يان برونك: من مصلحة السودان إنهاء أزمة دارفور قبل القمة الأفريقية في يناير بالخرطوم

مبعوث الأمم المتحدة إلى السودان : على الدول العربية أن تدرك أن كل الضحايا في دارفور هم عرب ومسلمون.. وعليها المساعدة

TT

أكد ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في السودان، يان برونك، أن الوضع في دارفور آخذ في التدهور منذ الشهر الماضي. وأوضح برونك في حوار مع «الشرق الأوسط» جرى في نيويورك أن «الوضع يتميز الآن بانعدام الأمن قياسا مع الفترة الواقعة ما بين فبراير (شباط) ويوليو (تموز) الماضيين»، وأشار إلى تنامي أنشطة حركة «المتمردين»، معربا عن أسفه لعدم امتلاك الأمم المتحدة مراقبين عسكريين من أجل التحقق من الاتهامات المتبادلة بين الحكومة السودانية وحركة تحرير السودان بانتهاكات اتفاق وقف إطلاق النار. وحمّل برونك الحكومة السودانية وحركة تحرير السودان مسؤولية تدهور الوضع وانتهاك اتفاق وقف إطلاق النار. ولاحظ مبعوث الأمم المتحدة أن الاهتمام الدولي قد تقلص في الفترة الأخيرة، وشدد على ضرورة إحياء الضغوط الدولية على أمل إنهاء نزاع دارفور في نهاية العام الجاري.

وبيّن أن الحكومة السودانية جادة فعلا في إنهاء حرب دارفور هذا العام وقبل انعقاد القمة الأفريقية التي من المقرر أن تعقد في الخرطوم في يناير (كانون الثاني) المقبل. وأفاد مبعوث الأمين العام بأن من مصلحة الخرطوم إنهاء الحرب في دارفور لتحسين سمعتها الدولية قبل انعقاد القمة الأفريقية. وهذا نص الحوار:

* كيف تقيم الوضع على الأرض في إقليم دارفور؟

ـ الوضع يتميز الآن بمزيد من القتال وبانعدام الأمن قياسا للوضع الذي كان في الفترة الواقعة ما بين شهري فبراير ويوليو الماضيين. وفي الشهرين الأخيرين تجدد القتال بين الأطراف، الميليشيات المتمردة وقوات الحكومة. وأن انعدام الأمن يعود إلى تجدد القتال بين الفصائل. وهناك تصاعد في أنشطة المتمردين على أراضي دارفور وهذا ما يعقد الوضع كثيرا، وأخيرا أن قوى المتمردين تعاني من الانقسام مقارنة بالوحدة التي كانت تتميز بها سابقا.

* في معارك الأسبوع الماضي اتهم المتمردون الحكومة السودانية بالتخريب على محادثات أبوجا فإلى أي حد هذا الاتهام صحيح؟

ـ للأسف الأمم المتحدة ليس لديها مراقبون عسكريون من أجل التحقق من هذه المزاعم والاتهامات، ونحن أيضا نسمع نفس الاتهامات الصادرة عن الحكومة ضد المتمردين. وتبدو العملية نوعا من الحركة الدائرية، فهناك دائما هجوم من قبل حركة ما، وهناك أيضا رد فعل انتقامي على ذلك الهجوم. وقد حدث هجوم جدي من قبل القوات التي تدعمها الحكومة، وفي الفترة الأخيرة وقع هجوم جدي من قبل المتمردين على منطقة الشعرية. وشخصيا اعتبر ما جرى انتهاكا واضحا لاتفاق وقف إطلاق النار غير أن التقييم الأخير بيد قوة الاتحاد الأفريقي. وأشير إلى الشعرية لأنها تحت سيطرة الحكومة، وادعت الحكومة أن شنها لهجوم معاكس هو رد فعل على حركة تحرير السودان. على سبيل المثال كان هناك هجوم من قبل قوات الحكومة على قرية (مالا) وقد قامت قوات الحكومة بهجمات عديدة في عدة مناطق منذ شهر أغسطس (آب) الماضي.

وفي الوقت الراهن يمكن لي القول إن المسؤولية يتحملها الطرفان والأمر المهم هو وقف هذه المعارك من أجل أن لا تتمخض عنها عواقب وخيمة في محادثات ابوجا.

وحتى الآن لم يتم هذا.. لقد سعى أمين عام منظمة الوحدة الأفريقية سالم سالم إلى بذل جهود وأكد للأطراف ضرورة استمرار المحادثات في أبوجا. وسوف يعقد اجتماع في تشاد لإلزام الأطراف على إعلان وقف إطلاق النار وسيعقب هذا الاجتماع لقاء آخر تحت رعاية الاتحاد الأفريقي في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.

* هل تعتقد أن الاتحاد الأفريقي نشر ما يكفي من قوات، خصوصا ما يكفي من عدد المراقبين العسكريين لمراقبة الوضع على الأرض؟

ـ إن العدد غير كاف على الإطلاق لأنه دائما يمكن للميليشيات والأطراف الأخرى القتال في المواقع التي لا توجد فيها قوات الاتحاد الأفريقي. وفي الحقيقة نحتاج إلى المزيد من القوات لأن دارفور إقليم كبير. وأتمنى أن نصل الى الهدف بنشر قوات يبلغ قوامها أكثر من سبعة ألاف فرد، ونريد المزيد من القوات في السنة القادمة من أجل تأمين حماية القرى.

* ثمة انطباع أن المجتمع الدولي تناسى ما يحدث من دارفور، هل هذا ما تشعر به؟

ـ لا لم ينس المجتمع الدولي بالكامل ما يحدث في دارفور، ولكن زخم الاهتمام قد خفَّ مقارنة بالعام الماضي حيث كانت قضية دارفور القضية رقم واحد على أجندة المجتمع الدولي. وقد طلبت من مجلس الأمن ضرورة استمرار الضغط الدولي على الأطراف. واعتقد أن من الصحيح القول إن الاهتمام الدولي قلّ وهذا ما يخفف الضغط على أطراف النزاع ويولد لديهم الإحساس بقيام ما يرغبون القيام به، فدائما هناك الحاجة إلى الضغط الدولي.

* بعد توقيع اتفاق السلام الشامل بين الجنوب والشمال وتشكيل الحكومة الجديدة إلى أي حد يمكن أن تؤثر هذه العملية على النزاع في دارفور؟

ـ ينبغي أن يؤثر هذا الاتفاق على النزاع في دارفور لأنه سيكون من مسؤولية حكومة الوحدة الوطنية التي شكلت حديثا. وأتوقع أن أعضاء حركة تحرير السودان في الحكومة لا يرغبون في استمرار النزاع في دارفور وهذا سيكون بالتأكيد عاملا مساعدا على حل النزاع.

* هل تعتقد أن من الممكن حل النزاع في المستقبل القريب؟

ـ نحن نأمل أن نكون في نهاية هذا العام قد حققنا هدفنا في إنهاء النزاع ووقف كل أنواع القتال. وهذا هدف تحدثت عنه في بداية شهر يناير الماضي. وعندما أذهب إلى دارفور وأتحدث مع المتمردين فهم لا ينكرون إمكانية إنهاء الحرب في نهاية هذا العام. وفي بداية هذه السنة دائما كانوا يطلبون جدولا زمنيا لإنهاء القتال وآخر مرة كنت بدارفور في الشهر الماضي وافقوا على إمكانية إنهاء النزاع في نهاية هذا العام. واعرف أيضا أن هذا هو ما تريده الحكومة ايضا للتخلص من الحرب، وهي تدرك المسؤوليات الكبيرة الناجمة عن هذه الحرب وتتطلع إلى موقف واحترام دوليين. وعلى سبيل المثال ان الحكومة السودانية تريد إنهاء هذه الحرب قبل انعقاد قمة الاتحاد الأفريقي التي من المقرر أن تعقد بالخرطوم في شهر يناير المقبل. ومن مصلحة السودان انهاء ازمة دارفور قبل انعقاد هذه القمة.

* في تقرير قدمته قبل حوالي أكثر من شهر ذكرت فيه أن الحكومة السودانية لم تفعل ما بوسعها من أجل محاكمة الأفراد المتهمين بجرائم ضد الإنسانية، هل الوضع ما زال كما هو عليه الآن؟

ـ حتى الآن لم تبذل الحكومة ما يكفي من الجهود، والبعض من المتهمين بالطبع ينبغي أن يمثلوا أمام المحكمة الجنائية الدولية. وأنا مسرور من إنشاء محكمة محلية وقد بدأت بطيئة وتم تقديم عدد صغير من المتهمين وأتوقع أن يتم تعجيل وإسراع العملية. ومنذ شهر يوليو (تموز) الماضي حين قدمت تقريري إلى مجلس الأمن لم يتحقق الكثير.

* هل مارستم أي ضغوط سواء من قبلكم أو من قبل مجلس الأمن؟

ـ هناك بعض الضغوط بالتأكيد ولكن ما نحتاجه هو الضغوط الدولية، ويمكنني القول إن الضغوط الدولية لم تتلاش ولكنها أخذت تخف بعض الشيء. وإذا لم يتم مثل هذا الضغط سيكون احتمال عدم تنفيذ الخرطوم لما هو مطلوب منها ضئيلا. * أي نوع من الدعم الدولي تسعى إليه؟ هل طلبت أي دعم من دول الاتحاد الأوروبي؟

ـ ما أطالب به هو تمديد المهمة التي أقوم بها والدعم المادي الكافي ليس فقط لتنفيذ المهمة التي تقوم بها الأمم المتحدة وإنما لتلبية الحاجات والمساعدات الإنسانية. والأهم من ذلك التصرف بإجماع كوسيلة سياسية للضغط على أطراف النزاع والضغط على الحكومة من أجل الحصول على حرية الحركة الكاملة لبعثة الأمم المتحدة في السودان. وكذلك التخطيط مسبقا للحصول على ما يكفي من قوات في دارفور والتعهد بتغطية نفقاتها، فما نسعى إليه هو مزيج من الدعم العسكري والمالي والسياسي. والأهم في المرحلة الراهنة ممارسة الضغط على الحكومة لأن هناك تململا للناس في الخرطوم.

* هل طلبت أي دعم من الدول العربية؟

ـ حتى الآن لم أقم بأي جولة إلى الدول العربية، وحتى الآن ليس لدينا ما يكفي من الموارد المالية. وبالتأكيد على الدول العربية والإسلامية بذل المزيد من المساعدة، وإنْ كانت شعوب بعض هذه الدول لم تدرك أن جميع الضحايا في دارفور يتحدثون العربية وجميعهم مسلمون. صحيح أن بعض القبائل لم تنحدر من أصول عربية وهي في النهاية أفريقية غير أن ثقافتهم وديانتهم ولغتهم جزء من العالم العربي والإسلامي.

* هل تنوي القيام بجولة إلى العالم العربي؟

ـ ليس لدي ما يكفي من الوقت لكي أتجول في عواصم العالم العربي للاستجداء، لكني أعتقد أنها من مسؤولية العالم العربي والإسلامي. وأدرك جيدا أن العالم العربي لديه ما يكفي من المشاكل، مثل قضية العراق وفلسطين، ولكن السودان يبقى جزءا من العالم العربي والإسلامي.

* هل تعتقد أن ما يحدث في دارفور نوع من الإبادة الجماعية؟

ـ ليس من مسؤوليتي تحديد ما يجري في دارفور على أنه إبادة جماعية ولكن المعاناة التي يعاني منها السكان المدنيون تكاد تقترب من معاناة ضحايا الإبادة الجماعية، واعتقد أن هذا حكم جيد. وليس هناك أي سبب يدعو أي دولة للقول إن ما يجري في دارفور هو إبادة جماعية لذا علينا أن لا نفعل شيئا وهناك الآلاف من القتلى وأن هناك مليونين من السكان يعيشون في الوقت الحاضر في معسكرات اللاجئين دون الحصول على الحد الأدنى من وسائل الحياة الطبيعية. هذا ما يستدعي القيام بعمل ما وإذا افترضنا أن على الدول أن تتصرف في حالة حصول فقط إبادة جماعية علينا في هذه الحالة أن نتراجع خطوات إلى الخلف.

* حين نسأل المسؤولين في الحكومة ينكرون دائما تورطهم في النزاع الدائر في دارفور، فهل ترى خلاف ذلك؟

ـ أعتقد أن الحكومة قبل سنتين اتخذت قرارا خاطئا وكانت تدرك أن هناك قلقا من وجود تمرد وعدم استقرار في دارفور، وقد تجاهلت الوضع، ومن ثم أن بعض شباب الإقليم أخذوا المبادرة وأخذوا في تنظيم أنفسهم وبدأوا بشن هجمات، منها على المطار، وأنهم بالتأكيد تصرفوا بهذا الشكل لإحساسهم بالإحباط. وبالتأكيد كان من الممكن أن تتصرف الحكومة من خلال إرسال قوات إلى دارفور ولكنها لم تفعل هذا واعتمدت بالكامل على ميليشيا سارعت في تغذيتها وهي تنتمي إلى بعض القبائل العربية وهذا خطأ فادح والنتيجة هي أن الحكومة مسؤولة عما يجري في دارفور.

* هل تحمل حكومة عمر البشير المسؤولية؟

ـ اعتقد أن هناك قوى في الظلام وقد استخدمت هذا المصطلح في وقت مبكر ولا نعرف من هم، وبالتأكيد ليس الرئيس لأنه يريد السلام، ولا نائب الرئيس. بل بعض القوى (داخل الجيش) مجهولة تعمل في الظلام وهي بالضد من المصالح الوطنية وتسعى إلى مصالحها الخاصة، وقد تكون أهدافا اقتصادية أو سياسية، وحقا أنا لا أعرف من هذه القوى. ولا تستطيع معرفة هذه القوى إلا إذا كان هناك نظام ديمقراطي كامل. وما نراه هو انعدام الشفافية والكثير من السرية تسمح لمثل هذه القوى بمواصلة ما تقوم به من أعمال.