وزير الخارجية السوداني د. لام أكول في حديث لـ «الشرق الأوسط»: لا يمكن لواشنطن إقامة علاقات دبلوماسية مع جنوب السودان إلا عبر الخرطوم

TT

قال وزير الخارجية السوداني د. لام أكول في حديث لـ«الشرق الأوسط» إنه يتوقع حضورا كبيرا للزعماء والرؤساء العرب في قمة الخرطوم.. وأكد أنه متفائل بالتوصل لنتائج إيجابية تخدم العرب والسودان. وأوضح في حديثه ان السودان سينظر في دور للأمم المتحدة في دارفور، شريطة أن يتم ذلك بعد تحقيق السلام وكجزء من العملية السلمية، وأكد تمسك بلاده بقوة بدور الاتحاد الأفريقي، وطالب في الوقت نفسه بتقوية بعثة الاتحاد الافريقي في دارفور ودعمها ماديا ولوجستيا. وكشف ان عددا من الدول مارست ضغوطا على الاتحاد الأفريقي خلال مناقشته قضية دارفور في اديس ابابا اخيرا. وحول العلاقات مع الولايات المتحدة أكد أن الخرطوم تعمل بإصرار كبير على ايجاد وسيلة للحوار مع واشنطن لإزالة سوء الفهم الذي يشوب علاقاتها مع السودان. وقال «لا يمكن لواشنطن إقامة علاقات دبلوماسية مع جنوب السودان إلا عبر الخرطوم. ولا مجال لازدواجية السياسة الخارجية السودانية». وحول العلاقات مع أوغندا قال إنها تمر بأحسن حالاتها.. «وقطعنا شوطا كبيرا في تطبيع العلاقات مع أسمرة (اريتريا)»

* رحبتم بقرار مجلس السلم والامن الافريقي وعبرتم عن ذلك في اكثر من مناسبة. ثم تشكلت لجنة وزارية برئاستكم لدراسة ما وصف بالغموض. وفي اجتماع للمؤتمر الوطني انتقد الرئيس البشير شخصيا ذلك القرار. بماذا يمكن تفسير هذا المشهد؟

ـ انني اؤكد ان الموقف واحد. ربما اخذ بعض الناس الاجزاء التي تناسبهم. واود ان اقول إن القرار له جوانب ايجابية كما ان له جوانب سلبية. وقد حددنا الجوانب الايجابية في عدة نقاط، اولا انه تم تمديد فترة بقاء القوات الافريقية في دارفور الى 6 اشهر اخرى، لاننا نعتقد ان الانسحاب او نقل المهمة من الاتحاد الافريقي هو فشل للقارة في اول تجربة لها في عمية حفظ السلام. والنقطة الايجابية الثانية تتمثل في انه تم تحديد ان مناقشة امر انتشار القوات الدولية سيتم بالتشاور حوله مع حكومة السودان. وبالاضافة لذلك هنالك نقطة اخرى ايجابية وهي التركيز على الاسراع بالعملية السلمية. وهذا متفق عليه حتى من الاطراف التي تريد التدخل الدولي مثل امريكا والاتحاد الاوروبي والاتحاد الافريقي. وهم يتفقون معنا على ان الاسبقية الاولى للسلام.

اما الجوانب السلبية فتتمثل في انه تم تجاهل، او لم يتخذ القرار، حسب رؤية السودان التي تركز على قفل الباب امام التدخل الخارجي. وانما قال من حيث المبدأ انه يمكن تحويل المهمة من الاتحاد الافريقي الى الامم المتحدة، بدون ان يفهموا أن هذه الفترة هي فترة تجهيز للانتقال الى الامم المتحدة.

والنقطة السلبية الثانية هي الاشارة الى بعض الانتقادات للسودان مثل الحديث عن المظاهرات التي تسيء الى المجتمع الدولي والامم المتحدة، وما اسموه بالاساءة الى الاتحاد الافريقي. وهنالك نقطة سلبية اخرى هي الاشارة الى المحكمة الجنائية الدولية وهي محكمة لا علاقة لها بالاتحاد الافريقي. اما عن الغموض الذي تمت الاشارة اليه، فأقول ان مجلس الوزراء قال ان القرار فيه بعض الجوانب الايجابية.. ولكن هناك غموضا في بعض المواد او في بعض الفقرات. وهذا الغموض له عدة امثلة منها ان مجلس السلم والامن الافريقي، في الوقت الذي يتحدث فيه عن الموافقة من حيث المبدأ، يذهبون الى فقرات اخرى تتحدث عن ضرورة التنسيق مع الامين العام للامم المتحدة، وبداية التخطيط لخطة انتقالية وهكذا. فالرأي الذي خرج به مجلس الوزراء هو ان هنالك جوانب ايجابية من القرار.. ولكن كذلك هنالك جوانب غامضة فيه لبس لا بد من إجلاء غموضها، وبالتالي تم تكوين اللجنة لدراسة البيان دراسة دقيقة حتى تستطيع الحكومة ان تبني مواقفها على بيّنة.

* ورد تصريح من نائب رئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه، وورد ايضا تصريح ثان منكم والتصريح الاول اشار الى انه يمكن النظر في تحويل المهمة من الاتحاد الافريقي الى الامم المتحدة بعد التوصل الى اتفاق سلام، وقد صرح به نائب رئيس الجمهورية خلال زيارته اخيرا الى بروكسل، بينما ورد في تصريحكم ان هذا سيكون شيئا طبيعيا يتماشى مع ما حدث في اتفاق الجنوب. ولذلك يبدو ان هناك ـ ايضا ـ اختلافا. فالبعض يقول انهم لا يريدون مطلقا تحويل المهمة الى القوات الدولية، ما تعليقكم؟

ـ نحن لا نتحدث عن التحويل من الاتحاد الافريقي الى الامم المتحدة، لأننا قد بينا كذلك ان الاتحاد الافريقي ليست له سلطة لتحويل مهمته الى جهة ثالثة. لكننا تحدثنا عن دور للامم المتحدة، وقلنا انه يمكن النظر في امر ايجاد دور لها بعد عملية السلام وكجزء من العملية السلمية. وهذا موقف ينبني على السابقة التي حدثت في الجنوب، حيث ان هنالك الآن قوات للامم المتحدة في جنوب السودان أتت كنتيجة لاتفاقية السلام الشامل، وبرضاء الطرفين. ومهمة هذه القوات محددة، وحجم القوات التابعة للامم المتحدة محدد وانتشارها معلوم. هذا هو ما نقصده بذلك التصريح الذي اشرتم اليه. فإذا طلبت الامم المتحدة من السودان ان يكون لها دور في دارفور عقب التوصل الى عملية سلمية هنالك، فحينئذ سنكون على استعداد لنتناقش ونتحاور معهم حول امكانية ذلك وكيفية التعامل معهم، اذ اقتضى الحال ذلك.

* السياسة الخارجية على وجه الاجمال لا تبدو ممركزة في وزارة الخارجية. فهنالك من خارجها من يدلو بدلوه فيها، واحيانا بما يتناقض مع موقف وزارتكم، وكمثال لذلك قرأنا في الصحف في يوم واحد تصريحات للدكتور مصطفى عثمان يتحدث فيها عن قمة ثلاثية تجمع البشير مع مبارك والقذافي.. بينما تصريحاتكم كانت تنفي وجود اية ترتيبات لعقد قمة كهذه؟

ـ هل انعقدت القمة ام لا؟

* لم تنعقد القمة ـ اذاً السياسة الخارجية ما زالت في وزارة الخارجية ولكن لكل شخص الحق في ان يصرح. ليس مصطفى عثمان فقط وانما هنالك اخرون يصرحون حول قضايا السياسة الخارجية. وهذا من حقهم. ولكن سياسة الدولة معروفة، واجهزة الدولة المسؤولة معروفة، حيث ان مجلس الوزراء هو الذي يقر السياسات ووزارة الخارجية هي التي تطبق هذه السياسات بالتعاون مع رئاسة الجمهورية.

* حتى في وزارة الخارجية هنالك تناقضات. فقد لاحظت ان الوزير المناوب للخارجية علي كرتي ادلى بتصريحات مسيئة للاتحاد الافريقي. وفي نفس الوقت فإن وزير الدولة للخارجية السماني الوسيلة اشاد بالاتحاد الافريقي. وقال ان المطلوب هو استمراره في دوره. فما تعليقكم في هذا الخصوص؟

ـ ان موقف الحكومة الرسمي هو الاشادة بدور الاتحاد الافريقي في دارفور والمطالبة باستمرار هذه البعثة، والعمل على تقويتها لكي تؤدي واجبها بالصورة المطلوبة. وكذلك سعينا مع الدول الاخرى في ان تستمر في دعمها المالي واللوجستي لهذه القوات الافريقية.

* وما زلنا مع الاتحاد الافريقي، فقد صدرت ايضا تصريحات تهدد بالانسحاب من الاتحاد الافريقي اذا قرر تحويل مهمة قواته للامم المتحدة. ألا ترون ان مثل هذا التهديد قد يوتر علاقات السودان مع الاتحاد الافريقي؟

ـ كما ذكرت ان موقفنا حتى الان ليس مناقضا للاتحاد الافريقي. ولكننا ذكّرنا الاتحاد الافريقي في اجتماعنا معه بأنه قام أساسا لهدفين اساسيين هما الاعتماد على النفس وحل القضايا الافريقية عن طريق الدول الافريقية. فإذا فشلت القارة في حل مشاكلها، ربما هناك من يثير هذا السؤال: اذا كان الاتحاد الافريقي لا يستطيع ان يستمر عن طريق بعثة صغيرة في ولايات دارفور فأين ينجح؟ ولكن لم نقل اننا نريد ان ننسحب. فالسودان دولة مؤسسة لمنظمة الوحدة الافريقية، ثم الاتحاد الافريقي فيما بعد. ونحن نلعب دورنا الكبير فيه ونحن اعضاء حتى في مجلس السلم والامن الافريقي.

* يكثر الحديث عن اجندة خفية تلعب دورها في ما يجري للسودان بالنسبة للاتحاد الافريقي. الى اي مدى تساندون هذه الرؤية؟

ـ ان ما قلته في هذا الخصوص هو ان الدول الاعضاء في الاتحاد الافريقي مورست عليها ضغوط هائلة وكبيرة من دول معينة لاتخاذ قرار معين. وهذه الضغوط لم تكن مستترة هذه المرة، وانما عن طريق اوراق وزعت علانية على الاعضاء. هذا هو الذي قصدته. وطبعا اذا كان الاتحاد الافريقي يتخذ قرارات بضغوط من دول خارج افريقيا، فإن مثل ذلك الامر سيؤدي بالتأكيد الى تقليل مصداقية الاتحاد ويجعل البعض يتشككون في مقدرة هذا الاتحاد على قيادة القارة، ولكن طبعا، كما ذكرت في تصريح سابق لي، فإن الدول الافريقية أثبتت انها ليست بهذا القدر الذي كان يتخيل البعض بأنهم سيستمعون الى تعليمات طول الوقت!

* بالامس، في مؤتمر صحافي وردت تصريحات منسوبة الى رئيس الوفد الحكومي للمفاوضات في ابوجا.. ربما تكونون قد اطلعتم على تلك التصريحات.

ـ لا.

* لقد وصف رئيس الوفد بعض الزعماء الافارقة بأنهم مرتشون، وأنهم قبضوا الثمن من اجل تمرير اجندة غربية. ما رأيكم في مثل هذه التصريحات واثرها على السياسة الخارجية ومفاوضات ابوجا؟

ـ والله انا لم أقرأ ولم اسمع هذه التصريحات. وشخصية في مقام الدكتور مجذوب الخليفة لا اظنه يقول مثل هذا الكلام ولذلك لا بد لي من التأكد بشأن هذه التصريحات.

* في آخر تصريح لكم (الخميس) وصفتم سوء العلاقات مع امريكا بانه يضر باتفاقية السلام. كيف يمكنكم تحسين العلاقات معها في هذه الاجواء المتوترة وعدم وحدة الرؤية في التعامل معها؟

ـ بالطبع هذه حقيقة، لان الولايات المتحدة الامريكية لعبت دورا كبيرا في محادثات مشاكوس ونيفاشا، كما لعبت دورا كبيرا في التأثير على الطرفين لتوقيع اتفاقية السلام. ولعبت ـ ايضا ـ دورا كبيرا في تمويل المحادثات، وكانت من الشهود لتوقيع اتفاقية السلام الشامل، وقد كانت واشنطن حريصة جدا على تحقيق السلام لدرجة انه في فترة رئاستها لمجلس الامن الدولي نقلت جلسات مجلس الامن الدولي الى نيروبي في نوفمبر 2004، كرسالة واضحة للاطراف بضرورة الوصول الى اتفاق سلام قبل نهاية عام 2004 م. وبالفعل فقد حدث ذلك، وتم الاتفاق في اواخر ديسمبر من ذلك العام. وبالاضافة الى ذلك فإن الولايات المتحدة هي القوة العظمى او الكبيرة في العالم، وليست هنالك مصلحة للسودان في ان يناصب الولايات المتحدة العداء. وقد كنا نتوقع من الولايات المتحدة بعد توقيع اتفاقية السلام وبعد تكوين حكومة الوحدة الوطنية ان تغير من سياساتها، لان هذه الحكومة التي جاءت بعد اتفاقية السلام هي حكومة مختلفة تماما عن سابقتها. وكنا نتمنى ان تعطي الولايات المتحدة الفرصة لهذه الحكومة لكي تنجز المهام الموكلة اليها بموجب اتفاقية السلام الشامل.

ولكن، لاحظنا ان السياسة الامريكية استمرت كما هي، وظلت تقف ضد السودان في المحافل الدولية، وظلت تعمل كأنه لم يتغير شيء. ولكن، نحن نصر على ضرورة الحوار مع الولايات المتحدة. ونعتقد ان هنالك سوء فهم لا بد ان ينجلي حتى تعود العلاقات الى طبيعتها، وهي علاقات صداقة وعلاقات تعاون وعمل مشترك. وليس هنالك اختلاف رؤية في ما يتعلق بضرورة تحسين العلاقات بين الخرطوم وواشنطن. هذا رأي متفق عليه داخل حكومة الوحدة الوطنية، لكن الوسائل ليست هي الوسائل التي تفضي الى ذلك. وهذا من صميم عمل وزارة الخارجية، ان تدرس كيفية تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة ومع الدول الاخرى. ونحن في حوار متصل معها. والحوار لم ينقطع، سواء كان ذلك متمثلا في زيارة النائب الاول لرئيس الجمهورية الى امريكا في نوفمبر (اكتوبر) من العام الماضي، او لقائي مع نائب وزيرة الخارجية ، اضافة الى لقاءات اخرى تصب في اتجاه مواصلة الحوار مع الولايات المتحدة.

* هل أبدت الولايات المتحدة رغبة في اقامة علاقات دبلوماسية مع حكومة الجنوب، في محاولة لتفادي العقوبات المفروضة على السودان ككل؟

ـ السياسة الخارجية، والعلاقات الخارجية هي سلطة اتحادية. فلا يمكن للولايات المتحدة ان تقيم علاقات في الجنوب إلا عبر وزارة الخارجية هنا. نعم، هنالك جوانب من التعاون الاقتصادي يمكن ان تتم مباشرة. ولكن فيما يختص بالسياسة الخارجية او علاقات السودان مع امريكا، لا يمكن ان تكون هنالك ازدواجية.

* في علاقات الجوار تبدو علاقات السودان غيرسالكة مع يوغندا، كما ان التطبيع مع ارتريا لا يسير بالتسارع المطلوب فهل من تعليق على ذلك؟

ـ لا، بالعكس فإن علاقاتنا مع يوغندا هي في احسن حالة، لأننا قبل شهرين وقعنا اتفاقية مشتركة بين القوات المسلحة السودانية والحركة الشعبية، والجيش اليوغندي ، فيما يختص بقضية (جيش الرب). ومن الناحية الدبلوماسية لم يطرأ على العلاقات ما يعكر الجو. واعتقد ان العلاقات بيننا ويوغندا تعد سالكة. اما فيما يختص بارتريا،، فقد بدأنا عملا، وبالطبع، فإنه نسبة لطبيعة العلاقات التي كانت سائدة لا يمكننا ان نتوقع بين عشية وضحاها ان ترجع العلاقات الى مسارها الطبيعي، ولكننا تخطينا خطوات هائلة؛ فأولا تم تكوين لجنة سياسية مشتركة، وقد اجتمعت هذه اللجنة في أسمرا، ومن المتوقع ان تجتمع في الخرطوم هذا العام. وقد وضعت اللجنة اطارا لكيفية خلق الجو المناسب لهذه العلاقات، حيث شجعت على تبادل الزيارات الرسمية والشعبية بين البلدين وشجعت على قيام خط طيران مباشر بين الخرطوم وأسمرا. واتفقت اللجنة على ان يتم التمثيل بين البلدين على مستوى السفراء. وبمشيئة الله فانه خلال الاسابيع القادمة سنرى سفيرا لارتريا في الخرطوم.

* أود الرجوع الى تصريحات نشرت ـ بالامس ـ في عدة وسائل اعلامية ادلى بها السيد ادوارد لينو القيادي في الحركة يقول فيها ان الحكومة السودانية عن طريق الاستخبارات العسكرية تساعد جيش الرب. لذلك فان أي مراقب يستنتج من ذلك ان العلاقات بين السودان ويوغندا ليست على ما يرام؟

ـ انني ارى انه لا بد اولا من التدقيق في صحة التصريح المنسوب الى الشخص المعني، ثم بعد ذلك وضعية من قال ذلك التصريح وهكذا!

* في ذات الاتجاه، هنالك اتهام لكم بأنكم لم تعكسوا أي تغيير يذكر في وزارة الخارجية، وبصفة خاصة انكم لم تستوعبوا النصيب المحدد في الاتفاقية من الدبلوماسيين الجنوبيين. وهذا الحديث يردده الكثير من الاخوة الجنوبيين؟

ـ حكومة الوحدة الوطنية الآن لها اربعة اشهر فقط في السلطة. وهذه فترة قصيرة لإحداث التغيير المنشود، لانك في البداية لا بد لك من ان تستوعب ما هو الموجود؟ وما هي المشاكل التي تواجه الوزارة؟ ثم بعد ذلك تحلل وتأتي بالحلول للمشاكل. وهذا يستغرق زمنا. ان من يتوقع ان يتم هذا الامر بين يوم وليلة فهو واهم أو لا يدري ما هو حجم العمل في وزارة الخارجية، والتي هي مسؤولة عن تمثيل السودان في دول كثيرة جدا، واقول انها اكثر من (50) دولة.

هذه نقطة اولى، والنقطة الثانية هي ان الذين ينتقدون وزارة الخارجية ويقولون إننا لم نعين الكادر المطلوب، فاننا نسألهم: في أي وزارة اخرى تم ذلك؟ ان الكادر المطلوب ليس في وزارة الخارجية فقط، وانما في كل وزارات الحكومة الاتحادية. اريد من يحدثني بأن وزارة من هذه الوزارات قد قامت بتعيين العدد المطلوب من الجنوبيين في الوزارة المعنية، حتى يكون الحكم علينا مبنيا على حقائق. فكل ذلك الحديث يأتي من الذين يريدون دائما ان يقللوا من انجاز الآخرين، لكننا لن نتأثر بذلك. سنمضي في العمل المطلوب مع عدم التسرع في اتخاذ قرارات لا تفيد في المدى البعيد.

* هل يمكن القول انكم قد بدأتم في اية مرحلة من هذه المراحل وتم اكمالها، سواء كان ذلك في ما يتعلق بتحديد السفارات التي ستكون من نصيب ابناء الجنوب، او بالنسبة لشروعكم في تحديد اسماء بعض الدبلوماسيين المرشحين؟

ـ طبعا، كل هذه العملية هي عملية متكاملة، حيث لا تستطيع ان تفصل جزءا عن الآخر. ففي البداية هنالك مسألة التدقيق في من يمكن ترشيحه للعمل، وبعد ذلك تصنيفه الى الدرجات المختلفة. ثم بعد ذلك يأتي الحديث عن كيفية التوزيع لاحقا.

هنالك من يتخيل انه بمجرد تعيينه بوزارة الخارجية سيذهب الى اقرب سفارة ليعمل فيها، وهذا غير صحيح طبعا، لان كل من يعين في وزارة الخارجية لا بد له ان يحضر الى الخرطوم ويأخذ دورة تدريبية وتنويرية للاحداث، ثم بعد ذلك يتم التوزيع.

* كيف تنظرون الى التزام الدول المانحة في تقديم المعونات التي وعدت بها. وهل هناك محاولات للتنصل او املاء شروط؟

ـ هذه الدول ـ بالطبع ـ فيما يختص بالتزاماتها، فهي لم تف بها بنفس القدر المحدد وحتى الآن فان مجمل الاموال التي تم الالتزام بها في اوسلو، لم يصل منها الى السودان الا حوالي 30%. وهذه النسبة ليست شاملة لكل المشاريع التي لها علاقة بمؤتمر اوسلو. فالالتزام بالنقود قليل. لكن هناك بعض المانحين يربطون دفع ما التزموا به بحل قضية دارفور. لهذا اعتقد ان الاساس هو تنفيذ اتفاقية السلام، وانه لا بد من العمل على انجاحها بحيث تكون مثلا يحتذى في دارفور ومناطق السودان المختلفة. لكن الآن انعكست الآية واصبح الناس يتحدثون عن ضرورة الاتفاق في دارفور اولا. وهذا يضر ضررا بليغا باتفاقية السلام. وذلك هو الامر الذي ادى الى مؤتمر باريس، وقد اثيرت فيه هذه النقاط، وكان النائب الاول واضحا فتحدث الى المانحين بانه ليس هنالك سبب لربط الالتزام بدفع ما وعد به في اوسلو بالتقدم في السلام في دارفور.

* وهل لقي حديث النائب الأول استجابة؟

ـ المشكلة ليست في الاستجابة، فهي قد تتجدد. ولكن المهم هو النتيجة العملية.

* تبدو احيانا علاقاتكم متوترة واحيانا اخرى متدهورة مع الامم المتحدة. فقد استدعى وزير الدولة علي كرتي، ممثل الامم المتحدة ايان برونك واسمعه كلاما حادا للغاية اشبه بالانذار.. بينما قال برونك انه لم يستدع وانما دعي الى اجتماع. فما هي الحقيقة في هذا الامر؟

ـ بالطبع، اقول بدءا بانني لا اعتقد ان علاقتنا متدهورة مع الامم المتحدة. فنحن جزء من الامم المتحدة ونتعاون معها، وهي موجودة في السودان كنتيجة لاتفاق بينها وبين حكومة السودان.

وفعلا فان ايان برونك الممثل الشخصي للامين العام للامم المتحدة في السودان يدلي بتصريحات تخرج في بعض المرات عن نطاق عمله المعروف لدينا، وهذا هو السبب في استدعائه الى وزارة الخارجية ـ كما ذكرت ـ كنتيجة لما قاله من تصريحات وابلاغه رسالة بأن مثل هذه التصريحات التي تخرج عن الاتفاق الذي تم التوقيع عليه بين حكومة السودان والامم المتحدة لا بد من ايقافها، فاذا كان يريد الحديث عن انه لم يستدع وانما دعي فهذا لعب بالالفاظ. ففي النهاية فقد تم استدعاؤه من الوزارة ولم يأت بمحض ارادته.

* قبل ايام ايضا ظهر في الصحف ان برونك طالب باطلاق سراح احد موظفي الامم المتحدة، وعدم تقديمه للمحاكمة بحسبانه يتمتع بحصانة وان الجهات المعنية لم تستجب. هل وزارة الخارجية كانت طرفا في هذا الامر؟

ـ لا. ليس لدينا علم بما حدث، وهو قد حدث في كادقلي حسب ما اعلم، وهم قد كتبوا الينا في هذا الشأن. وقد استفسرنا من وزارة العدل لنعلم ماذا حدث بالضبط. وما زال الامر امام وزارة العدل لكي تقرر فيه. ونحن طرف في هذا الامر.. لكن اذا كانت هناك جريمة فليس هناك مندوب فوق القانون مهما كان. وهذا هو ما نريد ان نستوثق منه.

* بعد مرور عام على توقيع اتفاق السلام. هل ترى ان التنفيذ مرضٍ، وفي ضوء ما جرى وما يجري ما هي توقعاتك. هل الوضع اقرب الى الوحدة ام الانفصال؟

ـ طبعا ان ما انجز خلال هذا العام نحن راضون عنه، فهنالك انجاز. لكننا نطمع في الكثير. وكذلك يمكن ان نلوم انفسنا بانه كان يمكن ان ننجز اكثر. ولكن السياسة هي فن الممكن كما يقال. ولا يمكن ان تعزل تطورات الاحداث عن الظروف المحيطة بها. فنحن جئنا الى اتفاقية السلام بعد حرب دامت لاكثر من 20 عاما. وكانت العلاقات بين الحكومة والحركة الشعبية، وهما المكونان الاساسيان لحكومة الوحدة الوطنية، كانت علاقات عداء لما يزيد عن العقدين من الزمان. وفي مثل هذه الظروف لا يمكن ان تتوقع ان يكون التعامل بين الطرفين بالسلاسة التي يتوقعها البعض. نعم، هنالك ارادة على مستوى القيادة لترك الماضي والمضي الى المستقبل وفق خطة مشتركة وهكذا. لكن كلما تنزل الى المستويات الادنى، كان الفهم بهذا المستوى اقل. لذلك عليك ان تتوقع ان تكون هنالك اختلافات في الرؤى.

وان تكون هنالك اتهامات متبادلة، وهذا امر طبيعي في مثل هذه العلاقات. ولكن المحصلة النهائية في انه في هذه الفترة تم انجاز اشياء كبيرة. فلقد تم اولا اكتمال الدستور الانتقالي، وتم تكوين مؤسسة الرئاسة، وتم تكوين حكومة الوحدة الوطنية وحكومة الجنوب والهيئة التشريعية الاتحادية والمجلس التشريعي ومجالس الولايات وحكومات الولايات والمفوضيات ومجلس ادارة بنك السودان وهكذا، فكل هذه المؤسسات والمفوضيات والمجالس تم تكوينها في بحر عام واحد. ربما يقول شخص آخر انه كان يمكن انجاز اكثر من ذلك، وهذا حقه. ولكن الذي يوجد داخل ميدان الكرة ليس كمن يتفرج. لذلك نعتقد ان الانجاز معقول في رأينا. لكن هذا لا ينفي ـ في رأينا ـ بأن هناك تأخيرا في تطبيق بعض المواد.

وهذا لا ينفي الاختلاف في الآراء بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية في تناول قضايا معينة مثل قضية ابيي، ومثل موضوع نقل وانتشار القوات المسلحة شمالا والحركة الشعبية جنوبا وهكذا. هذا طبيعي.. لكنه مكابر من يقول ان تطبيق اتفاقية السلام لم يتحرك بالدرجة المعقولة. طبعا من المبكر جدا الحديث عن الوحدة او الانفصال، لان اتفاقية السلام ترتكز على نقطة مهمة جدا وهي «جعل الوحدة جاذبة». وعليه، فانه خلال اربعة اشهر من الصعب الحديث عن ماذا سيكون الامر في شأن الوحدة او الانفصال. الآن حكومة الجنوب لم تؤسس، هنالك وزير ووكيل، ولكن المستويات الادلى غير موجودة. اذاً لم تنطلق حكومة الجنوب بعد. فنحتاج الى وقت والى زمن حتى تستقر الحكومات لكي تخدم المواطن في الاحتياجات الضرورية في الصحة والتعليم والبنية التحتية وهكذا.

* طالما تحدثنا عن هذا الجانب، نشير الى ان هناك خلافات بين المؤتمر الوطني والحركة، وهي تعتبر شيئا طبيعيا لمعالجة القضايا المختلف عليها، بين الجانبين، او داخل الحكومة. هل تتصور ان هذه الخلافات سيكون حجمها كبيرا لدرجة انه لا يمكن علاجه، ام ان لديكم آليات لمعالجة هذه الخلافات؟

ـ نعم. طبعا هذه شراكة، وهي مثلها مثل اية حكومة ائتلافية. فالحكومة الائتلافية لديها لجان مشتركة لتناول القضايا عندما تطرأ. وبنفس القدر اعتقد ان هناك ارادة وارادة غلابة جدا بضرورة تنفيذ اتفاقية السلام لان البديل قبيح لن يقبل به احد. لذلك فان لدى الطرفين مسؤولية كبيرة في محاولة تذليل كل الصعاب التي تواجه اتفاقية السلام وهي كثيرة. ولا بد ان يفكر الناس بصورة واقعية بدلا من وضع احلام وتطلعات لدى الجماهير في اشياء لن تتحقق. لا بد ان نكون واقعيين وان ندرك انه لا تتحقق كل الاشياء مثلما يريدها المرء. ولا بد ان نضع كل امر في اطاره الصحيح، وفي الظروف الموضوعية التي يوجد فيها ذلك الامر. وتزداد الامور صعوبة بعدم التزام المانحين بما وعدوا به لان كل هذه العمليات، سواء كانت اعادة التوطين والتأهيل وبناء القدرات، وحتى انشاء البنيات التحتية، كلها تحتاج الى مال. والشعب لن ينتظر.. فاذا كنا نتحدث عن النازحين واللاجئين، فلا بد ان يرجعوا الى ديارهم بأسرع فرصة ممكنة.. لكن لا نستطيع ان نأخذهم الى مكان لا يوجد فيه مستشفى او مركز صحي او مدرسة او مصدر مياه. فهذه هي التحديات التي تواجه حكومة جنوب السودان.

* بالنسبة للوضع في دارفور. كيف تنظرون الى امكانية الوصول الى سلام هناك؟

ـ بالطبع ان مشكلة دارفور تقلق الجميع. وارى ان الحل السلمي السياسي هو الامثل، وفي الحقيقة فانه هو الحل الوحيد. وهذا الحل هو الذي ينهي كل المشاكل الموجودة في دارفور، لانه لا بد ان تخاطب جذور المشكلة حتى تستطيع ان تقدم الحلول المناسبة. فنحن شرعنا منذ البداية في حوار مع المؤتمر الوطني في ان ننظر الى القضية بصورة مشتركة بصورة عاجلة حتى نحقن الدماء مثل ما فعلنا في الجنوب. وفعلا فقد تم الاتفاق مع المؤتمر الوطني لرؤية مشتركة للتفاوض في ابوجا، وهذا هو سبب وجود اعضاء الحركة في الوفد الحكومي هناك. ونحن متفقون على اعطاء الاسبقية الاولى لمفاوضات السلام، والوفد هناك لديه تفويض كامل للوصول الى حل سلمي، ونحن سعيدون بأن اجتماع مجلس الامن والسلم الافريقي الاخير قد أمّن على ضرورة الاسراع بتحقيق السلام، بل انه وضع سقفا زمنيا للوصول الى اتفاقية السلام.

وبالنسبة لشرق السودان، فقد وضعنا معا رؤية مشتركة للوصول الى حل سلمي للمشكلة، وان الشيء الذي حال دون بدء المحادثات يرجع الى موقف الحكومة الارترية تجاه الوسيط. والحقيقة اننا لم نسمه وسيطا حتى الآن وانما سميناه (المسهّل). وتريد الحكومة الارترية ان تلعب دورا في هذا الامر.

* ماذا تتوقع من مواقف من اجتماع مجلس الامن المقبل؟

ـ هذا الاجتماع يعد مواصلة لاجتماع سابق عقده مجلس الامن عقب الجلسة التي عقدها مجلس الامن والسلم الافريقي واصدر فيها ذلك القرار المعروف. وقد كان هناك اختلاف في وجهات النظر، فبعض الدول ومنها امريكا وبريطانيا كانت تعتقد ان هذا القرار هو تفويض للامم المتحدة لتتسلم مهمة قوات الاتحاد الافريقي الراهنة في دارفور، وان الستة اشهر هي فترة اعداد لهذا الانتقال، وان الانتقال صار الآن امرا قد صدر من الجهة المعنية. والدول الاخرى بما فيها الصين وروسيا وقطر والكونغو كانت تعتقد ان ما حدث هو قرار اشتمل على مد فترة بعثة القوات الافريقية، وان القرار اقرّ من حيث المبدأ امكانية الانتقال.. ولكن هذا الانتقال لا بد ان يتم التفاوض عليه مع حكومة السودان. ونتوقع ان تكون الجلسة القادمة بمثابة مواصلة لمثل هذا النقاش.

* تستضيف الخرطوم بعد ايام قلائل قمة عربية مهمة.. ماذا اعددتم لهذه القمة، وماذا تنتظرون من هذه القمة للسودان، وللعرب؟

ـ القمة العربية تنعقد في السودان، وهو يحتفل هذا العام باليوبيل الذهبي لاستقلاله، ومرور عام كامل على اتفاقية السلام. واشير الى ان البند الاول في القمة يتمثل في التعاون العربي الافريقي. وهناك مواثيق كثيرة في جدول الاعمال من بينها قضايا تتعلق بالسودان، مثل تأسيس صندوق مساعدة المناطق المتأثرة بالحرب في جنوب السودان، وكذلك هناك بند يتعلق بمساهمة الدول العربية الافريقية بقوات ضمن بعثة الاتحاد الافريقي في دارفور. وهناك قضايا تتعلق بمحكمة العدل العربية ومجلس الامن والسلم العربي وهكذا. وان جدول اعمال القمة مليء بالمواضيع. ونتوقع ان يكون الحضور كبيرا وان تخرج القمة بقرارات واضحة تخدم الوطن العربي ككل، وخاصة السودان في هذه المرحلة.

* حينما كانت السيدة ربيكا قرنق في امريكا، صدرت عنها تصريحات كثيرة. وقد وجهت نقدا شديدا لوزارة الخارجية ولسفارات السودان، واعلنت انها لا تتعامل مع هذه السفارات. وفي ذلك الوقت ـ كنتم في دولة قطر ـ وصدر عنكم تصريح قلتم فيه انها ستسأل عما صدر منها. ماذا حدث في هذا الخصوص؟

ـ لقد كانت تلك التصريحات تأتي من مصادر مختلفة ولم نسمعها منها مباشرة. وقد اجري معها لقاء في احدى الصحف وانكرت كثيرا مما قالت او مما نسب اليها، لذلك لا نستطيع ان نقول رأيا في امر انكرته من قبل انها قالت ذلك الكلام.

* ايضا هناك اتهامات اليكم يوجهها قياديون في الحركة الشعبية بأنكم تمالئون المؤتمر الوطني، وانك تتبعون سياسة ليست متماشية مع مصلحة الجنوب، ما تعليقكم؟

ـ متى حدث ذلك؟ ومن هم اولئك القياديون؟ انها تمثل ظاهرة لعدم الامانة الصحافية. فالذين كتبوا ذلك ليسوا بقيادات في الحركة، وهم موجودون في كندا ضمن مواطنين طلبوا الاستيطان. ولم نسمع لهم نشاطا في اجهزة الحركة، وهم (اربعة شبان) كتبوا ذلك الكلام.. لكن الذين نشروا ذلك في الصحف يريدون ان يعطوا انطباعا بأن هناك قياديين في الحركة هم اصحاب هذه التصريحات. ولكن الحقيقة ان من يقرأ في الانترنت، سيجد اسماء هؤلاء الاشخاص، ولن يتعرف على اسم أي احد منهم.

* ايضا قرأت مرة ان هناك تقريرا كتب في الخارجية السودانية، من قبل السفارة بواشنطن، وانه تم اخفاء هذا التقرير عنكم. هل تخفى عنكم بعض التقارير احيانا؟

ـ لا. انهم لم يقولوا ان التقرير قد تم اخفاؤه عني، وانما ذكروا انه لا يمكن ان يتعاون مع السفارة، لان السفارة تكتب تقارير عن الذين يذهبون الى امريكا.. لكن هذا الحديث اتى عن جهل، لان مسؤولية السفارة ان تكتب تقارير، فحتى عندما يزور رئيس الجمهورية دولة من الدول، فان سفارة السودان تكتب تقريرا عن زيارته، وكذلك اذا ذهب أي شخص الى منطقة عمل للسفارة، فهي مكلفة بأن تكتب تقريرا، ما هو الجديد في ذلك؟

* هل تشعر فعلا بأن الطاقم الذي يعمل معك في وزارة الخارجية يتعاون معك وينفذ توجيهاتك؟

ـ طبعا. فان الذي لا يتعاون.. سيعاقب، لان هذه المسألة تعتبر مسؤولية.