البرادعي لـ«الشرق الاوسط»: 40 دولة قادرة على صنع سلاح نووي خلال 20 عاما في غياب نظام صارم

المدير العام لوكالة الطاقة الذرية أكد أن مخالفات إيران تنحصر في إبقائها برنامجها سرا

TT

قال الدكتور محمد البرادعي المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية ان من حق ايران، كما من حق أي دولة، أن تكون لديها دورة كاملة للوقود النووي، بما فيها تخصيب اليورانيوم، لكن الخوف هو من انتشار هذه التقنيات النووية في مناطق ذات قدر كبير من الحساسية مثل الشرق الأوسط. واضاف في حديث لـ«الشرق الأوسط» في نيويورك ان مخالفات ايران لمعاهدة حظر الانتشار النووي كانت انها قامت بهذا البرنامج من دون أن تخطر الوكالة. وبسؤاله عن الملف النووي الاسرائيلي، قال البرادعي انه ذكر في لقاءاته مع المسؤولين الاسرائيليين «أن هذا أمر لا يمكن أن يستمر في الشرق الأوسط وأن تكون اسرائيل خارج الاتفاقية في حين أن كافة الدول العربية منضمة الى الاتفاقية». وتابع البرادعي انه ذكر للاسرائيليين انه «لا يمكن أن يكون هناك سلام دائم في المنطقة من دون وجود نظام أمني يدعم هذا السلام ويقوم على اخلاء المنطقة من كافة أسلحة الدمار الشامل والسلاح النووي».

* ما هو التحدي الأكبر الذي تواجهه اليوم معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية؟

ـ التحدي الأكبر في نظري هو انتشار ما يُطلق عليه الجزء الحساس من التقنية النووية وهي القدرة على تخصيب اليورانيوم أو انتاج البلوتونيوم، وهما المادتان اللتان تستعملان لصنع السلاح النووي. هذا في رأيي يشكل تحديا لمعاهدة منع انتشار الأسلحة النووية لأنه اذا انتشر عدد الدول التي لها القدرة على أن تكون لديها المواد التي تُستخدم مباشرة في السلاح النووي سيكون لدينا في تصوري، في العقدين المقبلين، ثلاثين أو أربعين دولة قريبة جداً من القدرة على صنع السلاح النووي اذا ما قرروا ذلك وأُطلق عليهم اسم الدول الافتراضية المصنعة للسلاح النووي. وبالتالي، في رأيي، هذا تحد لا بد أن نعالجه بطريقة متوازنة وبطريقة موضوعية وبطريقة شاملة، بحيث نؤكد على حق كافة الدول باستخدام الطاقة النووية في الأغراض السلمية، وفي نفس الوقت الحد من انتشار هذا الجزء الحساس من التقنية النووية. وقدمت اقتراحاً بأن يكون هذا الجزء خاضعاً لاشراف دولي أو في اطار مراكز اقليمية بحيث يكون هناك قدر أكبر من الرقابة وبحيث لا تكون لدى أية دولة قدرة مباشرة للحصول على هذه المواد النووية. كذلك، اقترحت خلال مؤتمر مراجعة المعاهدة الدولية لمنع انتشار الأسلحة النووية، فترة اتفاق على عدم تطوير منشآت جديدة خاصة بتخصيب اليورانيوم أو انتاج البلوتونيوم. التحدي الآخر بالطبع هو ضرورة أن تكون للوكالة الدولية للطاقة الذرية الصلاحية القانونية لتقوم باجراءات التفتيش، طبقاً لاتفاق البروتوكول الاضافي والذي قمنا بعقده بعد تجربتنا في العراق في أوائل التسعينات بعد أن عرفنا أن العراق استطاع أن ينشيء برنامجاً غير علني خارج الوكالة الدولية، وفي هذا الوقت رأينا أن هذا ضد دعم صلاحيات الوكالة وقام المجتمع الدولي بعقد ما يُطلق عليه البروتوكول الاضافي للاتفاقية. والتحدي الأساسي أمامنا هو أن تنضم كافة الدول الى هذا البروتوكول حتى تكون لدينا الصلاحيات لنزور المواقع ونحصل على المعلومات والتي تمكننا من أن نقدم الضمانات المطلوبة من المجتمع الدولي.

الطموحات النووية الإيرانية * هل تقصدون ايران، بالدرجة الأولى، عندما تتحدثون عن هذه الفئة من الدول؟

ـ نتحدث عن كافة الدول. هذا الموضوع ظهر الى السطح بسبب البرنامج الايراني ولكن الحل يجب ألا يكون حلاً منصباً فقط على ايران، انما الحل يجب أن يكون حلاً شاملاً ينطبق على كافة الدول من دون استثناء.

* كيف تنظرون الى تصريحات وزير الخارجية الايراني، كمال خرازي، التي أكد فيها على اصرار ايران على متابعة كل المجالات القانونية المتعلقة بالتقنية النووية، بما في ذلك التخصيب، لأغراض سلمية؟

ـ طبقاً لاتفاقية منع الانتشار، فان كل دولة لديها الحق في أن يكون لديها دورة كاملة للوقود النووي، بما فيها تخصيب اليورانيوم، فهو ليس أمراً مخالفاً لاتفاقية منع الانتشار، ولكن، كما رأينا هناك كثير من المخاوف من انتشار هذا الجانب الحساس من التقنية، وخاصة في مناطق ذات قدر كبير من الحساسية مثل الشرق الأوسط. ولكن، كما ذكرت، أي حل يجب ألا ينصب على ايران انما يجب أن يكون حلاً متوازناً وعادلاً يشمل كافة الدول، ولذلك فان الحل، في رأيي، هو أن يكون هناك اتفاق على أن انتشار هذه التقنية يشكل خطراً على المجتمع الدولي ككل، وبالتالي، أن يكون هناك اتفاق بأن تقتصر هذه التقنية على مراكز اقليمية أو دولية تخصّب اليورانيوم. وبالتالي، فان كل دولة تحصل على الكهرباء وعلى الحق الكامل باستخدام الطاقة النووية مع التقليل من المخاطر التي قد تنشأ من سوء استخدام التقنية النووية. * قلتم ان كل دولة لديها الحق في تخصيب اليورانيوم، ولكن ثمة انطباع سائد بأن ايران تقوم بانتهاك معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، من خلال نشاطاتها المتعلقة بتخصيب اليورانيوم. فلماذا، اذاً، لا يتم تصحيح هذا الانطباع الخاطئ والتأكيد على أن ما تقوم به ايران لا يُعتبر انتهاكاً للمعاهدة؟

ـ لم يذكر احد وقطعا لم أذكر أنا أن هذا مخالف لاتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية. فمخالفات ايران للاتفاقية كانت انها قامت بهذا البرنامج بأسلوب غير معلن، من دون أن تخطر الوكالة الدولية للطاقة الذرية. هذه هي مخالفة ايران، انها قامت لسنوات طويلة ببرنامج نووي غير معلن. انما تخصيب اليورانيوم بحد ذاته، هو أمر مسموح به، طبقاً لاتفاقية منع انتشار السلاح النووي من الناحية القانونية. أما من الناحية العملية، فهناك مخاوف من انتشار هذه التقنية، ليس فقط في ايران، انما في مختلف أنحاء العالم. ولذلك، أكدت أن هذا هو التحدي الأكبر، في رأيي، الذي يواجه نظام منع الانتشار بالاضافة الى قدرة الوكالة لأن تتمتع بالصلاحيات اللازمة لتقوم بعملها بشكل فعال، وبالاضافة أيضاً الى دور مجلس الأمن، اذ أن احد التحديات هو أن يقوم مجلس الأمن بالدور المنوط به عندما تقوم دولة مثل كوريا الشمالية، على سبيل المثال، بالانسحاب من المعاهدة، لا بد أن ينظر الى هذه المسألة من ناحية تأثيرها على الأمن والسلم الدوليين، ويتخذ الاجراءات المناسبة.

* هل ستتم احالة الملف الايراني الى مجلس الأمن، في تقديركم، اذا ما استأنفت ايران جزءاً من نشاطاتها النووية، وهو ما تقول طهران انها تعتزم القيام به ابتداءً من الأسبوع المقبل؟

ـ ايران قامت باتفاق مع الدول الأوروبية وتعهّدت طوعياً بتعليق أنشطة تخصيب اليورانيوم. وقد طلب مني مجلس محافظي الوكالة انه اذا ما تم أي تعديل في الموقف الايراني بأن أقوم باخطار مجلس المحافظين. وبالتالي، اذا قامت ايران مرة أخرى ببدء عمليات مرتبطة بتخصيب اليورانيوم، فسأخطر مجلس محافظي الوكالة. ماذا سيقوم به مجلس الوكالة؟ هذا أمر متروك للدول الأعضاء التي تقرر، وانما لن أخطر مجلس الأمن لأن المطلوب مني هو أن أخطر مجلس محافظي الوكالة الدولية. * مجلس المحافظين قد يقوم بدوره باحالة المسألة الى مجلس الأمن، اذا ما رأى أعضاؤه ذلك مناسباً.. ولكن، هل تعتقدون أننا أمام مواجهة جديدة في مجلس الأمن، بشأن أسلحة الدمار الشامل، مثلما حدث في حالة العراق، أم أن هناك بوادر حل لمعالجة المسألة النووية الايرانية، في رأيكم؟

ـ أعتقد أن الأمر مختلف كثيراً عن الموقف العراقي، لأن العراق كان يخضع لنظام رقابة صارم من قبل مجلس الأمن بسبب غزوه للكويت، ولأنه كان لدى العراق برنامج عسكري نووي. الوضع مختلف بالنسبة لايران، فحتى الآن، قامت ايران ببرنامج غير معلن لانتاج التقنية النووية، وانما لم نجد أي دليل واضح حتى الآن أن هذا البرنامج هو برنامج عسكري. كذلك، مسألة طرح الموضوع الايراني على مجلس الأمن هي مسألة لا تزال أغلبية الدول ترى أنه من الممكن أو من المناسب في الوقت الحالي حل المسألة في اطار الوكالة الدولية للطاقة الذرية. هناك كذلك محادثات بين ايران والأوروبيين، وهذا هو في تصوّري أفضل سيبل لحل المشكلة الايرانية. وهناك مسائل كثيرة لا بد أن نعالجها برمّتها في اطار اتفاق شامل وهو ما يأمل الأوروبيون والايرانيون، في الوقت الحالي، التوصل اليه. والأجندة الأوروبية ـ الايرانية تطرح كافة هذه المسائل، بما فيها المسألة النووية، وضرورة أن تقدم ايران الضمانات الموضوعية للتأكد من أن هذا البرنامج مخصص للأغراض السلمية. أنا متفائل، اننا سنتوصل، اذا ما تحلّت كافة الأطراف بالصبر المطلوب، الى حل شامل يعيد ايران، مرة أخرى، كعضو كامل العضوية في علاقاتها مع المجتمع الأوروبي والولايات المتحدة. انما، هذا يتطلب بعض الوقت، اذ أن هذه المسائل معقدة، ولذلك فأنا أطلب من كافة الأطراف التحلي بضبط النفس. وطلبت من الجانب الايراني، كذلك، ألا يقوم باجراءات من جانب واحد قد تؤدي الى مواجهة بين ايران وبين الدول الأوروبية والولايات المتحدة. لا بد أن نحاول أن نبذل أقصى جهد وأن نحل هذا المسألة بالأسلوب الدبلوماسي، وبرأيي، هو الأسلوب الوحيد لحل هذه المسائل. لا أعتقد أن الأسلوب العسكري قد يحل هذه المسألة، ولا أعتقد أن المواجهة، كذلك، ستفيد أي طرف، بالعكس، فان المواجهة ستؤدي الى خسارة كافة الأطراف.

المعاهدة الدولية لحظر الانتشار النووي * هناك، من دون شك، أزمة ثقة تمر بها حالياً المعاهدة الدولية لمنع انتشار الأسلحة النووية، لا سيما في ضوء محاولة البعض، مثل الولايات المتحدة، تسييس بعض المسائل مثل المسألة الايرانية. ألا تخلق هذه الديناميكية، برأيكم، حافزاً بالنسبة لايران للانسحاب من المعاهدة، كما فعلته كوريا الشمالية في بداية العام 2003؟ ـ المعاهدة تمر بأزمة ثقة، هذا صحيح، ولكن الوكالة الدولية للطاقة الذرية ليست لديها أزمة ثقة، وقد تأكدت مصداقيتها بعد العراق وفي معالجتها للمسألة الايرانية. وانا لا أعتقد أن انسحاب أية دولة من المعاهدة هو الحل. فانسحاب أية دولية، مثل كوريا الشمالية، يزيد من التوتر في المنطقة. ولا أعتقد أن حل المسألة الايرانية يكمن في انسحابها من المعاهدة، انما أعتقد أن حل هذه المسألة هو في التوصل الى حل يكفل لايران بأن تتمتع بحقوقها في استخدام الطاقة النووية لأغراض سلمية ويؤكد في نفس الوقت للمجتمع الدولي أن هذا البرنامج مخصص للأغراض السلمية فقط، وهو ما نحاول أن نقوم به من خلال عمليات التفتيش، وما يحاول أن يقوم به الأوروبيون من خلال التفاوض مع ايران. والولايات المتحدة، كذلك، تؤيد بعد فترة تردد المبادرة الأوروبية، وهو أمر أرحب به، لأن أي حل للمسألة الايرانية لا بد تكون هناك مشاركة كاملة من جانب الولايات المتحدة، خصوصاً اذا ما تناولت هذه المحادثات مسألة الأمن الاقليمي.

* ما هي الأسباب التي قد تشجع ايران على البقاء في المعاهدة، علماً بأن هناك دولا مثل الهند واسرائيل وباكستان موجودة خارج اطار المعاهدة نجحت في تطوير أسلحة نووية من دون التعرض للتهديد بمواجهة عسكرية محتملة؟

ـ ما حصل في اسرائيل وباكستان والهند هي برامج تطورت في الستينات والسبعينات، أي منذ أكثر من ثلاثة عقود، حيث كان الوضع الدولي مختلفاً كثيراً عما نحن فيه الآن. والمجتمع الدولي أصبح أكثر حساسية بقدر كبير في ما يتعلق بانتشار الأسلحة النووية، ولذلك رأينا ونحن نرى رد الفعل الحالي على كوريا الشمالية، على سيبل المثال. رأينا بالطبع رد الفعل في العراق، وانما العراق كما ذكرت كانت عملية خاصة لأنها كانت مرتبطة ليس فقط بأسلحة دمار شامل وانما بنظام غزا دولة مجاورة وكان يُنظر اليه بأنه نظام عدواني ويهدد السلم في المنطقة. وكل دولة تقرر ما تراه لمصلحة أمنها الاقليمي، وأنا لا أعتقد أنني أستطيع أن أشجع أية دولة على أن تخرج على هذا النظام. ما زلت على قناعة وما زال المجتمع الدولي على قناعة أن هدفنا، بالرغم من الصعوبات التي نواجهها في الحد من انتشار السلاح النووي، أن نعمل ونرسل رسالة صريحة وواضحة الى الدول النووية، أي الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وبريطانيا والصين، والدول الثلاث الأخرى الموجودة خارج المعاهدة، وهي الهند وباكستان واسرائيل، يكون مفادها أنه لا بد لهم أن يتخلوا عن السلاح النووي الذي لديهم، وأنه لا بد أن يقوم نظام أمن جماعي ليس مبنياً على عملية الردع النووي، والا كما سنرى ستحاول الكثير من الدول محاكاة ما تقوم به كوريا الشمالية.

* قلت إن الدول النووية تعمل على التخلص من أسلحتها النووية، ولكن، هل هذا يحدث فعلاً؟ أليس هناك كيل بمكيالين، اذ انه كلما قامت دولة مثل ليبيا أو ايران بتطوير برامج نووية مدنية قد تكون لأغراض سلمية تواجه صعوبات كبيرة ورفضا تاما من المجتمع الدولي.

ـ لا، أولاً هذه الدول ملزمة بأن تستخدم الطاقة النووية لأغراض سلمية لأنها جزء من اتفاقية منع الانتشار. عندما نتحدث عن الهند أو اسرائيل او باكستان، فهي لم تنضم الى الاتفاقية وليست لديها التزامات قانونية. هناك دول لديها التزامات قانونية مثل ليبيا، على سبيل المثال. فليبيا خالفت التزاماتها لأنها كانت تبني برنامجاً لأغراض عسكرية. في ما يتعلق بايران، هناك شكوك في ما اذا كان برنامجها مخصصاً للأغراض السلمية فقط، وهذه الشكوك سببها هو أن البرنامج الايراني كان برنامجاً غير معلن ولم تلتزم ايران بما هو مطلوب منها طبقا لاتفاقية منع الانتشار باخطار الوكالة. ما لم يكن هناك في نفس الوقت اجراءات واضحة ومحددة لتخلص الدول النووية من سلاحها النووي فان ما تقولينه يكون صحيحاً، أي سيكون هناك عالمان: عالم من الدول التي تملك السلاح النووي وعالم آخر من الدول التي لا تملك هذا السلاح. وقد ذكرت هذا كثيراً في كلمتي أمام الجمعية العامة أن هذا أمر غير مستدام، اذ لا يمكن أن تكون هناك دول تعتمد على الرادع النووي ودول يُطلب منها ألا تعتمد في أمنها على الرادع النووي. لا بد أن يكون هناك معيار أمني واحد لكافة أعضاء المجتمع الدولي ولا بد ألا يعتمد هذا المعيار على الرادع الأمني والا سيكون هناك، في العقدين المقبلين، انتشار للسلاح النووي وسيكون ذلك بداية النهاية بالنسبة للأسرة البشرية.

* في ضوء هذه المخاطر الحقيقية التي تتكلمون عنها، كيف تفسرون عدم تدقيق اعضاء الوكالة الدولية في وجود كيلوجرامات من البلوتونيوم التي لا يمكن التحقق منها، كل سنة، في دول مثل اليابان وألمانيا، علماً بأن هذه المادة تكفي لتطوير عدد كبير من الأسلحة النووية التي لديها القدرة على التسبب في كارثة بشرية من النوع الذي تصفونه؟ - لا، هذا غير صحيح. ألمانيا واليابان تقعان بالكامل في نظام الرقابة التابع للوكالة، ونتأكد من أن كافة المواد النووية في اليابان وألمانيا موجودة ونقوم بعمليات تفتيش دقيقة للتأكد من أن كافة المواد النووية في هذه الدول وكندا وغيرها من الدول التي تستخدم الطاقة النووية للأغراض السلمية موجودة.

* في تقديركم، مَن يشكل تهديداً أكبر للسلم والأمن الدوليين: ايران أم كوريا الشمالية؟

ـ كوريا الشمالية بالقطع، لأن كوريا الشمالية لديها البلوتونيوم الذي يمكن أن تستخدمه مباشرة في صنع السلاح النووي، وكوريا الشمالية ذكرت كذلك انها قامت بتصنيع السلاح النووي. في ما يتعلق بايران، لم نر المواد النووية التي يمكن أن تستخدمها في صنع السلاح النووي، فقد رأينا انها قامت بكثير من التجارب ولكننا لم نر كمية المواد النووية التي يمكن أن تستخدمها في صنع السلاح النووي. لم نر كذلك برنامجاً لتصنيع السلاح النووي في ايران، على العكس من كوريا الشمالية التي ذكرت أن لديها هذا البرنامج. نحن في ايران نقوم بعمليات التفتيش بصفة مستمرة. أما كوريا الشمالية فقد طلبت منا مغادرة البلاد. وبالتالي، فان كوريا الشمالية بالنسبة الينا هي بمثابة المجهول. وحسب ما قرأت الأسبوع الماضي في تقرير الاستخبارات الأميركية، فان ايران لن تقوم بتصنيع سلاح نووي قبل بداية العقد المقبل، أي نحن نتكلم عن خمس أو ست سنوات على أقل تقدير. وبالتالي، عندما أقارن ذلك بكوريا الشمالية، فان كوريا الشمالية خطر حال ومحدق. بالنسبة لايران، هناك الكثير من الوقت لحل المسألة بالأسلوب الدبلوماسي.

* لنتحدث عن دعوتكم لجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من الأسلحة النووية: هل تقدمتم بطلب الى اسرائيل بأن تنضم الى المعاهدة الدولية لمنع انتشار الأسلحة النووية، من أجل التوصل الى اخلاء المنطقة من الأسلحة النووية؟

ـ ذكرت ذلك أكثر من مرة في مقابلتي مع المسؤولين الاسرائيليين وفي لقائي مع رئيس الوزراء الاسرائيلي، أرييل شارون، الصيف الماضي. وذكرت أن هذا أمر لا يمكن أن يستمر في الشرق الأوسط وأن تكون اسرائيل خارج الاتفاقية في حين أن كافة الدول العربية منضمة الى الاتفاقية. ذكرت أنه لا بد في اطار عملية السلام التي تجري حالياً في الشرق الأوسط أن يكون هناك بالتوازي حوار حول الاطار الأمني الذي يجب أن يدعم هذا السلام، لأنه في رأيي، لا يمكن أن يكون هناك سلام دائم في المنطقة من دون وجود نظام أمني يدعم هذا السلام ويقوم على اخلاء المنطقة من كافة أسلحة الدمار الشامل والسلاح النووي بما فيها اسرائيل.

* ولكن، هل من خطوات عملية على الأرض لتغيير الوضع القائم؟

ـ الشيء العملي الذي يجب أن يتم هو أن تتفق دول المنطقة على الجلوس معاً حول مائدة التفاوض وأن تبدأ في الحوار الاستراتيجي حول الأمن الاقليمي. هذا لم يتم حتى الآن، وكلما حدث تقدم في عملية السلام، في تصوري، كان هناك أمل أكبر في أن يتم هذا. ولكن أتمنى أن يحدث ذلك في أقرب وقت ممكن، لأن استمرار هذا الوضع يؤدي الى وجود احساس في العالم العربي بوجود عدم توازن في الأمن الاقليمي. وقد ذكرت ذلك كثيراً في كلامي مع المسؤولين الاسرائيليين. وأعتقد أنهم يفهمون ذلك وردهم هو أنهم مستعدون أن يقوموا بهذا في اطار عملية السلام، ولذلك أنا دائماً أذكر كافة الأطراف في المنطقة، الدول العربية واسرائيل والدول الكبرى، أنه يجب ألا نركز فقط على عملية انشاء الدولة الفلسطينية والأرض مقابل السلام، وانما هذا جزء من عملية التسوية الشاملة. والجزء الآخر المكمل لهذا هو صرح أمني قوي يقوم على اجراءات بناء الثقة والحد من الأسلحة التقليدية واخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل. هذا أمر أساسي حيوي في منطقة مضى عليها أكثر من مائة عام من الحروب وعدم الثقة.

* عندما قمت بزيارة الى اسرائيل، في الصيف الماضي، هل طلبت زيارة مفاعل ديمونة؟ وهل هناك قلق لديك من احتمال وقوع حادث في هذا المفاعل الذي مر أربعون عاماً على تأسيسه، قد يؤدي الى وقوع «تشيرنوبيل» آخر؟

ـ لا، ليست لدي أية أسباب تدعوني الى القلق من ناحية الأمن، واسرائيل لديها مصلحة في عدم وقوع حادث مثل «تشيرنوبيل»، اذ أن هناك عددا كبيرا من الاسرائيليين الذين يسكنون في هذه المنطقة. وكما ذكرت كثيراً، اذا كانت أية دولة عربية لديها شكوك في أن يكون هناك تسرب اشعاعي من مفاعل ديمونة، فالوكالة مستعدة لأن تقوم باجراء خاص للتأكد من انه ليست هناك أية انبعاثات اشعاعية أما في ما يتعلق بزيارة ديمونة، فان عملية التفتيش في اسرائيل تتعدى بكثير مفاعل ديمونة وزيارتي للمفاعل لن تحل المشكلة. فالحل للمشكلة هو ان تنضم اسرائيل، في اطار منطقة منزوعة سلاح الدمار الشامل الى نظام الضمانات الشامل للوكالة بحيث يستطيع خبراؤنا القيام بالتفتيش الدوري والمستمر للتأكد من أن كافة الأنشطة الاسرائيلية هي للأغراض السلمية. هذا بالطبع كما ذكرت مرتبط بعملية السلام في الوقت الحالي وانما لا بد أن تبذل كافة الدول الأطراف ما تستطيعه وبمساعدة الدول الكبرى والولايات المتحدة لتشجيع الأطراف في السير في هذا الطريق، لأن لا يمكن، في رأيي، أن يستمر الوضع الحالي في الشرق الأوسط في ما يتعلق بأسلحة الدمار الشامل. هناك أسلحة نووية وهناك أسلحة كيماوية وهذا الوضع يهدد المنطقة أكثر مما يطمئن. ولذلك، لدي أمل أنه عندما يتم احراز تقدم في عملية السلام في المنطقة الا اغفل الأطراف هذا الجزء الحيوي من العملية المرتبطة بالسلام.

* بالنسبة للعراق، هل فوجئتم بعدم العثور على أسلحة دمار شامل؟

ـ لا، لم أفاجأ لأنها كانت النتائج التي توصلنا اليها قبل الحرب في العراق. لم تكن نتائجنا نهائية لأننا كنا نطلب بعض الشهور الاضافية، وانما لم أندهش على الاطلاق أنه لم يكن هناك أسلحة نووية على الاطلاق في العراق، لأننا لم نر أي دليل قبل الحرب على العراق بأنه أعاد مرة أخرى بناء برنامجه النووي. ولذلك، يجرّني هذا الى أن نستخلص عبرة أساسية وهو أنه لا بد أن نكون كثيري الحذر قبل أن نقول إن برنامجاً نووياً في دولة ما مخصص لأغراض عسكرية. وكثيراً ما ينتقدونني لأنني لا أذكر أن البرنامج الايراني هو برنامج عسكري، وانما لن أذكر ذلك الا اذا رأيت دلائل مادية واضحة تدل على أن هذا البرنامج هو برنامج عسكري. وعمليات التفتيش يجب ألا تقوم على عمليات استنتاجات، انما يجب أن تكون مبنية على الحقائق. وأود أن أقول ان كل هذه المسائل تحملني على الاعتقاد بانه طالما ليس لدينا نظام أمن عالمي وجماعي تشعر كافة الدول فيه بالأمن، وطالما لدينا نظام يقوم على وجود الرادع النووي من جانب بعض الدول، فاننا سنرى محاولات مختلفة من دول مختلفة للحصول على السلاح النووي. ان عملنا في اطار عمليات التفتيش هو أن نعالج الظواهر ولكن لا يمكن حل المسألة ما لم نعالج جذور المسألة، وهو الشعور بانعدام الأمن ووجود مناطق وبؤر من التوتر مثل الشرق الأوسط وشبه الجزيرة الكورية. وعندما نتحدث عن نظام منع الانتشار لا بد أن نتذكر أن أفضل نظام لمنع الانتشار هو التوصل لتسويات شاملة في كافة مناطق التوتر والوصول الى نظام أمن عالمي يقوم على الموضوعية ويشمل كافة الدول بمظلة الأمن وألا يكون مبنياً ومعتمداً على الرادع الأمني. أملنا هو أن نتخلى بالكامل عن السلاح النووي وأن نتوصل الى ما هدفنا اليه منذ العام 1970 الى عالم خال من السلاح النووي.

* ما هو احتمال عودتكم الى العراق لاتمام مهمتكم؟

ـ نحن نودّ العودة الى العراق عندما يعيد مجلس الأمن النظر في صلاحياتنا في العراق. آمل أن نعود الى العراق مرة أخرى في أقرب فرصة، عندما يسمح لنا الوضع الأمني بذلك. وعلينا أن نقدم تقريراً الى مجلس الأمن بأن العراق خال من السلاح النووي وغيره من أسلحة الدمار الشامل ونقفل هذا الموضوع بصفة رسمية.

* ولكن، هل ستسمح لكم الولايات المتحدة بالعودة الى العراق لاغلاق هذا الملف؟

ـ هذا الموضوع متروك لمجلس الأمن والولايات المتحدة ليست هي المحرك الأساسي. فاذا طلب مجلس الأمن بأن نعود مرة أخرى فسنكون سعيدين بالعودة.

* في الختام، كيف تشعرون ازاء الضغوط الأميركية التي تمارس حالياً على بقية اعضاء الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمنعكم من الفوز بفترة ثالثة على رأس الوكالة؟

ـ هذا الموضوع لا يحرمني من النوم. أنا قررت أن أستمر في العمل وغالبية الدول الأعضاء في الوكالة طلبت مني الاستمرار، نتيجة وجود الكثير من المواضيع الحساسة والتي يودّون أن أقوم باحراز تقدم فيها قبل أن أنهي عملي في الوكالة. وبالتالي، اذا ما طلبت مني الدول بأن أستمر، فسأكون سعيداً في الاستمرار، واذا كان رأيها غير ذلك، سأكون سعيداً أيضاً من الناحية الشخصية بان أستكشف الكثير من المجالات الأخرى والعروض الأخرى المتاحة لي. من الناحية الشخصية سأكون أكثر راحة، وانما قناعتي بأن ما أقوم به في الوقت الحالي يتعلق بعمليات السلام والحرب تجعلني حريصا على أن أستمر في عملي هذا.

* وهل أنت متفائل من احتمال استمرارك في هذا العمل؟

ـ أعتقد أن الأمور ستسير على النحو السليم.