رئيس مجلس النواب المغربي : أفضل أن يبقى «الاشتراكي» في الحكومة وتتناقص شعبيته على خلق أزمة

الراضي لـ«الشرق الأوسط»: نحن في الحزب متحدون وسنذهب للمؤتمر السابع من دون مشاكل

TT

قال عبد الواحد الراضي، رئيس مجلس النواب المغربي، ان المواطن الذي لا يحترم القانون لا يساهم في الانتقال الديمقراطي، مشيرا الى ان طول مدة هذا الانتقال او قصرها مرتبطان بالمواطنين ولا علاقة لهما بهذا الحزب او ذاك، مشددا على ان الانتقال الديمقراطي لا بداية او نهاية له . وقال الراضي، الذي أعيد انتخابه أخيرا رئيسا للغرفة التشريعية الاولى في البرلمان، في حديث خص به «الشرق الأوسط»، في العاصمة المغربية ان التجمع الوطني للأحرار (غالبية حكومية) الذي صوت نوابه لصالحه، كان دائما وفيا للالتزامات. بينما عزا تصويت نواب حزب الاتحاد الدستوري والحزب الوطني الديمقراطي (معارضة) لصالحه الى كونهما يعارضان الحكومة وليس رئاسة مجلس النواب. وقال الراضي «انهما كانا دائما حاضرين في مكتب المجلس، وتابعا عن كثب كيف كنا نتعامل ونسير مجلس النواب، والقرارات التي كنا نتخذها في المكتب كانت تتم بالاجماع، ولم نلجأ الى التصويت طيلة اكثر من سبع سنوات، وبالتالي فإنهما أعطيا لمفهوم المعارضة معناه الحقيقي».

* في الولاية الأولى فزت بما يعادل الثلثين أو أكثر من الأصوات، فما الذي حدث في هذه الدورة، علما أن المشهد السياسي وكذا الحزبي في المغرب لم يتغير كثيرا، بل حتى الحكومة لم تتغير. فما هو المعطى الذي سبب عملية التصويت التي يمكن وصفها بالاستثنائية، بل هناك من يقول انها مظهر من مظاهر غياب المنطق اذ لا توجد غالبية خصوصا أن المعارضة لعبت دورها المعقول بكيفية من الكيفيات؟ ـ أظن أن سؤالكم يحمل في ثناياه، بكيفية معينة، جوابا، لأنه في الفترة السابقة كنت المرشح الوحيد للغالبية، ولهذا كانت نسبة الأصوات التي حصلت عليها مرتفعة، أما هذه المرة فلم يكن هناك مرشح واحد للغالبية، وبالتالي لا يمكن لمرشح واحد أن يحصد جميع الأصوات مثل الفترة السابقة. والشيء الجديد هنا هو أن الاخوان في حزب الاستقلال، قرروا تقديم مرشح لهم، والقطب الحركي لم يقل في البداية انه سيقدم مرشحا لكنه اوضح انه اذا اصر حزب الاستقلال على تقديم مرشح، فإنه سيقوم ايضا بعمل مماثل في الدور الأول، وسينسحب في الدور الثاني. وهذا ما حصل فعلا، بحيث أن ما أعطى التصويت هذا الطابع هو قرار حزب الاستقلال أن يكون له مرشح.

* هل فشلت جميع محاولات إقناع «الاستقلال» بعدم تقديم مرشح لرئاسة المجلس؟

ـ طبعاً، كانت هناك محاولات، وشخصيا التقيت، أمينه العام، عباس الفاسي، كما التقته مجموعة من الشخصيات في حزب الاتحاد الاشتراكي، وعقد الحزبان عدة اجتماعات، لكن كل ذلك لم يعط أكله.

* هل قدموا لكم بدائل معقولة؟

ـ لا توجد بدائل لأننا لسنا بصدد البيع والشراء، فنحن ليس لدينا ما نعطيه. وفي النهاية اعتبرنا أن حصيلتنا كانت ايجابية على مستوى التسيير الداخلي أو الدبلوماسية البرلمانية، ونملك برنامج عمل للفترة التشريعية لمدة خمس سنوات، نرغب في أن نكمله خصوصا أننا فتحنا مجموعة من الأوراش، وهذه هي حججنا التي قدمناها أثناء الترشيح.

* لاحظنا قبل انتخاب رئيس مجلس النواب، مجموعة من المبادرات التنسيقية بين حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بخصوص عدة ملفات مثل قانون الأحزاب، والكلام الطيب عن الكتلة الديمقراطية، وأنها ما زالت قائمة، وفي الأخير ظهر هذا المسمار في علاقة الحزبين؟

ـ لا يمكن للانسان ان يجد تفسيرا لما وقع الا من داخل حزب الاستقلال، ومن خارجه لا يمكننا معرفة الأسباب الحقيقية لذلك. بيد ان ما سمعناه هو أنه لم يكن هناك إجماع داخل حزب الاستقلال على تقديم مرشح، بحيث وقع التصويت، وبالتالي كان بعض الاخوان داخل اللجنة التنفيذية يفكرون مثلنا، ولكن في النهاية كان قرار الحزب هو تقديم مرشح.

* في سياق الاستحقاقات الانتخابية المقبلة عام 2007، وفي سياق ما جرى أخيرا في انتخابات رئاسة مجلس النواب، أين يتموقع حزب التجمع الوطني للاحرار من حيث أولويات الاتحاد الاشتراكي في التحالفات المقبلة، بعد تصويته لصالحكم؟

ـ طرحت علي سؤالا كان ينبغي طرحه على حزب التجمع الوطني للأحرار. ولكن ما يمكن قوله هو ان التجمع كان دائما وفيا للالتزامات، وهذه ليست أول مرة نتعامل معه، إذ نلاحظ أن له نوعا من الاستمرارية في المواقف. فالتجمع كان ضمن الغالبية التي كانت تؤازر الوزير الأول السابق عبد الرحمن اليوسفي، ولم يسبق لنا أن سمعنا ان الاخوان في التجمع، وجهوا انتقادا للحكومة أو اتخذوا أي موقف منفرد، حيث كانوا دائما يتبعون الخط المنطقي المتمثل في مؤازرة الحكومة وتأييدها، كما أن فريقهم النيابي مثالي في سلوكه ويستند الى مرجعيات واخلاق، وأبان عنها في مناسبات عديدة بالعمل والسلوك. وبالنسبة للقضايا المطروحة اليوم على المغرب مثل التحالفات ومقاييسها فأظن أنها مرتبطة بالاختيارات الأساسية المتمثلة في التشبت بالديمقراطية وحقوق الانسان ودولة القانون، واعتقد أن عددا كبيرا من الأحزاب متشبت بهذه الاختيارات وكذلك بقيم الحداثة، وقد أبان «التجمع» عن استعداده للانخراط فيها لتحديث البلاد، وكذلك الأمر بالنسبة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وهذا شيء أساسي ضمن تلك الاختيارات، اضافة الى التضامن من خلال توزيع الثروة بطريقة عادلة، وكذلك التشبت بالثوابت، وعلى رأسها وحدة تراب البلاد. وأظن أن جميع الذين يتقاسمون هذه الثوابت يمكن أن يمضوا صوب المرحلة المقبلة بنوع من الانسجام.

* على ذكر الإشارة الى موضوع الحداثة، ما هو في نظركم ونظر حزبكم، الحزب الأكثر حداثة، التجمع الوطني للأحرار أم حزب الاستقلال؟

ـ من الصعب على الإنسان أن يعطي أحكاما قيمة في هذا الموضوع، بحكم أن الحداثة هي القدرة على التكيف مع التطورات العالمية في كل الميادين الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. فالمجموعة التي اختارت الحداثة تحاول أن تساير هذه التطورات، وأن تكون دائما في الطليعة، وتجعل البلاد تستفيد من جميع الاختراعات والابتكارات، بمعنى ألا يظل الانسان متشبتا بحلول قديمة لمشاكل جديدة. فالحداثة هي البحث عن حلول مبتكرة حتى للمشاكل القديمة، بينما الانسان المحافظ يستعمل الطريقة نفسها بالنسبة للمشاكل القديمة والجديدة. ودائما يقارن بين المشاكل من أجل تقديم نفس الحل، وهذه عملية بها نوع من الكسل، وبالتالي لا يمكن للانسان أن يقول إن هذه المجموعة لها ميول أكثر للحداثة من المجموعة الأخرى، خصوصا أن مثل هذه الأمور تتعلق بأحكام قيمة ولا يمكن للانسان أن يسمح لنفسه بالشروع في إطلاق الأحكام والتصنيفات.

* هل يمكن تصور قطب «وسط اشتراكي» يضم حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ومكونات اليسار الأخرى، والتجمع الوطني للأحرار؟ أم يمكن توسيع الكتلة الديمقراطية الى درجة دمج «التجمع» داخلها؟

ـ أعتقد أنه يمكن ذلك بالشيئين معا. فإذا قمنا بتوسيع الكتلة الديمقراطية، فبالإمكان ان تضاف اليها أحزاب يسارية، وحزب التجمع الوطني للأحرار، وكل من يؤمن بالديمقراطية والحداثة ويعمل على تنمية البلاد ويختار التضامن. وأعتقد شخصيا أن هناك مجموعة من الأحزاب التي تملك هذه الاختيارات، فهذا هو الاساس وليس الجانب الايديولوجي أو النظري وحده. فاليوم لدينا مقاييس ملموسة عملية معمول بها في جميع دول العالم.

* هناك من يقول إن حزب العدالة والتنمية الاصولي المعارض تصرف بكيفية حداثية في انتخابات رئاسة المجلس، بحيث كان ممكنا لو أراد أن يسبب أزمة أو مفاجأة، فكيف تنظرون الى موقفه؟

ـ بمناسبة انتخابات رئاسة مجلس النواب التقيت جميع زعماء الأحزاب ورؤساء الفرق النيابية، وكان لي حوار معهم، لأنه حتى من باب الأدب واللياقة، ونظرا لأننا اشتغلنا سويا لمدة تزيد عن سبع سنوات، كان من الواجب علي أن أخبرهم أني سوف أترشح. في اللقاء الأول معهم أخبرني الاخوة في «العدالة والتنمية» أنهم اختاروا منذ البداية عدم الخوض في شؤون الغالبية التي لها قضاياها ومشاكلها، وبالتالي فإنهم لن يتدخلوا سلبا أو ايجابا في شؤونها. ومنذ البداية أحسست من خلال أجوبتهم عن المواضيع التي ناقشناها، أن لديهم رؤية حكيمة للأشياء تتمثل في أن الغالبية هي التي عليها حل مشاكلها. وأظن أن ترشيح نائب من «العدالة والتنمية» لرئاسة مجلس النواب، هو بمثابة رسالة لكي ندعهم وشأنهم، وأن أصواتهم ستذهب الى مرشحهم الذي اختاروه، وهذه طريقة ذكية انتهجوها من أجل الخروج من هذه المشكلة سالمين.

* هذه الرسالة كان من المفروض أن يفهمها أولا حزب الاستقلال، فلماذا لم يفهمها؟

ـ هذا السؤال يجب أن يطرح عليه.

* وماذا عن أطراف المعارضة الاخرى مثل حزب الاتحاد الدستوري والحزب الوطني الديمقراطي؟

ـ بالنسبة للاتحاد الدستوري والحزب الوطني الديمقراطي، اود ان اقول انه اذا لم تكن لدينا نفس الاختيارات السياسية فانه من الناحية الانسانية لدي أصدقاء كثر في صفوف هذين الحزبين. فالصداقات التي تعود الى عدة عقود لعبت دورها. كما انه يجب ألا ننسى أن الذي يسير مؤسسة مثل مجلس النواب من الناحية المالية والادارية هو مكتب المجلس. وهذان الحزبان كانا دائما حاضرين في المكتب، وتابعا عن كثب كيف كنا نتعامل ونسير مجلس النواب، وكونهم كانوا (المعارضة) يشاركون في التسيير فقد اظهروا رضاهم على الطريقة التي تدار بها شؤون المجلس، لأن القرارات التي كنا نتخذها في المكتب تتم بالاجماع. ولم نلجأ الى التصويت طيلة أكثر من سبع سنوات. ومن جهة أخرى فهم يعتبرون انفسهم معارضين لسياسة الحكومة، وبالتالي أعطوا لمفهوم المعارضة معناه الحقيقي، بمعنى انهم لا يعارضون رئاسة مجلس النواب أو المكتب المسير له وهم أعضاء فيه. ومنطقيا لا يمكن أن يكونوا مشاركين في التسيير وفي المعارضة في الوقت نفسه.

* المعروف أن الأسئلة الشفوية منصوص عليها في الدستور كآلية للمراقبة، لكنها ظلت دائما موضع انتقاد الصحف والرأي العام نظرا لكونها لا تشفي غليل المغاربة في الاجابة الشافية عن مجموعة من الأسئلة. فهل أنتم راضون عن الطريقة التي تدار بها الأسئلة الشفوية؟

ـ لا. لست راضيا بنسبة مائة في المائة على طريقة الأسئلة، وهذه المشكلة رقم واحد في المجلس، نظرا لعدم وجود مرونة في فصل الدستور الذي يحدد الأسئلة الشفوية، فالنائب يلقي السؤال والحكومة ترد في الوقت الذي تراه مناسبا في أجل ستة أشهر أو سنة أو سنتين، الأمر الذي دفعنا الى القيام باستدراك يلزم الحكومة بالاجابة في ظرف لا يتعدى عشرين يوما، وهذا يعتبر تقدما قياسا لما كانت عليه الأشياء في السابق. لكن نظرا للتطور الذي تعرفه الحياة السياسية في المغرب، أردنا ان نخصص اسئلة آلية، بمعنى أن حدثا يقع يوم السبت أو الأحد أو الاثنين فإن النواب والحكومة يجب عليهم مناقشته يوم الأربعاء، ولذلك ميزنا في القانون الداخلي لمجلس النواب بين السؤال العادي الذي يمكنه أن ينتظر عشرين يوما، والسؤال الآني الذي يلزم الحكومة الاجابة عليه بسرعة. لكن عندما أرسلنا هذا التعديل الى المجلس الدستوري فإن هذا الاخير رفض هذه الصيغة، وعلل ذلك بأن السؤال الآني غير منصوص عليه في الدستور، وان هناك فقط سؤالاً عادياً لذلك يجب الانتظار مدة عشرين يوما.

* هل اقتراح مجلس النواب كان مبنيا على اجتهاد دستوري أم اجتهاد سياسي؟

ـ كان مبنيا على اجتهاد سياسي، لأنه عندما يمر على السؤال عشرون يوما يفقد راهنيته. ورغم ذلك قبلت الحكومة الاجابة على الأسئلة الآنية، لكن ليس بكيفية اتوماتيكية بل هي التي تحدد الاسئلة، وشريطة قبولها الجواب عليها. ولو أننا نجحنا في وضع هذا البند في القانون الداخلي لمجلس النواب كانت الحكومة ستكون ملزمة بالجواب على السؤال الآني، ولن يبقى الأمر متعلقا بإرادتها وحدها. كما أننا نعتبر أن الحكومة مؤسسة مهمة وكبيرة وبالتالي لا يمكن مراقبتها الا بمؤسسة من حجمها. ولا أقصد هنا الأشخاص لأننا لا نريد أن يبقى الأمر متعلقا بشخص معين في مواجهة الحكومة، لانه لا يمكن أن ينتج الشيء الكثير، بل الفريق الذي يلقي السؤال، وبالتالي يضم السؤال سؤال البرلمان بأكمله. وأدرجنا هذا المقترح في القانون الداخلي، ورفضه أيضا المجلس الدستوري بدعوى أن الدستور ينص على أن للنائب الحق في طرح سؤال وبالتالي فانه لم يقل الفريق النيابي. طبعا، قمنا بهذا الاجراء من اجل تجنب الأسئلة المغرقة في المحلية التي تطرح في بعض الأحيان حتى تطرح على الحكومة أسئلة وطنية وسياسية. لكن المشكلة التي نعانيها هي قلة المرونة في النصوص التي لا تساعدنا على تحسين الأداء بكيفية ملموسة، وهذه النقطة تتكرر في كل سنة ولم نجد لها بعد حلا ملائما.

* هل هذا يعني أن النص الدستوري صارم وقطعي الى حد يمنع الاجتهاد في هذه المسألة؟

ـ الجهة التي تملك حق التأويل هي المجلس الدستوري الذي حتى الساعة لم يقبل هذا الاجتهاد الذي قمنا به. اذا فهو مانع للاجتهاد ولا يقبل أي تأويل.

* دائما في سياق حديثكم عن الرقابة البرلمانية، الملاحظ أن بعض الوزراء في الحكومة الحالية يتولون ملفات مهمة وحيوية في الدولة لكنهم لا يأتون الى البرلمان، فكيف تتعاملون مع هذه الظاهرة؟

ـ لا وجود لوزراء لا يأتون الى البرلمان، انما ربما لا يفعلون ذلك بنفس الوتيرة التي يسير عليها وزراء آخرون نظرا لطبيعة أشغالهم، لكنهم جميعا يحضرون.

* هناك نواب في حزب العدالة والتنمية الاصولي المعارض قالوا انهم سبق أن وجهوا أسئلة شفوية للوزير المنتدب في الداخلية، لكنه حتى الآن لم يجب على اسئلتهم؟

ـ بالنسبة لوزير الداخلية...

* قلت، الوزير المنتدب في الداخلية؟

ـ لا، المسألة ليست مسألة الوزير المنتدب أو وزير الداخلية، فجميع الأسئلة توجه للوزير الأول، لأن تلك هي طريقة التعامل، وهذا ما ينص عليه الدستور والقانون الداخلي لمجلس النواب. فما دام هناك تضامن حكومي فإن السؤال موجه الى الحكومة ككل في شخص الوزير الأول. وبالتالي فإن النائب لا يوجه سؤالا لوزير معين بل للحكومة برمتها التي يمكنها أن تختار الوزير الذي سيتكفل بالجواب، لكن عندما يكون السؤال متطرقا الى موضوع الفلاحة فمعلوم أن المؤهل للاجابة عنه هو وزير القطاع، واذا كان السؤال يدخل ضمن اختصاص وزارة الداخلية فإن هذه الاخيرة هي التي تختار من يجيب، هل الوزير أو الوزير المنتدب، فنحن لا نملك سلطة تجعلنا نختار الشخص الذي يتحتم عليه الإجابة عن أسئلة النواب.

* عبد الرحمن اليوسفي، الوزير الاول السابق، سن تقليدا يتمثل في قدومه الى البرلمان مرتين في بداية الدورة التشريعية، وفي منتصف الولاية، لماذا لم يقم الوزير الأول الحالي بالشيء نفسه، وهل طلب منه البرلمان أن يقوم بذلك خاصة وأن صورة البرلمان في نظر الرأي العام سلبية أكثر من البرلمان السابق؟

ـ في الحقيقة، عبر الوزير الأول عن رغبته في الحضور الى البرلمان من أجل الادلاء بتصريح أمام مجلس النواب، تليه مناقشة. وحسب القانون الداخلي يمكن له أن يدلي بالتصريح الحكومي من دون مناقشة لكنه قبل أن تليه مناقشة، وحددنا مواعيد في السنة الماضية لكن مجموعة من الالتزامات جعلته يسافر الى الخارج. وخلال عام 2005 كان مقررا أن يقدم هذا التصريح وتليه مناقشة في الأسبوع الثاني من شهر أبريل (نيسان) الجاري، ولكن الظروف ايضا لم تساعده، بل كان مسجلا في الأجندة اليوم الذي سيمثل فيه الوزير الأول، وموعد المناقشة، ورده عليها. أعتقد أن كل ذلك سيتم في هذه الدورة حيث سيأتي الوزير الأول الى البرلمان لعرض حصيلة العمل الذي قام به، ويعطي أرقاما عما نفذ من الالتزامات التي أعلن عنها في التصريح الحكومي أثناء تشكيل الحكومة عام 2002.

* هناك إحساس لدى الرأي العام أن البرلمان لا يقوم بمهامه في تتبع العمل الحكومي بدقة، ويتجلى هذا في بعض المسائل مثل التصويت على بعض القوانين الأساسية التي ترهن مستقبل البلاد. فالميزانية العامة يتم التصويت عليها بنسبة ضئيلة جدا اضافة الى عدم الانضباط في حضور الجلسات، وباعتباركم عاصرتم جميع الدورات البرلمانية، كيف تنظرون الى هذه الظاهرة السلبية؟

ـ في الحقيقة هذا ليس سؤالا بل مجموعة من الأسئلة لأن البرلمان يراقب العمل الحكومي باستمرار ليس عن طريق الأسئلة الشفوية فقط، بل عن طريق اللجان. نحن ربما نعاني من تقصير في التواصل بحكم أننا لا نعلن عن جميع اللقاءات والاجتماعات ومحتواها والنتائج التي تحققها. وفيما يخص مسألة الحضور والغياب في الجلسات فهذا بطبيعة الحال أمر مؤسف لكنه يبقى ظاهرة دولية موجودة في عدد من البرلمانات. لكن نحن نعاني منها بصفة خاصة، وأعتقد أن جزءا من السبب يعود لكون الفرق البرلمانية لم تستطع خلق نوع من السلطة داخلها. فمثلا رئيس الفريق لا يملك سلطة كافية على أعضاء الفريق. ففي بريطانيا، ولو أن عدد المقاعد في مجلس العموم أقل بكثير من عدد النواب بحيث اذا حضروا جميعا فإن نصفهم يبقى في الخارج، المكلف مراقبة الحضور والانضباط هو رئيس الفريق، بل أكثر من هذا فإن النائب قبل ان يتغيب يطلب الاذن من رئيس الفريق، وأثناء التصويت يحصي رئيس الفريق عدد المصوتين. وعندما يرشح حزب معين النواب الذين سبق لهم أن انتخبوا، فان رأي رئيس الفريق يكون حاسما في اعادة ترشيح النائب من عدمه. فرؤساء الفرق في البرلمانات الأوروبية يملكون سلطة على النواب، نحن في المغرب نعيش على ايقاع خلاف بين مكتب المجلس ورؤساء الفرق، فالمكتب يقول انه مستعد لتطبيق الاجراءات التي ينص عليها القانون الداخلي، لكن الذي سيضبط الحضور والغياب هو رئيس الفريق، وهو الذي سيمنح للمكتب اللائحة التي تحصي عدد النواب الغائبين في الوقت الذي تقول فيه الفرق ان المكتب هو المكلف ضبط الغيابات، وفعلا قام المكتب بمحاولة تلزم النواب الحاضرين بالتوقيع أثناء الدخول الى البرلمان فتبين أنه لا وجود لتناسب بين التوقيعات المؤكدة للحضور، والحضور الفعلي. وهذا موضوع سنعيد طرحه مع رؤساء الفرق. وما أود التأكيد عليه هو أن غياب النواب لا يؤثر كثيرا على جودة النتائج لأن المهتمين أو الخبراء يحضرون بشكل دائم الى البرلمان. وجودة النقاش والعمل البرلماني تتم في اللجان، ولهذا فان العمل عموما يتم بشكل جيد. فالحضور النوعي هو المهم. فمثلا عندما تدرس لجنة قضية تتعلق بوزارة العدل يحضر خمسة عشر نائبا ضليعين في القانون اجتماع اللجنة ويمر بشكل جيد. وبالتالي فإن قضية الحضور هنا تبقى مسألة كيفية وليست كمية. ومع ذلك فان علينا أن نسهر على انضباط جميع النواب بالحضور، لأن النواب يتقاضون اجرا لقاء مهامهم، وهذه من القضايا التي نبحث في كيفية ايجاد حل لها. لكن هذا لا يجيز لنا القول ان هذه التركيبة أقل أو أحسن من التركيبة السابقة لأن المشكلة مطروحة بصفة دائمة. وشخصيا أرى أن بعض النواب لأسباب مادية لا يحضرون لأن الحضور مُكلِف، وهناك مسألة اساسية تكمن في أن المغاربة ينتظرون من البرلمان اكثر مما يمكن أن يعطيه. فنظامنا ليس نظاما برلمانيا، والناس لا يفهمون هذه المسألة، ويقومون بمقارنة البرلمان المغربي ببرلمانات بعض الدول الأوروبية مثل البريطاني أو الاسباني أو الايطالي أو اليوناني. تلك أنظمة برلمانية محضة بمعنى أن القرارات الأساسية يتخذها البرلمان وتصنع داخله، ولذلك نجد أن توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني، يحضر يوميا الى مجلس العموم لأن بداخله تتخذ القرارات. أما نحن في المغرب فالناس يسمعون كلمة برلمان ويحسبون أن البرلمانات جميعها متشابهة وتملك السلطة نفسها. في نظامنا السلطة التنفيذية هي التي تملك السلطة الحقيقية، وهي التي تتخذ القرارات الأساسية. أما البرلمان فيراقب فقط ويقوم بالتشريع علما بأن المشرع الحقيقي هو الوزير الأول. والنصوص القانونية التي يناقشها البرلمان تأتي من الحكومة باسم الوزير الأول، بل حتى جدول أعمال الجلسات يمكن للوزير الأول أن يتدخل فيه بحكم الدستور، وأن يقدم نصا عوضا عن نص آخر، وبالتالي فإن عدم فهم طبيعة النظام السياسي يحمل البرلمان ما لا طاقة له به.

* في إطار ما يسمح به الدستور يمكن للبرلمان أن يبادر بوضع مجموعة من اقتراحات القوانين؟

ـ لدينا العشرات من اقتراحات القوانين، لكن الحكومة لا توافق عليها وأوقفتها، وهذا أمر حاصل.

* ولماذا تفعل الحكومة ذلك؟

ـ لأنها تعتبرها غير منسجمة مع برنامجها واختياراتها.

* عرف المغرب في الآونة الأخيرة تجربة الاستماع لضحايا حقوق الانسان عن طريق هيئة الانصاف والمصالحة. والملاحظ أنه لا يوجد في عضوية هذه الهيئة نائب أو مستشار، بينما عند احداث المجلس الأعلى للاتصال المرئي والمسموع تم التشاور مع مجلسي النواب والمستشارين، فكيف تفسر غياب البرلمان عن تشكيل هيئة الانصاف والمصالحة، خاصة أنها تتحكم في أموال عمومية أي التعويضات الممنوحة للمتضررين؟

ـ المسألة متعلقة بالقانون التنظيمي للهيئة الذي ينص على الكيفية التي تكون عليها تركيبتها. مثلا قانون الهيئة العليا للاتصال المرئي والمسموع ينص على أن رئيس مجلس النواب يعين أو يختار أحد الأعضاء، بينما القانون التنظيمي لهيئة المصالحة لا يتضمن هذه الاشارة. وأعتقد أن ذلك راجع الى أن الهيئة مؤقتة تشتغل لمدة معينة وينتهي الأمر، بينما الهيئات الأخرى دائمة، وستبقى موجودة بصفة مستمرة، لكن لا يمكن كذلك أن يتدخل البرلمان في كل شيء فبعض المؤسسات ليس من الضروري أن نكون حاضرين فيها.

* يرى المراقبون في المغرب أن مرحلة الانتقال الديمقراطي طالت أكثر من اللازم، ويرون ايضا أن حزب الاتحاد الاشتراكي يوجد في وضعية لا يحسد عليها حيث أن بقاءه في الحكومة يأكل من رصيده الشعبي، كما أن احتمال أي خروج منها يزيد من تعقيد الوضعية السياسية للبلاد، كيف ترون الخروج من هذه الأزمة التي يعيشها المغرب؟

ـ لا وجود لأية أزمة. فالأزمة موجودة في العقول فقط لأن الانتقال الديمقراطي لا بداية أو نهاية له. في فرنسا الانتقال الديمقراطي استمر أكثر من 80 سنة. بمعنى أن انتقال فرنسا من النظام الاقطاعي القديم الى النظام الجمهوري استغرق أزيد من ثمانين سنة. واذا نظرنا الى بعض الدول نجد أن الانتقال مرتبط بمستوى وعي النخب السياسية والمواطنين بصفة عامة. وأعطي مثالا باسبانيا واليونان والتشيلي وأنظمة اخرى. فطول مدة الانتقال أو قصرها مرتبطان بالمواطنين، ولا علاقة لهما بهذا الحزب، أو ذاك، ان السؤال يكمن في هل وصل المواطنون الى مستوى الوعي لتطبيق الديمقراطية والحداثة؟ فالمهمة لا تنتهي، والأوروبيون أنفسهم يعتبرون أنهم لم يصلوا بعد الى مستوى الكمال في الديمقراطية اذ ما زالوا يبحثون عن صيغ جديدة كل يوم، المسألة مرتبطة بمجهود كل شخص، فالمسؤولية تخص الجميع ذلك ان المواطن الذي لا يحترم القانون لا يساهم في الانتقال الديمقراطي. أما التفكير الشعبوي القائل بأننا نريد دائما تحميل المسؤولية للنخب السياسية والأحزاب بوصفها المسؤولة عن كل شيء فهو تفكير يتطلب قليلا من الموضوعية، وربما محللونا ينقصهم التكوين الجيد في العلوم السياسية والاجتماعية، التي تفسر الطريقة التي تتطور بها الشعوب والأمم.

وبالنسبة للسؤال المتعلق بحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أتساءل بدوري لمن سيخلق الحزب أزمة في حالة انسحابه من الحكومة؟ هل لنفسه أم للحكومة أم للبلاد؟ وفي هذه الحالة أفضل أن يبقى حزب الاتحاد الاشتراكي في الحكومة وتتناقص شعبيته عوض أن يخلق أزمة في البلاد، لأن الحزب سواء كان الاتحاد الاشتراكي او غيره هو وسيلة لخدمة مصلحة البلاد، وليس هدفا في حد ذاته، وهذه هي الطريقة التي يفكر بها الحزب أي أنه في خدمة البلاد وليست البلاد هي التي في خدمة الاتحاد الاشتراكي. واذا تناقصت شعبيته، فليكن ذلك. وعندما يخرج الى المعارضة سيكون هناك تناوب وبعد عشر سنوات سوف يعود، وهذه هي الديمقراطية وتطويرها. أما الحزب الذي يدخل الى الحكم ليظل مدة عشرين عاما او أربعين عاما فهو بذلك لا يساهم في إرساء الديمقراطية وتطويرها. ومن الطبيعي أن جميع الأحزاب التي تلج الحكومة تنقص شعبيتها، اذن لماذا لا تريدون من الاتحاد الاشتراكي أن يتأثر مثلما حصل مع الحزب الاشتراكي الاسباني ايام فيليبي غونثاليث او الاشتراكيين في فرنسا؟ الآن جاء الدور على حزب جاك شيراك. فظاهرة الديمقراطية طبيعية وصحية، ولا يعقل ان نجعل منها مشكلة.

* ربما لا تجوز هذه المقارنة بسبب أن المشهد الحزبي مختلف في تلك البلدان؟

ـ معك الحق، المشهد الحزبي مختلف وكثرة الأحزاب في المغرب جاءت نتيجة المسار التاريخي للمغرب. وأتذكر أنه في سنة 1963 في البرلمان الأول كان هناك حزب جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية (الفديك) (غالبية حكومية)، وحزب الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية (معارضة)، وستة نواب مستقلين كانوا يتنقلون بيننا. وحالة الاستثناء (حل البرلمان) جاءت لكون هؤلاء النواب الستة الذين كانوا معهم (الجبهة) التحقوا بنا (المعارضة)، والصحافة لا تدري عن هذا شيئا.

* في انتظار سنة 2007 هناك من يرى أن حزب الاتحاد الاشتراكي في مساره الحالي وكأنه يمشي فوق البيض؟ ما تعليقكم؟

ـ هذا مجرد كلام، يجب على أي شخص يطلق حكما أن يقدم الحجج، وما نعانيه في المغرب هو اطلاق أحكام عامة بدون مبرر. فكيف أثق بمن يقول مثل هذا الكلام. فأي حجة لديه تجعله يطلق مثل هذه الاحكام ؟

* لكن الحقيقة تبقى غائبة؟

ـ إذا كانت الحقيقة غائبة فيجب ألا نزيد في تغييبها، بل يجب أن نقترب منها. ومن هذا الذي لا يمشي فوق البيض في السياسة. الجميع يمشون فوق البيض، هذا اذا كان المرء ديمقراطيا أما اذا كان استبداديا فإنه يكسر البيض كله.

* هناك حديث عن تجديد المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي القوات الشعبية والتشبيب في أفق مؤتمره المقبل، كيف تنظرون الى هذه الأشياء التي يدور النقاش حولها؟

ـ أحترم النقاش الدائر في اللجنة التحضيرية، لكني أعتقد أن المشكلة لا تتعلق بصراع الأجيال أو التشبيب، بل بمبدأ الرجل المناسب او المرأة المناسبة في المكان المناسب. فالشيخوخة ليست عائقا، كما أن الشباب ليس دائما ميزة ايجابية. هذا ممكن من الناحية الجسدية والصحية، لكن من ناحية الانتاج الفكري، فكل شخص ينتج حسب مساره وتكوينه وكفاءته، لهذا يجب ان تتخذ هذه الأشياء مسارا طبيعيا، وتتفادى التشبيب الاصطناعي. فالديمقراطية هي التي تحل جميع المشاكل وليس البيولوجيا. وشخصيا أميل الى ترك الدينامية الديمقراطية تحدد الانتقال بكيفية عادية من دون ادخال التقنين فيها لاعتبارات معينة لا أحد يتحكم فيها.

* هل القيادة في الحزب محسومة لصالح محمد اليازغي ام انكم ترغبون في ترشيح أنفسكم للامانة العامة للحزب؟

ـ انا لم يسبق لي ان رشحت نفسي، ولا أنوي القيام بذلك، ولا ادري لماذا يريد البعض اقحامي في هذا الأمر، ولا اعرف لماذا تدفعني الى وجع الرأس هذا، الذي اتحاشاه دائما. ولعلمكم فأنا لم يسبق لي أن رشحت نفسي لأي منصب، وحتى انتخابي على رأس الاتحاد الوطني لطلبة المغرب (اتحاد طلابي) كان باقتراح من أصدقائي، وكذلك تحملي مسؤولية الامانة العامة لنقابة التعليم العالي، اصدقائي هم الذين رشحوني لذلك، ودخولي الى البرلمان كان بترشيح من المهدي بنبركة رحمه الله، وعندما دخلت الى الحكومة مع الراحل عبد الرحيم بوعبيد، فان الحزب هو الذي اقترح علي المشاركة فيها، وعندما اصبحت أمينا عاما للاتحاد العربي ـ الافريقي ( الاتحاد مع ليبيا)، لم أرشح نفسي لذلك، وعندما انتخبت رئيسا للفريق البرلماني نادوا علي وعرضوا علي الأمر، وعندما جئت الى رئاسة مجلس النواب لم أرشح نفسي، بل نودي علي.

* وبعد اعتزال عبد الرحمن اليوسفي العمل الحزبي، هل زملاؤك هم الذين رشحوك للامانة العامة للحزب؟

ـ لم يرشحني أحد، ولم أترشح. وهذا الترشيح اخترعه بعض الناس. انا اعتبر نفسي انني اذا كنت صالحا لأمر ما، فإن اخواني في الحزب هم الذين سيرشحونني، فأنا لا اخوض ابدا غمار المنافسة، وأظن أننا في الاتحاد الاشتراكي متحدون ومنسجمون وسنذهب الى المؤتمر من دون مشاكل فهناك كاتب اول (امين عام) يسير الامور كما ينبغي، ويمكن ان نجدد فيه الثقة. وفي الحقيقة لا اعرف لماذا يعض الناس بالنواجذ على هذه القضية بالذات. المشكلة أننا لا نناقش الأفكار، بل نناقش الأشخاص. اضافة الى ذلك فإن محمد اليازغي لم يتحمل المسؤولية الا قبل سنة ونصف السنة، ومن الواجب أن نتركه يشتغل، واعطاؤه الوقت لكي يعمل، وهذه أمور منطقية وطبيعية وعادية. أما كون الأمر محسوما أم لا، فالمؤتمرات جميعها تثار بها مثل هذه الأشياء.

* هل سيحضر اليوسفي مؤتمر الحزب المقبل؟

ـ لم أسأله ولا أعرف جوابه .

* الدعوة ستوجه اليه حتما؟

ـ بالتأكيد، ويبقى له الاختيار، وهو سبق أن صرح أنه لم يعد يمارس السياسة. يمكنه أن يأتي بهذه الصفة، أو يأتي لتشجيع أصدقائه، لا أدري.

* هل تتصلون به؟

ـ طبعاً وباستمرار.

* هناك حديث عن مرجعية جديدة للاتحاد الاشتراكي، هي المرجعية الاشتراكية الديمقراطية، مع ملاحظة غياب نقاش فكري في صحافة الحزب يؤشر على هذا التحول؟

ـ أظن أنه على المستوى العالمي لا يوجد هذا النقاش. فالايديولوجية لم تعد هي الطاغية، سواء بالنسبة لليمين او اليسار، بل ظهرت مقاييس أخرى. في فترة تاريخية كانت هناك الاشتراكية الثورية (الاحزاب الشيوعية) والاشتراكية الديمقراطية (الاحزاب الاشتراكية). فالاحزاب الاشتراكية الثورية كانت تأخذ السلطة بالعنف بينما وصل الاشتراكيون الديمقراطيون الى الحكم بواسطة الانتخابات مثل الدول الاسكندنافية. وبالنسبة لنا في المغرب كانت لدينا في وقت من الاوقات هذه الازدواجية، مثلما كانت موجودة ايضا في حزب العمال البريطاني. وبالنسبة لنا في الاتحاد الاشتراكي، فإننا فصلنا في هذه المسألة في المؤتمر الاستثنائي لسنة 1975، فالذين يؤمنون بالاشتراكية الديمقراطية وجدوا مكانهم في الاتحاد الاشتراكي أما من كانوا يؤمنون بأشياء أخرى فكان عليهم البحث عن مكان آخر. وكما كان يقول عبد الرحيم بوعبيد رحمه الله «أرض الله واسعة»، والذي لا يتفق معنا عليه أن يفعل شيئا آخر. هناك من كان يظن أن الأمر مجرد تكتيك، لكن مع مرور الوقت، وحينما تبين لهم ان الامر لا يتعلق بمجرد تكتيك، اصبحوا يرفضون مشاركة الحزب في الانتخابات لأنهم يرفضون ان يصل الحزب الى السلطة عن طريقها ولكن الحزب يقرر مشاركته في الانتخابات، ولما ادركوا الواقع، ومضوا وشأنهم في اتجاه آخر. فالامر محسوم بالنسبة لنا. نحن اشتراكيون ديمقراطيون.

* زار العاهل المغربي محمد السادس أخيرا الجزائر وعلى اثرها ألغت هذه الاخيرة تأشيرة الدخول الى اراضيها بالنسبة للمغاربة، وهو ما أنعش العلاقات بين البلدين لكن تصريحات الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في باريس أصابت الانتعاش الاخير بانتكاسة. كرئيس لمجلس النواب وقيادي فاعل في الاتحاد الاشتراكي، كيف ترون الخروج من هذه المعضلة الناتجة عن نزاع الصحراء، خاصة أن الجزائر ما زالت تميز بين التعاون الثنائي وقضية الصحراء؟

ـ لا أظن أن أحدا يملك وصفة معينة من أجل حل هذه المشكلة. فالقضية صعبة وما هو مطروح منذ ثلاثة عقود لن يحل في سنتين أو أكثر بل يتطلب بعض الوقت. ورغم كل شيء فنحن ما زلنا متفائلين وذهاب جلالة الملك الى الجزائر، رغم التصريحات وكل شيء، ستكون له انعكاسات ايجابية على المغرب العربي، وتحسين العلاقات مع الجزائر، وخلق دينامية مساعدة داخل اتحاد المغرب العربي. وأنا متفائل بمقاربة جلالة الملك وأيضا برد الجزائريين. والحقيقة أننا نشعر في مجلس الشورى لاتحاد المغرب العربي أن زملاءنا البرلمانيين الجزائريين متعطشون لبناء المغرب العربي، ويكنون للمغرب والشعب المغربي محبة حقيقية. وهذا ما يزيد تفاؤلنا الى درجة اننا نتساءل عن كيفية استمرار هذه المشكلة مع وجود هذا الشعور الطيب.