رئيس الوزراء المصري لـ«الشرق الأوسط»: مصر لم تغلق ملفها النووي ومحطة الضبعة لم تنشأ من الأساس

الدكتور أحمد نظيف: لسنا حكومة رجال الأعمال والتهرب الضريبي خيانة * علاقتي بالمعارضة لم تتحدد بعد والدعوة مفتوحة لزعماء الأحزاب للقائي * لا نملك رفاهية الانتظار ومن يرفض ما نفعله فعليه أن يقدم البديل

TT

أكد الدكتور أحمد نظيف رئيس الوزراء المصري أن مصر لم تغلق ملفها النووي. وقال إن مصر تتبع سياسة معلنة لاستخدام الطاقة الذرية وان البرنامج المصري في هذا المجال يخضع لخطة موضوعية تشرف عليها وزارة الكهرباء، مشيراً الى أن محطة الضبعة التي إثير حولها الجدل مؤخراً لم تنشأ من الأساس.

وأكد الدكتور نظيف أن مصر لا تملك رفاهية الانتظار بدون تقديم حلول للمشاكل التي تمر بها، مطالبا من يرفض الحلول التي تقدمها الحكومة بأن يقدم البديل ولا يكتفي بالنقد والهجوم، رافضا وصف حكومته بأنها حكومة رجال أعمال، ومطالبا بمحاسبته على اهدافه التي يسعى اليها وليس على وسائله.

وأشار نظيف في الحوار الذي أجرته معه «الشرق الأوسط» إلى أن الحكومة المصرية لم تحقق في قضية وزير الإسكان محمد إبراهيم سليمان والاتهامات الموجهة ضده لأنه لم تصل ضده أي شكوى، ولا دعوى للتحقيق وقال:«اتخذت ما يجب علي اتخاذه وهو النصحية». وقال نظيف إن التخطيط المركزي الذي يحدث في مصر يحتاج إلى إعادة مراجعة وإن وجود محفظة استثمارية للحكومة المصرية سيستمر لفترة طويلة، وإنه ليس من خطتها في الوقت الراهن إلغاء وزارة التخطيط.

وجاء الحوار مع الدكتور أحمد نظيف رئيس الوزراء المصري في وقت كثرت فيه الاسئلة المطروحة حول ما هية القرارات التي اتخذتها الحكومة الجديدة، والتي يري البعض أنها تتضارب فيما يري البعض الآخر أنها تأتي لخدمة رجال الأعمال وأنها تفتقر إلى ثقة المواطن العادي.

* هناك من يعتقد بأن سبب الأزمة الاقتصادية المصرية هو عدم القدرة على جذب الاستثمارات، في حين يعتقد البعض الآخر بأن الأزمة تكمن أساسا في عدم القدرة على تشغيل الطاقات المعطلة داخل الشارع المصري. كيف تراها أنت؟

ـ أعتقد بأن لدينا طاقات كامنة كثيرة، من الممكن استغلالها بشكل أفضل. ومما لاشك فيه أن أهم طاقة موجودة في مصر هي العنصر البشري. ومذ كنت وزيراً للاتصالات وأنا أطالب باستغلال هذه الطاقات خاصة واننا اذا نظرنا الى التعداد السكاني لمصر سنجد نسبة كبيرة من المصريين في شريحة من الشباب. وهناك أيضا طاقة التأهيل والتعليم كبيرة. فعندنا في مصر أكبر عدد من خريجي الجامعات بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط وافريقيا. وبالتالي فالقيمة المضافة التي من الممكن أن نحصل عليها من تشغيل هذه الطاقات كبيرة. ولا شك في أن مصر استثمرت في الفترة الأخيرة كثيرا في البنية التحتية. وبالتالي أصبحت مؤهلة لأن تستغل هذه الاستثمارات. لذلك لا نستطيع أن ننظر إلى البنية التحتية الآن على أنها عبء. هي بالفعل استنفدت رؤوس أموال وطاقة كبيرة، وكانت عبئا على الموارد. لكنها الآن تمثل بالنسبة لنا فرصة متاحة، لأنه أصبح لدينا موانئ وطرق وشبكة اتصالات قوية، وشبكة كهرباء تصل للخارج. وكل ما يلزم لأي مستثمر جديد. ولا أتكلم عن الطاقة فقط. بل عن الخدمات أيضا. وبالتالي ففي تصوري أن مصر مرت بمراحل كان لا بد أن تمر بها. وأعتقد بأن مرحلة بناء البنية التحتية اكتملت للدرجة الكافية لأن تجلب عائدا، بالإضافة إلى أن آليات الاقتصاد ويتحكم فيها مناخ الاستمثار. وهذا المناخ يحتاج لأن يكون أكثر إيجابية ولهذا اتخذت الحكومة الجديدة خطوات محددة لكي تحقق لهذا المناخ الفرصة.

* هناك مستويان في حديثنا، مستوي خاص بالطاقة البشرية، والآخر بتشجيع الاستثمار. بالنسبة للمستوي الاول ما هي مسؤولية الدولة بالنسبة لهذه الطاقة المعطلة وهي هل تعود الي حالة الاسترخاء العامة في المجتمع، ام أن المشكلة تكمن في الدولة التي لم تستطيع ان تمكن الطاقة البشرية من أن تقوم بدورها الكامل؟

ـ الدولة عليها مسؤولية أن تحقق مناخا يسمح بتوليد فرص العمل. وتوليد هذه الفرص يجب أن يتم من خلال الاستثمار. وأعتقد بأن هذه رسالة واضحة للحكومة منذ توليها في يوليو الماضي. فنحن نضع الاستثمار كأولوية. وذلك حل مشكلتين ملحتين في المجتمع المصري اليوم .وهما فرص العمل، ورفع مستوي المعيشة بدرجة تسمح لدخول الافراد أن تحقق لهم متطلباتهم، وقدرة الاقتصاد المصري على توليد فرص العمل ستزداد من خلال الاستثمارات.

* هذا ينقلني الى الجزء الخاص بالاستثمارات، ومعوقاتها. وترتبط مشكلة المستثمرين دائما مع المجتمع المصري بعدم وضوح القوانين .. الوعود بالتسهيلات وغيرها .. إلى أي مدى ترى قدرة الجهاز البيروقراطي المصري على التكيف مع هذه المتطلبات وهل وعود الحكومة قابلة للتحقق؟

ـ سأحدثك من خلال تجربة ناجحة حققناها في وزارة الاتصالات من خلال تحرير كامل للقطاع. وأصبح هذا القطاع الآن من أنجح القطاعات التي تدر عائدا كبيراً وتولد فرص عمل كبيرة داخل المجتمع المصري. وأي زائر يأتي الى مصر سيكتشف هذا بسهولة. ونظرة على إعلانات التلفزيون ستجد أن 60% منها مرتبطة بشكل أو بآخر بهذا. إذن الرواج الاقتصادي يأتي دائما من التحريك والتحرير. وهذا تم بنجاح في أحد القطاعات. ولا يوجد ما يمنع تكراره في قطاعات أخرى. نعم كانت هناك معوقات وكانت هناك مشكلة انعكاس رؤية معينة يجب أن تتغير. أعتقد بأن هذه الحكومة استطاعت في فترة قصيرة أن تحقق تغييرا لتوقعات رجل الشارع العادي، والمستثمر الذي سيلاحظ حتما تغييراً يحدث.

* رغم مرور فترة قصيرة، ولكن هل لمستم أصداء التغييرات من قبل المستثمر العربي أو المصري إزاء الطرح الجديد؟

ـ هناك تغيير كبير. وقد التقيت بمجموعة كبيرة من المستثمرين سواء كانوا مصريين، أو مستثمرين في تجمعات عربية مثل جمعية رجل الأعمال العرب، الى جانب لقاءاتي دوريا كل أسبوع بالمستثمرين من خارج مصر. وقد حضروا لاحساسهم بأن هناك تغييراً حقيقيا يحدث في قطاعات كثيرة جداً. هناك تغيير واضح وجزء انعكس على البورصة في الثلاثة اشهر الماضية، حيث حدث إرتفاع يقترب من 40%

*إذا نظرنا إلى كلامنا السابق، سنجد أننا نتكلم عن رجال الأعمال، وعن البورصة ومحاولات خلق فرص عمل..هل هناك غياب لرجل الشارع البسيط العادي في رؤية الحكومة في سياساتها خلال هذه المرحلة؟

ـ إطلاقا. نحن بدأنا بالمواطن. وعندما تحدثنا عن فرص العمل ورفع مستوى المعيشة كنا نقصد المواطن العادي. نحن نتكلم عن تطوير كامل لقطاع التعليم في مصر، ولقطاع الصحة، وبخطط بدأنا نعلن عنها. والحكومة وضعت عشرة برامج ، أحد هذه البرامج تطوير مناخ الاستثمار. التسعة الباقون هي في بقية نواحي الحياة وكلها تهم المواطن المصري. أحدها التعليم. وأول مرة نتكلم عن قضية التعليم بمنتهى الوضوح والصراحة. وما يجب أن يتم فيها من توفير فرص أفضل وقد تكون بمقابل. وهذا لا يعني اننا نتخلى عن مجانية التعليم. ولكن يعني اننا نضع في المجتمع اختيارات واضحة. اذن هناك قضايا تطرح في كل المجالات بشكل جديد.

* ماهي ملامح هذا الشكل الجديد؟

ـ أول الملامح الرئيسية هي المشاركة المجتمعية بدرجة كبيرة. وكنا نتحدث دائما في المرحلة الماضية عن أن العبء يكون دائما على الحكومة. ولا شيء على المواطن. هذا لايمكن أن يحدث ولا يحدث في اي مكان في العالم. فالمشاركة المجتمعية أساسها مشاركة المواطن والفرد، ومؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص مع الحكومة في كل ما يرتبط بقضايا التنمية. وأنا هنا اتكلم عن المشاركة في كل المجالات، الاستثمار والصحة والسياحة والتعليم والنقل.

* من الذي تقصده بالمشاركة; المواطن العادي أم هم رجال الأعمال أم من الذي يشارك؟

ـ المجتمع بكل اتجاهاته. فلو تحدثت مثلا عن المنظمات غير الحكومية، هذه المنظمات لها دور يجب أن تقوم به، في قضية مهمة مثل قضية محو الأمية. وأنا استخدمت هذه المنظمات من قبل في تعاون كان ناجحا جداً في إنشاء نوادي تكنولوجيا المعلومات التي انتشرت عبر أكثر من 1000 ناد على مستوى الجمهورية. وهذه النوادي تقوم بها هذه المنظمات وتديرها لصالح المجتمع. قضية مثل تنظيم الاسرة من الممكن معالجتها أيضا من هذا المنطلق. المواطن أيضا يستطيع أن يشارك. وأهم ما يشارك به هو أن يتحلى بالأمل والطموح والقدرة على العطاء. لأننا يجب أن نغير من نظرة المواطن لمشاكله.

* هل المطلوب هو تغيير نظرة المواطن لمشاكله أم تغيير لغة خطاب الحكومة للمواطن حول مشاكله؟

ـ اكتساب الثقة هو الاساس. فيجب على المواطن أن يثق في البداية في حكومته حتى يستطيع أن يعاون هذه الحكومة.

* تاريخ المواطن المصري مع الحكومات المتعاقبة خلال السنوات الطويلة الماضية هو تاريخ من عدم الثقة يعتبره المواطن تاريخا من التصريحات الوردية والكذب عليه. ما الذي تقدمه الحكومة الجديدة للمواطن لخلق هذه الحالة من الثقة التي تتحدث عنها؟

ـ احترام المواطن، مصداقية التعامل معه، عرض موضوعي للبدائل التي أمامنا. فنحن اليوم نتكلم ونقتحم قضايا كان الكلام حولها يثير الشك مثل قضية الدعم. نحن ندرسها ونناقشها، والدعم مطلوب. وأكثر الدول تقدم الدعم للمواطن الفقير. لكن لا بد أن ندرس قضية الدعم لأن هناك مشاكل فيها.

* ماهو حجم الدعم الكلي الذي تقدمه مصر للمواطنين لكافة السلع؟

ـ هناك أنواع عديدة من الدعم. منها الدعم المباشر على السلع. ودعم رغيف العيش 8 مليارات جنيه. ودعم السلع على بطاقة التموين يصل الى 4 مليارات جنيه. ودعم وسائل الاتصال يصل إلى 4 مليارات جنيه. وهناك دعم غير مباشر للمنتجات البترولية بأننا نبيعها بسعر ليس أقل من سعر التكلفة، ولكن سعر التكلفة البديلة أعلى بكثير، وهو يصل إلى أكثر من 30 مليار جنيه. ولوجمعنا الدعمين المباشر وغير المباشر معا فسنجد أنهما يتجاوزان الـ50 مليار جنيه.

*وكيف ترى قضية الدعم؟

ـ أسلوب التفكير الحالي هوالاستفادة من هذا الدعم بشكل أفضل. وهنا بدائل كثيرة موضوعة في هذا المجال. وهناك مشاكل رئيسية، مثل هل الدعم يصل الى مستحقيه أم لا. الثابت ان الدعم يلازمه دائما فاقد عال. أيضا عادة يؤدي إعطاء الشيء بغير ثمنه إلى استغلاله. هذه مشاكل يجب أن نتعامل معها. وإحدى وسائل التعامل هى أن نحسن من آليات توزيع السلع ونحاول أن نحقق من خلال بطاقة التموين عدالة اجتماعية أفضل.لأننا اليوم نعطي نفس التموين للناس بغض النظر عن مستوى دخلهم.

* من ضمن الأفكار التي طرحتها فكرة البطاقة الذكية، ودعني استعير تعبير الأديب يوسف القعيد حين قال إن الدكتور نظيف لم يزر القرية المصرية التي يربط البقال القلم فيها بخيط حتى لا يسرق ... وسؤالي هو إلى أي مدى تنظرون إلى مدى تواءم الحلول المطروحة مع طبيعة المجتمع المصري الذي ما زال قطاع كبير فيه يعاني من الأمية؟

ـ كل الحلول تأتي لصالح المجتمع، ومن واقع المجتمع.لأن هناك حلين إما أن تسير وراء المجتمع أو تسير أمامه.

* وأنتم إخترتم أن تكون أمامه؟

ـ نعم. ولكن ليس بمسافة كبيرة. وهذا هو الاساس في فكرنا. وإلى جانب هذا نتبع أسلوب المشاريع التجريبية. ولذلك اخترنا محافظة السويس لبدء التجربة، لأنه لا يوجد فيها ريف كبير، وحجم البقالين قليل وحجم المستفيدين من بطاقة التموين قليل. وبالتالي نستطيع أن نجرب هناك. وأريد أن اقول إن إحساسنا بالتكنولوجيا ينبع من تعاملنا معها. وقد يخاف منها بعض الناس. لكن حقيقة الأمر هي أني أدعو من يقول هذا إلى النزول إلى القرية المصرية ليرى أن الكومبيوتر موجود بها أيضا.

* دكتور نظيف، هل تذكر آخر مرة زرت فيها قرية مصرية؟

ـ أنا أزورها باستمرار. عندما كنت وزيرا للاتصالات كنت أقوم بجولات ميدانية كثيرة في الريف.

* هناك من يتهم الحكومة بأنها تحولت عن مجرد القيام بنقل المعرفة إلى المواطنين المصريين إلى أنها تكاد تلعب دور وكيل للشركات المالكة للكومبيوتر لتوزيع أكبر قدر منه على الناس .. وهل الصحيح أن يكون هناك كومبيوتر في كل بيت، أم أن تكون هناك مراكز في النجوع للتعامل معه؟

ـ حن نعمل في الاتجاهين. والدليل على هذا أن هناك 1000 نادي تكنولوجيا معلومات ساهمت الحكومة فيهم بالتعاون مع الجميعات والمؤسسات ومراكز الشباب، والمكتبات العامة، ودور الثقافة. لم نترك مكانا نستطيع أن نضع فيه مركزاً للكومبيوتر إلا وفعلنا. وفي نفس الوقت يجب أن تعلم أن هناك مليون أسرة مصرية عندها كومبيوترات في بيوتها. وهذا ليس رقما قليلاً. والكومبيوتر ليس رفاهية، بل يمكنني أن استخدمه اليوم لحل مشكلة الدورس الخصوصية، ولكي أساعد في مشروعات أسر منتجة، وفي الحصول على المعلومات.

* فيما يتعلق بالجزء الخاص بسعر الجملة ..خطاب الحكومة في الفترة الاخيرة يحرص على استقرار واضح لهذا السعر، والبعض يرجع هذا الاستقرار إلى سياسة التكتم والغموض التي التزمها البنك المركزي، فيما يتعلق بالسياسات النقدية حجم الاحتياطي الدولي المناسب، وسؤالي هو، هل تعتقد بأن الثبات هو تعبير عن حالة نجاح دائمة، أم هي لحظية يمكن أن تزول؟

ـ ما يحدث هو تعبير مباشر عن قوة الاقتصاد المصري. والدليل على هذا أنه مبني على نتائج فعلية. فعندما نقول إن فائض ميزان المدفوعات ما بين المعاملات الجارية، وبين الداخل من العملات الاجنبية ارتفع من 1.9 مليار دولار الى 3.7 مليار دولار، أي الضعف، اذن المنطق يقول إن الدولار ينقص، ولم يكن ينقص من قبل لأنه كانت هناك حالة خوف وعدم ثقة وتحفظ.

* اذن التغيير الذي حدث هو تعبير عن ثقة؟

ـ حدثت ترجمة للثقة التي هي من خلال سياسة ملتزمة للبنك المركزي المصري والسياسة النقدية مع مسؤولية أولى وأخيرة للبنك المركزي.ولو نظرت للأمر مرة أخرى فلن تجد غموضا. * من الملاحظ أن هناك مجموعة من القرارات التي يبدو لأول وهلة أن هناك شكلا من أشكال التناقض بينهما مثل إعادة النظر في قانون الضرائب وخفض الجمارك لتشجيع الاستيراد. وفي نفس الوقت نرى أن سعر الفائدة يرتفع الى 13% مما يعني طرد رؤوس الاموال الصغيرة والمتوسطة من محاولة الاستثمار .. ألا ترى أن هناك نوعا من أنواع التناقض هنا؟

ـ لا يوجد تناقض. سعر الفائدة أحد عناصر السياسة النقدية. وبالتالي يجب أن نتركه لظروف واضعي هذه السياسة. وأتصور أننا يجب أن نفرض سعر فائدة معينا، دائما مع الوقت حتى تسمح لسعر الفائدة بأن يتحرك في الاتجاه الصحيح.

* لكن في تقديرك الشخصي، ألا ترى أن 13% كسعر للفائدة كبير؟

ـ أتمني أن يكون سعر الفائدة أقل من هذا. ولكن العملية ترتبط بأنني أوفر لحامل هذا المال فرصا متعددة. ولذلك غيرنا من هيكلية الحكومة فأصبحت لدينا وزارة للاستثمار، تحتها مجموعة من المحافظ. ورأينا زيادة في البورصة. وقد يبدو هذا متناقضا مع سعر الفائدة. لكن الأمر كله يعتمد على الثقة. أنا معك أن صغار المستثمرين ما زال اتجاهه لوضع النقود في البنوك، ولكن الأمر سيتغير مع الوقت. فكلما قوى الاقتصاد، كلما هبط سعر الفائدة، ودارت عجلة الاقتصاد.

* هناك من قد يعتقد بأنه ليس هناك شكل من أشكال التوازن في التشكيل الحكومي بين مجموعتين. المجموعة الاقتصادية : د. غالي ، م. رشيد، د. محي الدين ووزارت الخدمات. ففي حين أن المجموعة الاولى تعمل بسرعة كبيرة، نجد أن الثانية تعمل بشكل مختلف وبتفاوت كبير، ما تفسيرك لهذه المسألة؟

ـ في الفترة الماضية كان هناك تركيز على عمل المجموعة الاقتصادية ، لأنه كانت هناك توقعات كثيرة. وكان يجب أن نتحرك بسرعة لكي نوضح كيف نتحرك. ولكن في نفس الوقت وبالتوازي، جلست مع وزراء المجموعة الخدمية وهناك خطط طموحة. ولكن هذه الاشياء بطبيعتها تكون اجراءاتها أكثر. فتطوير قطاع التعليم لن يكون بقرار. بل مجموعة من القرارات التي قد تأخذ وقتا طويلاً وتحولا يشمل أيضا العام الدراسي القادم ولكن هناك تغييرا واضحا في اسلوب التعامل مع القضايا.

* أنتم الحكومة المصرية الأولى التي تعترف بأن هناك فقرا، وهناك ورق مقدم فعلاً لمؤتمر محاربة الفقر، وأعتقد بأن هذا اعتراف بالمشكلة كشكل من أشكال الشفافية..

ـ أنا أؤمن إيمانا مطلقا بضرورة مشاركة رجل الشارع في مشاكله. وأعتقد بأن فكرة أن يخفي أولياء الامور على ابنائهم المشاكل ولو بحسن نية، لا توائم العصر. لأن المواطن الآن يجد المعلومات في كل مكان في عصر السموات المفتوحة، وهذا لا يتحمل أن نجنبه المشاكل.

* في إطار هذه الشفافية .. كيف ترد على من يتهم حكومة د. نظيف بأنها حكومة رجال أعمال وأنها تعمل بالأساس لصالحهم؟

ـ هذا غير صحيح. ويجب عندما تحاسبني أن تحاسبني على الهدف. وليس على الوسيلة ووسيلتي هي تشجيع القطاع الخاص وقطاع الاعمال لكي ينشط الاقتصاد. أما هدفي النهائي فهو توفير فرص العمل، وتثبيت الاسعار، وزيادة دخول المواطنين، وأن أقدم تعليما أفضل، وخدمة أفضل. وما زالت أهدافنا التنموية لصالح المواطن بشكل عام.

* أعتقد بأن مشروع قانون الضرائب المزمع تقديمه للدورة البرلمانية القادمة قد يكون أحد أهم التغيرات في علاقة المواطن المصري بالدولة، ولكن هناك من يقف ضد اعتبار جريمة التهرب من الضرائب جريمة مخلة بالشرف. ما رأيك في هذا المسألة.. وهل التهرب جريمة مخلة بالشرف؟ .. ومن يقف ضد هذا الاتجاه؟

ـ من الممكن أن أعتبره خيانة. نحن نسعى لكي نجعل في متناول الجميع دفع الضريبة الى ان تغير من فكر الناس حول الضريبة. فهي ليست جباية تتم على دخل المواطن. وإنما تتم لكي تستطيع الدولة أن تقدم خدماتها للمواطنين ولكي تحقق لهم الأمن والاستقرار.

* هل هناك من يحاول أن يقف ضد اعتبارها جريمة مخلة بالشرف؟

ـ لم أسمع هذا، والقانون سيناقش في البرلمان، وسيكون هناك الرأي والرأي الآخر. ولكني أتصور أن هناك دولا كثيرة تعتبر أن هذه الجريمة مخلة بالشرف. وأعتقد بأننا يجب أن نغير من نظرة المجتمع للمتهرب من الضرائب.

* كم بلغ حجم الادخارات الضريبية..وهل هو 21 مليارا أم أكثر؟

ـ هذا هو الرقم الذي عليه خلاف، بمعنى انه الرقم الذي تطالب به الدولة الممولين. والممولون يقولون إنه أقل .

* هل يمكن وصف محاولات الحكومة من خلال مجموعة المشروعات الاخيرة مثل التخفيف الجمركي والضرائب والاراضي الزراعية، بأن هناك محاولة لفض الاشتباك بين الدولة وافراد المجتمع؟

ـ نستطيع أن تقول إنه محاولة لايجاد مناخ إيجابي، للتصالح، لبناء الثقة وهذا أحد أهدافنا الرئيسية التي نسعى اليها.

* ألا تعتقد أن رفع أسعار السولار وبعض الخفض الجمركي كان شكلا من أشكال هز الثقة مبكرا بين الدولة وبين المواطن؟

ـ بالعكس، أعتقد بأن رفع أسعار السولار جعل الناس يحترمون الحكومة لاننا لم نرفعه في السر. وأعلنا عن الرفع قبل تنفيذه. وفي نفس الوقت بررنا لماذا رفعنا السعر ودرسنا جيدا تأثير رفع السعر على الاسعار عموما، حتى لا يستغل البعض هذا الرفع بشكل غير موضوعي. وبالتالي فأنا أرى أن الناس تقبلت هذا القرار. والسولار بعد ارتفاعه ما زال أرخص سعر موجود له في العالم في مصر.

* ألا تعتقد بأن قرار الخفض الجمركي الذي أعقبه رفع السولار، أعطى انطباعا بأن ما تعطيه الحكومة باليمين تأخذه باليسار ؟

ـ لم يكن هذا هو المقصود. وإنما كنا ننظر لكل موضوع بمميزاته وعيوبه وكانت عندنا قضية أن السولار سعره منخفض جدا. وبالتالي فالدعم يزداد عليه بشكل كبير. ولو درست الأمر بالارقام، فستجد أن دخلنا من منتجات البترول كان منذ 10 سنوات 11 مليارا، ومقدار الدعم فيه لا يتعدى الـ 800 مليون. أما اليوم فدخلنا من المنتجات البترولية حوالي 24 مليارا، والدعم فيها حوالي 20 مليارا. وهذه النقود نستخدمها كمورد اساسي للدولة مع قناة السويس والضرائب من أجل ان نخفف المصروفات.

* الدكتور عاطف عبيد كان من اكثر المدركين لطبيعة مشاكل المجتمع المصري وكانت عنده رؤية واضحة .. ولكن من وجهة نظري الخاصة كانت لديه مشكلة في التواصل مع الناس .. هل وصلتم الى نغمة مشتركة بينكم وبين رجل الشارع؟ ـ أعتقد بأن الوقت ما زال مبكرا للاجابة على هذا السؤال. لكنى اتصور ان ما نتبعه هو المصارحة الكاملة بالمشكلات والبدائل، لان اسهل شيء هو نقد القرارات. ولكن عندما نطرح البدائل فهذا سيسهل الامر. وليس من ضمن هذه البدائل الا افعل شيئا. لا نملك رفاهية الانتظار.

* إحدى السياسات التي كانت متبعة في مصر في احدى المراحل الا بتعدي عجز الموازنة حوالي 1 أو 2% من ناتج الاجمالي العام، ومن عدة سنوات تغيرت هذه السياسة وتم فتح الباب لعجز الموازنة على أمل ان يتم اعادة حركة السوق، ووصل عجز الموازنة الآن الى حوالي 52 مليارا، وهو ما يوازي 10% من الاجمالي العام .. هل هناك رؤية لديكم لحل عجز الموازنة؟

ـ هذا موضوع مهم، لكن يجب الا يعيقنا هذا عن خططنا للتطوير في المرحلة القادمة، لان كل دول العالم تمر بمراحل للتطوير. ونحن ما زلنا في المرحلة التي تستدعي ضرورة الانفاق حتى نحقق المناخ المطلوب. وفي تخيلنا أن ما سيؤدي الى تغطية هذا العجز هو نمو الاقتصاد لأن الموازنة لا توجد فيها حرية حركة كبيرة، في جانبي الانفاق والايرادات. فالاجور مثلا حوالي 36 مليارا لا يمكننا ان نقترب منها . والمعاشات نفس الشيء وتكون مع الاجور 50 مليارا، أي ثلث الموازنة. ولا نستطيع الا ندفع اقساط فوائد الدين وهي 25 مليارا. وهناك 20 مليارا تذهب للصحة والتعليم. وما يتم فعلا من انفاق يصعب جدا الترشيد فيه.

* اذن ما هو الحل؟

ـ الحل أن نزيد الإيرادات. وهي تأتي من الضرائب بأنواعها، ضريبة دخل، ضريبة مبيعات، ضريبة عقارية، جمارك، ثم ايرادات قناة السويس، وتحويلات من الخارج، ومنح وقروض. فالعملية مطروحة وتناقش. وبعض الذين يطالبون بأن نقلل من عجز الموازنة هم الذين يطالبون بأن نزيد من الانفاق. فالموضوع واضح تماما. السيطرة على العجز مطلوبة، لكن لا نتصور أن هذا العجز سيختفي في يوم وليلة.

* يعتقد البعض بأنك لا تؤمن بمفهوم هيمنة الدولة، وفكرة التخطيط وانه اذا استمرت حكومتك فانك قد تستغني عما يسمى بوزارة التخطيط. ما صحة هذا؟

ـ يجب أن نفرق أولا بين الآليات وبين السياسات، كسياسة عامة. أنا أؤمن بالتخطيط تماما لانني مهندس. ولكن التخطيط المركزي بمعناه القائم حاليا يحتاج إلى إعادة مراجعة بلا شك. وهناك مجالات لا يمكن أن يستثمر فيها القطاع الخاص. وهذا معناه أن وجود محفظة استثمارية للحكومة قائم وسيستمر معنا لفترة طويلة. والمسؤول عن هذا الآن وزارة التخطيط.

* منذ بدأت وزارة الدكتور نظيف وهي توصف بأنها وزارة العمر القصير، وانها وزارة الـ 14 شهرا والانتقالية، هل انت تعتبرها انتقالية، أم وزارة فكر جديد لمرحلة جديدة؟

ـ أتمنى أن ينظر لها على أنها وزارة في مرحلة جديدة. وإذا قدر لها أن تستمر فهذا خير. أما إذا لم يقدر لها فأتمنى أن تكون قد وضعت على الأقل منهجا للعمل يستشهد به من يخلفها.

* أنتم من مواليد يوليو (تموز) 1952 وهو عام الثورة. وهناك جدل كبير يدور حول نتائج الثورة الاجتماعية والسياسية فيما يتعلق بمجانية التعليم والدعم والاصلاح الزراعي .. أين أنت من هذا الجدل ... وهل تعتقد بأن ثورة يوليو مستمرة في الحياة السياسية والاجتماعية .. أم أن لك وجهة نظر مغايرة؟

ـ ثورة يوليو جاءت بالكثير من المعاني التي ستستمر معنا. وأؤمن أيضا بالتجربة والخطأ. فمن الممكن أن يكون بعض ما تم في مرحلة الثورة لا يناسب الوضع الحالي. ومن الممكن أن يكون بعض ما تم يحتاج إلى تعديل. لكن التعديل من خلال التعديل والاضافة. وليس المسح والمحو. ولا أتصور أن العالم بطبيعته يرجع إلى الخلف. بل يجب أن تنظر إلى المستقبل. والوضع الذي وصلنا اليه اليوم جاء نتيجة تعب وعرق وجهد أناس مخلصين يجب أن نحترمهم ونقدرهم. لكن في نفس الوقت يجب أن نبني على ما فعلوه. وأن نصلح أخطاءهم.

* كيف ترى علاقتك بالمعارضة؟

ـ لم تتحدد بعد.

* على من يقع العبء في عدم التحديد،. على المعارضة أم عليكم؟

ـ لا أعتقد بأن هناك عبئا. ولكن الفترة كانت أقصر من أن يتم هذا لظروف المرحلة الماضية. والحوار ما زال عبر صفحات الجرائد. ولم أشرف بزيارة من أي من رؤساء المعارضة ولم يطلب منهم أحد مقابلتي.

* هل وجهت لهم الدعوة؟

ـ لم اوجه لهم الدعوة، لكنها مفتوحة.

* مرتب رئيس وزراء مصر القانوني 500 جنيه شهريا تقريبا ... هل تعتقد بأن هذا المبلغ في مصر مسألة مقبولة ... لماذا لا توضع هذه المسألة في أجندة الحكومة خاصة وأن الرأي العام يقبل أن يكون مرتب الوزير مثلا 25 ألف جنيه وبوش معروف مرتبه وبلير معروف.. وكلها مرتبات مجزية وكافية .. لماذا لا يأخذ المسؤول العام ما يستحقه؟

ـ هذه المشكلة لا تنطبق فقط على الوزراء ، بل على كل القيادات التي تعمل في القطاع الحكومي. وواجهت هذه المشكلة حينما حاولت أن أدخل كفاءات جيدة داخل الحكومة من القطاع الخاص. فلم يكن معقولا أن يأتي شخص يأخذ 200 ألف جنيه في العام في القطاع الخاص لكي يأخذ ألف جنيه في الشهر في الحكومة. إذن حكمنا على من يعمل في الحكومة طوال الوقت ان يكون مضحيا، ويجب ان نتعامل مع من هو في حكم مدير عام، والاعلى من ذلك، وهؤلاء عددهم في الحكومة المصرية حوالي 3000 من الـ 5.5 مليون العاملين. وهؤلاء يجب الا يعاملوا كموظفين في الحكومة، لانهم خبرات ويجب ان ننظر اليهم نظرة مختلفة، وان يكون لهم هيكل وجود مختلف. في نفس الوقت تختلف طريقة الثواب والعقاب، لانهم ليسوا موظفين. نحن في حاجة لنظرة موضوعية شاملة للقيادات الحكومية وأن يصدر لهم تشريع مختلف يبعدهم تماما عن السلك الحكومي لنستطيع أن نجلب الكفاءات العالية.

* الدكتور محمد إبراهيم سليمان، أحد أكثر الوزراء الذين أثيرت ضدهم حملة ضخمة وطرحت ضده العديد من الاتهامات .. ألا تملك الحكومة القدرة على فتح تحقيق لمصارحة الرأي العام؟

ـ وهل هذا هو العدل؟ لمجرد طرح الاتهامات.العدل يقول إنه عندما أوجه اتهاما، احقق في الاتهام، ثم اصدر حكما. إنما طرح اتهام، لا يعني شيئا. ولم يصلني من اي جهة تحقيق، سواء كنا نتكلم عن جهات ادارية داخل الدولة أو جهات قضائية، لم تصلني أي شكوى ضد وزير الاسكان، ففيم احقق اذن؟ وقد اصدرنا بيانا عن رئيس الوزراء. والقضية في النهاية قد تكون حول العلاقة بين الوزير والصحافة. انما لا يوجد ما يوجب على اتخاذه سوى النصيحة وقد تمت.

* هل اغلقت مصر الملف النووي الخاص بها بعد مشروع الضبعة بعدما أثير حول تحويله إلى منتجع سياحي؟

ـ لم تغلق مصر الملف النووي. ولدينا هيئة للطاقة الذرية بها مجموعة من العلماء. وهناك برنامج مصري في هذا المجال يخضع لخطة موضوعية تشرف عليها وزارة الكهرباء. وفي نفس الوقت مصر لديها التزامات دولية في هذا المجال تحافظ عليها. وهناك سياسة مصرية معلنة لاستخدام الطاقة الذرية. ولا يوجد مبرر لهذا. وما حدث هو محاولة استغلال لموقع معين كان وما زال حتى هذه اللحظة مخصصا لإنشاء محطة الضبعة. ولم تنشأ هذه المحطة. وليس في خطة الدولة انشاؤها في المرحلة الحالية.

* لم تنشأ المحطة إذن؟

ـ لم تنشأ. والمعلومات التي تقول إن المحطة صرف عليها مئات الملايين تحتاج الى مراجعة. لا، وعموما نحن ندرس البدائل. هل هذا هو الاستخدام الامثل للموقع أم ان هناك شيئا افضل.

* ألم يتم الحسم بعد؟

ـ نعم . لم يتم. ونحن نتبع سياسة الشفافية التامة. وسوف نعلن كل شيء. ولكن عندما زار وزير السياحة الموقع قالوا انه سيحولها لمنطقة سياحية، نحن لم نزل ندرس البدائل .