مؤلف الكتاب الذي تعلق به الرئيس بوش : نستطيع تفكيك السور خلال 48 ساعة

ناثان شارانسكي : رغم كل التعقيدات .. الديمقراطية تساعد على إيجاد حل للقدس

TT

عندما وضع ناثان شارانسكي كتابه: «قضية الديمقراطية ـ قوة الحرية في التغلب على الطغيان والارهاب»، لم يكن يخطر في باله ان يكون اكثر المعجبين بالكتاب هو الرئيس الاميركي جورج دبليو بوش، الذي طلب مقابلته.

بعدها، ومع بدء فترة رئاسته الثانية، وعبر الخطب التي القاها الرئيس الاميركي، ركز على كلمتين اساسيتين: الحرية والديمقراطية، وحمل هذا الطرح معه من الولايات المتحدة الى قمته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اخيرا.

في زمن الاتحاد السوفياتي، تدخلت واشنطن وتحركت لاطلاق سراح شارانسكي، وما زالت صورة مبادلته مع جواسيس سوفيات ماثلة، اذ اعتبرت تلك الخطوة بداية انتصار الغرب على ديكتاتورية الاتحاد السوفياتي.

لكن شارانسكي الوزير حاليا في حكومة ارييل شارون، لم يدافع عن الحق الفلسطيني بجدية بل عمل على تسهيل هجرة اليهود من الاتحاد السوفياتي الى فلسطين. هو الآن، يطرح نفسه بانه يدعو الى حرية كل شعوب العالم، ويقف ضد خطة الانسحاب الاسرائيلي من غزة، يشترط كما يقول اعتماد القيادة الفلسطينية اصلاحات ديمقراطية جذرية قبل ان ينال الفلسطينيون حقهم في دولة مستقلة! وفي حين ان اسهمه ترتفع اميركيا، لا سيما ان الرئيس بوش ينصح الجميع بقراءة كتابه، فانها تهبط اسرائيليا، ويمكن ان يكون وصل الى نهاية عمله السياسي.

منذ صدور كتابه، تحدث لتسويقه في كبرى الجامعات الاميركية، وظهر على محطات التلفزيون الاميركية، وكانت حجته ضعيفة في رفضه الاعتراف بأن الاحتلال الاسرائيلي للاراضي الفلسطينية هو السبب الاساسي لكل مشاكل الشرق الاوسط والعالم، طرحه للحرية والديمقراطية كي ينجح يحتاج الى عالم خال من مشاكل، عالم تسوده العدالة.

وكان أخيرا في جولة اوروبية، وفي لندن طلب لقاء صحافيين عرب، حيث خفف من طروحات متشنجة، وابرز اهمية الحرية والديمقراطية، لا خلاف عليها. وكان لـ«الشرق الأوسط» لقاء منفرد معه، كشف خلاله اتصالاته مع القيادة الفلسطينية زمن ياسر عرفات، واكد ان الهدف يجب ان يكون اقامة دولة فلسطينية معترفا بان السور «بشع ويمكن ازالته بأسرع وقت» وهنا نص الحوار:

* هناك اعتقاد بدأ يسود بأن عملية التغيير في العالم العربي انطلقت فعلا بسبب الغزو الاميركي للعراق واجراء الانتخابات هناك، ماذا تقول؟

ـ اعتقد ان عملية التغيير قائمة طوال الوقت، وعندما يعيش الناس في ظل ديكتاتورية فان عدد الناس المفكرين يتضاعف، وعدد غير المتفقين مع النظام والمستعدين للتحرك باتجاه مجتمع حر بعيدا عن مجتمع الخوف يتضاعف ايضا، وهذه العملية تسارعت مؤخرا كون الانتخابات في العراق كانت رسالة قوية جدا، ويكفي الشعوب في العالم العربي، ملاحظة خطب الرئيس جورج دبليو بوش الموجهة مباشرة نحو المنشقين في بقاع مختلفة من العالم، التي اعتقد انه كان لها تأثير لافت، اذ نرى ما يجري الآن في لبنان، وما حصل في الايام الاخيرة في مصر، هذه كلها علامات تغيير جديرة بالمتابعة.

وتجدر الاشارة، الى ان مجرد قبول العالم في السابق باحتلال سوريا للبنان، هو واحد من الامثلة المتعددة عن سياسة «غض النظر او تجنب الصراع»، التي هي للاسف الخيار الاول للديمقراطية، اذ يعتقد ان اعتماد هذه السياسة هي اقل تعقيدا من محاولة اثارة غضب الديكتاتوريين. لقد كان لبنان واحدا من الدول القليلة الذي عاش ديمقراطية صحية، لكن الامور تعقدت بسبب القضية الفلسطينية ومنظمة التحرير واسرائيل والصراع العربي ـ الاسرائيلي، وآخر ضربة تلقتها الديمقراطية في لبنان كانت عبر الاحتلال السوري، ومن المؤسف ان الوضع احتاج الى وقوع حدث مأساوي بهذا الحجم (مقتل الرئيس رفيق الحريري)، كي تعود القضية اللبنانية الى الطاولة الدولية.

ان الديكتاتوريات في مثل هذا الوضع تحتاج الى بذل كل طاقاتها للابقاء على شعوبها تحت سيطرتها، وبالتالي على العالم الحر ان يكون حازما جدا. واليوم فان الوضع الدولي يسمح للولايات المتحدة بان تقنع كل دول العالم بما فيها الاتحاد الاوروبي وروسيا للتعاون حول هذه المسألة، فتجبر سوريا على الانسحاب من لبنان.

* لماذا رفضت خطة رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون بالفصل. كيف يمكنك ان تؤمن بالحرية في وقت هناك احتلال؟

ـ انا اؤمن بالحرية، واؤمن بأنه من حق الفلسطينيين التمتع بكافة حقوق الشعوب، وحقوق العيش باستثناء حق تدميري كاسرائيل. لهذا، فان دولة فلسطينية ديمقراطية هي بنظري الضمان الوحيد للاستقرار والسلام. لكن وبسبب كل هذا، فان موقفي طوال السنوات التسع عشرة التي عشت فيها في اسرائيل كان ينطلق من ان عمق تنازلاتنا يجب ان يتساوى مع عمق الاصلاحات الديمقراطية في المؤسسات الفلسطينية، لقد قلت لرئيس الوزراء شارون قبل شهر، عندما طُرحت الخطة على التصويت، انه اذا كانت خطط انسحابنا مرتبطة كلها بمسألة الاصلاحات الديمقراطية، كاقامة مساكن محترمة ولائقة للفلسطينيين ونشاط اقتصادي، وانهاء التحريض، فأنني اكون الاول الذي يدعمها، لكنني لا احبذ فكرة ان يقدم طرف تنازلات بسبب الضغوط، لان هذه الطريقة وهذا النوع من التنازلات يشجع على استمرار الاخطاء. لهذا منذ البداية، ارى ان فكرة الفصل وفكرة تجاهل اوضاع الطرف الآخر او ردود فعله، تأتي نتيجة اليأس المحقّ.

منذ عدة سنوات ونحن نبحث عن شريك (فلسطيني) ولم نحصل على شريك، بل على زيادة في الارهاب والعمليات الانتحارية، وصرنا نفكر بايجاد خطوة احادية تعتمد علينا، علها تحسّن الوضع، وانا لا اعتقد انها ستحسن الوضع، بل ان نفس الخطوات التي سنقبل عليها اذا ربطناها بالاصلاحات الديمقراطية، يمكنها ان تأتي بنتائج افضل.

* ان الرئيس بوش يؤيد خطة الفصل هذه، فهل عجزت عن اقناعه بعدم دعمها رغم انك نجحت سابقا في اقناعه (عبر نائبه ديك تشيني) بعدم اعطاء ياسر عرفات فرصة اخيرة؟

ـ لقد دعاني الرئيس بوش لمناقشة كتابي، وكوني وزيرا في الحكومة، لم ارغب في اظهار عدم اتفاقنا خلال مناقشات الحكومة.. قرأ الكتاب، وعرف موقفي تجاه خطة الفصل، ثم سألني السؤال نفسه، حيث قال انه معجب ويكن احتراما عميقا لشارون، فأجبته وانا كذلك معجب به واحترمه، ثم سألني الرئيس بوش: لماذا اذن انت ضد خطة الفصل، فأعطيته الاسباب التي ذكرتها لك، فقال لي: انه يتفهم طرحي، ولم يقل انه يتفق معي، بل يتفهم منطقي.

* تذكر جيدا، عندما عاد عرفات الى قطاع غزة، سأله الاميركيون والاوروبيون واسرائيل بانشاء اجهزة امنية للسيطرة على الشعب الفلسطيني؟

ـ اظن انها كانت اكبر خطأ، كانت خيانة من قبل العالم الحر لمبدأ الديمقراطية. من السهل قول هذا الآن، لكن اعيدك الى عام 1993 وبعد اسبوعين او ثلاثة اسابيع على توقيع الاتفاقية بين اسرائيل والفلسطينيين، كتبت مقالا شديد اللهجة، وقلت انه لخطأ كبير سنرتكبه اذا سمحنا لعرفات بأن يقرر لنا، تذكرين ان رئيس وزراء اسرائيل آنذاك قال، انه من دون محكمة عليا ومنظمات حقوق الانسان، واصوات الليبراليين، يستطيع عرفات ان يقاتل ارهاب حماس، افضل مما يستطيع الليكود. عندها عام 1993 كتبت، ان هذا من اكبر اخطائنا، بان نفعل كل شيء لتقديم الشكر لشخص ننسى انه ديكتاتور!، ثم انه كديكتاتور سيحتاج الينا كأعداء، سيثير الكراهية ضدنا، وكتبت ان علينا كاسرائيليين ان ندفع كي تكون لدى الفلسطينيين محكمة عليا ومنظمات لحقوق الانسان وصحافة حرة.. كان ذلك موقفي، وآسف ان العالم الحر لجأ الى ذلك الخيار، ليضمن الاستقرار فقوّى الديكتاتور، امل اليوم ان لا نكرر تلك الاخطاء.

* بعض الناس، خصوصا في العالم العربي ينظرون اليك على انك تؤيد الحرية لانك ضد العرب والعالم الاسلامي؟

ـ ارد على ذلك بنقطتين، كانت لدي القيم نفسها والمثل ذاتها عندما كنت اقاتل ضد الاتحاد السوفياتي وديكتاتوريته، ولم يكن لقيمي ومثلي أي علاقة بالعالم العربي.

ثانيا، كان عليّ ان اتجاوز انواعا اخرى من التحامل عندما سمعت من اصدقائي في الغرب ان الحرية لا تلائم الروس وليست لهم، لان لدى الروس تفكيرا مختلفا.

اليوم، وبعد مرور 19 عاما من عيشي في العالم الحر، امضي كل وقتي في محاربة نفس التحليلات عن مفهوم العرب. يقولون ان الحرية ليست للعرب لان لديهم مفاهيم مختلفة، لا توجد دول ديمقراطية لديهم، وانا ارى ان هذا الاتهام عنصري. انا اؤمن بان كل شعوب العالم تستحق وترغب في العيش بحرية، بغض النظر عن انتماءاتها الوطنية والدينية وان العرب يستحقون العيش والتمتع بالحرية، ليس اقل من الروس او اليابانيين او الالمان او اليهود او الاميركيين. واعتقد ان الذين لا يشعرون بالسعادة من الدعوة الى الحرية هم الديكتاتوريون العرب وليست الشعوب العربية.

* اقترحت ان يُقدم محمود عباس (ابو مازن) رئيس السلطة الفلسطينية على اجراء اصلاحات ديمقراطية، قبل ان يعمل على الاستقرار، وانا اتفق معك على ان الحرية اهم من الاستقرار.

ـ لانها تجلب الاستقرار.

* كيف يمكن لمحمود عباس ان يطبق اصلاحات ديمقراطية، اذا لم تكن لديه دولة؟ اين سيجري هذه الاصلاحات واين سينشئ تلك المؤسسات؟

ـ لقد رأينا ما حدث، عندما حاولنا مساعدة عرفات على ان تكون له دولة، فاكتشفنا بسرعة انه كديكتاتور، سيستعمل كل ما لديه داخل تلك الدولة، ضدنا. ونحن لا نستطيع ان نتحمل بروز دولة ارهابية على حدود تل ابيب وحيفا والقدس! لذلك، يجب ان يكون هدفنا، انه في نهاية العملية الاصلاحية سيحصل الفلسطينيون على دولة، وكي يتوفر لاسرائيل الامن فيجب ان تكون الدولة الفلسطينية ديمقراطية.

اما كيف يمكن لأبو مازن ان يحقق الاصلاحات قبل الدولة! اجيب، ان اسرائيل طوال القرن العشرين، امضت الخمسين سنة الاولى تتحرك وتنشأ سرا، قبل اعلان الدولة. لقد بنت اسرائيل مؤسسات ديمقراطية عبر الاتحادات وغيرها، ومارست العمل في مؤسسات ديمقراطية قبل الاعلان عن الدولة، ومن هذا المفهوم فان ابو مازن والقيادة الفلسطينية في وضع افضل مما كان عليه الاسرائيليون الذين كانوا يتحركون سراً، لان الفلسطينيين يستطيعون في الاراضي التي يسيطرون عليها، ان يكون لديهم نظام تثقيفي، واقتصاد، وفي الوقت نفسه يوسعون اسس الدولة، كانت مشكلة عرفات رفضه ان يبني أي شيء قبل الحصول على كل شيء. لم يكن احد يعرف أي نوع من المجتمع يريد. وانا كوزير للصناعة والتجارة خلال 1996 ـ 1999، كنت افاوض السلطة الفلسطينية في كيفية اقامة مشاريع مشتركة، وكيفية توفير فرص عمل اكثر وافضل للفلسطينيين، غير ان عرفات لم يكن مهتما اطلاقا.

* انت فاوضت مع القيادة الفلسطينية لاقامة مشاريع مشتركة؟

ـ بالطبع، لقد اعطيت عدة افكار، بينها المنطقة الصناعية التي اقيمت عندما كنت وزيرا للصناعة والتجارة، بذلت جهدا كبيرا ومحاولات لتوفير عشرات الآلاف من فرص العمل للفلسطينيين، وكل ما كان يهم عرفات، ان يحصل عبر البحث في كيفية اقامة المشاريع، على السيطرة السياسية الاوسع. هذا كل ما كان يهمه، كان يربط أي مشروع اقتصادي بشروطه السياسية، وعندما اقترحت مشاريع مشتركة، مثل المنطقة الصناعية المشتركة حيث نتقاسم الضرائب ايضا، شعر بان قطاع الصناعة الفلسطينية سيصبح مستقلا عنه، لم يهتم. لذلك هناك فرص كثيرة امام القيادة الفلسطينية الجديدة للبدء باقامة اقتصاد متحرر اكثر، وبناء منازل افضل للفلسطينيين الذين يعيشون منذ عقود في المخيمات.

* لكنكم تمارسون سياسة جرف البيوت؟

ـ سنأتي على ذكر هذه السياسة التي دفعت اليها ثقافة الكراهية لدى الطرف الآخر، هذه الثقافة التي تنتشر في المدارس وعبر المحطات التلفزيونية يجب ان تتوقف، لترى القيادة الفلسطينية ان هناك الكثير مما يمكن عمله لتحسين ظروف معيشة الشعب الفلسطيني، وبهذا، فان عملية بناء الدولة الفلسطينية لن تتزعزع، قد تكون بطيئة، لانه لا يمكن الحصول على كل شيء منذ البداية، نريد ان نتأكد انه لن تقوم دولة ارهابية، عندها لن تتوقف فقط سياسة جرف البيوت، ستزول ايضا نقاط التفتيش المنتشرة، هذه كلها من تحديات الحرب، اننا نعيش حرباً ضد الارهاب، وافضل طريق لوقف كل هذه السلبيات، ولازالة السور مثلا.

* يمكن ازالة السور؟

ـ بكل تأكيد، اذا بدأت القيادة الفلسطينية الجديدة التعاون في مكافحة الارهاب. اما السور فيمكن ازالته. اتكلم معك الآن وانا الوزير المسؤول عن مدينة القدس. وهذا السور حول القدس بشع جداً. ان القدس مدينة جميلة جدا. ولا احد يرغب في السور، والمكان الذي اقيم فوقه السور، كان ممرا لحوالي 17 انتحاريا عبروه وقتلوا العديد من الناس، وبسبب السور لم يعد احد قادرا على العبور. اؤكد ان هذا السور يمكن تفكيكه خلال 48 ساعة، لقد اقيم على هذا الاساس، أي كي يتم تفكيكه خلال يومين فقط. وكل ما نحتاجه هو ان تتعاون معنا السلطة الفلسطينية في محاربة الانتحاريين. في زمن عرفات كانت نسبة التعاون صفراً. الآن نلمح اول اشارة في احتمال وجود تعاون فلسطيني ونأمل في ان يتحقق ذلك. قد يبدو ما سأقوله، مثلا سخيفا، ومع هذا، فان اجراءات الاحتياط من الارهاب في اميركا غير مريحة، ففي احد المطارات طلب مني ثلاث مرات ان اخلع حذائي، ومرة ضاعت عليّ الرحلة وقالت لي ابنتي، ابلغهم من انت، ولم ارد ان اقول لهم من انا لثقتي بان هذا لن يساعد، ثم انني كنت اعرف انهم يقومون بمهمتهم. وقع المهمة عليّ لم يكن مريحا، لكن عندما ينتهي خطر الارهاب سيتوقفون، نحن في اسرائيل نتخذ اجراءات اكثر دراماتيكية، وصفوف الانتظار طويلة جدا امام نقاط التفتيش، والعيش من دون نقاط التفتيش هذه اكثر راحة لنا وللفلسطينيين، انما هي تحديات حالة الحرب، وكلما صارت الحرب وراءنا، تراجعت الاجراءات او ارى حظوظا في هذا الاتجاه.

* تساوم كثيرا على الحرية التي تدعو اليها، وتقول انها تحديدات الحرب، وتطرح تحديد حرية الشعوب «بسبب الحرب»؟! ـ في زمن الحرب، يكون اول تحد للحكومات الديمقراطية هو الحفاظ على حياة الناس، وهذا ما ينتظره المواطن من حكومته، بان تفعل كل شيء لتبقي على حياته، خصوصا عندما يتخوف الناس من السماح لاولادهم بالذهاب الى المقاهي خوفا من القتل. على كل، وفي هذه المرحلة، فان الديمقراطية عليها ان تتفحص نفسها طوال الوقت وعما اذا كانت اجراءاتها مبررة، مثلا في اسرائيل، على القاضي ان يراجع الحالات كل ستة اشهر، وبعضها كل ثلاثة اشهر وكل مرة يجب ان تتقلص الفترة الزمنية. ان الاميركيين اقروا قانون الوطنية، وهو تحد كبير للديمقراطية. مثلا في الحرب العالمية الثانية اتخذ الاميركيون قرارا باعتقال كل الاميركيين من اصل ياباني ونقلهم، لكن اليوم، لا يمكن للاميركيين ان يعتمدوا مثل تلك السياسة، لان الديمقراطية لا تسمح بذلك، وهم اخطأوا باعتقال الناس في خليج غوانتانامو، هذا لا يمكن ان يحصل في اسرائيل، لا يمكن ان تبقى المحكمة العليا مدة ستة اشهر من دون تدخل في حالة المعتقلين، واحيانا تتدخل المحكمة العليا في العمليات العسكرية خلال 24 ساعة. ومن دون شك ان كل هذه التحديدات مزعجة، والفرق بين الديمقراطية والديكتاتورية ان هذه الاجراءات استثنائية في الديمقراطية، بسبب حالة الحرب.

اما بالنسبة الى مساومة الديكتاتوريين فأنا لم اطرحها، بل قلت انه حتى في حالات الحرب وعندما نحتاج الى موقف من قبل ديكتاتور يجب علينا ان نحاربه في الوقت نفسه.. مثلا ساوم الغرب ستالين في الحرب العالمية الثانية وهو خدعهم لاحقا، ثم خدع هتلر ستالين، وفجأة وجد الغرب نفسه مضطرا للوقوف الى جانب ستالين ضد هتلر. ولم يكن الغرب قادرا عام 1943 على القول لستالين اننا لا نريدك لانك غير ديمقراطي.. لكن المشكلة، ان الغرب لم يقل أي شيء لستالين لا عام 1933 (قبل الحرب) ولا عام 1953 (بعد الحرب) ولم يقل الغرب أي شيء لبريجنيف عام 1963 او عام 1973، لكن عندما جاء السناتور هنري جاكسون عام 1974 بدأ الغرب يتغير.

لذلك على الغرب، اذا كان يفاوض مع ديكتاتور على خطة لمدة عشر سنوات، ان يربط كل شيء بمسألة حقوق الانسان. اما اذا كان يفاوض لمرحلة قصيرة، لشهر مثلا، لحاجته الى قاعدة جوية، يمكنه عندها ان يسير حسب تحديدات الحرب. لكن هذا التعاون للديكتاتور مع الغرب، لا يبرر سياسته قبل التعاون او يبررها عندما تنتهي مرحلة ذلك التعاون.

* هل تعتقد بان الاميركيين ارتكبوا خطأ كبيرا عندما دعموا اسامة بن لادن ماليا وعسكريا؟

ـ بكل تأكيد، ولا شك في ذلك، لقد قال الرئيس لندن جونسون مرة: «اولاد كلبنا»، وذلك في اشارة الى من يخدمون المصالح الاميركية أيا تكن هويتهم، وهذا التوجه خطير جدا لان الديكتاتوريين يستعملونه طوال الوقت فهذا ما يتطلعون اليه في نظرتهم الى الشراكة لكن الديمقراطية احيانا تحاول توفير الاستقرار في العالم عبر ايجاد «اولاد كلبنا». وهذا امر مرير.

* اذا انتشرت الحرية والديمقراطية وصارتا طريقة حياة في المنطقة، فهل تعتقد بان العرب واليهود يمكن ان يجدوا حلا لقضية القدس؟

ـ ان الصراع العربي ـ الاسرائيلي ليس حول الديمقراطية، انه اعمق، لكن سبب عدم ايجاد حل حتى الآن يعود الى عدم توفر الديمقراطية، لانه يمكننا ان نرى في كل العالم، عندما تتفاوض ديمقراطيتان حول اكثر المشاكل تعقيدا، فانهما تختاران اكثر الحلول المؤلمة للتوصل الى تسوية، وتتجنبان الحرب، اذ طالما ان قادة الطرفين يعتمدون على ارادة الرأي العام لديهم، فان آخر ما يريدون جلبه لشعوبهم هو الحرب. لهذا يسعون الى ايجاد تسوية ولو مؤلمة، ما يجري الآن، وكون اسرائيل ديمقراطية، فانها الدولة الوحيدة التي تتحدث عن التسوية او القادرة على التوصل الى تسوية، لم يكن في استطاعة عرفات التوصل الى تسوية.

لهذا، نعم، اعتقد انه يمكن التوصل، رغم كل تعقيدات المسائل، وليست فقط القدس، وحق العودة، الى حلول. اذا كنا نتعامل مع قيادة فلسطينية ديمقراطية، عندها سيكون الطرفان جاهزين لتقديم تنازلات، والطرفان مستعدان لايجاد معادلة تتيح للشعبين الفلسطيني والاسرائيلي العيش بسلام لعدة سنوات، على الاقل، من اجل ان تتم اعادة انتخاب مسؤولي الطرفين، اذ ستكون هناك فلسفة مختلفة تماما. نعم اثق بامكانية ايجاد حلول لكل المسائل.