المزودي: رفضت طلب اللجوء لدى ألمانيا وتمنيت قدوم بن الشيبة للمحكمة وقوله الحقيقة

قال لـ «الشرق الاوسط» : خطيبة زياد الجراح تمنت له حظا سعيدا خلال المحاكمة

TT

في حي «المسيرة» الشعبي بمدينة مراكش المغربية يعيش عبد الغني المزودي في هدوء وسكينة بين ظهراني عائلته، بعيدا عن ضوضاء المحاكمة، التي قضت مضجعه ومضجع العائلة في المغرب، بعدما برئ نهائيا من تهمة تقديم الدعم اللوجستي لـ «خلية هامبورغ» ـ القاعدة الخلفية الرئيسية لمنفذي هجمات 11 سبتمبر (ايلول) 2001 في الولايات المتحدة.

ها هو يعود الى أهله بعد غياب دام خمس سنوات جرت فيه مياه كثيرة تحت الجسور. لقد صدمت العائلة عندما بدأت تشاهد صور ابنها عبد الغني الذي أرسلته للدراسة في ألمانيا مطلع التسعينات تظهر في وسائل الاعلام العالمية وتربطه بتهم من العيار الثقيل، كانت كافية لتضاعف معاناة الاسرة.

وقال المزودي في حديث مع «الشرق الاوسط» إنه تعرف على محمد عطا، زعيم منفذي هجمات سبتمبر، أواخر عام 1995 في مكتبة الجامعة بهامبورغ، وتكونت علاقة عادية بينهما، رغم أن تخصص عطا كان هو «تخطيط المدن»، بينما كان المزودي يدرس الهندسة الكهربائية، مضيفا أنه كان يلتقي عطا أيضا في المسجد بحكم أنهما كانا يقطنان في منطقة واحدة، ومع مرور الوقت تطورت العلاقة بينهما «رغم أنها ظلت محدودة»، يقول المزودي.

وذكر المزودي أن عطا دخل يوما إلى غرفته وشاهد صورا للمغرب معلقة على جدران الغرفة فقال معلقا: «خلاص، قمت بمغربة البيت»، موضحا أن عطا كانت لديه روح النكتة. وأكد المزودي أنه لم يقابل عناصر خلية هامبورغ منذ بداية عام 2000، لأنهم اختفوا، وقال انه عندما سأل أحد الطلاب، رمزي بن الشيبة، عن عطا، أجابه أن عطا ذهب إلى ماليزيا، «وهكذا كان يراوغ، ولم يقل الحقيقة». واكد المزودي انه رفض طلب اللجوء لدى المانيا بعد تبرئته، وانه كان يتمنى لو قدم رمزي بن الشيبة، قيادي «القاعدة» المعتقل الآن لدى الاميركيين، الى المحكمة «وقال الحقيقة». علق المزودي على صمته طيلة أطوار محاكمته في المانيا بالقول إنه انسان صامت، كما أنه التزم بنصيحة محاميته التي طلبت منه التزام الصمت. وفي ما يلي نص الحديث:

* هل لك أن تحدثني عن أيامك الأولى في مدينة هامبورغ الالمانية وظروف تعرفك على محمد عطا، الزعيم المفترض لمنفذي هجمات سبتمبر، ورمزي بن الشيبة، وباقي أعضاء ما عرف بعد تفجيرات 11 سبتمبر بخلية هامبورغ ؟

ـ سافرت الى مدينة هامبورغ من أجل الدراسة حيث التحقت بمدينة «دور تموند» أولا لدراسة اللغة الألمانية لبضعة أشهر قبل أن ألتحق بمدينة أخرى من أجل دراسة العام التحضيري قصد الاستعداد للدراسة بجامعة هامبورغ، وأثناء فترة الدراسة تعرفت على محمد الأمير.

* تقصد المصري محمد عطا ؟

ـ نعم، أنا أعرفه باسم الأمير، وكان ذلك في أواخر عام 1995 حيث تعرفت عليه في مكتبة الجامعة، وتكونت بيننا علاقة عادية رغم أن تخصص دراسته كان هو «تخطيط المدن»، بينما كنت أنا أدرس الهندسة الكهربائية، كما كنت ألتقيه في المسجد بحكم أننا كنا نقطن في نفس الحي، ومع مرور الوقت تطورت العلاقة بيننا رغم أنها ظلت محدودة.

* كيف كان انطباعك عن عطا خلال تلك الفترة ؟

ـ محمد عطا كان يكبرني سنا، لذلك كنت احترمه، وكان شابا ينظم وقته ويتقن اللغة الألمانية، واشتهر بدعوته الألمان الى اعتناق الاسلام، اذ كان نشيطا في هذا المجال.

* هل كنت على علم بانتمائه الى تنظيم معين في تلك الفترة؟

ـ سبق له ان أكد لي أنه لا ينتمي الى أي تنظيم، لأن والده منعه من الانتماء الى أية جماعة أو تنظيم، وحكى لنا أنه عندما جاء الى ألمانيا، لم يكن ملتزما دينيا.

* في تلك الفترة التي تعرفت فيها على عطا، لم يكن زياد الجراح قد وصل بعد الى مدينة هامبورغ، أليس كذلك ؟

ـ نعم لم يكن الجراح قد حل بهامبورغ.

* خلال التسعينيات عاش العالم العربي والاسلامي مجموعة من الأحداث منها مخلفات حرب البوسنة والصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي وحرب الشيشان. كيف تفاعلتم كطلبة مع كل هذه الأجواء، وكيف أثرت على النقاشات التي كانت تدور بين هؤلاء الطلبة في هامبورغ ؟

ـ هذه الأجواء عشناها بشكل عادي، وكان الامر يتعلق بمجرد أخبار نسمعها، ولم نكن نخصص لها اهتماما كبيرا، إذ كنا نخصص قسطاً كبيراً من الوقت للدراسة، ولم يكن لدينا وقت لمناقشة مثل هذه القضايا، ولا أذكر أننا كنا نخوض في مثل هذه الأمور.

* ما هي القضايا التي كنتم تناقشونها؟

ـ كنا نناقش بعض القضايا الاجتماعية، فكل واحد يحكي عن قضايا بلده وتقاليده، وفي الأوقات الفاصلة بين صلاة الظهر والعصر نجلس في المسجد للنقاش، وأذكر أن كثيرا من الطلبة كانوا يعرفون أنني أعلق صورا من المغرب في الغرفة نفسها التي سبق لعطا ورفاقه أن أقاموا فيها. وذات يوم دخل عطا إلى غرفتي وشاهد الصور التي أعلقها على الجدران وخاطبني قائلا: «خلاص، قمت بمغربة البيت»، فأجبته أنني أحب بلدي، وكنت ألاحظ أن عطا لم يكن متعصبا أو متشددا، بل كان يعجبه اطلاق النكت بين الفينة والأخرى باللهجة المصرية.

* بعد مجيء رمزي بن الشيبة وزياد الجراح ومروان الشحي وغيرهم إلى هامبورغ، كيف بدأت تتعايش معهم بعدما تكونت هذه المجموعة؟

ـ أولا، تعرفت على بن الشيبة أثناء أداء الصلاة في المسجد، وكان شابا معروفا، أما الجراح، فلم يأت إلا في فترة متأخرة حيث تعرفت عليه في الجامعة عن طريق أحد الأصدقاء الذي كان يقطن بجانبه، ثم التقيته بعد ذلك في المطعم، كما أن مروان الشحي جاء متأخرا الى هامبورغ اي في غضون عام 1998 .

* كيف كان انطباعك عن هذه المجموعة التي عرفت بخلية هامبورغ، وكيف كنت تنظر الى النقاشات التي كانت تدور بينهم، والكتب التي كانوا يقرأونها؟

ـ في الحقيقة، لم أكن أزورهم في غرفهم حتى أعرف الكتب التي كانوا يقرأونها، لكن أظن أنها كتب عادية مثل كتب ابن كثير أو كتب تناقش فقه سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم.

* تردد خلال محاكمتك أنك قمت بتأجير غرفة لرمزي بن الشيبة، هل هذا صحيح؟

ـ لم يكن ذلك باسمي، بل كنت مجرد وسيط، وكان ذلك في عام 2000، بعدما وضع بن الشيبة اعلانا في الجامعة مفاده أنه يبحث عن غرفة، وهكذا تيسر له السكن مع أحد الأصدقاء، وقالت السلطات الألمانية ان بن الشيبة كان يختبئ هناك، لكن الغرفة التي يسكن فيها كانت توجد في الحي الجامعي، وكان يخرج بمعية زميله صباح مساء، وحتى عندما استمع الألمان للشهود من ذلك الحي أخبروهم أنهم كانوا يعيشون حياة عادية، ولم يكونوا خائفين، والدليل أن المسؤولين عن الحي الجامعي كادوا ذات مرة أن ينادوا على الشرطة، لأن الشابين العربيين أثارا الضجيج بينما كان الألمان يريدون النوم، وأظن أن الشخص المختبئ لا يقوم بمثل هذه الأمور، كما أن الالمان قالوا انهم كانوا يريدون الابتعاد عن الأعين، والذي يريد أن يختبئ لا يسكن في الحي الجامعي.

* متى تعرفت على منير المتصدق (يحاكم الآن في المانيا بتهمة التورط في هجمات سبتمبر)؟

ـ تعرفت عليه في مدينة ميستر في أوائل عام 1994، وكنا نلتقي بعض المرات في المسجد، وبعثنا برسائل الى الجامعات من أجل قبولنا للدراسة بها، وعندما تم قبولنا في جامعة هامبورغ قررنا الذهاب للدراسة هناك.

* قبيل تفجيرات 11 سبتمبر، هل بدأت تلاحظ تغييرات على هؤلاء الطلبة الذين شكلوا خلية هامبورغ ، بمعنى أنهم صاروا منعزلين أكثر؟

ـ أنا لم أقابلهم منذ أوائل عام 2000، لأنهم اختفوا.

* ألم تتساءل الى أين ذهبوا؟ ـ لست أنا الذي سألت عنه، بل سأل أحد الطلبة بن الشيبة، فقال له إن محمد عطا ذهب إلى ماليزيا، وهو بذلك كان يراوغ، ولم يقل الحقيقة.

* قيل انك كنت من الموقعين على وصية محمد عطا، كيف حدث ذلك؟

ـ أستغرب التضخيم الذي رافق الحديث عن هذه الوصية، فالوصية كانت عادية، وذكر أنها وزعت في أحد المساجد، وحصلت على نسخة منها، وهذا أمر عادي أوضحه المتصدق أثناء المحاكمة عندما قال إن بنود هذه الوصية تجد مرجعيتها في السنة النبوية، ويكتبها الانسان المسلم اذا كان له دين أو شيء من هذا القبيل، وعندما طلب مني عطا التوقيع على وصيته، طلبت منه أن يمهلني أسبوعا حتى أقرأها، وبالفعل وقعت عليها، وكان ذلك أمرا عاديا جدا، وعندما وجدت الوصية قالوا انهم عثروا عليها في متاع منسي، ولا ندري ان كانت قد وجدت قبل ذلك.

* هل تعرفت على زكريا الصبار، الذي كان مكلفا نقل رسالة مشفرة الى أفغانستان حول عمليات 11 سبتمبر الى شخص يدعى «مختار» بدون أن يعرف فحواها؟

ـ نعم قرأت مثل ذلك في صحيفة «دير شبيغل» الألمانية، بعدما صرح رمزي بن الشيبة (المعتقل الآن لدى الاميركيين) أن الصبار نقل الرسالة الى أفغانستان، لكنه يتضارب في أقواله عندما قال مرة إنه نقل الرسالة بنفسه.

* كيف عشت أجواء هجمات 11 سبتمبر عندما بدأت وسائل الإعلام في الحديث عن اسماء مثل محمد عطا وزياد الجراح ومروان الشحي كمنفذين لتلك الهجمات، خصوصا أنك قاسمتهم السكن في الحي الجامعي والتقيتهم منذ وصولك الى هامبورغ؟

ـ لقد صدمنا أنا والأخ منير المتصدق، واستغربنا كيف أن هذه القضية الضخمة لم تتركز في أي منطقة من العالم إلا في مدينة هامبورغ، ولكننا ارتأينا أن نصبر حتى تتبين الأمور. وأذكر أن الشرطة قالت للمتصدق: «هل رأيت ما قام به أصدقاؤك؟»، وأمهلتنا الشرطة مدة يومين فقط بعد هذه الأحداث قبل أن تقوم بمداهمة سكنينا، وجرنا الى التحقيق.

* وهل ذهبت للتحقيق طواعية ؟

ـ نعم، ذهبت في البداية طواعية، بعدما استدعوا الصديق الذي كنت أقطن معه من أجل الشهادة ضدي، لذلك ذهبت الى التحقيق وكانت الأسئلة عادية حول طول قامة محمد عطا ولون عينيه وأشياء من هذا القبيل، ولم أنكر معرفتي به، وبعد ذلك أخلي سبيلي. وبعد ذلك تلقيت رسالة مفادها بان ثمة شكوكاً حول انتمائي الى هذه المجموعة، ومنذ ذلك اليوم دخلنا هذه المتاهة.

* هل سمعت أن الأميركيين جاؤوا الى المانيا للتحقيق في الموضوع؟

ـ طبعا، سمعنا بهذا الأمر، وإن كان بطريقة غير مباشرة، لكننا فهمنا أن هناك تبادلا للمعلومات.

* اعتقلت بعد مرور أزيد من عام على تفجيرات 11 سبتمبر. كيف قضيت فترة ما قبل الاعتقال؟

ـ كنا نعاني من المراقبة المتواصلة، وكانت وضعيتنا صعبة نوعا ما.

* مراقبة ماذا ؟

ـ كل شيء كان مراقبا، الهاتف، اضافة الى سيارة تلاحقنا دائما في الشوارع، ويراقبوننا أثناء الذهاب والاياب من الجامعة، أو في القطار.

* ولماذا لم يعتقلوك منذ البداية، وأمهلوك عاما كاملا ؟

ـ لم يعط لي تفسير لذلك، وكنت دائما أستغرب، لكن عندما اعتقلوا منير المتصدق أدركت أن دوري قادم، فقد اعتقلونا مرة على ذمة قضية «مكتبة التوحيد».

* ما هي تفاصيل هذه القضية؟

ـ قالوا ان هناك أناسا اجتمعوا ونادى أحدهم الآخر قائلا: «يا أبا عبد الرحمن البس لباسا جديدا وعش سعيدا ومت شهيدا»، ولمجرد ورود كلمة الشهيد أقاموا الدنيا ولم يقعدوها، وفسروها على أن كل واحد يتمنى للآخر أن يموت شهيدا، واتهمونا بتكوين جماعة ارهابية، وأنا لم أكن حاضرا في هذا الاجتماع، بل كنت فقط أتردد على المكتبة كباقي المسلمين، ولم أكن أعرف الخبر حتى اوقفتني الشرطة أثناء تناولي وجبة الفطور في المطعم، وأخذوني إلى مركز الشرطة الذي قيل لي فيه إنني أريد تكوين جماعة ارهابية.

* كان هذا بعد عمليات 11 سبتمبر؟

ـ نعم بعدها، وقلت لهم عن أي جماعة تتحدثون، فقالوا إنها جماعة أخرى، واتصلت بالمحامية التي أخبرتني أنه يمكنني أن أغادر مركز الشرطة بعد خمس دقائق، وهذه مسألة كان الهدف منها لفت انتباه وسائل الاعلام فقط.

* بعد اعتقالك في 12 أكتوبر (تشرين الاول) 2002، وجهت لك السلطات الألمانية مجموعة من التهم بينها المساهمة في تمويل خلية هامبورغ، ما هي الأسئلة التي طرحوها عليك؟

ـ أولا، لم يحقق معي المحققون، بل كان التحقيق فقط في اليوم الأول من الاعتقال عندما سألوني إن كنت أريد أن أتكلم أو أفضل التزام الصمت ونصحتني المحامية بالتزام الصمت، وهكذا سجنت اجمالا مدة 14 شهرا، لأن القانون الألماني ينص على السجن مدة ستة أشهر، واذا لم يثبت على المتهم شيء، يتم الافراج عنه، لكنهم اعتبروا أن حالتي وحالة منير المتصدق خاصتين، ولذلك مددوا اعتقالنا مدة ثمانية أشهر اضافية، وسألونا إن كنا نريد شيئا، فطالبناهم بتقديمنا للمحاكمة.

* راج اسمك بكثرة في وسائل الاعلام العالمية والمغربية بعد اعتقالك في هامبورغ، ماذا تختزن ذاكرتك عن لحظة الاعتقال الأولى؟

ـ رغم التهويل، فقد كنت واثقا من نفسي، وأعرف أنه لا علاقة لي بالأمر، والحمد لله الذي قوّى عزيمتي.

* كيف كنت تقضي أوقاتك في السجن؟

ـ حينما كنت أستيقظ في الصباح، كان الحارس يأتي الى زنزانتي ليتأكد انني ما ازال على قيد الحياة، وكان يقول لي صباح الخير قبل أن يذهب لإحضار وجبة الفطور المكونة من القهوة أو الشاي. وهي شبيهة بوجبة عادية مثل وجبات المستشفيات، واظل قابعا بزنزانتي حتى يجيء موعد ساعة الاستراحة في ساحة السجن. في الأيام الأولى كان مفروضا علي أن أبقى وحيدا في الساحة، وكان ممنوعا علي الكلام مع أي شخص.

* من هم السجناء الذين تعرفت عليهم؟

ـ أحدهم كان ابن أحد أثرياء هامبورغ يدعى فالك، فوالده هو الذي وضع تصميم خط المواصلات في المدينة، وكان يتابع قضيتي عبر الصحف حيث كان دائما يطمئنني ويقول لي انني سأحصل البراءة.

* وكيف كنت تتابع تطورات قضيتك ؟

ـ كنت أتابعها عبر المذياع، كما أن المحامية كانت تزورني مرة كل أسبوعين، وتخبرني بكل جديد.

* هل كان مسموحا لك بقراءة الصحف؟

ـ كان مسموحا لي بذلك، لكني كنت أملك مذياعا وأتابع من خلاله جميع الأخبار المتعلقة بمحاكمتي.

* هل كانوا يبثون باستمرار أخبارا عن محاكمتك ؟

ـ نعم بين الفينة والأخرى عندما يحضر شاهد مهم من أجل الادلاء بشهادته.

* كيف كنت تشعر عند سماع أخبار محاكمتك عبر المذياع ؟

ـ شعرت بالفرح عندما أتى رئيس حماية الدستور في المانيا ليقول كلاما جيدا.

* وصفت بأنك «العضو الصامت» في خلية هامبورغ، لأنك لم تكن تتكلم أثناء المحاكمة، عكس منير المتصدق، الذي كان يستجوب الشهود ويدافع عن نفسه، هل يدخل الصمت ضمن شخصيتك ؟

ـ طبيعتي أنني انسان صامت، لكن المحامية قالت لي إن القانون الألماني يتيح لي امكانية الدفاع عن نفسي أو الصمت، ونصحتني بالتزام الصمت، وقالت إن ذلك أفضل، ومعظم الشهود الذين أتوا الى المحكمة كانوا يقولون إنني شخص صامت بطبيعتي ولم أكن كثير الكلام، وقال أحد الشهود الرئيسيين في القضية إنني كنت على هامش المجموعة، بمعنى أني لم أكن مهما.

* كانت محاكمتك حافلة بالأحداث والمفاجآت، ضمنها شهادة خطيبة اللبناني زياد الجراح، وقالت الصحف انه طيلة الاستماع الى شهادتها ظلت عينك مثبتة على الأرض، كيف تفاعلت مع هذه الشهادة ؟

ـ نعم، كانت أول شاهدة في المحاكمة هي خطيبة زياد الجراح.

* هل كنت تعرفها قبل هذا التاريخ ؟

ـ لا، كنت أسمع عنها فقط، وأدلت بشهادتها، لكن اللافت هو أنها أثناء مغادرة المحكمة تمنت للمحامين الذين يترافعون عني حظا سعيدا، فأعجبهم ذلك.

* كنت متابعا بنفس التهم التي توبع بها المتصدق، ثم صدر الحكم عليه بالسجن مدة 15 عاما، هل اعتقدت لحظة صدور هذا الحكم على المتصدق أنك ستواجه نفس المصير؟

ـ طبعا، فقد تأثرت كثيرا، فالليلة التي سمعت فيها خبر الحكم لم يغمض لي جفن، واعتقدت أنني ربما سأواجه نفس المصير، وأذكر أنه أثناء المحاكمة أخبرتني المحامية أن قضيتي تتأرجح بين الانفراج والتأزم، وفي الأخير قالت لي ربما سأواجه نفس مصير المتصدق.

* ألم تشعر أن هناك نوعا من العنصرية من طرف بعض أعضاء هيئة القضاء الألمانية او أن ضغوطاً من السلطات الأميركية قد مورست عليهم؟

ـ ربما مورست بعض الضغوط في محاكمة المتصدق، لكن محاكمتي كانت عادية، وإن كان أحد ممثلي الادعاء الفرعي عنصريا، فكل التعجيزات والوعيد كانت تأتي من طرفه إما بطريقة مباشرة في المحكمة أو عن طريق الصحف مثل صحيفة «دير شبيغل» الألمانية.

* ما هو تقييمك للتغطية الاعلامية لمحاكمتك من قبل الصحف الألمانية ؟

ـ سبق لصحيفة «دير شبيغل» أن قالت كلاما لا بأس به، عندما أكدت أن المزودي لا يعرف إن كان لا يعرف شيئا أو أنه خائف، ونشرت أقوال رمزي بن الشيبة على أعمدتها، واستدعى القاضي الصحافيين وسألهم إن كان ما نشروه من أقوال بن الشيبة مختاراً أم أنه قصاصة، فأجابوه أنهم يملكون قصاصات، وبعد ذلك بدأت الصحيفة مسلسل النقد، وحتى عندما ثبتت البراءة، شرعت الصحيفة في الترويج لكلام غير مسؤول، ونشرت مجموعة من المغالطات والشائعات.

* كيف قيمت شهادة المتصدق عندما جاء الى المحكمة ؟

ـ كانت أول مرة أراه بعد اعتقاله منذ حوالي عامين ونصف العام.

* هل بدا لك مختلفا؟

ـ الاختلاف الوحيد هو أنه أطلق لحيته أكثر، والصحافة رسمت صورة له وأيضا للمصافحة التي تمت بيني وبينه، كان منظرا مؤثرا.

* قال شادي محمد مصطفى في شهادته إنه كان حارسا شخصيا لأسامة بن لادن في أفغانستان بحكم ضخامة جسده وأنه شاهد المتصدق وهو يستمع لإحدى الخطب التي ألقاها زعيم تنظيم القاعدة ؟

ـ (مقاطعا) نعم، لقد قال مثل هذا الهراء.

* كيف تحول مصطفى الى شاهد اثبات ضدك وضد المتصدق؟

ـ كما ذكرت احدى الصحف، فقد تحول مصطفى الى مرشد للادعاء، فكل مرة يذهبون به هنا وهناك، بل حتى أقواله التي زودتني بها المحامية كانت مدونة في حوالي 400 صفحة، لذلك لم أقرأها كلها.

* وما رأيك فيه ؟

ـ لقد خرج من السجن بعدما ادى خدمات للسلطات الالمانية، وذكرت الصحف أنه توجه الى بلجيكا وحصل على الجنسية. لقد أصبح منهم.

* طلبت السلطات الألمانية أثناء المحاكمة من نظيرتها الأميركية إحضار رمزي بن الشيبة من أجل الادلاء بشهادته، لكنها رفضت ذلك، هل كنت تعول كثيرا على شهادة بن الشيبة ؟

ـ كنت أتمنى أن يحضر بن الشيبة ليقول الحقيقة، لكنني صدمت عندما أخبرتني المحامية أن السلطات الأميركية رفضت السماح له بالمجيء الى ألمانيا، كما أن الادعاء كان يملك بعض الأقوال التي رفض الادلاء بها بدعوى المحافظة على أمن ألمانيا، وقال القاضي إن «ما يهمنا هو ما قاله عن المزودي، أما ما تبقى فلا يهمنا».

* بعد وصول القضاء الالماني رسالة خطية من بن الشيبة، هل بدأت تشعر أن الأمور اتخذت مسارا جديدا؟

ـ نعم، يوم وصلت الرسالة تم الافراج عني، وبدأت بعض المؤشرات تلوح في الأفق، فالادعاء الفرعي طلب استدعاء وزير الداخلية والصحافي المصري يسري فودة (الذي كان اجرى لقاء صحافياً مع بن الشيبة وخالد شيخ محمد)، بعدما كنا طلبناه أولا للشهادة، لكن المحكمة والادعاء رفضوا ذلك، قبل أن يطلبوه مرة ثانية من أجل التعليق على اللقاء الصحافي الذي قام به مع بن الشيبة، لأن هذا الاخير ذكر في كتاب فودة أنه حتى الأصدقاء المقربين منه لا علاقة لهم بعمليات 11 سبتمبر.

* بعدما انقشعت الغيوم عن قضيتك، لاحظنا سخطا من قبل السلطات الأميركية خصوصا بعد الافراج عنك والحكم ببراءتك، بماذا تفسر هذا الموقف؟

ـ عندما أفرج عني القاضي قال لي إنه يريد أن يعرف رد فعل الأميركيين، وأذكر أن الادعاء خاطبه قائلا إنه كان على القاضي أن يذهب للنوم ليلة، ثم يفكر في الأمر بدون الحاجة الى الافراج عني، لكن القاضي أجابه أنه نام تلك الليلة، لكن القرار الذي اتخذه لن يتغير. طلبوا من القضاء الأميركي شهادة بن الشيبة فيما يتعلق بي، لكنهم كانوا يرفضون، بل حتى التقرير الذي جاء من الكونغرس الأميركي لم يذكر فيه اسمي. وجاء تقرير مكتب المباحث (اف. بي. آي) بعد ذلك، ولم تكن فيه أشياء جديدة تديننا عكس ما روج له ممثل الادعاء، وعلقت الصحف على ذلك بقولها ان الادعاء تلقى صفعة قوية.

* نقطة أخرى بقيت غامضة في محاكمتك تتعلق بشهادة عميل للاستخبارات الايرانية حول علاقتك بخلية هامبورغ، وتقديمك الدعم اللوجستي لها، هل يمكن أن تشرح لنا هذا الأمر؟

ـ هذه كانت طبخة محبوكة من أحد ممثلي الادعاء الفرعي حتى يؤخر النطق بالحكم، فقد بعث بفاكس بسرعة الى المحكمة وقيل إن هناك شاهداً جديداً، وبعد استدعائه من قبل الادعاء سأله القاضي: منذ متى وأنت تتوفر على شهادة هذا الشاهد، فأجابه قائلا: منذ حوالي أربعة أشهر، وهي موجودة في درج مكتبي، فعلق القاضي على كلامه بالقول: أنت تعلم أن هناك محاكمة حول أحداث 11 سبتمبر، وتحتفظ بالشهادة كل هذه المدة في درج مكتبك وتريدني أن أصدقك.

وجاء الشاهد في الأسبوع نفسه، وبقيت أضحك طيلة الجلسة، لأني أعرف أنه كذاب ، وبعد التحريات التي قامت بها السلطات الألمانية اكتشفت أنه شخص متضارب في أقواله، وقال إنني كنت في ايران رغم أني كنت متعاقدا مع احدى الشركات خلال الفترة التي ذكرها، بل حتى الادعاء ذكر في التحقيقات أن هذا الشاهد كان يشتغل مع الاستخبارات الاميركية، لمدة عشر سنوات، ولم يتلق مكافأة مالية.

* عندما خرجت من السجن، أين توجهت، وكيف اصبحت حياتك في ألمانيا، خاصة أنك لم تعد شخصاً عادياً ؟

ـ عندما خرجت من السجن اتصلت ببعض الأصدقاء الذين فرحوا كثيرا للافراج عني، واتصلت بعائلتي من المحكمة بالهاتف النقال الذي كان بحوزة المحامية التي ترافعت عني، وأخبرت والدتي بانني حصلت على براءتي، فظلت تبكي لمدة خمس دقائق قبل أن أسمع كلماتها الأولى عبر الهاتف، وكانت تلك لحظات مؤثرة.

* راج أنك طلبت اللجوء السياسي من السلطات الألمانية، لأنك تخوفت من محاكمة الأميركيين لك؟

ـ لا، هذا غير صحيح، وهذه مسائل نشرت في الصحف، لكنها غير صحيحة، ونصحني البعض بطلب اللجوء لكنني أخبرتهم أنني لن أطلبه. وحتى بعد استئناف الحكم من طرف الادعاء، لم أكن أشك في تثبيت براءتي، كما أن إفادة بن الشيبة أكدت هذا الأمر.

* هل كان الادعاء يضيق عليك لدرجة أصبحت تشعر معها أن هناك نوعا من التحامل عليك ؟

ـ طبعا كان هناك بعض التحامل، وشعرت بذلك أثناء المحاكمة.

* هل تعمق لديك هذا الشعور عندما بدأت السلطات الألمانية تتحدث عن اعتزامها طردك ومنير المتصدق من أراضيها في حالة ظهور البراءة ؟

ـ أذكر أنه في أغسطس (آب) 2004 أرسلوا لنا رسالة، وقالوا لنا إنه بعد صدور الحكم، لن يمهلونا أكثر من أسبوعين لمغادرة ألمانيا، لذلك خمنت أنه حتى لو رفعت قضية ضدهم، فإنهم سيرفضونها، وكنت فقط أرغب في اتمام دراستي على امتداد عام ونصف العام.

* قيل انك رفضت الحضور الى محاكمة المتصدق خوفا من اعادة محاكمتك، لماذا رفضت الحضور؟

ـ لا، أبداً، هذا غير صحيح، فقد حضرت محاكمة المتصدق، لكني بقيت صامتا طيلة الجلسة بعدما طلبت مني المحامية التزام الصمت.

* هل عرض عليك اللجوء الى بلد آخر غير المغرب ؟

ـ لا، ويوم تثبيت البراءة، قال لي السناتور الألماني ناك، وزير داخلية هامبورغ: إنه رغم هذا الحكم، عليك أن تغادر البلاد، فخاطبته قائلا: سأتركها لك.

* كيف كانت الرحلة من ألمانيا إلى المغرب ؟

ـ كانت وسائل الاعلام حاضرة في مطار هانوفر، وربما تعرف علي بعض الركاب حيث سمعت أحد الألمان يتحدث مع المحامي في المقعد الخلفي للطائرة ويسأله عن ظروف القضية، وعندما شارفنا على الوصول إلى المغرب قام أحد الركاب المغاربة من مقعده، وخاطبني قائلا: «مرحبا بك في بلدك».

* ماذا تفكر أن تفعل الآن؟

ـ لم أزر المغرب منذ خمسة أعوام، وأرغب في الخلود الى الراحة بعد هذه المرحلة الحرجة، وبعدها يفعل الله خيرا.