وزير الخارجية الكويتي الشيخ محمد الصباح لـ«الشرق الأوسط»: نرفض تقسيم أو تفتيت أو انزلاق العراق إلى الفوضى .. ونثق بحكمة القيادة الإيرانية واحترام سورية للشرعية الدولية

الكويتيون الذين قاتلوا في العراق عددهم محدود جدا * نريد من العراق الجديد احترام القرارات المتعلقة بأمن الكويت ولا حاجة لقرارات جديدة * لن أقول ما إذا كان على عرفات أن يعتذر.. هو يعرف ما عليه القيام به

TT

لا يشكك وزير خارجية الكويت الدكتور محمد الصباح بحكمة القيادة الايرانية، وبالذات الرئيس محمد خاتمي، التي ستدفعها للتعامل بايجابية مع الوكالة الدولية للطاقة النووية بحيث يأتي تقرير رئيسها الدكتور محمد البرادعي الشهر المقبل ليزيل الشكوك المحيطة ببرنامج ايران النووي، ويتم بذلك تجنب صدور قرار دولي. وفي حواره مع «الشرق الأوسط» قال: إن في الارتفاع الكبير لاسعار النفط مخاطر حقيقية على دول مجلس التعاون الخليجي على المديين المتوسط والبعيد، فهذا يحفز الدول على ايجاد البدائل، واشار الى ان المضاربين في بورصة نيويورك وليس في دول الخليج يقودون حملة ارتفاع الأسعار.

وقال الدكتور محمد الصباح ان أكثر ما يخيف الكويت بروز حكم في العراق يؤدي الى تقسيمه أو يعيده كبعبع، وما عدا ذلك «فنحن لا نضع نظارة طائفية أو عرقية. واستغرب ان يعتذر نبيل شعث وزير الخارجية الفلسطيني من الكويت فهي: «تريد ان تسمع من ياسر عرفات». ورأى في القرار الدولي 1559 انه يتضمن شروطا على الحكومات، اللبنانية والسورية والاسرائيلية تطبيقها، «القرار اصبح جزءا من الشرعية الدولية ونطالب الجميع باحترامها». في هذا الحوار، تحدث وزير الخارجية الكويتي عن شعار «الديبلوماسية الاقتصادية« التي تنوي الحكومة الكويتية الجديدة السير بها، ورأى ان الارهاب مشكلة عالمية ومشكلة اقليمية ايضا، »فهناك من يغرر بابنائنا» وركز على ان الدين الاسلامي يدعو الى طلب العلم والمعرفة والعمل والمثابرة، ورأى ان لا تغييراً سيحصل في المادة الثانية من الدستور الكويتي وستبقى الشريعة الإسلامية أحد مصادر الحكم وليس المصدر الوحيد. وهنا نص الحوار:

* سمعنا عن شباب كويتيين ذهبوا للقتال في العراق، فما الذي جرى؟ هل هذه ظاهرة في الكويت الى درجة ان بيانا صدر عن الحركة الاسلامية هنا ادان التصرفات الاميركية! هل هناك مشكلة تواجهها الكويت؟

ـ طبعا عندنا مشكلة كبيرة وهي في وجود عقليات ارهابية تتحرك في العراق وتقتل ابرياء واطفالا وشيوخا وتقتل رهائن بطريقة بشعة، والهدف من كل هذا الاساءة الى الاسلام أولا والاساءة الى القيم العربية ثانيا وزرع عدم الاستقرار في المنطقة بشكل عام. انها مجموعات ظلامية تهدف الى زرع بذور الفتن في المنطقة ونرى ان لها اتصالات وبصمات عبر العمليات الارهابية التي حدثت في المملكة العربية السعودية، في تركيا، في سورية وقد تكون طابا أخيرا، والله ستر، كان يمكن ان تكون في الاردن.

لذلك هناك حرب على الارهاب، وهذا ليس ظاهرة اقليمية بل عالمية على الجميع التعاون لمواجهتها.

* بالنسبة الى الشبان الكويتيين الذين ذهبوا للقتال في العراق! ـ انه عدد محدود جدا، ففي كل مجتمع موجود هذا العدد.

* أليس من امتداد لهم؟

ـ أذكر ان شبانا كويتيين ذهبوا في وقت من الاوقات للقتال في افغانستان، واعرف شبانا ذهبوا وقاتلوا في ادغال افريقيا وفي فلسطين، وقاتلوا في حرب تحرير الجزائر. انما هذا ليس نمطا في مجتمع الكويت. ان عددهم محدود جدا.

* هل تعتقد انها ردة فعل؟

ـ هذه ليست ظاهرة، واذا بدأنا نتكلم ونتعمق بها تبدو كأنها ظاهرة وهي ليست كذلك.

* هل اعتقلتم أحدا من الكويتيين المنتمين إلى القاعدة؟

ـ لقد سحبنا جوازات سفر. لقد سحبنا جنسية أحد الكويتيين الذين كانوا ينتمون للقاعدة. وهذا أكبر عقاب من قبل المجتمع برفض احد افراده، برفضه وبطرده من ملة هذا المجتمع.

* ما مصيره واين هو الآن؟

ـ الله يعلم، انما لم يعد كويتيا والمجتمع الكويتي يرفضه وقد سحب اعترافه به ككويتي.

* قد يتحول الى اسامة بن لادن جديد؟

ـ هذا يبقى خياره، لكن كمجتمع كويتي لا نقبل بأن يحمل أحدهم الهوية الكويتية وهو يحمل مثل هذه الافكار.

* لكنكم ستستعيدون احد المقاتلين من غوانتانامو؟

ـ ليسوا مقاتلين، بل معتقلون.

* ألم يكن مقاتلا؟

ـ سنرى، المعتقلون متهمون لم تثبت عليهم أية ادانة، والمتهم بريء الى ان تثبت ادانته، هو سيأتي وسنحقق معه، فإذا كان بريئا نطلق سراحه ويذهب الى بيته.

* واذا لم تثبت براءته هل ستسحبون جنسيته؟

ـ كلا، لن نسحبها، بل نرى درجة الجرم الذي ارتكبه ويعاقب بالتالي حسب جرمه.

* تدعو السعودية الى عقد مؤتمر لمواجهة الارهاب، والرئيس المصري حسني مبارك يدعو ايضا الى عقد مؤتمر لمواجهة الارهاب تحت اشراف الامم المتحدة ودولة الامارات تستضيف مؤتمرا اسلاميا لمواجهة الارهاب والتطرف.

هل ترى ان الحملة الارهابية هل هي متزايدة أم منكفئة؟

ـ كان صدام حسين، في وقت من الاوقات يمثل ذلك الوحش البشع، شكلا ولونا ورائحة، وتم القضاء عليه، لكن المنطقة مليئة كذلك بالثعابين السامة، وهذه ملمسها ناعم، لا طعم لها أو رائحة وسهلة التحرك، لكنها قاتلة. من هنا الحرص على تخليص المنطقة من هذه الثعابين السامة. يمكن استعمال الاساليب التقليدية للقضاء على الوحش، لكن هذه الثعابين في حاجة الى اساليب اخرى، ووسائل اكثر ذكاء، وقد اجتمع وزراء الداخلية لمجلس التعاون الخليجي في الكويت قبل عدة أشهر، ووقعوا على انشاء اتفاقية خليجية لمكافحة الارهاب. وهي متقدمة جدا تتكلم عن وسائل علمية، وفيها جزء من الثقافة والعقيدة، وتشمل التربية والتعليم والمناهج لمكافحة الافكار الضارة، وهذا اسلوب جديد، ولهذا فإن تجارب الدول في هذا المجال تصبح مهمة جدا وكذلك المؤتمرات لتبادل المعلومات والتجارب. وفي الكويت لدينا نظرة واضحة حول كيفية التعامل مع هذه الافكار الهدامة، وقد انشأت الحكومة لجنة لمكافحتها وهي برئاسة وزير الاوقاف والشؤون الاسلامية وليس وزير الداخلية، لاعتقادنا بأن هدف تلك المجموعات الاساءة للاسلام.

* هناك دعوة لتغيير المناهج المدرسية في بعض دول الخليج، هل تؤيدونها؟

ـ قبل أن أكون وزيرا للخارجية انا دكتور في جامعة الكويت، اي انني تربوي ومعلم، وهذه دعوة كنا نطلقها قبل عشرين سنة..

* ولم يكن هناك من يصغي؟

ـ ليس كذلك، بل انها دعوة متجددة ومتكررة. ولا نقصد التغيير، انما التحديث في البرامج، العلم يتطور. اسألك سؤالا بسيطا: متى كانت المرة الاخيرة التي اشتريت كاميرا أو جهاز كومبيوتر؟، اذا كان ذلك قبل ستة أشهر، فقد اصبحا قديمين جدا ومتخلفين.

* لكن هذا لا ينطبق على التعاليم الدينية؟! ـ نحن عندما نتكلم عن تطوير المناهج لا نتكلم عن تعليم الدين، على العكس، اذ ربما كانت البرامج المتعلقة بالمناهج الدينية أقل مما يجب، والنوعية هنا وليست الكمية هي المقصودة.. اننا نتكلم عن النوعية. الدين اساسي، هو المرجع، هو المرسى للنفس المضطربة، ويجب ان يكون الدين هو الملاذ الآمن، وهو الميناء الذي يضم هذه النفس المضطربة الهائمة، التي تتلقى الافكار الهدّامة، لذلك نحن نتكلم عن النوعية، ونتكلم عن ديننا الذي يدعو في الاساس الى التسلح بالعلم: (اطلبوا العلم من المهد الى اللحد)، (اطلبوا العلم ولو في الصين)، (وهل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون)، (اقرأ باسم ربك الذي خلق).. ان الآيات القرآنية التي تدعو الى العلم والمعرفة والعمل والمثابرة كثيرة، ولذلك عندما نتكلم عن الدين الصالح لكل زمان ومكان، فهذه ليست مقولة شعائرية انما عملية، ولذلك فإن نظرتنا الى تحديث المناهج، لا تنصب فقط في تحديث منهج التربية الاسلامية، بل في العلوم والفيزياء والتاريخ والعلوم الاجتماعية، اننا نقصد قفزة نوعية لكي نواكب هذا العصر.

* بمناسبة حديثك عن الدين، هناك دعوة في الكويت من قبل احد النواب لجعل الشريعة الاسلامية المصدر الوحيد للحكم، مع ان البند الثاني من الدستور الكويتي يقول ان الدين الاسلامي احد مصادر الحكم. فهل تؤيد ان تصبح الشريعة الاسلامية المصدر الوحيد؟

ـ عندما استقلت الكويت عام 1961، فإن أول عمل قام به المغفور له الشيخ عبد الله السالم أمير الكويت في ذلك الوقت، كان اجراء انتخابات لمجلس تأسيسي لوضع دستور الكويت، فتح انتخاب مجلس من عشرة أشخاص مهمتهم وضع الدستور الكويتي، واذا عدنا لقراءة الحديث الذي دار في ذلك الوقت، اي قبل 43 سنة، حوالي نصف قرن تقريبا، كان الحوار عن المادة الثانية في الدستور المتعلقة بالشريعة الاسلامية، هل هي المصدر الوحيد او مصدر من مصادر التشريع؟ هذه المراجعة تعطي فكرة واضحة عن الجدل الحي الذي كان قائما في المجتمع الكويتي قبل نصف قرن، حول الشريعة وعما اذا كانت المصدر. ان هذا النقاش يدور منذ نصف قرن وليس بنقاش جديد، والآباء المؤسسون للكويت الحديثة، واضعو الدستور، ناقشوه باستفاضة ووصلوا الى القناعة القائلة، ان تكون الشريعة الاسلامية مصدرا من مصادر التشريع وليست المصدر الوحيد.

لذلك، فإن هذا الطرح ليس بجديد، وموقفي انا موقف منسجم مع الدستور بشكل كامل، ومع موقف الآباء المؤسسين للكويت الحديثة.

* هناك حماسة كويتية لافتة للمشاركة في قمة شرم الشيخ حول العراق، ماذا سيكون دوركم؟

ـ الحماسة الكويتية بدأت لتحرير العراق ولانقاذ الشعب العراقي من الظلم الذي حل عليه من نظام صدام حسين. وكنا من أوائل الدول التي قدمت مساعدات للعراق ومددنا يد العون لاشقائنا في العراق لاستعادة سيادتهم وتحقيق استقرارهم. وأول مؤتمر دُعي اليه العراق كان مؤتمر دول الجوار الذي عُقد في الكويت، اذ لم يكن العراق يُدعى من قبل بسبب وجود صدام حسين، ولما سقط كانت أول دعوة تصل العراق من الكويت. والكويت في خضم هذا العمل الدولي ـ الاقليمي لمساندة ودعم العراق لاستعادة سيادته واستقراره وتحقيق الديمقراطية التي ينشدها الجميع، وان يكون العراق نموذجا لنا. وقبل ان يقال ان الاميركيين يريدون العراق نموذجا نحن كعرب نريد العراق ان يكون نموذجا، من أجل مصلحتنا، بالتآخي وبالعيش السلمي مع نفسه ومع دول الجوار.

واهمية مؤتمر شرم الشيخ تكمن بصدور قرار من مجلس الامن 1546، بصدده، والقرار يمثل الشرعية الدولية واصبح جزءا من القانون الدولي، لذلك اصبح وضع العراق وتحقيق البرنامج السياسي الوارد في القرار الدولي لاعادة السيادة كاملة للعراق قضية دولية وليس قضية محلية ـ اقليمية، والعالم كله ملتزم بتطبيق القرار 1546، الذي صدر بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ولذلك نرى ان حضورنا ومساهمتنا يأتيان ضمن الاستحقاق الدولي تجاه العراق.

* لقد قال وزير المالية الكويتي محمد النوري أخيرا، انه يريد ان يجعل الكويت قاعدة انطلاق لاعادة اعمار العراق، فهل انتم مستعجلون، اضافة الى التزامكم بالقرار الدولي، لعودة الاستقرار الى العراق من أجل أمور تجارية ومالية واقتصادية؟

ـ كلا، أهم شيء بنظرنا ان العراق دولة جوار واشقاء، وعندما نرى الابرياء يقتلون بشكل مستمر لا يمكن ان نفكر بالضرورة التجارية لاستقرار العراق، اننا نفكر بضرورة اعادة الوحدة للشعب العراقي، ومنع تقسيم أو تفتيت العراق ومنع انزلاقه الى الفوضى التي اذا حصلت في العراق ستكون مثل جرثومة تنتقل الى دول الجوار..

* لكن الفوضى قائمة! ـ لا تزال محصورة، هناك مجموعة صغيرة تحاول دفع العراق للانزلاق في هذا المستنقع.

* من هي هذه المجموعة؟

ـ الم تسمعي بالزرقاوي (أبو مصعب)؟ والمجموعات التي تفجر وتقتل الاطفال الابرياء..

* هل هذه مجموعات عراقية أو غربية؟

ـ من المؤكد وجود اشخاص غير عراقيين، فمثلا نحن عرفنا ان هناك عددا محدودا جدا من الكويتيين، ربما اثنان قتلا في العراق، وهذا أمر مؤسف، ونعمل بشكل جاهد لمنع هذه التنظيمات الارهابية من خطف ابنائنا لأمور اجرامية.

* مع حكومة جديدة وشرعية في العراق، الا تريدون ككويت، وقد مررتم بعدة تجارب، توقيع اتفاقيات ثنائية مضمونة دوليا؟

ـ لدينا الآن كل الضمانات الدولية الموجودة في قرارات مجلس الأمن المتعلقة بالكويت، لا نحتاج الى قرارات أممية جديدة لحماية أمن الكويت، نريد من الجميع ان يحترم القرارات الموجودة، ولا حاجة لقرارات جديدة.

* هل سيؤثر في مواقف الكويت ما جاء في تقرير وكالة السي. آي. ايه الاخير Iraq Survey group، الذي سمى دولا كانت تزود نظام صدام حسين حتى اللحظة الاخيرة بالاسلحة، من بينها: روسيا، سورية، الاردن، اضافة الى فرنسا وتركيا.

* ماذا تعني باللحظة الاخيرة؟

ـ حتى بدء حرب الاطاحة بصدام حسين.

* أنا لم اقرأ بعد هذا التقرير.

* أنا ابلغك ما جاء فيه.

ـ اصدقك، لكن تزويد صدام بمبررات استمرار بقائه على رقبة الشعب العراقي، يحكم عليه الشعب العراقي، واعتقد اننا سننتظر بفارغ الصبر كيف ستطبق شريعة حمورابي، التي نؤمن بها بشكل مطلق، في العراق فيمن ارتكب هذه الجرائم بحق الشعب العراقي.

* هل ستحنّون على الفلسطينيين؟

ـ دائما نحنّ على الفلسطينيين، والكويت لم تخرج اطلاقا من جلدتها العربية والاسلامية، حتى عندما كان الكويتيون في أسوأ أوقاتهم عندما كانوا في الشتات، تجمعوا في المملكة العربية السعودية في مؤتمر شعبي، وكان هذا في شهر اكتوبر (تشرين الاول) من عام 1990، عندما كانت الكويت بلادهم ترزح تحت الاحتلال العراقي المباشر، وتمت مصادرة الهوية الكويتية وإلغاء صدام للكويت، اجتمع الكويتيون وطالبوا بتحرير الكويت أولا وتحرير فلسطين ثانيا. ان موقفنا مع الشعب الفلسطيني اساسي وضارب في التاريخ وفي عمق الوجدان الكويتي.

* اذن مشكلتكم مع ياسر عرفات؟

ـ مشكلتنا مع القيادة السياسية الفلسطينية، مع ياسر عرفات الذي، كشخص يرزح تحت الاحتلال، دعم احتلال دولة عربية لدولة عربية أخرى، دعم محتلا ووقف مع المعتدي ضد الضحية، وهذا أكبر ضرر يمكن ان يقوم به ياسر عرفات للقضية الفلسطينية، بأن يؤيد احتلالا مثل الاحتلال العراقي الغاشم للكويت.

* قال احد اعضاء حكومة عرفات، نبيل شعث انه على استعداد للمجيء الى الكويت لتصحيح الاوضاع والاعتذار.

* لم يخطئ نبيل شعث في حق الشعب الكويتي، نريد ان نسمع من ياسر عرفات.

* اذا اعتذر ياسر عرفات؟

ـ انا متأكد ان اغلبية الشعب الفلسطيني تتوافق مع الكويت، بأن السلطة السياسية الفلسطينية ارتكبت خطيئة بحق الشعب الكويتي.

لذلك عندما يأتي فلسطينيون ويقولون نحن نعترف نيابة عن القيادة الفلسطينية! لا، هذا لا يجوز. إن من ارتكب هذه الخطيئة عليه ان يبادر، ونحن نقول...

* هل تريدون من عرفات ان يبادر بالاعتذار؟

ـ نحن دائما نقول: ان التوبة شرط الغفران.

* هل تريدون من عرفات ان يعتذر؟

ـ ياسر عرفات يعرف بالضبط ما عليه ان يقوم به.

* ربما لا يعرف؟

ـ اذا كان لا يعرف بعد مرور 14 سنة على تحرير الكويت من الاحتلال العراقي، تصبح أمامنا مشكلة اعمق بكثير.

* اي يجب ان يعرف ان عليه ان يعتذر؟

ـ انا لن اقول ما اذا كان عليه ان يعتذر، انا اقول ان عرفات يعرف بالضبط ما عليه القيام به.

* بعد ذلك، اذا قام بما عليه القيام به، فهل ان الكويت مستعدة للتعامل مع ياسر عرفات بالذات بصفته الرئيس الفلسطيني؟

ـ لن أناقش معك هذا الأمر على صفحات الجرائد التي يقرأها الجميع.

* قال أرييل شارون رئيس الوزراء الإسرائيلي انه سيطرح خطته للانسحاب من غزة في 25 الجاري، وكان مدير مكتبه قال في مقابلة مع هآرتس، ان خطة الانسحاب من غزة هي لانهاء خطة «خريطة الطريق» وعملية السلام، وحصر الفلسطينيين في غزة.

* كيف سيكون موقف الكويت كدولة ملتزمة بالقضية الفلسطينية؟

ـ لماذا الكويت فقط، ان هذا الموقف الجديد ينسف «خريطة الطريق»، ينسف قرارات مجلس الامن، بنسف النهج الذي اتخذه العرب في قمة بيروت المتعلق بمبادرة السلام العربية (مبادرة ولي العهد السعودي الامير عبد الله بن عبد العزيز)، ينسف معسكر السلام ككل. هذا لا يتطلب موقفا كويتيا فقط، كما انه لا يتطلب موقفا عربيا واسلاميا فقط، انما موقف دولي. نحن نصدق ما قاله الرئيس الاميركي عندما قال ان الولايات المتحدة تلتزم بـ«خريطة الطريق» وتلتزم ان هذه الخطة تهدف في نهايتها الى اقامة دولتين: دولة فلسطينية ودولة اسرائيلية.

* هل تتخوفون من حكم شيعي في العراق؟

ـ نتخوف من حكم يؤدي الى تقسيم العراق، شيعي، سني، كردي، عربي، آشوري... بغض النظر، اننا نتخوف من حكم يعيد الديكتاتورية الى العراق بحيث يعود العراق مصدر قلق وتهديد لدول الجوار. أكثر ما نخاف منه، نظام يقسم العراق أو نظام يعيده كبعبع. ما عدا ذلك، لا شيء. فنحن لا نضع نظارة طائفية أو نظارة عرقية تجاه العراق. كل ما نريده للعراق هو الأمن والاستقرار.

* ترتبطون بصداقة مع الاكراد، وصرح أخيرا مسعود البرزاني رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني ان كركوك كردية والاكراد على استعداد للحرب من أجل تثبيت كردية كركوك. هل تنصحونه في هذه المرحلة بأخذ الأمور بهدوء؟

ـ هذه قضايا عراقية داخلية، لن أناقشها.

* سمعنا ان دول الخليج مختلفة في ما بينها في تقييم مخاطر ايران النووية؟

ـ ان منطقة الخليج ولمدة ربع قرن من الزمن، وهي تعاني من ارتجاجات واضطرابات مستمرة بسبب شخص واحد هو صدام حسين. قام عام 1980 بغزو ايران وبعدها ارتكب جريمته بحق الكويت، وكان طوال الوقت مستمرا في اجرامه بحق الشعب العراقي، لقد خسرنا جيلا كاملا من التنمية بسبب الدمار والاضطرابات والهموم الامنية المستمرة، لذلك، عندما فتح الله علينا بسقوط ذلك النظام، نشعر ان امامنا فرصة تاريخية لاعادة بناء منطقتنا على مبدأ التعايش السلمي وبناء الجسور الاقتصادية، وتدعيم برامج التنمية. لقد وهبنا الله ثروة في الارض اضافة الى العوامل التي تجعل من هذه البقعة، معجزة اقتصادية، لذلك، لدي الثقة الكاملة بأن القيادة الايرانية تتمتع بالحكمة التي تدفعها للتعامل بشكل ايجابي مع الوكالة الدولية للطاقة النووية، وبأن التقرير الذي سيرفعه الدكتور محمد البرادعي رئيس الوكالة، في 25 من الشهر المقبل، سيكون ايجابيا بحيث يتم تبديد أية شكوك تحيط بالبرنامج الايراني النووي.

* أنتم، ككويت، تؤيدون دائما القرارات الدولية. من الخيارات الاميركية المطروحة، اذا رفض الايرانيون التعاون، تقديم المسألة الى مجلس الامن بالاضافة الى فرض حصار وعقوبات على ايران. هل تشعرون ان ايران اذا لم تتجاوب ستضعكم في موقف حرج، لأنكم مضطرون الى الموافقة على القرار الدولي؟

ـ هذا سؤال افتراضي، انت تفترضين ان ايران لن تلبي، وتفترضين انها لن تتعاون. كلا. انا لدي الثقة الكاملة بحكمة القيادة الايرانية وبحكمة الرئيس محمد خاتمي تحديدا.

* كان تأثير دول الخليج بالنسبة الى سوق النفط قد تقلص، اذ رغم تصريحات وزراء نفط السعودية والكويت ودولة الامارات العربية المتحدة، بأن دولهم ستزيد من كميات النفط، لاحظنا ان الاسعار ارتفعت. هل فقدت منظمة «أوبيك» السيطرة على زخم اسعار النفط؟

ـ اعتقد ان «أوبيك» والى حد كبير، تحاول وبأقصى طاقة بقيادة دول مجلس التعاون بالذات، المحافظة على استقرار الاسعار. لقد اعلنت السعودية والكويت والامارات وقطر، وقامت فعليا بانتاج اقصى الكميات الممكنة، لكن يسود العالم الاضطراب في عدة أماكن.

لقد ضرب اعصار «ايفان» الساحل الشرقي للولايات المتحدة، ثم برزت ظاهرة جديدة وهي تطور الصناعة المالية، وظهر ما يسمى «البرميل الورقي للنفط» واصبحت البورصات تتداول به وكأنه سلعة حقيقية فيما الحقيقة هو سلعة ورقية ـ مالية، هذه المضاربات ترفع الاسعار بشكل كبير، والحمد لله ان لا أحد يتهم دول الخليج بانها وراء ارتفاع اسعار النفط بشكل غير معقول، فهذا الارتفاع يسبب ضررا اساسيا لدول الخليج بالتحديد. ربما على المدى القصير ستكون العائدات النفطية عالية، لكن الضرر سيكون كبيرا على المديين المتوسط والكبير، لأن هذه السلعة ستبدو ذات تكلفة عالية وتحفز الدول على ايجاد بدائل ومن ثم التخلي عن سلعة النفط كمصدر للطاقة. ان في الارتفاع الكبير لاسعار النفط مخاطر حقيقية على دول مجلس التعاون الخليجي، وكدول فهي تدرك هذه الخطورة وتحاول قدر الامكان طمأنة المستوردين مع علمها ان من يقود هذه الحملة المسعورة والهستيرية هم المضاربون في بورصة نيويورك وليس في دول الخليج.

* هناك دعوة عالمية لدول مجلس التعاون لفتح قطاع النفط بالذات أمام الاستثمارات الخارجية، وبدأت الكويت تميل الى هذا التفكير مع حقل الشمال..

ـ لدينا فلسفة الليبرالية الاقتصادية، التحرر والانفتاح الاقتصاديان، اننا في حاجة إلى استيراد التقنية وتطوير الأنظمة والبنية الهيكلية الاقتصادية المحلية، نحتاج إلى الخبرات الدولية، لقد مضى علينا نصف قرن في الصناعة النفطية، لكن التقنية غربية، ونحتاج إلى توطينها، ونعمل على ذلك من خلال التعليم، كذلك نحتاج الى التلامس والاحتكاك المباشر من خلال عمل الشركات النفطية الغربية في بعض الحقول. هذا ما نطمح إليه، والزيادة الطفيفة في الإنتاج ستكون مقابل التقنية المتقدمة التي سنحصل عليها.

* أنتم كحكومة مقبلون على مواجهة مع مجلس الأمة الذي يعتبر النفط بمثابة الثروة الاستراتيجية للبلاد، ويتهم الحكومة بأنها ستفرط هذه الثروة؟

ـ هذا ليس موقف الحكومة.

* لكن، هل تستطيع الحكومة أن تحسم؟

ـ طبعاً، هذه متعة الحياة في الكويت، كونها مجتمعاً مفتوحاً يناقش قضاياه بشفافية وبصدق.

* لكن متعة المناقشة لا تلغي ضرورة الحسم؟

ـ هذا سترونه في افتتاح مجلس الأمة، عندما ستلقي الحكومة برنامج عملها، وسيكون هناك قرار من مجلس الأمة.

* ويحسم الأمور؟

ـ طبعاً.

* بالنسبة إلى قطاع الطاقة، تقول إحدى الدراسات إن دول الخليج تحتاج إلى 500 مليار دولار استثمارات نفطية حتى عام 2030، هل أنتم قادرون على تأمين المبلغ؟

ـ ان الاستثمار في قطاع الطاقة هو مصدر رزقنا، واعتقد أنه إذا كان الإنسان يملك دجاجة تبيض ذهباً، فإن أول ما يفكر فيه كل صباح هو كيف يؤمن غذاء هذه الدجاجة، قبل أن يفكر بنفسه. ان النفط مصدر رزقنا، ورزق أبنائنا وأحفادنا، وكل ما يحتاجه هذا القطاع من تطوير، سنقوم به، لن نحدد رقماً معيناً.

* هل تؤيدون انسحاب سورية من لبنان بالكامل؟

ـ ان هذا الموضوع يحتاج إلى مراجعة التسلسل التاريخي، فالقوات السورية ليست قوات احتلال، انها جزء من قوات الردع العربية التي جاءت بقرار عربي، لوقف الحرب الأهلية التي وقعت في لبنان، ولعبت القوات السورية دوراً في وقف الحرب في لبنان. الآن، صدر قرار مجلس الأمن يتضمن طلبات عديدة، من الحكومة اللبنانية والحكومة السورية، وطلبات من الحكومة الإسرائيلية، ذلك ان القرار يطالب بانسحاب جميع القوات الأجنبية وغير اللبنانية من كل لبنان.

* لم تعد هناك قوات إسرائيلية؟

ـ هناك في مزارع شبعا.

* لكن القرار الدولي السابق المتعلق بلبنان، يعتبر مزارع شبعا خارج الخط الأزرق؟

ـ نحن ندعم لبنان في اعتباره مزارع شبعا لبنانية، وعلى هذا توافق العرب بأنها لا تزال تحت الاحتلال الإسرائيلي، وعلى إسرائيل أن تنسحب.

على كلٍّ، القرار 1559، أصبح الآن جزءاً من الشرعية الدولية، لذلك عندما نطالب الجميع باحترام الشرعية الدولية، فإننا نعني ما نقول، ونحن في الكويت ندرك أن العلاقة اللبنانية ـ السورية ذات خصوصية، ونعتقد أن تطبيق هذا القرار واجب، إنما ضمن إطار هذه الخصوصية التي تحكم لبنان وسورية معاً.

* هناك شعور لدى الكثير من اللبنانيين، ان الكويت ودول الخليج ومصر مع إبقاء القوات السورية في لبنان، حتى انسحاب إسرائيل من هضبة الجولان، وتعتبر أن لبنان الورقة الأخيرة في يد سورية، البديلة عن الورقة العسكرية، فهل هذا الشعور حقيقي؟

ـ مرة أخرى، أقول إنني أشعر بحرج أن أتكلم في الشأن الداخلي اللبناني. ما سمعناه أخيراً عن الخلاف الموجود في لبنان، لم يكن يدور حول موضوع الوجود العسكري السوري، بقدر ما هو خلاف حول قضية الاستحقاق الرئاسي، المتعلق بالتمديد أو عدمه.

وقد يكون هناك خلط بين هذين الأمرين، لذلك أفضل الكلام عن القرار الدولي 1559، واعتقد أن تدفع حكمة القيادتين اللبنانية والسورية الى التعامل بإيجابية مع هذا القرار.

* أي أن هذه نصيحتك للقيادة السورية بالذات، وهي التعامل بإيجابية مع القرار الدولي؟

ـ انه قرار دولي، ولا نملك كلنا إلا أن نحترم هذا القرار، وتدرك سورية أهمية هذا القرار، لأن سورية من أكثر الدول التي تدعم الشرعية الدولية.

* وكيف يتم احترام هذا القرار؟

ـ لقد قالت سورية إنها تحترم هذا القرار، والقضية الآن في ترجمة هذا الاحترام على الأرض، وأترك المسألة للأشقاء في سورية، والمطلوب من إسرائيل أن تحترم أيضاً هذا القرار.

* أعرف أنكم في الكويت لا تحبون التدخل في الشؤون الداخلية للدول، لكن من تريد الكويت أن يفوز في الولايات المتحدة، جورج دبليو بوش أو جون كيري؟

ـ نحن نريد رئيساً أميركياً يدعم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وفي الخليج، ويدعم الاستقرار في المناطق المهمة في العالم.

* وهل دعم الرئيس بوش الاستقرار في هذه المناطق؟

ـ اعتقد أن الإدارة الأميركية الحالية لها وعليها، فالرئيس بوش كان أول رئيس أميركي يقف على المحفل الدولي ويطالب بدولة فلسطينية، وهذا يسجل لصالحه. لقد اسقط بوش أكبر ديكتاتور وجد في العالم العربي، وربما في العصر الحديث، وما زلنا نكتشف المقابر الجماعية التي تذكرنا بنظام بول بوت في كامبوديا، والتقديرات تشير الى احتواء هذه المقابر على أكثر من 300 ألف عراقي وغير عراقي، بينهم أسرانا الكويتيون، وهذا شيء يسجل أيضاً لصالح الرئيس بوش.

لكن، هل قام بهذه العمليات بطريقة لم تسبّب اضطرابات؟، كلا، وأعتقد بحدوث أخطاء، خصوصاً في تطبيق هذه الأهداف التي نتفق نحن معها، أي دولة فلسطينية وإقامة نظام ديمقراطي في العراق. والآن، نتمنى على الرئيس المقبل، إن كان الرئيس بوش أو السيناتور جون كيري، تلافي هذه الأخطاء، لكن أكرر، ان الأهداف وبنسبة مائة في المائة، كانت فيها فائدة للعالم العربي.

* لماذا نجحت البحرين وفشلت الكويت، رغم أنها حليفة استراتيجية لأميركا، في الحصول على اتفاقية التجارة الحرة؟

ـ لم نفشل، فنحن لم نكن نسعى إليها. الآن بدأنا في تطوير القوانين، عندنا قوانين كان البعض يتندر بسببها بأن الكويت آخر دولة اشتراكية في العالم. لدينا أنظمة مقيدة للحرية الاقتصادية ولإطلاق الطاقات الكامنة في القطاع الخاص، وبدأنا الآن في تغييرها، وهذا هو شعار الحكومة الجديدة، بأن يتحمل الأفراد وبعض الشعب جزءاً من أعباء التنمية، وبدأنا نفتح أسواقنا المحلية للشركات العالمية وقطاع المصارف والاتصالات والمواصلات، وهذا يدفعنا إلى دعم ما أطلق عليه رئيس الوزراء الشيخ صباح الأحمد: الديبلوماسية الاقتصادية، في بناء جسور تربط الكويت مع التكتلات العالمية من خلال التعاون والوجود الاقتصادي.

كان الهمّ الأمني في السابق هو المستحوذ، وكانت ديبلوماسيتنا تعتمد على الوقائية. الآن سقط الهم الأمني، وبدأنا نفكر بالديبلوماسية الاقتصادية، ومن نتائجها التفكير في التجارة الحرة مع الولايات المتحدة، وقد قطعنا شوطاً طويلاً حتى الآن.