عبد الله بمنلهيدي: لا أدري إن كانت سلطات لندن تثق في القضاء المغربي

محامي المتهمين بـ «سرقة القرن» في بريطانيا قال إن الغرب لا يفهم ولاء المغاربة الدائم لملوكهم

TT

لم يستبعد المحامي عبد الله بمنلهيدي العيساوي، من هيئة دفاع البريطانيين الأربعة المتهمين بسرقة 53 مليون جنيه استرليني، من مقر شركة لحفظ الأموال في منطقة كنت، إمكانية محاكمة لي إبراهيم لمراني، من أصل مغربي، وبول آلان، ومصطفى بسار، وغيري أرميتاج، بالمنسوب اليهم، في إحدى محاكم المغرب، اذا رفض المجلس الأعلى المغربي (محكمة عليا)، تسليم المتهمين الاربعة المطلوبين من قبل السلطات البريطانية، حيث سيبت المجلس في الموضوع يوم 11 أبريل (نيسان) المقبل.

وقال العيساوي، في حديث مع «الشرق الأوسط» إنه في هذه الحالة ستكتمل حلقات التشويق المرافقة لهذا الملف. واصفا الملف الذي تقدمت به السلطات البريطانية للمرة الثانية من اجل تسلم لمراني وآلان، بأنه فارغ شكلا ومضمونا، إذ لم يحترم الآجال المنصوص عليها في قانون المسطرة(الاجراءات)الجنائية المغربية، كما أنه لم يتضمن اية قرينة تفيد أن موكليه اقترفوا جرما بتكوين عصابة إجرامية وسرقة مال الشركة بلندن.

وأوضح العيساوي أن مشكلة القضاء الأنجلوسكسوني تكمن في الاعتماد على شهادة معتقلة لتوريط ابرياء، إذ تفاوض وكيلة الملكة ببريطانيا، معتقلين على ذمة التحقيق، لاعتقال آخرين لا علاقة لهم بملف القضية.

ونبه العيساوي الى أن السيدة المعتقلة رفقة قرابة 30 شخصا في بريطانيا، هي ابنة رجل شرطة، وأنها مختصة في فن التجميل، وبالتالي لا يمكن اتهام موكليه انهم هم من قاموا بعملية تجميل، من أجل الادعاء بأنهم رجال أمن حتى يتسنى لهم السطو على الشركة، مع العلم انهم اغنياء نظرا لما يحصلون عليه من مال في مجال رياضة فنون الحرب، لا سيما ان لمراني يعد بطلا عالميا في أكثر من مناسبة.

> لماذا تقدمت السلطات البريطانية بملف جديد لدى المجلس الأعلى المغربي يتضمن وثائق أخرى قصد تسلم موكلك لي إبراهيم لمراني؟

ـ إن الطريقة الذي تمت بها معالجة ملف طلب التسليم في المرة السابقة انبنت على خاصيتين، الأولى تتمثل في دراسة قضاة المجلس لطلب التسليم المقدم من قبل السلطات البريطانية، والثانية تكمن في الطلب المقدم من طرفنا، والرامي الى إطلاق سراح لمراني بناء على مقتضيات الفصل 733 من قانون المسطرة (الإجراءات) الجنائية، ويقول هذا الفصل بالحرف إن الدولة طالبة التسليم عليها إكمال الملف المعزز بالوثائق الضرورية داخل أجل لا يتعدى 30 يوما إذا كانت الدولة مجاورة للمغرب، وإذا كانت بعيدة، فالأجل لا يجب أن يتعدى 60 يوما، وبما أن السلطات البريطانية تجاوزت بكثير هذا التاريخ، فإن القانون المغربي يلزم القضاء برفض طلب التسليم، حيث اعتقل لمراني يوم 25 يونيو (حزيران) 2006، والسلطات البريطانية رفعت طلبها يوم 7 فبراير (شباط) 2007، أي مرت قرابة ثمانية أشهر.

> لكن المجلس الأعلى أصدر حكما يقضي بالإفراج عن سراح موكلك، ومع ذلك ظل معتقلا بسجن مدينة سلا المجاورة للرباط، فما هو الإشكال القانوني الذي دفع السلطات المغربية إلى الابقاء على موكلك رهن الاعتقال بغض النظر عن الحكم الذي اصدرته غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف بسلا في حقه، حيث أكمل المدة المحكوم بها؟

ـ إن المجلس الأعلى حينما أصدر حكمه، قام بضم ملفي القضية في ملف واحد، حيث اصدر حكما بإطلاق سراح موكلي، لكنه لم يبت في قرار التسليم المقدم من قبل سلطات بريطانيا، وبما أن الحكم كان واضحا اعتبرنا أن طلب التسليم أصبح غير ذي موضوع، لكن مرة أخرى فوجئنا بضرورة حضور جلسة جديدة، انعقدت الخميس الماضي.

>هل يتعلق الأمر بخرق قانوني؟

ـ ليس الأمر كذلك، كون الفصل 733 من قانون المسطرة الجنائية المغربي يتحدث عن إمكانية فتح ملف جديد للنظر في طلب التسليم، إذ تقول فقرة منه «إذا توصلت السلطات المغربية بالمستندات المطلوبة بعد انقضاء الآجال المطلوبة، فإن مسطرة (اجراء) التسليم تفتح من جديد، لذلك فتح المجلس الاعلى، الطلب من جديد في إطار ملف جديد».

> هل تعتقدون أن السلطات القضائية المغربية سوف تسلم لمراني وآلان، قصد محاكمتهما بتهمة سرقة 53 مليون جنيه استرليني؟

ـ أولا، لنوضح موضوع السرقة المتحدث عنها إعلاميا. إن موكلي، وكذا مصطفى بسار، وغاري أرميتاج، لا علاقة لهم بسرقة القرن ببريطانيا، رغم أنهم حوكموا بالمغرب في ملف اخر، يتعلق بالضرب والجرح وإهانة رجال أمن، واستهلاك مخدرات، وقضوا مدة عقوبتهم، حيث نفوا أي صلة لهم بهذا الموضوع، فهم يمارسون الرياضة، ولهم من الامكانيات المالية التي جعلت مثلا من لمراني بطلا عالميا في المصارعة، نتيجة احترامه التداريب المكثفة تحت إشراف بول ألان وآخرين.

ثانيا، وحسب الفصل 721 من القانون المغربي، لا يمكن تسليم مغربي الى دولة أجنبية، مهما كانت التهمة الموجهة اليه، والجرم الذي ارتكبه، ناهيك من أن قانون الجنسية المغربي يؤكد أن الولد المولود من أب مغربي، هو مغربي حتى ولو كان متزوجا بامرأة أجنبية، وهذا هو القانون الجاري به العمل حاليا الى حين تطبيق القانون الجديد، الذي يتجاوز أمر منح الجنسية المغربية الى حالات أخرى. وبما أن أب لمراني ولد بمدينة سيدي افني (جنوب المغرب)، فإن المجلس الاعلى تسلم وثيقة عقد ولادة ابراهيم لمراني مصادق عليها من قبل السفارة البريطانية بالرباط، ومترجمة من قبل مترجم محلف، ولا يمكن الطعن فيها، ناهيك من مسألة الولاء الدائم التي لا يفهمها البريطانيون مثلهم مثل الغربيين عموما، والتي تربط ملوك المغرب بمواطنيهم، حيث لا تسقط الجنسية المغربية عن مغربي حمل جنسية بلد اخر، مهما كانت ديانته، ولا يمكن تسليمه لسلطات بلد اخر، مهما كانت الظروف السياسية الدولية المحيطة بالملف. وأسوق مثالا حيا على ذلك من خلال واقعة تاريخية تمثلت في رفض الملك الراحل محمد الخامس تسليم 200 ألف مغربي يهودي الى الحكومة التي نصبها النازيون في فرنسا، وهي حكومة فيشي، رغم أن المغرب آنذاك كان تحت الاحتلال الفرنسي، وهي الواقعة التي لا يزال اليهود المغاربة يفتخرون بها، من دون الحديث عن مفهوم البيعة الديني، الذي يربط المغاربة بسلاطين (ملوك) المغرب على مدى أربعة عشر قرنا، وهذه الخصائص السوسيو ثقافية لا يمكن تجاوزها في مثل هذه القضايا.

> لكن ما جرى في المغرب من وقائع مثل الاعتداء على شخص وسرقة مال واستهلاك مخدرات، هي جنح تستحق إعادة النظر في ما تقدمت به من تفسيرات؟

ـ لا أعتقد ذلك، إن ما جرى في إحدى الفيلات بالمغرب، لا علاقة له بالتهمة الموجهة من قبل سلطات بريطانيا، ويمكن أن أقول إن السلطات البريطانية مارست ضغطا كبيرا على المغرب لتسليم موكلي، كما أن الاعلام البريطاني ضخم الملف. أما قصة سرقة مبلغ في إحدى الفيلات بالرباط، فتنطوي على مغالطات، ذلك أن شخصا من جنسية أميركية سرق ما قدره 10 مليون درهم، وفر هاربا، ووقع نقاش بين الحاضرين تطور الى تبادل العراك، ومازال الأمن المغربي يبحث عن الأميركي.

> وبالنسبة للحجج التي قدمتها أثناء مرافعتك في ملف تسليم بول الان؟

ـ لقد طلبت من السلطات البريطانية تقديم طلبها كتابة على أساس أن يرفق بتعهد تلتزم فيه بمقتضيات الفصل 723 من قانون المسطرة الجنائية المغربي، والذي ينص على أنه «لا يقبل التسليم إلا بشرط عدم متابعة الشخص المسلم، أو الحكم عليه، أو اعتقاله، أو إخضاعه لأي إجراء آخر مقيد للحرية الشخصية من أجل أي فعل كيفما كان سابقا لتاريخ التسليم غير الفعل الذي سلم من أجله». > ألا تعتبر اعتراف امرأة بريطانية معتقلة على ذمة التحقيق في قصة سرقة القرن، كافيا لإلقاء التهمة على لمراني ومن معه، خاصة أن تلك المرأة أقرت بأنها هي من تكفلت بتغيير ملامح وجوه لمراني وبول آلان، وبسار وأرميتاج، باعتبارها تحترف مهنة التجميل، حتى لا ينكشف أمرهم؟

ـ لا أعتقد ذلك، لأن تلك المرأة هي ابنة رجل أمن، وثانيا لكون القانون البريطاني به ثغرة تتمثل في إجراء السلطات الأمنية مفاوضات مع متهم معتقل، لتوريط بريء، حيث أن وكيلة الملكة تتفاوض مع شخص اعترف أنه قام بعمل إجرامي من أجل تقديم شهادة ضد آخرين وتوريطهم، ويكون مقابل هذا الاعتراف صدور حكم مخفف عنه، وهذا هو الانتقاد الذي يمكن توجيهه الى القضاء الأنجلوساكسوني عموما. ففي أميركا، التي رافعت في ملفات عديدة بمحاكمها، يوجد محامي المنطقة الذي يقوم بنفس وظيفة وكيل الملكة.

> ما هي توقعاتك بشأن مصير هذا الملف؟

ـ إن القانون المغربي يؤكد أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، وإذا ارتكب جرما خارج التراب المغربي، يمكن محاكمته بالمغرب من أجل المنسوب اليه، حتى ولو تعلق الأمر بجنحة، ولا أدري إن كانت السلطات البريطانية تثق في القضاء المغربي، حتى تقدم حججها، وأدلتها القاطعة لمحاكمة المشتبه تورطهم في سرقة القرن، وذلك بإحدى محاكم المغرب وليس بمحاكم بريطانيا، ولربما ستكون قصة البريطانيين أشبه بشريط سينمائي مشوق.