أبو الغيط لـ«الشرق الأوسط»: هناك من تسلم القرار الفلسطيني من أصحابه وأعطاه لنفسه

وزير خارجية مصر: اتفق مع من يقولون إن إيران حاولت خطف ملف السلام خلال حرب لبنان الأخيرة

TT

حذر وزير الخارجية المصري أحمد أبوالغيط تيار التشدد الفلسطيني من ساعة لا ينفع فيها الندم، وقال في حوار خاص مع «الشرق الأوسط» إن الفلسطينيين الذين يقاومون المفاوضات ويعوقون السعي النشط للتوصل الى الحفاظ على «ما تبقى من مصالح» سوف يندمون، معتبرا أن كامب ديفيد الثانية قد فشلت لأن عرض ايهود باراك رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق بالتسوية النهائية قد فاجأ الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات الذي خشى من قبول مفاجأة بعض الفلسطينيين بالتفريط في استقلالية القرار الفلسطيني وتلقي الرأي والنصيحة من هذه العاصمة أو تلك.

وقال «هناك من تسلم القرار الفلسطيني من أصحابه وأعطاه لنفسه» لكنه رفض أن يسميه. وطرح أبوالغيط رؤية مصر لأفق التسوية بناء على خريطة الطريق نافيا أن تكون هناك مبادرة مصرية جديدة في هذا الشأن وإنما مجموعة أفكار يجرى التشاور بشأنها مع الأطراف المعنية. ورفض ابوالغيط مقولة ان عملية السلام قد ماتت، معتبرا انها دخلت في حالة «سبات» فقط. واتفق وزير الخارجية المصري مع من يقولون إن ايران حاولت ـ عبر الحرب اللبنانية الاخيرة ـ اختطاف ملف عملية السلام في الشرق الأوسط وقال: «اعتبر هذا الرأي صائباً».

وأبدى ابوالغيط استعداد مصر للمشاركة ضمن القوة الدولية في دارفور، معتبرا ان نشر قوات دولية في الإقليم لا يعرض مصالح مصر للخطر، لكنه وضع اربعة شروط.

وأشار الى استقلالية قرار بلاده مذكرا بأنها اكثر الدول اختلافا مع الولايات المتحدة طبقا لتقديرات الكونجرس الاميركي ذاته.

وفيما يلي نص الحوار:

* عدت من رحلة طويلة أخذتك الى كوبا حيث قمة عدم الانحياز، ثم الى نيويورك حيث اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة ..في عام 1979 استضافت هافانا قمة مثيرة لحركة عدم الانحياز حاولت خلالها أن تقود الحركة الى التحالف المطلق مع موسكو تحت شعار «الاتحاد السوفياتي هو الحليف الطبيعي لحركة عدم الانحياز».. الآن بعد أكثر من 25 سنة من هذه الصيغة ذهبت إلى كوبا لم تجد كاسترو لأنه كان في غرفة الإنعاش، ولم تجد لا الاتحاد السوفياتي ولا الشيوعية معناها التقليدي.. هل تعتقد انك وجدت عدم انحياز؟

ـ تسألني هل وجدت عدم انحياز وأقول لك لقد وجدنا مجموعة من الدول تمثل الجنوب، كلها دول تتعاون وتتحالف فيما بينها لكي تحقق الشروط الأفضل لعلاقتها مع الشمال سواء في الإطار السياسي أو الاقتصادي وعندما تتناول حركة عدم الانحياز إصلاح الأمم المتحدة فهي تسعى للإصلاح حتى لا تكون هذه المنظمة خاضعة بالكامل لسياسات الأغنياء الذين يدفعون، بل تكون خاضعة لمصالح وأهداف الجميع.

* بالنسبة لمصر كدولة مؤسسة لحركة عدم الانحياز، إلى أي مدى انعكس انتماؤنا لهذه الحركة على حياة المواطن المصري؟

ـ لو حسبنا العائد على مصر من أي شيء بهذا المدخل يبقى صعبا لكن لو قلت لك إن الظهور المصري في حركة عدم الانحياز، وفى مجموعة 77، ومنظمة التجارة الدولية، والبنك الدولي، وصندوق النقد، وبعلاقاتنا الدبلوماسية العريضة أقول لك مصر دولة مؤثرة وقادرة على التأثير على الآخرين بما يؤدي إلى أن الآخرين يأخذون هذا الجهد في الحسبان فينصتوا إلى رأى مصر.

* كان الرئيس مبارك يزور البيت الأبيض إبان رئاسة بوش الأب وتضمنت كلمة ألقاها في البيت الأبيض مطالبة الرئيس الأميركي بدعوة الرئيس الفلسطيني عرفات إلى البيت الأبيض، بعدها سأل أحد الصحافيين المتحدث باسم البيت الأبيض: كيف تسمحون للرئيس المصري أن ينطق اسم «الإرهابي عرفات» داخل البيت الأبيض؟ فأجابه المتحدث أن من حق الرئيس المصري أن يقول ما يشاء فقال له أنتم تدفعون لمصر معونات كذا وكذا..فأجابه المتحدث: إن مصر ليست إحدى جمهوريات الموز، موضحا خصومتنا لمصر كانت تكلفنا 40 مليار دولار سنويا ونحن ندفع لها 2،3 مليار دولار في الوقت الراهن(انذاك).. سؤالي هو: هل مصر فى حركتها الدبلوماسية والسياسية على الساحة الدولية تستوعب هذه الحقيقة، وهل الممارسة السياسية المصرية في العلاقات الدولية وكثير من الأزمات تستوعب حقيقة وزن مصر وتأثيرها؟

ـ أنا أعتقد أن وزن مصر وتأثيرها لا يحسب بـ«كام دولار تأخذه من هنا أو هناك.. مصر عليها أن تتحمل دورها لكن طبقا لقدراتها وإمكانياتها لأن إمكانيات مصر وقدراتها ليست بلا حدود، فهذه الإمكانيات محدودة بحدود الميزانية المصرية والقدرة الاقتصادية والسياسية لمصر لها حدود وبالتالي تتعامل مع الأمور طبقا لعناصر القوة في المجتمع الدولي. كيف ترى مصر المجتمع الدولي وكيف تقيم العلاقات الدولية في هذه اللحظة من الزمن وبالتالي نصل إلى خلاصة مفادها أن هذه المجموعة من الدول ذات التأثير يجب أن تبقى مصر على علاقة طيبة بها لكي تحقق مصالحها من خلال هذه العلاقة. ومن يقيم المسرح الدولي في هذه اللحظة ماذا يقول؟.. يقول: هناك دولة اسمها الولايات المتحدة في قمة العلاقات الدولية من حيث التأثير السياسي والاقتصادي والعسكري، وبالتالي لابد أن نكون على علاقة طيبة بهذا العملاق الهائل وإن كان هذا لا يمنع احتمالات الصدام معه دبلوماسيا أو سياسيا فيما يتعلق باختلافات في الرؤى وهذا أمر طبيعي.

* هل تقصد ان مصر تختلف مع الولايات المتحدة؟

ـ كثير جدا وآخر اختلافاتنا معها كانت حين قدمنا مشروع قرار في مجلس المحافظين للوكالة الدولية للطاقة الذرية حول الضمانات النووية في الشرق الأوسط، واميركا طلبت عدم طرح هذا القرار فقلنا: لا آسفين هذا قرار مصلحة مصرية مباشرة يجب أن نطرحه فاعترضت عليه أميركا.. مصر والولايات المتحدة تختلفان كثيرا على مسرح الأمم المتحدة وهناك إحصائيات يضعها الأميركان في الكونجرس لكي يروا نتائج المساعدات ونتائج ورؤية الكونجرس والإدارة لكل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة فيكتشفوا أن مصر على قمة الدول المختلفة دائما مع الولايات المتحدة، ليس بالضرورة أن نصطدم معهم عسكريا، وهل هناك توافق كامل في قصة دارفور مثلا؟ ليس هناك توافق كامل بل اختلاف رؤى، انظر إلى المسرح الدولي تجد ايضا الاتحاد الأوروبي له تأثير وقيمته تتصاعد وتتزايد على مدى السنوات الماضية وفي العقود القادمة، إذن نبني معه علاقة من خلال اتفاقات المشاركة واتفاقات الجوار.. وهكذا.

وحين تنظر إلى المسرح الدولي ستجد أيضا قوة هائلة اسمها الصين، وهذا يعني أنه لا بد أن تكون لنا علاقة نشطة ومتطورة معها، ولذلك الرئيس مبارك زار الصين 9 مرات في العشرين سنة الماضية وسيزورها مرة عاشرة «بواقع زيارة كل عامين» بالإضافة إلى أن رؤساء صينيين أتوا إلينا ورؤساء حكومات أخرى، ثم نأتي إلى الاتحاد الروسي، وريث الاتحاد السوفياتي هل هو طاقة وقدرة؟ نعم إذن نبقى على علاقة نشطة معه.

* الرئيس زار الصين 9 مرات بماذا عاد ذلك على المواطن المصري من فرص عمل واستثمار وسياحة؟

ـ هناك تجارة وقد تحدث وزير الصناعة والتجارة المصري أثناء زيارته الأخيرة لبكين عن أن الصين ستكون الشريك التجاري الرئيسي لمصر في عام 2010 وهناك استثمارات صينية لان الصين عندها احتياطي نقد أجنبي يصل إلى 900 مليار دولار.

يجب أن تقيم مصر أولوياتها في علاقتها الخارجية وتتحدد هذه الأولويات في تنمية علاقاتها مع الصين وروسيا والاتحاد الأوروبي وأميركا، ستسألني، أين العرب وأفريقيا؟ أقول لك: موجودون كنقطة انطلاق وقوة لأن موقعي في قلب هذا الإقليم ويمثل الإقليم العربي أيضا مسؤولية لمصر لأن الأمن المصري كله يعتمد على ركنين أساسيين إما دول حوض النيل وهذا شيء أساسي لأن بدونه لن يكون هناك دم في شراييني والبعد الآخر هو المنطقة المحيطة بمصر التي تؤثر فيها حال تعرضها لأي اهتزاز، لا تنسى أن مصر لديها في المنطقة العربية حوالي 3 ملايين مصري يعملون في هذه المنطقة ويجب علينا أن نرعى مصالحهم عن طريق الحفاظ على اكبر قدر من ديناميكية العلاقة بين مصر والعالم العربي، وهذه ليست مسألة امن قومي في صورة دبابات وتهديدات عسكرية أو غيره بل «لقمة عيش المواطن المصري» وأنا أكلمك بمنتهى الصراحة.

* بالنسبة لفكرة العودة بملف السلام إلى الأمم المتحدة، كنت في نيويورك وقلت كلاما عن ذلك؟

ـ لماذا تعتقد أننا عدنا به ؟ لأنه كانت هناك حالة من السكون في عملية السلام او دعني أصفها بأنها حالة سبات، وحالة إحباط وإحساس بأنه لا شيء يحدث فرأينا في إطار اجتماعات الجامعة العربية أن نعيد طرح مسألة الشرق الأوسط على مجلس الأمن أخذا في الاعتبار أنه لو تحدثنا عن التسوية في الشرق الأوسط فيجب أولا تنفيذ قرارات الشرعية الدولية المتمثلة في قرارات مجلس الأمن أرقام 242 و 338 و1515 وكذلك القرار رقم 1337 الذي تحدث لأول مرة عن دولتين «فلسطينية وإسرائيلية» تعيشان جنبا إلى جنب وفي حدود آمنة ومعترف بها فعندما رأينا أن القضية توقفت، قررنا الدفع بهذا الملف إلى نقاش مفتوح أمام مجلس الأمن لعله يسلط الأضواء ويدفع بالجميع لشحذ الذهن وإعادة التفكير، وعندما ذهبنا إلى نيويورك كان هناك قلق، وعقدت جلسة استمرت ساعتين ونصف الساعة وظهر أمام المجتمع الدولي أن الجميع يتحدث عن القضية الفلسطينية صلب النزاع في المنطقة من منطلق أن هذا النزاع له انعكاساته على الأمن الدولي حقيقة بمعنى انه إذا استمرت الأوضاع هكذا سيكون هناك إرهاب وهناك انزلاق إلى مواجهة بين الإسلام والعرب من ناحية والعالم الغربي من ناحية أخرى، وكانت لي أنا شخصيا تحذيرات كثيرة حيث كنت أرى أن حل القضية الفلسطينية سيؤدي إلى تقليل الكثير من الغضب الإسلامي العربي وسوف يؤدي إلى انفراجة غير موجودة اليوم في العلاقة بين الغرب والإسلام، فالذهاب الى مجلس الأمن لم يضر بل على العكس سلط الأضواء، هل دفعنا فيه ما يسمى أصولا سياسية ؟ لم ندفع فيه شيئا ولا خسرنا شيئا على العكس ذهبنا وتحدثنا.

* ولكن عندما أبذل محاولة ولا أحصل على نتيجة فأنا ابدو كمن خسر؟

ـ لا.. كانت هناك نتيجة.. بدليل الاهتمام الدولي بالقضية، لقد كان الجميع يتحدث عن أن قضية الشرق الأوسط ماتت، وأنا لم أكن مع هذا الرأي بل مجرد حالة سبات نسعى لتحريكها وتنشيطها وتسليط، الضوء عليها، فالضرر يأتي من هؤلاء الذين يصممون على تصرفات وسياسات تلحق بالغ الضرر بالقضية الفلسطينية، بمعنى انه عندما ينقسم الشعب الفلسطيني على نفسه ويتحول إلى تيارات فلسطينية متنازعة طلق النار على بعضها البعض ويقتل فلسطينيون، فهذا يهدر القضية، وعندما نكتشف أن هناك غيابا لاستقلالية القرار الفلسطيني وأن الحكومة الفلسطينية تتلقى الرأي والنصيحة من هذه العاصمة أو تلك من داخل الإقليم أو خارجه....!

* هل تعتقد بوجود عواصم بعينها داخل المنطقة او خارجها تؤثر على القرار الفلسطيني؟

ـ مؤكد.. لكنني لن أقل لك من هي.. هناك من تسلم القرار الفلسطيني من أصحابه وأعطاه لنفسه، وبالتالي رأينا ما نراه الآن.. الانتخابات الفلسطينية أفرزت مجموعة من النتائج أدت إلى تشكيل حماس للحكومة الفلسطينية وعادت حماس ترفض ما كانت تتبناه منظمة التحرير منذ 10 أعوام، المجتمع الدولي لن يتعامل مع هذا الموقف إيجابيا.. أقول ان ما يحدث على الساحة الفلسطينية سوف يلحق ضررا بالتأييد الدولي للقضية الفلسطينية....

* ألا ترى انه حتى تطرف المتطرفين الفلسطيني يمكن استثماره سياسيا لتحريك الملف الفلسطيني؟

ـ دعنا نأمل أن يكون التشدد بمثابة باب نستطيع أن نطرقه ونخرج منه بنتائج، لكنني أخشى ان تمر الأيام والسنوات والعقود وربما عشرات السنين ثم لا يتوصلون إلى ما توصلت إليه أطراف عربية أخرى وعندها سيقولون يا ليتنا أخذنا.. يا ليتنا حصلنا.

* هل تتوقع أن تأتي لحظة للندم في العالم العربي؟

ـ أعتقد.. سيندم الفلسطينيون الذين يقاومون الآن المفاوضات والسعي النشط للتوصل إلى الحفاظ على ما تبقى من مصالح.

* هل سيندم الذين دفعوا الفلسطينيين للتشدد.. أعني هل ستندم دول عربية او غير عربية حرضت الفلسطينيين أو ضغطت عليهم لاتخاذ موقف في هذا الاتجاه أو ذاك؟

ـ بمصداقية شديدة دعنا ننظر 10 سنوات للأمام ثم نرى هل سنشهد دولة فلسطينية فعالة وقادرة على ما تبقى من أرض فلسطين أي 22% مما هو متاح الآن أي الأرض المحتلة مثلما هي.. أم أنها ستتأخر وتتأخر وستمضي إسرائيل في إحداث التآكل على الأرض وفي الموقف الفلسطيني.. وبالتالي نكتشف أنه لم يتبق لنا سوى 10% من فلسطين التاريخية. خطورة ما يحدث الآن أن المجتمع الدولي يبتعد بتركيزه عن القضية الفلسطينية، إسرائيل ماضية في استيعاب الأرض، والفلسطينيون يزدادون انقساما ويتصورون أنهم قادرون على إحداث خسائر كبيرة على الأرض في إسرائيل فيمضون في عمليات عسكرية لا أرى منها إلا أنها تؤدي إلى تعقيد الموقف الفلسطيني.. عندما نطلق 100 صاروخ سيقتل نتيجة للمائة صاروخ مواطن عربي مقيم في إسرائيل و3 أطفال فلسطينيين، ثم يقتل في المقابل 1000 فلسطيني ...الرحمة بأنفسنا!؟ علاقات القوى لا تسمح بهذا وبالتالي هناك منهج آخر يجب أن نبحث فيه.. هو السعي النشط في تضييق الخناق ـ وكلها كلمات اختارها بدقة ـ السعي النشط لتضييق الخناق دبلوماسيا وسياسيا على إسرائيل لكي تضطر إلى مواجهة الواقع وبدعم من المجتمع الدولي نستطيع أن نأخذ منها.....

* هل يأتي في سياق تضييق الخناق ما يتردد عن مبادرة مصرية يجرى الإعداد لها؟ ـ لا توجد مبادرة مصرية.

* هناك تقارير تحدثت عن وجود مبادرة او فلنقل افكار مصرية؟

ـ ليست المسألة مبادرة مصرية، المسألة فيما يقال إن خريطة الطريق هي المنهج والحل، إذن نحن موافقون على خريطة الطريق، وفي البيان الذي تحدثنا به أمام الجمعية العامة قلنا إن خريطة الطريق شيء مطلوب ووافقنا عليها لماذا؟ لأن خريطة الطريق وضعت القوى الرئيسية في العالم ثقلها خلفها، الاتحاد الأوروبي ولديه ناتج قومي اجمالي 10 تريليون دولار، الولايات المتحدة 10 تريليون دولار ناتج قومي والاتحاد الروسي والأمم المتحدة «القوى الأربع في المجتمع الدولي» وعندما وضعوا خريطة الطريق صرحنا، بعد فترة ولم نحكم في الحال، بأن خريطة الطريق معيبة بعيبين أساسيين هما: اولاً: أنها لا تؤشر إلى ما يسمى نهاية الطريق أو نهاية العملية!! فطلبنا أن نتفق على نهاية العملية أي أن كل من يجلس ليتفاوض على تنفيذ خريطة الطريق عليه أن يعي ماذا نقصد بخريطة الطريق والى أية نهاية تقود..؟ اما العيب الثاني في خريطة الطريق فهو انها مجموعة من إجراءات ومراحل مركبة على بعضها البعض اذا توقف إجراء أو تعقدت مرحلة توقفت الخريطة كلها... هل ينبغي ان نتحرك باتجاه التسوية النهائية؟؟ محاولة باراك مع عرفات في عام 2000 الذهاب الى التسوية النهائية دفعة واحدة، ربما فشلت لانه لم يعد لها الاعداد الجيد ولا جرى الاعداد للمفاوضات جيدا.. عرض باراك جاء مفاجئا ولهذا جاء رد عرفات وكأنه يخشى قبوله.. ومن هنا تأتي الفكرة المصرية دعونا نتفق على الاطار النهائي للتسوية وبعض العناصر الاساسية في هذه التسوية.

* ما هي هذه العناصر التي تسعى إليها مصر؟ ـ المسألة بسيطة جدا، الدولة الفلسطينية هي الهدف وتقوم على أرض فلسطين التي احتلت بعد الرابع من يونيو (حزيران) 1967 في المقابل لا بأس من تبادل بعض الأراضي بنفس المساحات ونفس الجودة للأرض.. مشكلة اللاجئين سوف تحل بهذا الإطار وتوضع أفكار يقررها الشعب الفلسطيني وليس مصر، وعندما نقول اتفقنا على الهدف النهائي للتسوية، يعني هنا ان المفاوضات تحديدا لابد ان يكون لديها اطار زمني لمدة 24 شهرا مثلا، فسوف تتفاوضون وصولا لهذا الهدف عن طريق خريطة الطريق.. عندما يقال هذا الكلام للفلسطينيين والإسرائيليين يتحمل كل طرف مسؤوليته في لجم الانتهاكات من جانبه، ويصبح معروفا أن من يطلق صواريخ القسام هو شخص يعيق التسوية ويعرقل المفاوضات ويضر بمصالح الشعب الفلسطيني، وكذلك الإسرائيلي الذي يتحرك لقتل فلسطيني أو الدولة الاسرائيلية التي تستهدف ناشطين فلسطينيين بالقتل خارج إطار القانون تكون مسؤولة عن انتهاكاتها، واذا اقر المجتمع الدولي بخريطة الطريق وبأهدافها فيجب ان تكون لديه ايضا سلطة تحميل من ينتهك الاتفاقات مسؤولية انتهاكاته.

* هناك تقارير تفيد بأنه يجرى في واشنطن الإعداد لمبادرة أو طرح اميركي يتحدث عن نهج جديد في البيت الأبيض فيما يتعلق بالتعامل مع القضية الفلسطينية، يقوم على مبدأ «نجيب من الآخر» تعالوا نعلن الدولة ثم نتفاوض على الباقي.. يعلنون دولة ذات حدود مؤقتة ثم يتفاوضون على الباقي .. قضايا اللاجئين، والقدس، والترسيم النهائي للحدود... هل جرت مفاوضات بين واشنطن والقاهرة بشأن الأفكار الأميركية؟

ـ هذه الأفكار طرحت مرات كثيرة.

* هل تم طرحها على الجانب المصري؟

ـ لا لم تطرح ولم يتم تداولها بأي حال من الأحوال لا يوجد لدي علم بهذا الكلام ثم إنني لم أقل فلتقم الدولة قلت نضع الشكل النهائي للتسوية ثم نعود ونتفاوض عليه.

* في حال طرح الاميركيون هذه الأفكار إلى أي مدى تتوقع التجاوب معها؟

ـ هذا أمر يخص الفلسطينيين لا يمكن لأحد أن يتحدث في هذا الشان إلا الشعب الفلسطيني والخيار الفلسطيني سنسعى لتأييده.

* ما هو الدور المصري في هذه الحالة؟

ـ التشاور مع الفلسطينيين حول المزايا والعواقب وتقييم جميع ردود الأفعال لا أعتقد أنه يجب علي أن أفصح عن أي شيء في هذا الشأن قبل أن أرى ما تتحدث عنه على الورق.

* بمناسبة الدور المصري تكلمت عن التشاور مع كل الأطراف، هناك اتهامات للدور المصري تتداولها صحافة المعارضة والصحافة المستقلة يصفوه فيها بأنه تحول إلى سنترال.. هل تحول الدور المصري فعلا إلى سنترال هل مصر فعلا لا تقدم مبادرات أو أفكار تتبناها وتدافع عنها؟

ـ قضايا الشرق الأوسط بالغة التعقيد وحلها أيضا أمر صعب ولا تستطيع مصر بمفردها أن تتعامل مع كل قضية وتفرض رأيها فيها وبالتالي هناك في المحيط الإقليمي قضية تسمى القضية الفلسطينية، هناك قضايا اسمها قضايا العلاقات العربية. قضية الصومال، دارفور، الملف الايراني، الشأن العراقي، لكل قضية ظروفها ومنهج مصري للتعامل معها هناك قضية الوجود المصري والاتصال المصري بها واضح ويومي، وهناك قضايا أخرى التأثير المصري يمكن يقل حتى مستوى المتابعة.

* فلنأخذ أمثلة؟

ـ في الشأن الفلسطيني الاتصال وثيق مع القيادة الفلسطينية ومع الجانب الإسرائيلي الاميركي.

* ما هي القدرة على التأثير؟

ـ بمعنى أنه عندما يحاصر الشعب الفلسطيني نقول للإسرائيليين يجب فتح الممرات فنصل إلى اتفاق مصري ـ فلسطيني ـ إسرائيلي مع الاتحاد الأوروبي أن نفتح الممرات سواء فلسطين ـ إسرائيل او مصر ـ فلسطين.

* هذا تأثير على المستوى التكتيكي أنا أتحدث عن تأثير على المستوى الاستراتيجي؟

ـ التسوية فى القضية الفلسطينية متوقفة ولهذا أحد عناصر التحريك هو الذهاب إلى مجلس الأمن وإذا ذهبنا إلى مجلس الأمن قيل وماذا تحققون فلنجلس في بيوتنا.. لا نستطيع وهذا هو الرد على هؤلاء الذين يتحدثون عن ماذا نفعل؟.. نحن نحاول.. هي المسألة استمرار محاولة، نأتي إلى مسألة دارفور.. إنها تتعلق بالشأن السوداني بمعنى أن السودان دولة ذات سيادة وليست خاضعة للتأثير المصري حتى تكون المسائل واضحة، وبالتالي قررت مصر إبداء رأي وهو إما نصيحة أو مشورة وأنا شخصيا أرصد احتمالات انزلاق السودان في صدام مع المجتمع الدولي، وهذا الصدام ليس في مصلحة السودان أو الأرض السودانية أو حتى المجتمع الدولي لان المجتمع الدولي إذا فرض شيئا على حكومة السودان سيمثل ما يسمى سابقة أن ترفض دولة وجود قوات على أرضها فيفرضها المجتمع الدولي مثلما حدث في كوسوفو والبوسنة، ما اقصده أن في هذه الحالة على صاحب القرار في مصر أن يقول كيف نتناول هذا الأمر فنخفف من الصدام بين هذين الطرفين ووسائل التخفيف هي أن نقول للاتحاد الأفريقي أن يمدد العملية وأن يبقي على وجود قواته.. هذا يدفع من مصر ومن تابع التصريحات المصرية على مدى أسابيع كنا نقول فليمدد الاتحاد الأفريقي وجود قواته ثم دعونا نبحث في آلية نستطيع من خلالها أن نقيم علاقة بين الاتحاد الأفريقي من ناحية والأمم المتحدة من ناحية أخرى مع الحكومة السودانية تسمح بمجال لتناول هذا الاتفاق ومقتضاه أن تحقق حكومة السودان أهدافها في صيانة سيادتها على أرضها وفي نفس الوقت يحقق المجتمع الدولي هدفه في تفويت احتمال صدام على الأرض قد يؤدي إلى موت مئات الآلاف من السودانيين.

* هل هناك أفكار مصرية محددة في هذا السياق.. لتحقيق هذه الغايات ؟

ـ التعامل مع الحكومة السودانية لكي تتفهم هذه الأخطار، التعامل مع الأمم المتحدة لكي نؤكد أن الموافقة السودانية ضرورية قبل إيفاد أية قوات وأن التعجيل بصدور أية قرارات من مجلس الأمن لا تقوم على أية أسس واقعية للوضع على الأرض أمر لن يحقق فائدة لأي طرف، نقول لاشقائنا العرب عليكم أن تساعدوا حكومة السودان ببعض التمويل لكي نعطي فترة من الزمن تمكن السودان من ناحية والمجتمع الدولي من ناحية أخرى للتوصل إلى صياغة الموقف ..لأنه اليوم عندما نقول ان المجموعة العربية ستمد السودان في 6 أشهر القادمة بـ 300 مليون دولار وإذا افترضنا أن الأزمة امتدت إلى 6 سنوات هل نتوقع ان العرب يتحملون بمفردهم؟ طبعا لا.. وبالتالي هذا ما نحاول أن نستشفه ونتفاداه حتى لا نصل إلى أن يصبح الصدام هائلا بشكل يؤدي إلى تحطيم السودان.

* من وجهة نظر مصرية بحتة ماذا يعني نشر قوات دولية في دارفور؟ وهل يؤثر ذلك على مصر؟

ـ لا يؤثر على مصر بشيء على الإطلاق خاصة إذا وضعنا الضمانات، بمعنى أنها تكون قوات افريقية في الأساس أي أن العنصر الغالب في كل القوة الدولية تكون افريقية ورئاسة القوة تكون تابعة لقائد أفريقي وأن القوات الأخرى الواردة من أقاليم أخرى تكون أقاليم إما إسلامية أو آسيوية، هذه نقطة رئيسية أن يكون التفويض المعطى لهذه القوى يحافظ على سيادة السودان ولا يجعل من الامم المتحدة وصيا على السودان..

* هل مصر مستعدة للمشاركة ضمن هذه القوات؟

ـ أكيد إذا رغبت السودان وقبلت بوجود قوة دولية على أرضها أخذا في الاعتبار أن مصر لديها سدس القوة الدولية الموجودة في الجنوب فما هو الفرق بين الغرب والجنوب.. ليس هناك فرق.

* أنت تعلم بأن هناك فارقا بين الجنوب والغرب؟

ـ هناك إطار اتفاقي دولي وهناك تصور وهناك مدة 6 سنوات وهناك اتفاق آخر في ابوجا، الحكاية هي الجنوب حصل اتفاق فتبعه إيفاد القوات .. الغرب حصل اتفاق (ابوجا) فجاءت الأمم المتحدة تقول دعونا نوفد القوات فقالت حكومة السودان لماذا توفدون القوات إذا كان القتال سوف يتوقف وهذا شعب واحد وأرض واحدة وبالتالي التوافق الداخلي السوداني هو المؤمن لنا بدعم من أشقائنا الأفارقة، الأمم المتحدة تتصور أن هذا غير كاف والأيام هي التي تثبت، ومن هنا حتى تثبت الأيام لا يجب أن نسمح بصدام لماذا؟ لأنه في حالة الصدام السودان هو الخاسر ويجب المحافظة على وحدة أراضي السودان وسيادته ولا يجب أن نمكن أية ضغوط من تحطيم بنية السودان.

* السودان حدد نطاق حركة الدبلوماسيين الاميركيين بـ 25 كيلو من منطقة السفارة الأميركية؟

ـ أنا اعتقد أن هذا رد على إجراء اميركي مماثل، كما أعتقد أن هذه أزمة ربما تشهد انفراجا.. ليس بالضرورة غدا..هذا الانفراج مبني على أن الأميركان يقولون إنهم أخطأوا.

* في ماذا أخطأوا تحديدا؟

ـ اخطأوا في عدم منح تأشيرات لرجال الوفد السوداني عندما حضروا للمشاركة في اعمال الجمعية العامة.

* لكن هذه قضية ثانوية نحن نتحدث في قضية رئيسية هي قضية دارفور.. هل تتوقع انفراجا في قضية دارفور؟!..

ـ لا.. إطلاقا احتاج للكثير من الجهد والتعامل المرن لكي نبحث عن مخارج مع المجتمع الدولي.. مصر تتحدث مع السودان عن ضرورة التنبه لعدم الاصطدام مع المجتمع الدولي.

* ماذا يعني ان تصبح مصر محاطة بوجود لقوات دولية في السودان ولبنان والعراق .. ألا يمثل ذلك تهديدا لمصر؟

ـ لا أعتقد أنه يمثل بالنسبة لنا أي شيء فهذه ليست اراض مصرية..... ومصر قادرة على الدفاع عن اراضيها ومصالحها.. أيضا فهذه القوات التي تتحدث عنها هي نتيجة وليست سببا بمعنى ان ثمة اخطاء قادت الى وجود مثل تلك القوات. أما ما نخشاه في مصر فهو ان تؤدي المشاكل الافريقية خارج الاراضي المصرية الى ضغوط على مصر لتحمل مسؤوليات محددة، فما يحدث في الصومال يقود الى موجات هجرة، والتمرد في جنوب السودان قاد بدوره الى تدفق المهاجرين باتجاه مصر وغيرها، كذلك فهناك فصائل عراقية كثيرة تفضل استمرار وجود قوات التحالف بالعراق لفترة اطول لأن وجودها يحقق توازنا قد يتعرض العراق في غيابه للخطر.

* قد تكون لدينا في مصر دبلوماسية طوارئ تتعامل مع الاحداث بعد وقوعها مثل غزو العراق وحرب لبنان وتطورات دارفور، ولكن لماذا غابت الدبلوماسية الوقائية التي تتيح تجنب وقوع مثل تلك الكوارث اصلا.. نحن يا سيدي لم ننحاز الى قيم كان الانحياز لها كفيلا بتجنيب المنطقة ويلات كثيرة.. مثل قيم الديمقراطية وحقوق الانسان مثلا؟

ـ لدينا محاور استراتيجية تحكم الفكر السياسي المصري من اهمها عدم السماح للقوى الخارجية بالتدخل تحت أية دعوى، فمثلا جاء المبعوث الهولندي بروك ممثلا لكوفي أنان الامين العام للأمم المتحدة لمعالجة ملف دارفور، وراح يتشدق بكلام عن حقوق الانسان المهدرة في دارفور ويقول ان هناك مجازر ضخمة وانتهاكات جسيمة لحقوق الانسان.. ثم ذهب الى دارفور وعاد ليقول ان لديه ملاحظات اساسية منها، ان اهم عوامل الصراع هى الجفاف الذي ضرب المنطقة فيما كان الاقليم يشهد زيادة كبيرة في اعداد الثروة الحيوانية وزيادة مثيلة في اعداد السكان بالاقليم، الامر الذي ادى الى تحرك القبائل لتأمين احتياجاتها من الماء والمراعي واندلع الصراع .. وقال بروك: «الآن بدأت أفهم...».

* هل معنى هذا أن مشكلة دارفور مفتعلة؟! ـ سيدي الغرب احيانا لا يفهم.. دارفور ليست أزمة مفتعلة، لقد ناشدت مسؤولين غربيين ان يساعدوني بايضاح الصورة في دارفور من خلال تقديم وثائق وصور وتقارير تؤشر الى مستوى المذابح التي يتحدثون عنها.. لكنني لم اتلق شيئا حتى هذه اللحظة رغم مضي بضعة اشهر.. هناك مشكلة في دارفور ولكن هل هناك مبالغات تستهدف السودان لتحقيق اهداف استراتيجية لقوى معينة..أنا أسأل فقط..