البشير بن بركة لـ«الشرق الأوسط»: يزيفون صورة والدي لتبرير جريمة اغتياله

قال إنه يصعب التأكد من تصريحات الديوري بعد وفاة رئيس المخابرات الخارجية الفرنسية الأسبق

TT

قال البشير بن بركة، نجل الزعيم اليساري المغربي الراحل المهدي بن بركة، إن وفاة الجنرال بيير كروسان، الرئيس، الأسبق للمخابرات الخارجية الفرنسية (سيديك)، يجعل من الصعب التحقق من المعطيات التي أدلى بها المعارض المغربي السابق مومن الديوري في قضية اختطاف والده واغتياله، معبرا عن استغرابه انتظار الديوري مدة ثلاثة عقود بدون ان يكشف عن هذه المعطيات، في الوقت الذي كان يمكن فيه أن تقود تصريحات الديوري إلى شهود آخرين لم يعودوا الآن على قيد الحياة. وشكك البشير في تصريحات الديوري، معتبرا اياها إحدى عمليات المخابرات الفرنسية من أجل تحقيق أهداف معينة، وهو ما قد يتم بعلم أو دون علم الديوري نفسه.

وأضاف بن بركة، في حوار هاتفي اجرته معه «الشرق الأوسط» أنه ليس على علم بكل المعطيات التي حصلت عليها هيئة الإنصاف والمصالحة، باستثناء ما ذكر في تقريرها النهائي أو التعليقات الثانوية لأعضائها، الذين فضلوا العمل بعيدا عن عائلات الضحايا، مبرزا أن عائلته ما زالت تنتظر المناسبة للتمكن من معرفة جزء يسير مما قامت به هيئة الإنصاف والمصالحة في هذا الملف. وأوضح البشير أن الشيء الوحيد الذي قام به الديوري سنة 1976، هو اتصاله بدانييل غيرا، الذي كان مؤرخا وباحثا عن الحقيقة، وطلب منه ربط الاتصال بالجنرال كروسان، مع تأكيده ضرورة عدم ذكر اسمه في هذه القضية، مشيرا إلى أن كل التصريحات والأدلة التي أظهرها التحقيق القضائي أو الإعلامي تبين أن هناك مسؤولية مشتركة بين الأجهزة الأمنية الفرنسية والمغربية في عملية الاختطاف أو التغطية على حقائق الملف. الى ذلك، قال البشير ان هناك الآن محاولة لخلق صورة مزيفة عن والده، والتقليل من شخصيته من أجل تبرير جريمة اغتياله. وتساءل البشير عن الهدف من وراء بعض التصريحات الصحافية حول شخصية والده، ومحاولة المس بها، مشيرا في هذا السياق الى التصريحات التي صدرت في يوليو (تموز) الماضي في صحيفة «الشرق الأوسط» (في اشارة الى حوار المعارض المغربي السابق حميد برادة)، التي خلفت ردود فعل سلبية من طرف أصدقاء والده الراحل في سورية ولبنان وبعض البلدان العربية.

* ما هو تعليقك على المعطيات الجديدة التي كشف عنها المعارض المغربي السابق مومن الديوري بخصوص ملف المهدي بن بركة؟

ـ تعليقي عن هذا الموضوع سينصب حول الشكل والجوهر، فمن الناحية الشكلية أتساءل عن السبب الذي جعل الديوري ينتظر حوالي 30 عاما قبل الإدلاء بهذه التصريحات بدون الاتصال بقاضي التحقيق الفرنسي أو محامي العائلة إذا كان يعتبر ما اطلع عليه مهما جدا من أجل الوصل إلى الحقيقة في ملف بن بركة، ثم لماذا انتظر حتى وفاة الجنرال بيير كروسان، الرئيس الأسبق للاستخبارات الخارجية الفرنسية (سيديك) الذي يقول إنه قرأ ملف بن بركة كاملا في منزله.

والآن نتساءل عن مدى مصداقية ما قاله الديوري، فلم تعد لنا بعد وفاة الجنرال كروسان أية امكانية لتأكيد هذه المعطيات، خصوصا أنها ليست المرة الاولى التي يقول فيها البعض إن الديوري مقرب من بن بركة، ويرغب في معرفة الحقيقة، بيد انه ظل ينتظر حتى لم تعد هناك أية امكانية للتحقق من تصريحاته، مكتفيا بالإدلاء بمعلومات جديدة لوسائل الإعلام التي تترك صدى، لكن يصعب التأكد من صحتها.

* لكن الديوري ابلغ هذه المعطيات لهيئة الانصاف والمصالحة المغربية أثناء بحثها في ملف والدك قبل أن يكشف عنها لوسائل الإعلام؟

ـ أؤكد أن كل المعطيات التي حصلت عليها هيئة الإنصاف والمصالحة ليس لنا أي علم بها سواء عن طريق تقريرها النهائي أو التعليقات الثانوية لأعضاء الهيئة التي فضلت الاشتغال بعيدا عن عائلات الضحايا، فهل يجب انتظار المناسبات حتى نتمكن من معرفة كل يوم جزءا يسيرا، مما قامت به «الإنصاف والمصالحة» في هذه الملفات، في الوقت الذي كان يمكن أن تقودنا فيه تصريحات الديوري إلى شهود آخرين، لكن مع الأسف، فإن جميع هؤلاء الشهود يوجدون الآن في دار البقاء، وهو ما يجعلنا نتساءل عن جدية تصرف الديوري.

* ما رأيك في تبرئة الديوري للعاهل المغربي، الراحل الملك الحسن الثاني، من أية علاقة له بملف بن بركة؟

ـ لا أريد الدخول في النقاش حول تبرئة الملك الراحل الحسن الثاني، لكن السؤال الذي يجب طرحه هو حول علاقة رئيس المخابرات الفرنسية الجنرال كروسان بالمعارض الديوري الذي سيجعله يفتح الأرشيف السري للمخابرات الفرنسية، في نفس الوقت الذي ترفض فيه المخابرات الفرنسية فتح الملف للقضاء الفرنسي، وبالتالي أطرح السؤال التالي: هل يتعلق الأمر بإحدى عمليات المخابرات الفرنسية من أجل تحقيق أغراض معينة، وهل للديوري علاقة معينة بهذا الملف، بعلمه أو بدون علمه؟ وإلا فما الذي يجعل رئيس المخابرات الفرنسية يسمح للديوري بقراءة الأرشيف في الوقت الذي كان فيه لاجئا سياسيا في فرنسا سنة 1976.

وهناك نقطة ثانية تتمثل في رفض المخابرات الفرنسية، منذ 30 عاما، اطلاع القضاء الفرنسي على الأرشيف الخاص بقضية بن بركة، اذ ما زالت هناك جوانب غامضة لا يعرفها القضاء الفرنسي حتى الآن.

والشيء الوحيد الذي قام به الديوري سنة 1976 هو أنه اتصل بدانييل غيرا، الذي كان مؤرخا وباحثا عن الحقيقة، وطلب منه ربط الاتصال بالجنرال كروسان مع تأكيده على ضرورة عدم ذكر اسمه في هذه القضية.

* كيف ترى مسؤولية السلطات الفرنسية بعد توجيه الديوري أصابع الاتهام إلى روجي فري، وزير الداخلية الفرنسي الأسبق؟

ـ نحن أيضا نتساءل عن مسؤولية السلطات الفرنسية، ولدينا مجموعة من الأسئلة التي ننتظر أن تجيبنا عنها هذه السلطات. وهناك عقيد فرنسي صرح اخيرا ان عملية التنصت على المكالمات الهاتفية كشفت أن اختطاف بن بركة كان بعض المسؤولين في وزارة الداخلية الفرنسية على علم به. وحسب هذه المكالمات، فإن مسؤولية الاختطاف والاغتيال هي مسؤولية مشتركة، وفي العمق فإن كل التصريحات والأدلة التي أظهرها التحقيق القضائي أو الإعلامي تبين أن هناك مسؤولية مشتركة بين الأجهزة الأمنية الفرنسية والمغربية في عملية الاختطاف أو التغطية على حقائق الملف. كما ان جميع الباحثين السياسيين في الموضوع يؤكدون أن القرار السياسي الأصلي هو قرار مغربي، واتخذ من طرف أعلى سلطة في البلاد، أما المنفذون فهم معروفون ضمنهم الجنرال محمد أوفقير، وأعضاء في المخابرات الاسرائيلية، وعصابات الشرطة الفرنسية، وهي معطيات لا يمكن لأي أحد التشكيك فيها.

* قام موريس بوتان، محامي عائلة بن بركة اخيرا بزيارة للمغرب التقى خلالها بأعضاء في المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، ما هي خلفيات هذه الزيارة؟

ـ ليست هناك أشياء أكثر مما صرح به المحامي بوتان لوسائل الإعلام، حيث كانت زيارته إلى المغرب فرصة من اجل عقد لقاء مع أعضاء المجلس الاستشاري المغربي لحقوق الإنسان المكلف اتمام عمل هيئة الانصاف والمصالحة، والهدف من هذا اللقاء هو تبادل المعطيات ومعرفة المحامي لآخر المعطيات التي تملكها الهيئة.

* هل لمس محامي العائلة تقدما في الملف لدى المجلس الاستشاري المغربي؟ ـ لم يلمس المحامي بوتان لدى المجلس الاستشاري أي تقدم عن النتائج التي توصلت إليها هيئة الانصاف والمصالحة، فأعضاء المجلس يؤكدون انهم مستمرون في البحث، بيد أنني أظن أنه يجب ألا ننسى عمق القضية المرتبطة بأسئلة جوهرية ما زالت مطروحة من قبل العائلة حول طريقة اغتيال بن بركة، ومصير جثمانه، وتحديد مسؤولية الأشخاص والأجهزة، وأظن أن الجواب عن كل هذه التساؤلات موجود داخل المغرب وخارجه، والأكيد أيضا أن الشهود الذين ما زالوا على قيد الحياة، ولم يتم الاستماع إليهم من قبل القضاء الفرنسي هم شهود مغاربة، ومعروفون مثل مسؤول المخابرات المغربية المتقاعد، ميلود الشتوكي، الذي تعد شهادته أساسية من اجل فك طلاسم الملف، وهو موجود في المغرب والسلطات المغربية تعرف هويته.

ولم تستجب السلطات المغربية حتى الآن وتمكنت هيئة الانصاف والمصالحة من الاستماع إليه، بيد ان القضاء لا يملك أي معلومة حول مضمون هذا الاستماع، كما أن هناك شكوكا حول وجود رفات رجال العصابات الفرنسيين الذين شاركوا في الجريمة، مدفونة في مركز الاعتقال السري المعروف باسم «النقطة الثابتة الثالثة».

واتساءل هنا لماذا يتم تفتيش أماكن القبور في عدة مناطق مغربية في الوقت الذي نلمس فيه تحفظا كبيرا عند الحديث عن معتقل النقطة الثابتة الثالثة، الموجود في ضواحي الرباط.

* هل هناك تقدم في عمل قاضي التحقيق الفرنسي باتريك رمائيل؟

ـ المشكلة مع المغرب أدت إلى حدوث تأخر في تقدم الملف، الشيء الذي جعل القاضي رمائيل يولي الاهتمام لجميع المسؤولين المغاربة الموجودين أو المارين بباريس، وذلك لكون السلطات المغربية لا تسمح له بالقيام بعمله عن طريق الانتداب القضائي الدولي، وهو ما يضطره إلى القيام بعمله وفق الامكانات المتاحة مثل الاستماع إلى مسؤولين أمنين مغاربة سابقين مقيمين في فرنسا او يمرون عبرها، أو محاولة الاستماع لإدريس بن زكري، بوصفه رئيس هيئة الانصاف والمصالحة.

وأعتقد أن القاضي الفرنسي في هذا المجال لا يقوم إلا بعمله، فأكيد أن جلسات الاستماع ربما تحدث تقدما في الملف نوعا ما، لكن ليس بالشكل الذي كان يمكن أن يكون في حالة التعاون بين القضاء الفرنسي والمغربي. ومع الأسف، فإن هذا التعاون ما زال لم يحدث بعد.

* تحولت شخصية المهدي بن بركة في الشهور الأخيرة إلى موضع نقاش بعدما صرحت بعض الشخصيات السياسية أنه لم يكن ديمقراطيا، وانه كان طموحا إلى السلطة، ما ريك فيما يقال؟

ـ أظن أنه ليس هناك نقاش حول نزاهة شخصية بن بركة، فالشخصيات التي عايشته عن قرب، انسانيا وسياسيا ونضاليا، طيلة 30 عاما من مساره النضالي، لم تطرح أبدا نقاشا حول شخصية والدي، والآن هناك أشخاص يحاولون طرح هذا النقاش.

* لماذا؟

ـ أظن أن السبب بسيط، فما يحدث جاء عقب ظهور نتائج عمل هيئة الانصاف والمصالحة التي قامت بالتحريات واستمعت إلى الضحايا الذين كشفوا جسامة خروق حقوق الإنسان التي وقعت في المغرب خلال العقود الأخيرة، مما أماط اللثام عن الاختيارات السياسية والاقتصادية للنظام المغربي، ودفع البعض إلى خلق ستار من الضباب من أجل التشويش على جسامة الانتهاكات عبر خلق صورة مشوهة عن مجموعة من الشخصيات منها صورة بن بركة من أجل القول إن هذه الخروق ارتكبت في ظل صراع على السلطة، والمساواة بين الضحية والجلادين.

والقول إن بن بركة غير ديمقراطي، يستدعي النظر إلى مسؤوليته خارج المغرب وداخله، فالشخصيات التي عايشت فترة رئاسته لتجربة المجلس الوطني الاستشاري المغربي الذي كان نواة لبرلمان مغربي، لمست رغبته العميقة في اشراك كل الفئات الاجتماعية والمهنية في هذا المجلس من اجل مناقشة عمل الحكومة، فدوره الأساسي هو اشراك الجميع بطريقة ديمقراطية في القرار السياسي، وكان يزور القرى والفروع من أجل معرفة رأيهم، فهؤلاء جميعا يمكن ان يشهدوا بديمقراطيته، فهو الذي دفع الى أن تكون القيادة جماعية عندما أسس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، كما ساهم في المنظمة الدولية للتضامن الآفرو ـ آسيوي.

أظن أن هناك الآن محاولة لخلق صورة مزيفة لابن بركة، والتقليل من شخصيته من أجل تبرير جريمة اغتياله. وأتساءل عن الهدف من وراء هذه التصريحات ومحاولة المس بشخصية بن بركة. وأذكر في هذا السياق التصريحات التي صدرت في شهر يوليو (تموز) الماضي في صحيفة «الشرق الأوسط» والتي خلفت ردود فعل سلبية من قبل أصدقاء والدي في سورية ولبنان وبعض البلدان العربية، والتي عبرت لي عن قلق كبير، واستغربت الكلام الذي جاء في حوار اجري مع شخصية سياسية مغربية مقيمة بباريس (في اشارة الى المعارض السابق حميد برادة).

* تحل بعد أيام قليلة ذكرى اختطاف والدك واغتياله في باريس، هل أُعِدَّ برنامج لتخليد هذه الذكرى؟

ـ في العام الماضي، نظمنا ندوة دولية تاريخية من اجل الربط بين تاريخ الاستقلال والتضامن بين الشعوب التي هي مسألة ضرورة من أجل التنمية، كما أن الذكرى الأربعين للاختطاف واغتيال والدي كانت مناسبة لتدشين ميدان المهدي بن بركة في العاصمة الفرنسية، مما شكل التفاتة تكريمية من فرنسا إلى شخصية بن بركة، وهي ذكرى خلفت صدى كبيرا. أما خلال هذا العام، فإننا سنعقد تجمعا يوم الأحد المقبل أمام مقهى «ليب» على الساعة الخامسة مساء سنذكر خلاله بالصعوبات التي لاقيناها خلال هذا العام في البحث عن الحقيقة، والأشياء التي نطمح إلى انجازها العام المقبل عن طريق قاضي التحقيق أو وسائل الاعلام تجاه السطات الفرنسية والمغربية على حد سواء.