أبوالغيط: إذا ثبت أنهم لا يملكون قرارهم.. لن يلوم اللبنانيون والفلسطينيون سوى أنفسهم

وزير خارجية مصر لـ«الشرق الاوسط»: مصر وسورية لا تنظران إلى بعض القضايا وبينها لبنان بنفس المنظور

TT

حذر وزير الخارجية المصرية أحمد أبوالغيط من انزلاق الوضع اللبناني الى حالة من العنف التي يمكن أن تفلت من السيطرة، ودعا أبوالغيط الذي خص «الشرق الأوسط» بحديث مطول بمناسبة وجوده في باريس في إطار زيارة الرئيس المصري حسني مبارك الى العاصمة الفرنسية باريس، اللبنانيين الى عدم تناسي لبنانيتهم كاشفا أن لا اتصالات على المستوى القيادي بين مصر وسورية، وان البلدين «لا ينظران بالمنظار نفسه» الى بعض القضايا ومنها لبنان. وحث الوزير المصري الأطراف المتنازعة في لبنان على قبول مقترحات أمين عام الجامعة العربية عمرو موسى التي وصفها بأنها «معقولة وتحقق التوازن وتستجيب لاهتمامات الأطراف». واستبعد أبوالغيط أن ينجح رئيس الوزراء البريطاني توني بلير في إحداث تغيير في سياسة واشنطن إزاء الشرق الأوسط، والموضوع الفلسطيني على وجه الخصوص. وطالب الفلسطينيين بالإسراع في تسوية اوضاعهم منحيا باللائمة على أطراف «خارجية» بتعطيل التوافق الفلسطيني والتأثير على حركة حماس. وفي ما يلي نص الحديث:

* كيف تنظر اليوم الى الوضع اللبناني وما هي أفاقه المحتملة بناء على ما لديكم من معلومات وما تقومون به من اتصالات؟

ـ الوضع اللبناني خطير للغاية ولذا لا يجب لأن نسمح بانزلاقه وانزلاق الشعب اللبناني الى العنف أو المواجهات الساخنة. من هنا كان تأكيد مصر وإصرارها على عدم تشجيع المظاهرات والحشود الشعبية. نحن نعي أن الخطورة ليست في الحشود أو في التظاهر بل في مخاطر الانفلات وحصول أعمال عنف وصدامات وبالتالي أن يفضي الوضع الى أخطار جسيمة تهدد الشعب اللبناني. ولذا، فقد نبه الرئيس مبارك الى أهمية عدم الانغلاق في مواقف تفضي الى حالة عنفية. وهنا أود أن أقول إننا نستغرب ما يردده البعض أحيانا من أن «لا دخل لمصر بالشأن اللبناني»، وردا على ذلك أقول إن مصر «معنية» بكل شيء عربي. مصر هي الدولة العربية الأكبر وما يحصل في كل المنطقة يعنيها بسبب انعكاساته على هذه المنطقة وعلى مصر أيضا.

* وحتى الآن، لم تنجح أية من الوساطات في التسويق لحل للتأزم السياسي في لبنان، هل السبب عائد الى أن مفتاح الحل ليس موجودا في لبنان؟

ـ مفتاح الحل يجب أن يكون دائما في بيروت ويجب أن تتحمل القيادات اللبنانية مسؤولياتها، نقول:لا يجب أن ينسى أحد لبنانيته، هذه رؤيانا من مصر ونحن مستمرون فيها.

* لكن يبدو أن هناك أدوار افرقاء إقليميين لا يمكن تجاهلهم، وثمة من يعزو المأزق الحالي الى الذي يمارسه هؤلاء الفرقاء؟

ـ ربما، هناك الجهود التي يقوم بها أمين عام الجامعة العربية عمرو موسى والكثير من الأفكار والمقترحات التي يدور البحث حولها؟ ما أريد أن أقوله هو أن الأزمة لا يمكن أن تستمر هكذا وعلى هذا المنوال أسابيع وشهورا، يجب التوصل الى مخرج وتسوية قريبا بين الأطراف تتجلى من خلالها مصلحة اللبنانيين ومصلحتهم أن يعودوا الى العمل والحياة الطبيعية فيما اليوم ذلك متوقف والدولة مشلولة والحكم معطل والوضع برمته مفتوح على المجهول ومعرض للخطر. الجميع يتحملون المسؤولية وأقول على الجميع تقع المسؤولية. إذا كانت ثمة طروحات معقولة فلا داعي أن يتصور البعض أنه يستطيع تحقيق كل أهدافه: لا أحد من الجانبين يستطيع أن يحقق كل أهدافه الموضوعة سلفا.

* هناك رأي سائد يقول إن مرجع الأزمة اللبنانية الصراع الأميركي ـ الإيراني في المنطقة ولبنان أحد مسارحه، ما رأيك بهذا القول وكيف يمكن الخروج من هذا التجاذب؟ وما هي الأوراق التي يمكن أن تستخدمها الوساطة العربية؟

ـ الوساطة العربية تأتي في إطار الجهد الذي يبذله عمرو موسى. قدم اقتراحات ووعدته القيادات اللبنانية التي التقاها بالرد عليها. وما نأمله هو ألا يسرع البعض في رفض هذه المقترحات، إنها مقترحات معقولة وتحقق التوازن وتستجيب لاهتمامات الأطراف.

* هل لديكم اتصالات مع السلطات السورية من أجل تسهيل التوصل الى تسوية في لبنان والخروج من حال التأزم السياسي؟ وامتدادا، هل تقومون بجهد ما مع إيران لتوفير الإطار الإقليمي للحل في لبنان؟

ـ نحن نتحدث مع أطراف كثيرة في الشأن اللبناني، وإذا كنا لا نتحدث مع سورية وإيران فلأننا لا نريد أن نوحي بأن المفتاح موجود هناك. من هنا تركيز مصر على القيادات اللبنانية. الرئيس مبارك بعث بعدة رسائل الى رئيس المجلس النيابي نبيه بري وهو على اتصال دائم مع الرئيس فؤاد السنيورة، وسفيرنا في بيروت مكلف بإجراء عدد كبير من الاتصالات وهذا ما يفعله، وباختصار، نركز على لبنان وعلى اللبنانيين في البحث عن المخرج.

* أود أن أطرح عليك سؤالا مباشرا: ما هي طبيعة العلاقة بين القاهرة ودمشق اليوم وبين الرئيس مبارك والرئيس السوري بشار الأسد؟

ـ حاليا لا توجد اتصالات عالية المستوى بين مصر وسورية، ومع ذلك، أوفد رئيس المخابرات العامة المصرية اللواء عمر سليمان الى دمشق منذ حوالي الشهر، وعندما نلتقي وزير الخارجية السوري وليد المعلم نتحدث بأكبر قدر من الانفتاح ونقدم الرأي والمشورة وهم يستمعون لما نقوله، ولكن لا نستطيع أن نقول إننا نرى بنفس المنظار في بعض المسائل، ومن الأمثلة على ذلك الملف اللبناني.

* ماذا تنتظر من التوجهات الأميركية الجديدة المحتملة في الشرق الأوسط؟

ـ الرئيس الأميركي بوش أكد أول من أمس أن لا نية لديه في الأخذ بالأفكار المتضمنة في تقرير بيكر ـ هاملتون في ما خص سورية وإيران وفتح اتصالات مع هذين البلدين.

* إذا ليست هناك تحولات منتظرة؟

ـ الأميركيون أنفسهم يقولون ذلك. لست أنا من يستبعد التحول. هم يستبعدونه.

* وما هي خلاصات نقاشكم مع الرئيس شيراك في ما يتناول الملف اللبناني؟

ـ تم تناول الوضع اللبناني بين الرئيسين شيراك ومبارك بكثير من التحليل المتعمق، وهناك رؤية مصرية نقلت الى الجانب الفرنسي حول منع الانزلاق الى العنف، ولقد أوضحنا أن مقترحات عمرو موسى تلقى التفهم المصري.

* لماذا التفهم وليس الدعم؟

ـ تلقى التفهم والدعم، نحن ندعم عمرو موسى والجامعة العربية في تحركها وكافة جهودها الذي لا يأتي من فراغ.

* الملف الفلسطيني حيث تلعب مصر دورا رئيسيا يدور في فراغ ولا نجاح مثلا حتى الآن في التوصل الى حكومة وحدة وطنية فلسطينية؟

ـ هو كذلك. هناك تدخل من أطراف خارجية.

* أية أطراف تعني؟

ـ لا داع لتسميتها الآن، هذه الأطراف قادرة على التأثير على قرار حماس، وأحيانا، بعد أن نكون قد قطعنا شوطا في نسج خيوط التفاهم حول تبادل الأسرى (مع إسرائيل) وما يتبعه من خطوات وإجراءات تتوقف الأمور وتعود أجواء التصلب. وأعتقد أن الأطراف التي أشرت اليها لا تعتبر أن من مصلحتها أن يحصل اليوم انفراج في الوضع الفلسطيني لأنها تربط بين ما يحصل في فلسطين ولبنان وربما ما يحصل بعلاقة الغرب ببعض دول الإقليم.

* هل تريد القول إنها تلعب عامل الوقت الذي تراه يعمل لصالحها؟

ـ تماما. ولعلها تكون مخطئة بالكامل في قراءتها. أحيانا، البعض يتصور أنه فصل الصيف ولكن كثيرا ما نكتشف أنه «الصيف الهندي».

* رئيس الوزراء البريطاني بلير سيأتي قريبا الى المنطقة و له رؤية جديدة لكيفية التعاطي مع أزمة الشرق الأوسط، هل يتعين أن ننتظر شيئا ما من بلير وتحركه؟

ـ هذه الرؤية البريطانية تعود لعامين. يتحدثون عن الحاجة لتحريك عملية السلام في الشرق الأوسط الذي يرون فيه جوهر النزاع. رؤياهم صحيحة. لكن المشكلة تكمن في عدم قدرتهم على إقناع القوة الأعظم أي الولايات المتحدة الأميركية في انتهاج الأسلوب نفسه.

* لكن تقرير بيكر ـ هاملتون يصل تقريبا الى النتائج نفسها؟ هل تستشعر استعدادا أميركيا للسير في هذا الاتجاه؟ ـ من المبكر أن نقول إننا نستشعر تقرير بيكر ـ هاملتون وأسلوب الإدارة الأميركية في التفاعل مع الوضعين العراقي واللبناني ومع مسألة الشرق الأوسط سيأخذ بعض الوقت لكي تختمر هذه الأفكار وبالتالي لكي تقرر الإدارة الأميركية المنهج الجديد الذي تتحدث عنه.

* ما هو الواقع حاليا بين الفلسطينيين والإسرائيليين، هل هو مجرد هدنة بسيطة يمكن أن تنتهي غدا أم هناك احتمال أن يكون لشيء أكبر وأهم؟

ـ نأمل أن تتدعم هذه الهدنة وأن يتم توسيعها، وإذا حصل ذلك وتحقق قدر من الاستقرار في الوضع، وأتبع بتبادل الأسرى بين الإسرائيليين والفلسطينيين، فلعل ذلك يقود الى تنفيذ تفاهمات شرم الشيخ وحصول لقاءات على مستوى القمة وإطلاق عملية السلام مرة اخرى.

* لكن الوصول الى هذه التطورات يتطلب حكومة وحدة وطنية فلسطينية لا تبدو ولادتها سهلة اليوم؟

ـ هذا أيضا من المسائل المطروحة وما نأمله نحن في مصر هو أن يتخلى البعض عن مصالحه الذاتية للوصول الى المصلحة الفلسطينية العليا. المسألة الفلسطينيية تتعرض لأحد أخطر لحظاتها، قيل في فقدان الضفة الغربية وغزة أنه كان صدمة للعرب، لكن الوضع الحالي أخطر بكثير لأنه سيفضي الى إلحاق خسائر فادحة بالفلسطينيين، لذا نقول السرعة ثم السرعة والحسم في مسألة تشكيل الحكومة وتبادل الأسرى وإطلاق عملية السلام، وكل يوم يمر يلحق مزيدا من الخسائر نستطيع تسميتها بالفادحة بالفلسطينيين.

* هل يملك الفلسطينيون قرارهم الذاتي؟

ـ إذا ثبت أنهم لا يملكون قرارهم فهم واللبنانيون يتعين عليهم ألا يلوموا سوى أنفسهم.