شرودر: على الولايات المتحدة أن تتحمل مسؤوليتها تجاه التغيرات المناخية

حوار: كارول وليامز *

TT

تحتل المانيا في الوقت الحالي مكانة مهمة في الاتحاد الاوروبي، بل انها تعتبر القوة المحركة الاولى لمجموعة الدول التي تشكل المجموعة الاوروبية، وازداد تأثيرها بعد أن اصبح اقتصادها القوة الاولى ومنافسا لاقتصاديات اكثر الدول تقدما في العالم واصبح يحسب لها ألف حساب خاصة بعد سقوط جدار برلين وقيام ألمانيا الموحدة بعد الانقسام الذي عانته على اثر الحرب العالمية الثانية، وهذه المكانة صنعها بدأب الشعب الألماني، الذي خرج من تلك الحرب مهزوما ليعيد بناء ما دمرته تلك الحرب، ويتقدم لاحتلال مكانه الطبيعي في اوروبا والعالم.

ومنذ ان لعبت المانيا دورا عسكريا خلال حرب البوسنة والهرسك، بعد أن كان محرما عليها المشاركة في أي عمل عسكري طبقا لاتفاقية الاستسلام التي وقعتها بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، بدأت تعد نفسها للعودة إلى المسرح العسكري أيضا، بعد أن عادت فعليا على المسرح الاقتصادي، لذلك أصبحت تحتل مكانة سياسية توازي مكانتها الاقتصادية، ومن هنا أصبح لمستشارها، الذي يعتبر الحاكم الفعلي للبلاد طبقا للدستور الالماني، قوة لا تقل الاهمية عن القوة السياسية التي يتمتع بها رئيس دولة عظمى كالولايات المتحدة الاميركية، ومن هنا كانت أهمية ان يدلي المستشار جيرهارد شرودر برأيه في قضايا مهمة وملحة كقضية البيئة، واتفاقية كيوتو، التي يحاول الرئيس الاميركي جورج دبليو بوش أن يتنصل من توقيع الرئيس السابق بيل كلينتون عليها. ومن هنا تكون للحوار مع المستشار الالماني اهمية خاصة.

* كيف تقيم الوضع الراهن للتحالف عبر الاطلسي؟ وهل غياب خطر يدعو الى الاتحاد مثل تهديد الشيوعيين او قوة عظمى تمتلك الاسلحة النووية يغير جوهريا من تلك العلاقة؟

ـ كلا انا لا اعتبرها كذلك، ولو كانت العلاقة بين الولايات المتحدة والمانيا، او بين الولايات المتحدة واوروبا تقوم على اساس التصدي لخطر مشترك فحسب، اعتقد، حينها انها لن تكون ذات بال. وأنا دائما ما نظرت الى الاساس الذي تقوم عليه علاقتنا، هل هي القيم المشتركة، مثل السعي لايجاد حلول سلمية للنزاعات وارادة الدفاع عن الديمقراطية باعتبارها الشكل الاكثر عقلانية في انظمة الحكم، بل في الواقع صيغة الحكم الوحيدة التي يمكن الاخذ بها بين الشعوب المتحضرة. كما ان هذه القيم مرتبطة بمصالح مشتركة تجاه حرية التجارة العالمية لتحقيق الرفاه لكل الشعوب.

* كيف تنظر الى ان الولايات المتحدة تعتزم نشر درع مضاد للصواريخ؟

ـ لا احب ان ارى اوروبا تنخرط في نقاش منعزل حيال هذا الموضوع، يتلخص من البداية بالقول «لا، ابدا، لا ينبغي تحت اي ظرف كان ان تنشر الولايات المتحدة مثل هذا الدرع». واعتقد ان الولايات المتحدة تستحق منا النظر بانصاف الى اعتبارات رد فعلها تجاه التغير الذي اصاب الاوضاع الامنية، ولا يصح اغلاق باب النقاش حول هذه القضية برفضها عند نقطة البداية، اذ ان ذلك سيكون امرا خاطئا.

* في ما يتعلق بالجهود الامنية والدفاعية الاوروبية، ما السبب في رأيك في التحفظات الشديدة التي يبديها المسؤولون العسكريون والامنيون الاميركيون حيال انشاء قوة عسكرية اوروبية؟ هل لانها قد تتسبب في حرمان حلف شمال الاطلسي من بعض موارده؟

ـ لا افهم سبب تلك التحفظات في الواقع، اذ ان الولايات المتحدة كانت تطالب الاوروبيين منذ امد طويل ان يكونوا في وضع يمكنهم من التحرك في حال اندلاع نزاعات اقليمية في القارة الاوروبية. طبعا وبشكل صارم ضمن اطار حلف الاطلسي لا ضده بأي شكل كان. وأرى ان تشكيل قوة اوروبية من قبيل السياسات التي ينبغي ان تقوي من وضع حلف الاطلسي لا اضعافه.

* هل تعتقد ان المانيا تنفق القليل على الشؤون الدفاعية؟

ـ ينبغي الا ننظر إلى الامن وفق مفهوم ضيق، فمفهوم الامن اكبر من الامن العسكري او الامن الذي توفره قوات الدفاع او الاموال المرصودة للدفاع. ويتبين من خلال النظرة الموضوعية الى الدور الذي لعبته المانيا خلال السنوات العشر الماضية، كنا نحن من تحمل العبء الاكبر في دعم واعادة بناء البنى الديمقراطية في روسيا. وهذا في حد ذاته يعد دفعة مهمة جدا للامن، اذ ان محو فكرة علاقة الصديق الخصم في اوروبا بين الغرب وروسيا يعكس تحسنا امنيا، ويعود الفضل في ذلك الى المانيا.

* كيف سيؤثر وجود قوة تحرك سريع اوروبية على قدرة اوروبا في الاستجابة للازمات المندلعة في القارة مثل الاضطرابات الاخيرة في مقدونيا؟

ـ لقد اتضح ذلك من خلال ازمة كوسوفو، فالغالبية بين القوات الموجودة هناك حاليا هي قوات اوروبية، مما يعني ان علينا تحمل الاعباء والتكاليف الرئيسية بانفسنا. غير انه لا بد من ايضاح نقطة هنا، وهي انه ليس في وسع ناتو في الوقت الراهن ان يكون فاعلا دون البنى الاميركية. ونحن نتفهم بان اميركا قد تقلص من عدد قواتها في مناطق النزاع بعد السيطرة عليها، غير اني متأكد من اننا لا نزال بحاجة الى الوجود الاميركي في المستقبل المنظور.

* لو ان هذه القوة العسكرية الاوروبية كانت مشكلة الان، فما التوصية التي ستصدرها حينها بصفتك زعيم الدولة العضو الاكبر في الاتحاد الاوروبي تجاه مسار التحرك في الرد على التطورات الاخيرة في تيتوفو، حيث تشتبك قوات السلطات المقدونية بالجماعات المسلحة الالبانية؟

ـ آمل اولا الا تتصاعد حدة هذا النزاع وان يتم حله سلميا، ولتحقيق ذلك نحتاج الى جهود اكبر من القوات الدولية لحلف الاطلسي في كوسوفو «كي. فور»، الى جانب ذلك لا بد من تبني الحكومة المقدونية، التي ندعم وحدة اراضيها، سياسة عدم التصعيد. كما لا بد من تحسين اسلوب الحكومة المقدونية في التعاطي مع آمال الاقلية الالبانية... بيد اننا لا نعتقد انه من الضروري تدخل جنود حلف ناتو في هذا الامر.

* تخطو العلاقات الالمانية مع روسيا تجاه مسار ثابت من التحسن منذ تحقيق الوحدة، في حين ان علاقات واشنطن وموسكو شهدت مؤخرا ازمات تعد من مخلفات فترة الحرب الباردة. كيف يمكن ان تؤثر سياسات واوليات ادارة الرئيس بوش على علاقات روسيا بالمانيا وغيرها من الدول الاوروبية؟

ـ لا ارى ان هناك اي ارتباط مباشر بين الامرين، فالحكومة الاميركية ليست بحاجة لاي وسيط اوروبي لتقرير الشكل الافضل للعلاقات الاميركية ـ الروسية. اما التطورات الاخيرة وكيفية استجابة الطرفين لها من طرد لدبلوماسيين على الجانبين فتكشف عن ان هناك ادراكاً لتغير الزمن والوقت. واعلن الرئيس بوش عن ان المشكلة قد حلت، وصدرت تعبيرات مشابهة عن الجانب الروسي، وآمل كثيرا في ان تعاود الادارة الاميركية والحكومة الروسية محادثاتهما المباشرة حيال قضايا منها الدرع المضاد للصواريخ.

* كيف تقيم السياسات البيئية الجديدة للادارة الاميركية وقدرتها على التقيد بالاتفاقيات الدولية؟

ـ نحن نأمل في ان يجري التصديق على اتفاق كيوتو والاقرار به. ولا تزال هناك اسئلة نحتاج الى مناقشتها في المؤتمر الذي سيعقد في بون حيال كيف يمكن تحقيق النتائج المتوخاة من كيوتو، وفي ما ان كان ذلك يجب ان ينفذ من جانب الدول كل على حدة، ام ان كان بالامكان تبادل الرأي حول هذه الامور مع دول العالم الثالث. وتظل النقطة المهمة هنا ان الولايات المتحدة ملتزمة بمسؤولياتها تجاه التغيرات المناخية الجارية، فاقتصادها يمثل اضخم الاقتصاديات في العالم، كما تعتبر من اكثر الدول المستهلكة للطاقة. لهذا ينبغي ان يكون معلوما ان تقليص مسؤوليتها هذه امر مجحف في حق اجيال المستقبل. وطالما لعب الحرص على تحقيق الانصاف دورا بالغا في السياسات الاميركية، خاصة في الشؤون المحلية، لهذا فاني غير متشائم في ما يتعلق بهذه القضية.

* يؤكد السياسيون الالمان المنتمون الى كافة الوان الطيف السياسي غالبا على ان المانيا ليست بلاد مهاجرين، غير انه بعد مرور 30 عاما على سياسة قبول العمال الاجانب والملايين من ابناء الاثنيات القومية الالمانية واليهود القادمين من الاتحاد السوفياتي السابق واوروبا الشرقية، حان الوقت لتنظر المانيا الى نفسها كبلد متعدد الثقافات، ولتعتبر ان هذا امر ايجابي، لا امر ينبغي مواجهته ومقاومته؟

ـ هذه هي سياستنا، وقد وصلنا الى نقطة مهمة في نقاشنا حيال هذه المسألة على خلفية برنامج «البطاقات الخضراء» الذي دشنته بنفسي. كما بات يتوفر لنا الآن مناخ مريح لمناقشة قضايا الهجرة اكثر مما كان عليه الوضع في السابق. فقد توصل الجميع الى نتيجة خلاصتها الاقرار بانه لا يمكن لبلد مثل المانيا احاطة نفسه بسور بعيدا عن الاقتصاد المعولم، واننا بحاجة الى المزيد من التعاون في المجالات الدولية لا التقليل منها.

* ذكرت انك تعتبر المسائل المتعلقة بالتجارة بين الولايات المتحدة واوروبا اكثر اثارة للنزاع بينهما من نشر درع مضاد للصواريخ، ما الامر المشكل على وجه التحديد في هذه المسألة؟

ـ ينشب نزاع من حين لآخر داخل منظمة التجارة العالمية. مثلا، هناك نقاشات جارية في المانيا وفي ارجاء القارة الاوروبية حيال الاغذية الصحية. وفي هذا السياق اعتقد ان القائلين بانه ينبغي علينا السماح بدخول اللحوم المعالجة بالهرمونات، وهم بحاجة الى ادراك ان لدى مستهلكنا حساسية خاصة حيال هذا الامر، وذلك بسبب مرض جنون البقر ومرض الحمى القلاعية. ولهذا ينبغي ان يتفهم المرء انه خلال مثل هذه الاوقات العصيبة ستصر الحكومة على توفير توثيق مناسب، وانه لا بد من توضيح الطريقة التي عولجت بها هذه الاغذية او تلك التي تستخدم في معالجة اوراق التغليف.

* كيف تنظر الى الحوار الساخن المنتشر في المانيا هذه الايام حيال ان كان ينبغي للالمان الشعور بالاعتزاز والثقة بالنفس؟ وهل يمثل ذلك مسألة مثيرة للخلاف بسبب الزخم الذي تندفع فيه في حقبة ما بعد الحرب الباردة؟ ام ان الاضطرابات الاخيرة واعمال العنف اليمينية تشير الى انه لا تزال هناك بقايا من العنصرية وعدم التسامح من الحقبة النازية تحول دون حديث الالمان عن الاعتزاز القومي؟

ـ ينبغي التصدي بحزم للراديكاليين من الجناح اليميني في المانيا، وهذا امر ينبغي ان يقدم عليه اي بلد متحضر. ونحن في المانيا نحمل على عاتقنا مسؤولية خاصة. وأعتقد ان مسألة الاعتزاز من عدمه هي حديث ذو سمة تجريدية. والمانيا بلدي التي اعتقد انها نجحت في تأسيس مجتمع ديمقراطي بصورة رائعة خلال الاعوام الخمسين الماضية، ولا ينبغي لأبنائها الاختباء خوفا من مثل هذه النقاشات.

* خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»