مندوب سورية لدى الأمم المتحدة فيصل مقداد لـ«الشرق الاوسط»: عقبة التحقيق في اغتيال الحريري ليست مكانه بل «مصداقيته»

دعوة المسؤولين السوريين إلى التحقيق في بيروت «استفزاز» لهم * لم يبلغنا ميليس أنه يريد مقابلة الضباط المطلوبين «على انفراد» * دمشق مستعدة للاستجابة في حال طلب مقابلة الشرع كشاهد

TT

قال مندوب سورية الدائم لدى الامم المتحدة ان العقبة الرئيسية التي تواجه التحقيق الدولي في جريمة اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية الراحل، رفيق الحريري، «ليست مكان التحقيق» بل «مصداقية» هذا التحقيق.

واعتبر مقداد في مقابلة مع «الشرق الاوسط» في نيويورك أن دعوة المسؤولين السوريين الذين يود الاجتماع بهم الى بيروت تشكل «استفزازا» للمطلوبين و«استفزازا» للعلاقات بين لبنان وسورية، مضيفا ان افادات المطلوبين «لن تتأثر من موقع الى آخر».

وأكد مقداد انه إذا تلقت سورية طلبا من ميليس لاستجواب وزير الخارجية فاروق الشرع سنكون «على استعداد كامل للاستجابة» الى الطلب، واستغرب عدم تعاون ميليس مع لجنة التحقيق السورية وتساءل: هل ميليس صادق في نوايا التعامل مع سورية ام انه ينوي، فقط، اتهامها بلا مبررات؟ وفي ما يلي حوار «الشرق الاوسط» مع فيصل مقداد:

> العقبة الرئيسية أمام لجنة التحقيق الدولية في اغتيال رفيق الحريري لا تزال تتعلق بمكان استجواب المسؤولين السوريين. لماذا تعلقون هذه الأهمية على مكان الاستجواب؟ ـ العقبة الرئيسية التي تواجه التحقيق ليست مكان التحقيق. العقبة الرئيسية التي تواجه التحقيق هي الى أي مدى سيكون للتحقيق مصداقية، من جهة، ومن جهة أخرى، يجب أن نأخذ في عين الاعتبار أن وجهة نظرنا ووجهة نظر الكثيرين تجاه التقرير الذي صدر ونوقش من قبل مجلس الأمن كان انه يعكس تسييساً واضحاً وابتعاداً حقيقياً عن تحقيق يمكن أن يُحترم. ماذا أقصد بذلك؟ أقصد بذلك أن البداية التي انطلق منها التحقيق ليست دقيقة والنتائج الأولية التي توصل اليها أيضاً في بعض الفقرات لم تكن دقيقة، وثالثاً أن المطلوب من التحقيق هو أن يقود بشكل أساسي الى كشف الحقيقة والحقيقة فقط، وليس الى استنتاجات أو الى توقعات وتصورات، لأن التقرير حفل بكثير من العبارات «ونتوقع» و«نتصور» و«نعتقد» و«نرى»، وهو ما أتاح لأعداء التحقيق الحقيقيين أن يشككوا في مصداقية ما تم. اذاً، هذه هي المشكلة الحقيقية. في الحقيقة، في ما يتعلق بمكان التحقيق، لم نكن نتصور على الاطلاق أن هذه المسألة ستمثل مشكلة، فمن الطبيعي أن يُأخذ رأي سورية في هذا المجال على الرغم من كل الصلاحيات التي أعطاها قرار مجلس الأمن للسيد ميليس ونحن نحترم ذلك، لكن أن يعود بشكل أو بآخر بالأشخاص الذين يود أن يلتقي بهم للتحقيق الى بيروت، فهذا استفزاز للمطلوبين للتحقيق واستقزاز للعلاقات بين البلدين الشقيقين وبين الشعبين الشقيقين، وأعتقد أن هذا الموضوع يجب أن يكون قد دُرس بشكل أكثر دقة من قبل لجنة التحقيق. وأكدنا نحن أن هذا الجانب شكلي، يجب ألا يطغى على كل شيء آخر، علماً بأن البعض حاول أن يجعل منه القضية الأساسية وهذا خطأ. نحن نقول أن هذا التحقيق يمكن أن يجري في أي مكان آخر، خارج لبنان، واقترحنا بشكل محدد موقع للأمم المتحدة بالجولان السوري، في الأراضي السورية، وقلنا إن ذلك الموقع يمكن أن تؤمن الأمم المتحدة حمايته الكاملة تحت علم المنظمة الدولية، وفي جو مريح جداً، من دون أي مجال لاحتكاك المحققين بأي عقبات تتعلق بالدخول أو الخروج من سورية. إذاً، سورية من جانبها قدمت كل ما يمكن، ونحن نأمل أن يُأخذ بذلك من قبل السيد ميليس وأعضاء لجنة التحقيق، وألا يسيء الآخرون استخدام هذا الجانب الشكلي لممارسة المزيد من ضغوطهم على سورية، وحرف التحقيق عن أهدافه الحقيقية. > اذا كان الموضوع شكليا كما تقولون، فلماذا الاصرار على عدم اجراء المقابلات في بيروت وانما في مقر القوات الدولية التابعة للأمم المتحدة في الجولان؟ هل ستتغير الافادات من مكان الى آخر؟

ـ هذا السؤال يثبت مرة أخرى وجهة نظر سورية. الافادات سوف لن تتأثر بموقع من دون الآخر.

>لماذا هذا الاصرار، اذاً؟

ـ الاصرار ليس على الافادات. الاصرار هو أن هذا الموقع يثير الحساسية بين شعبي سورية ولبنان، وبين سورية ولبنان كبلدين، ونحن لا نريد مزيداً من المشاكل في العلاقات السورية ـ اللبنانية. نريد احباط هذا النوع من المشاكل الذي قد ينشأ نتيجة الحساسيات التي قد تُثار من خلال استحضار مسؤولين سوريين مرة أخرى الى لبنان للتحقيق معهم.

> تقللون من أهمية مكان الاستجواب، ولكن بتصلبكم هذا، ألا تقدمون لميليس الحجة التي يبحث عنها البعض في مجلس الأمن للتأكيد على أنكم لم تتعاونوا بالشكل المطلوب؟

ـ نحن نعتقد أن العودة الى مجلس الأمن لن تكون مفيدة، لا لميليس ولا لغيره، لأن المجتمع الدولي سيكتشف آنذاك أن ليس المهم التحقيق الذي تصر على اجرائه سورية ضمن ظروف مواتية جداً للسيد ميليس وللجنة التحقيق، وانما الغرض من ذلك هو فقط الاساءة الى سورية واستغلال هذا الجانب الشكلي هنا أو هناك من أجل ممارسة الضغوط والأهداف الحقيقية لتلك الأطراف.

> ولكن أليس من الطبيعي والمنطقي أن يطلب ميليس استحضار هؤلاء المسؤولين الى لبنان كون الجريمة ارتُكبت هناك؟

ـ في المرة الماضية، أتى ميليس الى دمشق ولم يثر أحد معه هذه القضية، وحقق مع هؤلاء الأشخاص أنفسهم ولم يثر أحد في الصحافة اللبنانية أو الاعلام العالمي أو الولايات المتحدة هذه القضية. كما أن أياً من المسؤولين اللبنانيين لم يثر هذه المسألة، فلماذا يثيرونها الآن؟

> ميليس يصر على استجواب المسؤولين السوريين على انفراد، من دون وجود أي شخص يعمل لصالح الحكومة السورية. هل ستتركون له حرية التحقيق معهم؟

ـ طبعاً، سنعطيه أي حرية للتحقيق مع هؤلاء الأشخاص، لكن يجب الاتفاق معه من حيث المبدأ على ما يؤمن به هو شخصياً من ضمانات لهؤلاء الأشخاص.

> اذاًَ، أنتم تسعون الى الحصول على ضمانات؟

ـ نحن لم نثر هذا الموضوع لأننا لم نصل بعد الى هذا الموضوع، لكننا نعتقد أن السيد ميليس، كقاض وخبير في هذه الجوانب، سيعطي لهؤلاء الشهود الضمانات التي يجب أن يتمتع بها أي متهم أثناء عملية التحقيق معه. ونحن لا نطلب لا أكثر ولا أقل من ذلك. لكن هذه المسألة لم تُثر حتى الآن، وبالمناسبة اذا عدنا الى التحقيقات السابقة، لم تفرض سورية على السيد ميليس أي شيء على الاطلاق. كان هناك اتفاق سُمي بـ«اتفاق جنتلمان» بين السيد ميليس والمستشار القانوني لوزارة الخارجية السورية، وقبِل السيد ميليس بذلك من دون أي اعتراض. نحن في الحقيقة فوجئنا بل وصُعقنا من الطريقة التي تعامل بها ميليس مع هذا الجانب. لو قال إنه لا يريد أحداً لكنا استجبنا الى ذلك.

> لم يبلغكم بأنه يريد اجراء المقابلات مع المسؤولين السوريين على انفراد؟

ـ لم يطلب ذلك على الاطلاق ونعتقد أن سورية خُدعت بذلك. نحن الذين خُدعنا ونحن الذين شعرنا بسكين في ظهرنا.

> ما هو المخرج الآن، في تقديركم، للمأزق الحالي المتعلق بمكان الاستجواب؟ ما هو الحل الوسط الذي يمكن أن يقبل به الجميع؟

ـ نحن في الحقيقة الآن نقف في نقطة يمكن أن يكون فيها الموضوع كله قد حُل من خلال الاجتماع الذي جرى بين السيد ميليس والمستشار القانوني السوري. لكن، اذا كان هذا الاشكال لا يزال قائماً، فنحن نأمل من السيد ميليس ولجنة التحقيق تفهم ذلك، ونأمل أن تساعد كافة الأطراف المعنية على ايجاد الحل المناسب الذي يرضي كل الأطراف، وسورية في طبيعة الحال، ستتعاون مع التحقيق الجوهري والنقي والنظيف الذي يريده السيد ميليس.

> هل ترون أي تباين في مواقف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من مكان الاستجواب وآلية التحقيق؟

ـ في الحقيقة، نحن لا نود أن ندفع باتجاه التحقيق وكأنه مسألة استقطاب. نحن نأمل أن تُحل هذه المسألة على نار هادئة لأن التحقيق هو اللقاء مع هؤلاء الأشخاص المطلوبين وتوجيه الأسئلة من دون قيود أو شروط اليهم وليس في المكان المطلوب من أجل هذا التحقيق، خاصة أن سورية اقترحت أماكن محددة تتيح لجوهر الموضوع المطلوب، وهو التحقيق، أن يتم من دون أي عقبات.

> كيف ستتعامل سورية مع طلب ميليس مقابلة وزير الخارجية السوري، فاروق الشرع؟

ـ نحن قلنا بأن سورية على استعداد كامل للاستجابة وعندما تتلقى سورية مثل هذا الطلب فانها سترد عليه.

> ألم تتلق الحكومة السورية طلباً بذلك؟

ـ أنا شخصياً لست على دراية بذلك.

> تؤكدون دائماً على أن سورية ستتعاون مع عملية التحقيق التي يقودها ميليس، ولكن هناك مَن يرى أنكم لا تزالون تضعون بعض العراقيل أمام بدء التحقيق الجدي. ما ردكم؟

ـ لا أدري مَن الذي يقول إن سورية تضع العراقيل. نحن في الحقيقة نزيل العراقيل من أمام السيد ميليس، وإذا كانت هنالك عراقيل، فأرجو أن يتم البحث عنها لدى أطراف أخرى غير سورية.

> كيف تتم ازالة العراقيل اذا ما كنتم تصرون على موقفكم من مكان استجواب المسؤولين السوريين؟

ـ هذا شيء منطقي وأعتقد أنه من البداية على السيد ميليس أن يكون قد وعى هذه المشكلة وألا يكون قد اتخذ توجهاً بهذا المنحى لأنه يعرف الحساسيات والمشاكل التي يثيرها هذا الاصرار وهذا العناد على انتقاء موقع في بيروت بعدما كل ما جرى.

> في ضوء الصلاحيات الواسعة التي منحها مجلس الأمن لميليس في قراره الأخير 1636 لتحديد مكان وظروف الاستجواب، علماً بأن مجرد تأكيده على أنكم لم تتعاونوا بشكل كامل معه قد يدفع المجلس الى اتخاذ اجراءات اضافية ضد سورية، ألا تخاطرون بمصلحة الشعب السوري؟

ـ نحن لا نخاطر ولا نعتقد أننا نخاطر. نحن نطالب بشيء أقل من طبيعي ونحن قلنا منذ البداية إن سورية ستتعاون بشكل كامل مع هذا القرار على الرغم من عدم ارتياحنا له، لكن هذه العراقيل وهذه المشاكل يخلقها الطرف الآخر، وتخلقها تلك الجهات التي لا تريد لهذا التحقيق أن يستمر. سورية تثق بشكل كامل أنها تتعاون مع هذا التحقيق لأنه سيصل الى نتيجة واحدة وهي تبرئة سورية من ارتكاب هذه الجريمة، ولذلك نقول إنه على السيد ميليس أن يركز في تحقيقاته على كافة الاحتمالات وألا يغلق الأبواب أمام أعداء آخرين للبنان وللسيد الحريري، هم الذين نفذوا وارتكبوا وتآمروا لإحداث هذه الجريمة التي تضرر منها لبنان وسورية والعلاقات بين البلدين.

> لكن، يبدو أن هناك تناقضاً في الخطاب السوري، اذ أنكم تؤكدون من جهة أنكم ستتعاونون مع لجنة التحقيق، وتشككون من جهة أخرى في عمل هذه اللجنة وما توصلت اليه..

ـ هذا شيء وهذا شيء. في ما يتعلق بالانتقاد الذي نوجهه للجنة، لا يوجد أحد فوق الانتقاد، وفي كل تحقيق هناك صواب وهناك خطأ. عندما قال ميليس إن هذا التقرير ليس التقرير النهائي، وعندما قال إن كل متهم بريء حتى تثبت ادانته، قلنا إن هذا الكلام صحيح ولم ننتقده، لكننا ننتقد الاتجاه العام الذي نحاه التقرير، وهو اتجاه خاطئ ولا يقود الى الحقيقة.

> رغم التحفظات التي تبدونها على بعض جوانب التحقيق، الا أن المواقف التي عبّرت عنها الحكومة السورية في الفترة الأخيرة دفعت البعض الى التساؤل عن مدى استعداد دمشق لتصعيد الأمور وتحدي مجلس الأمن لفرض العقوبات على الشعب السوري، في الوقت الذي يحاول فيه النظام حماية نفسه. ما رأيكم؟

ـ في الحقيقة، هذه الأقاويل تدعو الى الضحك. هل هناك حكومة في العالم تدعو المجتمع الدولي لفرض عقوبات على شعبها؟ هل تسعى سورية وتلهث وراء فرض العقوبات؟ هذا يدعو للاستغراب. لا يوجد هنالك نظام وغير نظام في سورية. هنالك شعب سوري تقوده حكومة مسؤولة.. نحن نقول بأن سورية سوف تتعاون مع هذا التحقيق ولن تضع أية عقبات أمام التحقيق، وهنالك استعداد كامل للقيام بذلك، حيث قمنا بتأسيس اللجنة القضائية السورية للتحقيق وأعطيت هذه اللجنة صلاحيات وأرسلت القيادة السورية، على أعلى المستويات رسائل الى السيد ميليس لطمأنته بأن سورية ستتعاون، كما قامت اللجنة السورية بموافاة السيد ميليس بمحاضر تحقيق أجرتها مع بعض المتهمين، ونعتقد أن هذه اللجنة التي رفض السيد ميليس التعاون معها حتى الآن، علماً بأنه تمت إقامتها بناءً على طلب منه في بيانه أمام مجلس الأمن، تقوم بعمل ايجابي، ولكننا نستغرب عدم تعاونه معها. > لكن، في ضوء الأزمة التي تعاني منها سورية في المصداقية، في بعض الأوساط الدولية، ما الذي ستتمكن من تقديمه هذه اللجنة القضائية السورية؟ ـ هذه اللجنة شُكلت بقرار على أعلى المستويات ولها صلاحيات مطلقة. نحن لو جلبنا المن والسلوى لبعض الأطراف لكي نثبت لها مصداقيتنا، فانها لن تقتنع بذلك، لكننا نحن مقتنعون ونعتقد أن الكثير معنا مقتنع بأن اللجنة القضائية السورية تقوم بالمطلوب منها وتعمل بالاتجاه الصحيح، لكنها تفتقر حتى هذه اللحظة الى التعاون الحقيقي من قبل الطرفين الآخرين المعنيين. أرسِلت رسالة الى السيد سعيد ميرزا، رئيس لجنة التحقيقات اللبنانية، نطلب منه الوثائق، الا أنه لم يوافنا بأي شيء حتى هذه اللحظة. طبعاً هذا لا يعني أنه لن يرسل شيئاً لاحقاً، فنأمل أن تُرسل هذه الوثائق ومن ثم طلبنا من السيد ميليس أيضاً بأن يوافينا بماذا يريد والتحقيقات التي يريد أن نجريها وبالوثائق التي تثبت تورط بعض المسؤولين ولم نوافَ بهذه الوثائق بل انه لم يعترف بهذه اللجنة حتى هذه اللحظة. لذلك، نأمل أن يتم نقل عملية المصداقية الى الطرف الآخر، وهل هو صادق في نواياه للتعامل مع سورية أم أنه ينوي فقط اتهام سورية بلا مبررات.

> لكن، ألم يأتِِ قرار انشاء هذه اللجنة القضائية السورية متأخراً بعض الشيء؟

ـ نحن نتفق أنها لم تأتِ في الوقت الذي كان يمكن أن تتم فيه لكنها خطوة يجب ألا يتم تجاهلها على الاطلاق، خاصة أن الظروف التي أحاطت بجريمة اغتيال الرئيس الحريري لم تسمح لنا آنذاك حتى التفكير بمجرد انشاء لجنة لأن كل التهم كانت منصبة على سورية وكل الأجهزة الاعلامية كانت تخوض حملات ضد سورية، فعندما استوت الأمور وعاد التوازن الى الوضع كانت أول خطوة لنا انشاء هذه اللجنة .

> أليس هناك بعض التناقض والتنافس بين اللجنة السورية واللجنة الدولية للتحقيق، خصوصاً وأنكم قمتم بفرض حظر السفر على المسؤولين السوريين المشتبهين. ألا يصعِّب ذلك عملية التحقيق التي يجريها ميليس؟

ـ لا يوجد أي تناقض. هذه اللجنة أنشأت كآلية وطنية لمساعدة هذه التحقيقات. مَن هي الجهة التي يمكن أن تتعامل بشكل قضائي مع لجنة تحقيق ذات طابع قانوني؟ أنشأت اللجنة السورية لهذا الغرض. فهي المعنية بالجانب السوري واذا طُلب من سورية أي شيء للقيام به وسيُطلب ذلك، فمن خلال اجراء هذه اللجنة القضائية السورية ...فما هو الخطأ في ذلك؟ من جانب آخر، طبعاً، عندما يُتهم أو يُشتبه أشخاص في أي بلد فأول اجراء يتخذ في حقهم هو منعهم من مغادرة البلد، كي لا يكون هناك أي خلل لاحق في عمل اللجنة الدولية أو في عمل اللجنة الوطنية.

> اذا أصر ميليس على استجوابهم خارج الأراضي السورية، هل سترفعون حظر السفر المفروض عليهم؟

ـ طبعاً. نحن قلنا إنه يمكن ان يكون مقر الجامعة العربية مثلاً مكاناً للاستجواب، وهذا يعني أن اللجنة الوطنية ستقوم برفع هذه القيود التي وضعتها على سفر هؤلاء الأشخاص كي يحضروا الى القاهرة، ونحن مستعدون اذا تم الاتفاق على أي موقع يقبل به الطرفان على رفع هذا الحظر ومساعدة هذا التحقيق.

> في حال تبيّن أن بعض المسؤولين السوريين متورطون في الجريمة، هل ستسلمهم سورية الى القضاء اللبناني مهما كان موقعهم؟

ـ أولاً، نحن في سورية قلنا اننا سنتعاون مع هذا التحقيق، ومن جانب آخر، قلنا بأن كل مَن تثبت ادانته بصورة مطلقة وبناء على دليل مادي هو خائن ويجب أن يُعامل على ذلك الأساس. لذلك، من دون القيام بتأملات في هذه الظروف، مجرد تأكيد سورية على التعاون الكامل يعني أنها ضد كل مَن وقف خلف هذه الجريمة وخطط لها.

> هناك حملة تشكيك في نزاهة ميليس ومصداقيته هادفة الى تشويه سمعته في الاعلام السوري الرسمي. هل يليق ذلك بسورية وألا يضعف موقفها ويزيد من المصاعب التي تواجهونها؟

ـ أولاً، هنالك انتقادات تُوجه الى تقرير السيد ميليس وهذه الانتقادات معروفة وعبّرنا عن بعضها في بياناتنا، وهي ليست سراً. أما في ما يتعلق بأجهزة الاعلام، فهي أجهزة اعلام حرة وتستطيع أن تعبر عما تريده، وجماهير سورية تتاح كل الأقنية لها من أجل أن تعبر عن رأيها، وهي لا تعبر بالضرورة عن رأي الدولة.

> كيف تقيم مستوى تفهم الحكومات العربية للموقف السوري؟

ـ أعتقد أن هناك تفهما. ونحن نشترك مع العرب جميعاً في حرصنا على اظهار الحقيقة. نحن لا نختلف مع العرب نهائياً ولا يوجد أي بلد عربي قال ان سورية مدانة وعليها أن تعترف. العرب كلهم يقولون انهم يتطلعون الى تحقيقات ذات مصداقية تتبع سبل الحقيقة ونحن نتفق مع العرب بأنه يجب البحث، والبحث بشكل كامل، عن مَن يقف خلف هذه الجريمة. لذلك، لا يمكن أن نقول إنه لا يوجد تفهم عربي لموقف سورية. بالعكس، أنا أشعر أن كل العرب يتفهمون موقفنا لكننا نحن نعتب على بعض الفئات في لبنان التي تحاول تعميق الخلافات وتحاول تدخير كل جهدها ومالها وامكانياتها من أجل اثبات التزوير واثبات التهم غير القابلة للتصديق على سورية.

> تقولون إنكم تعتبون على بعض الفئات في لبنان، ولكن هجوم الرئيس السوري على رئيس الوزراء اللبناني، هل كان مفيداً في هذا الوقت الحساس؟

ـ اذا سألتِ دبلوماسيا سوريا، فأنا أتفق بشكل كامل مع ما ورد في بيان السيد الرئيس، وأعتقد أنه على مَن يدعي أنه قومي وعربي أن يحرص أيضاً على مصلحة سورية وأن يدافع عن هذه المصلحة وألا يقوم بزيارة كل دول العالم لتعبئتها ضد سورية ونفخ أبواق العداء لسورية والانتقام من سورية. نعتقد أن كل مَن يقوم بذلك لا يخدم لا نهجا قوميا عربيا ولا يتحمل مسؤولية عربية، واذا كان يستخدم مثل هذه الألفاظ، فيؤسفني أن أقول بأنه غير صادق وغير مخلص.

> الى أي مدى تشعر سورية اليوم بالعزلة في الأمم المتحدة، نتيجة اصدار القرار الأخير لمجلس الأمن؟

ـ لا توجد أي عزلة نهائياً.

> هل تعتقدون أن الادارة الأميركية حسمت أمرها من مسألة فرض العقوبات على سورية، وربما حتى اللجوء الى الخيار العسكري؟

ـ نحن نأمل، وهذا هو رأي المجتمع الدولي، ألا يتم تصعيد الأمور في منطقة الشرق الأوسط. الآن، اذا سمحتِ لي أن أصف الوضع العربي وأن أقول إن هناك نقطة مضيئة فيه، وهو وجود اجماع عربي على ضرورة عدم اضافة مشكلات تفجيرية للمنطقة علاوة على التفجيرات الحاصلة فيها الآن. لذلك، اذا أرادت الولايات المتحدة أن تذهب بقواتها الى المنطقة كما ذهبت من خلف المجتمع الدولي الى العراق، فلا أستطيع أنا شخصياً أن أوقفها ولا يستطيع أحد ايقافها. لكن الولايات المتحدة وشعب العراق والشعب العربي بشكل عام يدفع لها ثمن هذا الغزو الأميركي للعراق، لكن يجب أن نلاحظ أيضاً أن هنالك موقف شعبي حتى داخل الولايات المتحدة ضد أي خطوة تصعيدية، ضد أي مغامرات لهذه الادارة التي تراجعت شعبيتها الى مستويات لن تتراجع اليها أي ادارة في تاريخ الولايات المتحدة... ونحن نعتقد أن المعركة المقبلة لن تكون ضد سورية، بل ستكون ضد الجميع. ونعتقد أن جميع الأنظمة العربية الآن لها علاقات قوية بسورية وجميع الشعوب العربية تؤمن بأن سورية بعيدة كل البعد عن ارتكاب مثل هذه الجريمة، ولن تجد هذه الجماهير أي مبرر حتى لتفهم أي عمل أميركي. نحن نستبعد ذلك من جهة، ونستبعد العقوبات من جهة أخرى لأن الرأي العام العالمي معبأ ضد هذه العقوبات.

> الولايات المتحدة وغيرها من الدول العربية في مجلس الأمن بدأت تحذر الحكومة السورية بأن الوقت بات يداهمها وعليها البدء بإظهار تعاون حقيقي مع لجنة التحقيق الدولية. هل سنرى تلييناً في الموقف السوري في المرحلة المقبلة؟

ـ الجانب الأميركي سوف يبقى دائماً يقول اننا لم نقدم كل شيء. نحن على سبيل المثال في ما يتعلق بحدودنا الشرقية مع العراق، قدمنا كل شيء وبلا حدود، ومع ذلك كل مرة نحقق فيها شيئاً يأتون ليقولوا إن ذلك ليس بالكافي. فهذا يدل على وجود مخطط أميركي لا يتعلق لا بلبنان ولا بوضع داخلي، ولا بوضع آخر، بل يتعلق بأمرين أساسيين. الأمر الأول هو دعم أميركا للسياسات الاسرائيلية في المنطقة وتدمير كل فرص السلام التي كانت متاحة قبل فترة لصالح اسرائيل، ومن جانب آخر ابقاء المنطقة تحت الهيمنة الأميركية للحفاظ على مصالحها المعروفة. لذلك، فان الولايات المتحدة ليست بحاجة الى المزيد من المبررات بدليل أنها مستمرة في تنفيذ سياسة معينة على الرغم من كل المحاولات التي تقوم بها سورية.