وزير الخارجية السوداني لـ«الشرق الأوسط»: دارفور لم تصل إلى مرحلة السلام للقبض على مجرمي الحرب فيها ومحاكمتهم

علاقاتنا مع إريتريا إلى تصعيد مستمر ما لم تغير سياستها * الترابي نقل من السجن إلى منزل وسنطلق سراحه قريباً

TT

أكد وزير الخارجية السوداني الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل أن الحكومة السودانية تسعى حالياً إلى تطبيق قرار محكمة الجنايات الدولية وفق رؤية خاصة تقضي بإجراء المحاكمات بحق مرتكبي جرائم الحرب في دارفور من دون السماح بمحاكمة أي مواطن سوداني خارج بلده.

وأشار الوزير في حوار أجرته معه «الشرق الأوسط» لدى زيارته الكويت، الى أن السودان سيعمل على التعاون مع قوات حفظ السلام والتي بدأت بالانتشار في الجنوب، مؤكداًَ مقدرة الحكومة السودانية على خلق جو من الحوار الإيجابي مع مختلف القوى والفصائل السودانية.

* بعد صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1591 و1593 قمتم بالتصعيد عبر تصريحات ومظاهرات ولكن يبدو أنكم في الأشهر الأخيرة تتجهون نحو التعامل بشكل آخر مع قرار مجلس الأمن ومع الولايات المتحدة الأميركية، ما تعليقكم على ذلك؟

ـ لغة التصعيد استخدمت فعلاً وبشكل كبير فور صدور هذين القرارين وذلك لأن الشعب السوداني قد وجد في كليهما نوعا من الاستفزاز والإهانة للقضاء السوداني بالإضافة إلى الشعور بالازدواجية لا سيما أن السودان ليس عضواً في محكمة الجنايات الدولية، ومع ذلك يصدر قرار لمحاكمة مجرمي الحرب من المواطنين السودانيين من دون إصدار أي قرار مماثل بحق مواطني الولايات المتحدة الموجودين في دارفور وهو الأمر الذي ألزم السودان حكومةً وشعباً بوضع سقف يمنع السماح بمحاكمة أي مواطن سوداني خارج بلده.

أما بالنسبة لسياستنا الحالية مع مجلس الأمن فهي لم تتغير أبداً خاصة أننا لسنا بصدد مناكفة مجلس الأمن وتحدي قراراته والتي بدأنا بالتزامها فعليا عن طريق تحقيق العدالة وإجراء المحاكمات مع البحث عن معالجة سياسية قانونية لهذا القرار والذي يفسح أمامنا المجال لا سيما أن للاتحاد الأفريقي دورا أصيلا في التعامل مع محكمة الجنايات ونحن نعمل حالياً من خلال هذه الفسحة من دون اللجوء إلى تسليم أي مواطن سوداني لمحاكمته في الخارج.

* ما هو مدى التعاون الذي ستبديه الحكومة السودانية مع مسألة المحاكمات الدولية للمتورطين في قضايا دارفور؟ وهل ثمة اتصالات حالية بينكم وبين مجلس الأمن من أجل تنفيذ قرار المحكمة الجنائية؟

ـ التعاون الذي ستقدمه الحكومة السودانية على هذا الصعيد ينبعث من قانون المحكمة نفسه والذي يقوم على مبدأ التكاملية ففي حال قام القضاء السوداني بالدور المناط به في محاسبة المسؤولين عن الجرائم الإنسانية فإن محكمة الجنايات الدولية ستكتفي بذلك، وها نحن الآن بصدد تأسيس محاكم مفتوحة ومراقبة بالتنسيق مع الاتحاد الأفريقي للقيام بالمحاكمات المطلوبة داخل السودان. وبالنسبة للاتصالات مع مجلس الأمن فقد حصلت بالفعل اتصالات شفهية بيننا وبين الأمين العام عند مشاركته في قمة آسيا وافريقيا والتي أقيمت في الثالث والعشرين من أبريل (نيسان)الماضي، لكن الحكومة السودانية ما زالت تدرس القرار بتمعن وأنا شخصياً قد قمت السبت الماضي برفع تقرير إلى البرلمان السوداني ضمنته ثلاثة خيارات حيال القرار، فإما أن نقبله ونطبقه وهذا الأمر له تأثيراته السلبية بالطبع على سمعة القضاء السوداني، أو نرفضه وهو الأمر الذي قد يقودنا إلى مواجهة حاسمة مع مجلس الأمن. أما الخيار الثالث فيكمن في التعامل مع القرار في ضوء السياسة التي رسمها مجلس الوزراء والقائمة على عدم تسليم أي مواطن سوداني وسنعمل وفق هذه الرؤيا على عدم تسليم أي مواطن سوداني وسنعمل وفق هذه الرؤيا وبعد صدور قرارات البرلمان السوداني بالاتصال الرسمي مع مجلس الأمن ومع الأمين العام له.

* كيف تقيمون علاقات السودان العربية بعد سنوات من الشد والجذب وكيف ترون علاقاتكم بدول القرن الأفريقي وأهمها تشاد؟

ـ علاقتنا مع الدول العربية في أحسن أحوالها من موريتانيا إلى المغرب والجزائر مروراً بدول الخليج العربي ومصر والعراق وسورية واليمن وغيرها، فعلى صعيد التعاون السياسي لم تتردد أي من هذه الدول في الوقوف إلى جانب السودان وعلى صعيد التعاون الاقتصادي فالعديد منها شارك ويشارك في مشروعات التنمية، وقد طرحت الجامعة العربية أخيرا مبادرات هامة جداً بشأن دعم السلام في السودان من بينها المشاركة في العملية السلمية وإنشاء صندوق للتنمية المستدامة في السودان.

أما بالنسبة لدول القرن الأفريقي، وأولها جمهورية تشاد فعلاقتنا ممتازة بها من دون استثناء وقبل يومين شارك الرئيس التشادي الوفد السوداني في توقيع اتفاقية بينه وبين واحدة من الحركات السودانية المتمردة، والاستثناء الوحيد على صعيد علاقاتنا الخارجية مع دول القرن الأفريقي هي علاقاتنا مع جمهورية إريتريا لا سيما أنها ، كما هو معروف ، تستضيف جماعات المعارضة السودانية المسلحة فوق أراضيها وتستغل الحدود المرسومة بين بلدينا لزراعة الألغام والمتفجرات لزعزعة الاستقرار داخل الأراضي السودانية وقد حاولنا بشتى الطرق إقناع الحكومة الاريترية بأنه ليس من مصلحتنا ولا مصلحة اريتريا أن يكون هناك توتر في العلاقات لأنها علاقات تاريخية يجب المحافظة عليها لكن السياسة الاريترية القائمة على العنف وعدم الدبلوماسية ما زالت تسير على نهجها ليس فقط مع السودان بل مع كل من اليمن وجيبوتي وإثيوبيا.

* إلى أين تسير المصالحة الوطنية ومتى نستطيع القول إن السودان قد تعافى نهائياً؟

ـ في نهاية العام سنضع حداً للنزاعات والتوترات داخل الأراضي السودانية خاصة أننا قد انتهينا من وضع حد لأطول حرب استمرت 20 عاماً وهي الحرب في الجنوب قبل أن يأتي هذا النظام، وخلال الشهرين المقبلين سنصل إلى رؤية واضحة لإصلاح الأوضاع في دارفور ونتوقع خلال الفترة المقبلة أن نوقع اتفاقية مع التجمع الوطني الديمقراطي بحيث يدخل السودان في 2006 حقبة جديدة عنوانها مزيد من الأمان والاستقرار والتنمية.

* ما هي علاقة الحكومة السودانية بالقوى السياسية؟

ـ هناك عدد من الأحزاب السياسية في السودان تشارك في مفوضية الدستور ولا يزال الحوار مع بقية القوى قائماً لاقناعها بالمشاركة في مسودة الدستور مع الحركة الشعبية والحكومة السودانية والتي يتم التداول بشأنها الآن وبعد ثلاث سنوات ستكون هناك انتخابات عامة تشارك فيها كل القوى السياسية وبالتالي فإن اتفاقية السلام التي وقعت في الجنوب لم توقف الحرب بين الشمال والجنوب فحسب، بل وضعت أساساً صالحاً لكيفية توزيع الثروة والسلطة والتحول السلمي الديمقراطي في السودان.

* كيف تقيمون الوضع حالياً في دارفور وما الجهود التي ستبذلها الحكومة للتصدي للوضع القائم هناك؟

ـ نحن نعالج الوضع في دارفور وفق ثلاثة محاور، المحور الإنساني والذي نعمل من خلاله على توفير مساعدات إنسانية للاجئين والمنكوبين هناك بالتعاون مع المجتمع الدولي وقد نجحنا في ألا تكون هناك مجاعة أو كارثة وبائية في هذا الإقليم، والمحور الأمني بحيث يكون هناك تعاون مع الاتحاد الأفريقي والذي قرر أخيراً زيادة عدد قواته في إقليم دارفور وفي اعتقادي أن الاتحاد الأفريقي سيسيطر على الأوضاع الأمنية هناك بالتعاون مع الحكومة السودانية، أما المحور الثالث فهو المحور السياسي من خلال المباحثات التي يرعاها الاتحاد الأفريقي في نيجيريا ونتوقع خلال هذا الشهر أن نخوض جولة تكون الأخيرة للوصول إلى حل سياسي بالنسبة لمشكلة دارفور، أما بالنسبة لتقييم الوضع حالياً في دارفور فنحن نرى عموماً بأن الأوضاع تشهد تحسنا كبيرا ونحن حريصون على أن يستمر هذا التحسن حتى نصل إلى حل سياسي للوضع القائم.

* هناك شكوك حول مدى جدية الحكومة السودانية في الإقدام على القبض على قادة الجنجويد في دارفور ومحاكمتهم؟

ـ لم نصل بعد في دارفور إلى مرحلة السلام الكامل الذي يسمح بسهولة القبض على كل المتهمين ومحاكمتهم لا سيما أن البعض منهم متمردون وخارجون عن القانون، ولذلك فنحن لا نتوقع أن تكون هناك معالجة كاملة لهذا الملف إلا بعد الوصول إلى حل سلمي يهيئ إلقاء القبض على كل من سببوا هذه المآسي.

* أدانت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أخيرا وبالإجماع الوضع الإنساني في دارفور ومنحت نفسها صلاحيات واسعة للتحقيق في هذا الموضوع عن طريق محقق خاص، ما موقفكم من ذلك؟

ـ القرار الصادر من لجنة مجلس الأمن والخاص بالسودان لم يصدر تحت البند التاسع وهو بند العقوبات والإدانات بل صدر تحت البند التاسع عشر وهو بند المساعدات الفنية لعلاج الإشكال القائم، ولهذا السبب قبلنا بمشروع القرار لنعكس مدى جديتنا واستعدادنا لقبول أية مساعدات فنية يمكن للمجتمع الدولي أن يقدمها لمعالجة حالات الانتهاك الإنساني في دارفور.

* ما مدى التعاون الذي ستقدمه الحكومة مع قوات حفظ السلام والتي بدأت بالانتشار في إقليم الجنوب أخيرا؟ وماذا بِشأن إعلان الكويت أخيرا مشاركتها الرسمية في هذه القوات؟

ـ سنترجم تعاوننا مع تلك القوات عن طريق إعطائها الأرض وتعيين منسق خاص ليتولى تسهيل إجراءات الدخول هذا فضلاً عن المساعدات والتسهيلات التي ستقدمها الحكومة وسيكون هناك شخص آخر تلتزم بتعيينه حكومة الجنوب، وبالتعاون بين الحكومتين سنسعى إلى تقديم الخدمة المطلوبة لهذه القوات لتؤدي دورها على أكمل وجه من جهة ، وحتى لا تنفلت عن الدور المناط بها من جهة أخرى.

أما بالنسبة لإعلان الكويت المشاركة بقوة تحت مظلة الأمم المتحدة فهو أمر رحبنا به عند لقائنا بالمسؤولين الكويتيين، لا سيما أن الكويت من الدول العربية القليلة التي ساعدت بعد اتفاقية أديس أبابا في عمليات إعادة الإعمار والتأهيل في الجنوب وهذه المشاركة نعتبرها هامة جداً من دولة عربية قد تسهم في تشجيع بقية الدول في الانضمام إلى بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في جنوب السودان.

* ما هو رد فعل الحكومة السودانية اثر رفض حزب المؤتمر الشعبي المعارض لأية مفاوضات مع حزب المؤتمر الوطني الحاكم إلا بعد الإفراج عن زعيمه الدكتور حسن ترابي؟ وماذا بشأن الموقف الأخير للسيد الصادق المهدي؟

ـ حزب المؤتمر الشعبي دخل في مفاوضات أخيرا مع الحزب الحاكم وقد أحدثت هذا المفاوضات نوعا من التقارب في وجهات النظر لكننا لا نستطيع أن نقول أنها طبعت العلاقات بين الطرفين ومع ذلك فالاتصالات بيننا ما زالت مستمرة. وبالنسبة للدكتور حسن ترابي فسيطلق سراحه قريباً خاصة أنه قد نقل حالياً من السجن الى منزل وسيتم إطلاق سراحه في هذا المنزل خاصة. إننا لا نريد أن ندخل في عملية السلام وهناك سياسي واحد معتقل، فالترابي رجل عالم شارك في العديد من الأحداث والفعاليات في الوطن العربي وإذا كان قد حدث في الماضي أي نوع من الخلافات فنحن نريد أن ننهي هذه الخلافات وأن يشارك الترابي بعد خروجه من العمل السياسي داخل السودان، أما بالنسبة لموقف الصادق المهدي الأخير فنحن نحترم الرأي الآخر على أي حال لكن الحكومة تختلف كلياً مع ما يراه الصادق المهدي.

* واضح أن هناك توجها لفتح السودان للاستثمار الأجنبي، إلى أين وصلت جهودكم في هذا المجال؟

ـ لا يمر يوم واحد الآن إلا ويستقبل السودان مزيدا من الاستثمارات الأجنبية، وهناك استثمارات ضخمة جداً داخل السودان من الصين وماليزيا والهند وباكستان وفرنسا والعديد من الدول العربية وقد دخلت أخيرا اليابان وكوريا الجنوبية إلى الساحة الاستثمارية في السودان، وقد أفاد تقرير المؤسسة العربية للاستثمارات أخيرا بأن السودان ومع نهاية العام 2004 كان أكثر الدول العربية استقبالاً للاستثمارات الأجنبية، ولذلك فنحن نسعى من خلال الملتقى الاقتصادي الذي نحضره في الكويت حالياً والعديد من الملتقيات الأخرى أن نجذب أكبر عدد من المستثمرين الأجانب إلى السودان.