذا كنا ضد الديمقراطية لما سمحنا لاحد بالحديث. واذا ما ايدنا الديمقراطية، فسنسمح للجميع بالحديث. واذا سمحنا للبعض، فلماذا نسمح لهؤلاء وليس للآخرين. فلنتحدث بطريقة منطقية. لماذا نسمح للاول والثاني ولا نسمح للباقي الذين لا اعرف عددهم، ولكن اعرف واحدا منهم، وهو في غاية التشدد، ضدنا وهو الاتاسي. ليست لدي معلومات عن الآخرين. ولكن اذا لم نكن نريد الحديث فلماذا سمحنا لهؤلاء. امر في غاية البساطة، لماذا لا تذهب وترى بنفسك؟

* لقد بحثت عنهم. من الصعب العثور عليهم؟

- يمكننا تقديم الاسماء لك. ولكن اذا كنا ضدهم لما كنا سمحنا لاحد. لكن نسمح لاثنين او ثلاثة او اي عدد. انها نفس النتيجة. هذا غير صحيح. ان الذين يرتكبون الاخطاء حول الموضوعات التي اشرت لتوي اليها يذهبون الى السجن. لم اصدر هذا القانون. وهو قانون قديم في سورية. وهو قائم منذ الاستقلال. اذ ان الموضوع ليس موضوع الديمقراطية. هذا موضوع امن البلاد.

* في ما يتعلق بالاصلاح الاقتصادي، يقول الناس انه لم يتم لوجود العديد من الاشخاص حولك، مثل الاقارب واقارب المسؤولين، الذين لديهم مصالح اقتصادية قوية. هم يعرقلون اية تغييرات لتحرير الاقتصاد.

ـ هذا امر طبيعي. لماذا حولي؟ ماذا تقصد بحولي؟

ـ تريد مني تقديم اسماء؟ على سبيل المثال ابن عمك الذي يتحكم في شبكة الهاتف الجوال ويمكننا تقديم لائحة. ـ هو سوري مثل اي سوري آخر وسواء كان ابن عمي او شقيقي او صديقي او اي شخص، يوجد قانون سوري. ان الناس يتحدثون عن الفساد والعديد من الاشياء المشابهة، وهذا واحد من القضايا التي بدأت بها في محاربة الفساد. هذا امر طبيعي. ولكني اعتقد ان المشكلة الاساسية في تنفيذ الاصلاح هي ايجاد ادارة ذات كفاءة في الحكومة. واعتقد ان هذه هي المشكلة التي نواجهها اليوم. ان المشكلة الاخرى في الاصلاح الاقتصادي هي مستوى الكفاءات، الذين سيقودون هذا الاصلاح. هذه هي المشكلة الحقيقية التي نواجهها. ويتحدث البعض عن مشاكل اخرى ولكن هذه هي المشكلة الحقيقية التي نواجهها.

* اذن انت لا تعتقد بوجود حرس قديم او اقارب يعرقلون الاصلاحات؟

ـ كيف تحدد الحرس القديم؟

* الناس الذين عملوا مع والدك في اجهزة الامن وهؤلاء الذين كانوا حوله كوزراء اقوياء لفترة طويلة.

ـ هناك شباب لم يعملوا مع والدي ويملكون نفس العقلية. اذن القضية لا تتعلق بالحرس القديم او الجديد.. لقد بدأت الحديث بخصوص العقلية. يوجد اشخاص لا يريدون الاصلاح وهناك من يؤيد الاصلاح. هذا امر طبيعي. ليس له علاقة بالجيل. بعض ابناء ذلك الجيل الذي تصفه بالجيل القديم يتحمسون للاصلاح اكثر مني. وفي بعض الاحيان ليس عليك التحرك بسرعة. يجب ان تتحرك بطريقة بطيئة لكي تدرس الموقف بطريقة افضل. هذا هو السبب وراء سؤالي لك ماذا تقصد بـ«الحرس القديم». هذا يعني العقلية القديمة التي تريد ملازمة مكانها. لا تريد التحرك للامام.

هناك اشخاص كبار وشباب لديهم هذه العقلية. وهناك اشخاص اعرفهم واشخاص لا اعرفهم. هناك البعض في القطاع العام والبعض الآخر في القطاع الخاص. فهم في كل مكان، ولكن هذا ما اصفه بـ العقلية لا اطلق عليهم الحرس القديم. انا كرئيس لدي الصلاحيات لاتخاذ الخطوات التي اقتنع بها. لا يهم اذا كان يحيط بي من يتفق او لا يتفق معي. انا اتحدث عن ذلك من منطلقات مجردة. انا اتحدث عن التفويض الممنوح لي. ولكن لست ديكتاتورا. بالطبع يتوجب على مناقشة كل خطوة مع الجميع في الحكومة وخارجها واتأثر سلبا ام ايجابا من الذين استمع اليهم. انا لست متخصصا في الاقتصاد. اذا كنا نريد الحديث عن المصارف الخاصة فقد اصدرنا قانونا منذ عامين ونصف العام ولكننا لم نبدأ الا منذ عدة شهور. وخلال تلك الفترة اجرينا مناقشات. هل نحن على استعداد لذلك ام لا. هذا واحد من الاسباب وراء التأخير. لقد بدأ الناس في طرح تساؤلات حول عدم اقامة المصارف الخاصة بالرغم من انني كنت متحمسا. السبب اننا استمعنا للعديد من وجهات النظر، وهذه خبرة جديدة بالنسبة لنا، لقد استغرق الامر وقتا طويلا لكي نصيغ رؤية نهائية بخصوص ما نريده حقا، وكيف نفعل ذلك؟ لقد استغرق وقتا طويلا. وكان هناك، قبل وبعد القانون، من هم ضد المصارف الخاصة ومن هم يؤيدونها. ولكن في التحليل النهائي عندما قررنا اتخاذ القرار بالتحرك للامام اتخذت القرار.

* هل حزب البعث يسعى للاصلاح؟ هل هو جزء من العقلية التي تريد ابطاء الاشياء؟ او هل هو مزيج؟

ـ هناك مزيج في حزب البعث، مثل اي جزء من المجتمع. البعض منهم يريد اصلاح الحزب والحكومة، والبلاد بأكملها والبعض يريد العكس. هذا امر طبيعي لانها عملية جديدة. عندما نتحدث عن الاصلاح والتقدم بسرعة فهذا مثل قيادة السيارة بسرعة، هناك قوى معارضة تحاول ايقاف السيارة لكي تبقى في مكانها. ولكننا نتحرك للامام: بسرعة اقل ولكننا بطريقة منتظمة.

* كيف تتعامل مع ارث والدك؟ فمن ناحية، انا على ثقة بأنه كان ملهما لك، ولكن في بعض الاحيان يمكن ان يكون الاتهام عامل اعاقة، لان الناس لا يريدون تطبيق الاشياء بطريقة مختلفة من الطريقة التي كان يطبقها بها والدك. هل تعتقد ان لديك الحرية التي تحتاجها للاختلاف مع مسيرة والدك في بعض القضايا؟

ـ أنا ابنه ليس في داخل البيت. سأكون مختلفا عنه. هذا أمر طبيعي. ان الابن ليس نسخة من أبيه. انه يأخذ بعض الأشياء من والديه ولكنه يأخذ أشياء كثيرة من المجتمع. والأب ليس صورة منعزلة. فجزء منه يأتي من المجتمع، ولذلك فان الأمر مزيج. وانه لأمر نظري تماما القول كم في شخصيتك هو جزء من أبيك وكم هو مستقل. ولكن كرئيس فان الشيء الأول هو ان تتخذ قراراتك وتحدد رؤيتك اعتمادا على المجتمع والبلد والشعب. وهذه أحد الأشياء التي اعتاد الرئيس الأسد على القيام بها. وهذا هو السبب الذي يجعلنا نتقارب. لنتحدث عن رؤية المجتمع السوري حول مرتفعات الجولان. لقد مضى 36 عاما حتى الآن وهو ما يعني حلول جيلين ونحن لا نختلف في هذا الموضوع.

ان حاجات التحديث مختلفة تماما بين سنوات الستينات من القرن الماضي وعام2003 . ولهذا لا يتعين علينا ان نتقارب في هذا. انه مجال مختلف. نحن نتقارب في مجالات معينة ولكننا لا نتقارب في أخرى، لأن لدينا حاجات مختلفة وظروفا مختلفة.

وهكذا فهذه هي الكيفية التي نستطيع بها ان نقوم بمقارنة، ففي زمنه في أواخر الستينات كان يعتبر تحديثيا كبيرا. وربما اذا أردت ان تنتقل من عام 2000 لتصل الى ما بعد عشر سنوات فلن أعتبر تحديثيا كما أنا اليوم لأنني سأكون من جيل مختلف. ان ذلك يعتمد على الظروف وعلى نفسي، وهذه هي الطريقة التي أنظر بها الى المسألة، ولكن ذلك ليس مانعا، لأنني أقوم، في نهاية المطاف، بمهمتي تجاه البلد، انها ليست مسألة عائلية.

* ولكن بعض الناس يؤكدون انه اذا أردت أن تقوم بالتحديث حقا يتعين عليك ان تفكك بعض الأمور التي قام بها. اذا أردت اصلاح النظام السياسي في البلاد وتحقيق ديمقراطية حقيقية واذا أردت ان تقيم اقتصادا منفتحا يتعين عليك ان تفكك ما بناه.

ـ تغير الناس امر طبيعي. لابد ان نتغير. ولست متفقا مع ما تقوله من انه يجب على المرء ان يتخلص من كل ما حدث قبله والمجيء بشيء جديد كلية، ولا اتفق مع اتخاذ موقف السكون. أعتقد ان القيام بالخطوات تدريجيا هو شيء لابد ان يكون مستمرا. لا يتعين علينا القيام بتغيير كبير الآن والتوقف في العام المقبل. علينا الاستمرار في التغيير، وعندما تريد ان تغير فانك تريد ان تعرف سبب التغيير وما هو هدفك من هذا التغيير.

واذا أردت التغيير لمجرد انك تريد التخلص من بعض الناس، فذلك في غاية السهولة، ولكنك لن تحقق شيئا يجب عليك ان تمزج دائما بين الأجيال والتجارب. أنا أؤمن بذلك، يجب عليك ان تمزج بين العقول. وبالنسبة لي كرئيس أعتقد انه من الأفضل ان تكون أمامي فكرتان مختلفتان، وليس فكرة واحدة حتى اذا كانتا متعارضتين، ذلك انني امزج بينهما وأتبنى الأفضل. ولهذا اذا كانت لديك آراء مختلفة وأجيال مختلفة وعقول مختلفة، بل وحرس قديم وحرس جديد، فانه من المفيد جدا اذا ما تحدثت عن الحوار ذلك أن أية عملية تحديث يجب أن تعتمد على الحوار. ليست لدي الرؤية الكاملة وما من أحد لديه مثل هذه الرؤية، يمكن للمرء أن يرى من زاوية واحدة ولكن بالحوار يمكنك أن ترى كل الصورة بوضوح شديد ويمكنك ان تتحرك. ان دور الرئيس يتمثل في استخلاص أفضل الأفكار ووضعها في فكرة واحدة والتحرك بعدئذ. وهذه هي الطريقة التي أفكر بها ذلك أنني لا استطيع أن أكون خبيرا في كل شيء: في السياسة والاقتصاد وما الى ذلك. هذا مستحيل. وهذه هي الطريقة التي أرى بها التحديث.. لا أرغب في تبسط الأشياء، أي بمجرد تخلصك من الحرس القديم ستحقق التحديث. هذا أمر في غاية البساطة. انه ليس حقلا انها دولة، ولا يمكنك ان تجعل الأمور على هذه الدرجة من البساطة.

* في مصر هناك مناقشات حول من سيخلف الرئيس مبارك، ويقول بعض الناس «نحن لسنا سورية». هل ترى في ذلك اهانة؟

ـ كلا، لأن الرئيس الأسد ليس هو الذي جاء بي الى السلطة. عندما توفى لم يكن لدي أي منصب، ولهذا فان عليك أن توجه هذا السؤال الى الشعب السوري. اذا ما عدت الى محطة تلفزيون «سي ان ان» وقنوات أخرى قامت باجراء مقابلات مع سوريين ستجد انني جئت عبر السوريين وليس عبر الرئيس الأسد. ان الناس يثقون به ويثقون بي لأنني ابنه. هذا جزء من ثقافتنا. نحن لسنا في الولايات المتحدة. الأمر مختلف.

* سؤالي الأخير حول الموضوع الذي بدأنا به لأن اسرائيل، كما أوضحت، تبدو في أساس المشكلة بين الولايات المتحدة وسورية، وقلت انك تستطيع أن تتصور أنه اذا كان هناك انسحاب وتسوية للقضية الفلسطينية فانه سيكون هناك سلام وسيتحقق التطبيع كما وصفته جامعة الدول العربية. ما هي رؤيتك لذلك التطبيع؟ هل يمكنك ان تتوقع يوما تكون فيه تجارة حرة بين اسرائيل وسورية وعندما يسافر الاسرائيليون والسوريون الى بلدي بعضهما البعض ولا تكون هناك حالة حرب؟

ـ دعني ادخل الى الموضوع مباشرة. هذه الكلمة ليست لها حدود. التطبيع هو مثل العلاقات بين سورية والولايات المتحدة. انها جيدة في فترة معينة وسيئة في فترة أخرى، وهي شبيهة بالعلاقات بين سورية وفرنسا، وشبيهة بالعلاقات بين سورية ودول أخرى لا توجد معها حالة حرب. في سنوات الثمانينات كانت لدينا مشاكل مع المملكة المتحدة وقطعنا العلاقات، ولهذا عندما تتحدث عن التطبيع فان المسألة واسعة جدا، قد تكون لديك علاقات دافئة أو باردة.

* ذلك بين الحكومات. ماذا عن العلاقة بين الناس؟

ـ ذلك يستغرق وقتا. انه سيحدث ولكنه يستغرق وقتا. وهذا هو الفرق. فبين الحكومات يرتبط الأمر بتواقيع على بعض الاجراءات. ولكن بين الشعوب يتطلب الأمر وقتا ويعتمد على الارادة. دعني أتحدث عن السوريين، فكسوري يعيش بين السوريين ويمثلهم استطيع أن أخبرك بأن السوريين يسعون الى السلام على الدوام وفي مختلف الظروف، ونحن الآن في أسوأ حال في ما يتعلق بالسلام، ولكنهم ما يزالون يتطلعون الى السلام. اذا لم تكن لديك كراهية فلن تكون هناك مشكلة. وهذا هو السبب الذي يجعلني قادرا على القول بأنني متفائل دائما بشأن السلام حتى اذا لم يكن هناك مؤشر على السلام كما أبلغتك في البداية. ولكن هذا هو الخيار الوحيد أمام الجميع في هذه المنطقة. وأنا متفائل جدا بعد التوقيع على السلام، واذا كان سلاما عادلا وشاملا لن تكون هناك مشكلة، وكل ما تسعى اليه سيكون واقعيا.

* خدمة «نيويورك تايمز»