البرادعي: حتى يبدأ الحوار مع «الإخوان» يجب أن يعلنوا نبذ العنف

نائب الرئيس المصري يقول في حوار مع «الشرق الأوسط» إنه قبل مهمة انتحارية ووضع خبرته ومصداقيته على المحك

د. البرادعي خلال حواره مع الزميل علي ابراهيم في القاهرة (تصوير: محمد سماحة)
TT

الطريق إلى قصر الاتحادية في حي مصر الجديدة من قلب القاهرة ليس بعيدا عن مقر اعتصام أنصار الإخوان المسلمين في رابعة العدوية في مدينة نصر، والذي يخرجون منه في بعض الأحيان في ما يشبه الغزوات لقطع طرق مجاورة له.

المظهر الخارجي، كما هي حالة بعض الميادين والشوارع في القاهرة، يعكس المرحلة القلقة الحالية التي تمر بها البلاد: مدرعات في الطرق المحيطة به، وحواجز إسمنتية كبيرة تحيط بالقصر.. وتتناقض مع ذلك بشاشة وأريحية الاستقبال في الداخل.

الرحلة إلى القصر كانت للقاء الدكتور محمد البرادعي، نائب الرئيس المصري للشؤون الخارجية، الرجل الذي يوصف بأنه الأب الروحي لـ«25 يناير» في مصر، لكنه لم يشارك في أي مسؤولية في الفترة الانتقالية الأولى، أو في السنة الرئاسية للرئيس المعزول محمد مرسي، وطالبته القوى السياسية التي خرجت مع المحتجين في «30 يونيو» بالمشاركة في مسؤولية المرحلة الانتقالية الجديدة. لماذا قبل البرادعي ذلك الآن رغم أن كثيرين كانوا يتوقعون أو يأملون أن يخوض انتخابات الرئاسة السابقة؟!.. يقول في حوار أجرته معه «الشرق الأوسط» إنه لم يكن أمامه خيار آخر، فالبلاد كانت على وشك الانهيار، وهناك 20 مليونا خرجوا إلى الشوارع للمطالبة بتغيير النظام.

ويبدو البرادعي أكثر نحافة مما تظهره الصور، أو ربما يكون ذلك بفعل هموم المسؤولية في الفترة الأخيرة، وهو لا يزال يثير الكثير من دوائر الجدل معه وضده كما فعل منذ عودته إلى مصر بعد ترك مسؤولية وكالة الطاقة الذرية في فيينا. هذه المرة، وفي موقع المسؤولية، يتخذ البرادعي موقفا يثير هذا الجدل بين قوى سياسية مصرية تريد الحسم، فالشارع غاضب من «الإخوان» وأحداث العنف، والمزاج العام يبدو ميالا كلما تصاعدت درجة التوتر إلى استخدام العنف. لكن البرادعي يرى ضرورة استنفاد كل الفرص لإبراء الذمة على حد قوله. ويقول إنه يعرف أن المزاج العام يريد سحق «الإخوان»، لكن هذا ليس حلا. فيما يلي أبرز ما جاء في الحوار:

*هناك أشكال من انسداد الحوار بين أطراف الأزمة وغضب من «الإخوان المسلمين»، لكن من خلال تصريحاتك الأخيرة أنت من أنصار مد اليد للطرف الآخر، وتحديدا «الإخوان».. كيف يمكن أن يحدث هذا، وهل هذا واقعي بعد 30 يونيو (حزيران)؟

- هناك طبعا استقطاب، وانسداد في العمل السياسي.. هناك عنف موجود اليوم في الشارع، ولا بد أن نجد حلا لهذا. هذا الوضع لا يمكن أن يكون مستداما، فهذا ليس تظاهرا سلميا، لكنه تظاهر مصحوب بعنف، ولا يمكن لأي دولة أن تسمح بأن تكون هناك مجموعات أيا كانت مطالبها مشروعة أو غير مشروعة تستخدم العنف في عملية ابتزاز وترويع للمواطنين.

ولنأخذ مثلا الكلام عن منظمة العفو الدولية عندما تقول إن هناك 10 أو 11 شخصا ماتوا أو عذبوا في إطار تجمعات «الإخوان».. إذن هناك مشكلة خطيرة لا يمكن أن تستمر مدة طويلة. الوقت ليس في صالح استمرار هذا الوضع. على الجانب الآخر لا بد أن نبذل كل وسيلة ممكنة ونتخيلها للتوصل إلى حل سلمي لهذه العملية، لأنه في النهاية هذه أرواح ولا بد أن نحمي هذه الأرواح، ولا بد أن نحافظ على كل روح ولا نستخدم العنف إلا إذا لم يكن لدينا خيار آخر إطلاقا. وحتى عندما نستخدم العنف يجب أن يكون منضبطا، وبكل الأساليب، لنتجنب بأقصى قدر ممكن الضحايا أو المصابين.

اليوم هناك مساع من كل الأطراف في المجتمع الدولي وفي الداخل المصري وفي العالم العربي للتوصل إلى صيغة يمكن منها أن تفك هذا الاحتقان. تركيزي في الوقت الحالي على نبذ العنف أو وقفه، ونعمل على أساس أن يكون هناك إعلان لوقف العنف من جانب جماعة الإخوان المسلمين، وكذلك تخفيض عدد الموجودين في الميادين، أي بعبارة أخرى تخفيض «درجة الحرارة».

إذا وصلنا إلى وضع تكون هناك اعتصامات سلمية فيه في مكان محدود لا تروع المواطنين ولا تستعمل العنف ولا تخرج في مظاهرات قطع الشوارع كما نرى، في هذه الحالة ننتقل إلى الجزء الآخر وهو البحث معهم (أي الإخوان) في كيفية المشاركة في الحياة السياسية. ونحن نود أن يشاركوا في الحياة السياسية لأنهم جزء من المجتمع المصري وكذلك السلفيون. وكل مصري لا بد أن يكون له دور في دولة ديمقراطية، في دولة مفتوحة قائمة على التعددية بصرف النظر جنس الإنسان وعقيدته وأصوله العرقية. نود أن نرى «الإخوان المسلمين» يشاركون في كتابة الدستور الذي بدأت العمل فيه لجنة المتخصصين، وفي خلال شهرين أو ثلاثة ستنتهي من الدستور لجنة الخمسين ثم يطرح على الاستفتاء.

نود أن يستمر حزبهم إذا كان يرغب في العمل السياسي مثل السلفيين وكل الأطراف، لكن هذا يجب أن يكون في إطار دستور، وهذا هو الخطأ الجوهري الذي حدث بعد ثورة 25 يناير (كانون الثاني) وهو أننا لم نتفق على دستور توافقي يحدد القيم التي نعمل في إطارها ونعيش من خلالها ونعمل في ظلها.

في العمل السياسي لا نود أن تكون هناك أحزاب على أساس ديني، لأن معنى ذلك أن حزبا معينا سيتكلم في السياسة باسم الدين أو الله، وهذا طبعا شيء يتناقض تماما مع طبيعة السياسة التي فيها أخذ وعطاء، وطبعا نعرف أنه عندما يتحدث أحد باسم الدين فإن هذا هو فهمه للدين وليس بالضرورة أن يكون معنى ذلك أن هذا هو الدين المقدس، إنما فهمه للمقدس. هذا ضروري حتى تسير الدولة إلى الأمام ونمنع تكرار ما حدث من الاستقطاب الحالي، وهو استقطاب في واقع الأمر صناعي، لأن مصر لم تكن فيها أبدا مشكلة بالنسبة إلى الشريعة الإسلامية أو الدين الإسلامي، فمنذ عام 1980 والدستور يقول إن مبادئ الشريعة هي المصدر الرئيس للتشريع، ولم تكن هناك مشكلة، والمحكمة الدستورية العليا فسرت هذا بأنها أحكام قطعية الدلالة قطعية الثبوت وفتحت الباب للاجتهاد. الحقيقة نحن خلقنا هذه المشكلة بعد الثورة، وخلقتها جماعة الإخوان المسلمين، وخلقها السلفيون، كما لو كانت مصر تنقسم إلى مسلمين وكفار، بما أدى إلى هذا الاستقطاب بناء على توصيف خاطئ لمشكلة غير موجودة. وبالتالي نريد أن نعود مرة أخرى بدستور يحدد بصراحة ووضوح القيم والمبادئ، ومنها أن حرية العقيدة وحرية التعبير وكل الحريات مضمونة ومكفولة لكل مصري، وأن العمل السياسي يجب أن ينفصل عن العمل الدعوي.

فإذا كانت هناك جماعة دعوية أو خيرية مثل جماعة الإخوان المسلمين فلا يجب أن تكون هناك هذه العلاقة الملتبسة الغامضة غير الواضحة مع حزب الحرية والعدالة، الحزب حزب سياسي ويجب أن يكون مفصولا تماما عن جماعة الإخوان المسلمين، وهذه بعض المبادئ التي ستناقش وتوضع في الدستور حتى لا يحصل تكرار لحالة الاحتقان التي وصلنا إليها اليوم.

*لكن المزاج العام في الشارع غير ذلك؟

- أعرف أن المزاج العام هو سحق «الإخوان المسلمين».

*لذلك هناك تساؤلات بين اتجاهات سياسية وقطاعات في المجتمع تريد حزما وحسما أكبر حول الاتجاه الذي تحدثت عنه؟

- إذا كنت في موقع مسؤولية يجب أن تقود ولا تقاد، من الأسهل أن أقول نسحق «الإخوان المسلمين» ولكن هل هذا حل. «الإخوان» جزء من وفصيل من الشعب المصري يجب أن أضمن له حقه في الحرية والعيش والكرامة والإنسانية. حتى من الناحية البراغماتية هذا ليس حلا، فحتى تقمع أو تسحق أو تقصي فصيلا معناه أن هذا الفصيل سينزل تحت الأرض وسيبدأ في عمليات عنف لن تخرج منها الدولة. رأينا التجربة الجزائرية.. هناك حلول قصيرة لكنها ليست حلولا، مثل مسكنات يستفحل بعدها المرض، ليس هذا حلا. أتفهم غضب الشعب المصري وأفهم أن الإعلام للأسف أسهم إلى حد كبير في خلق حالة الغضب هذه وشيطنة الآخر، إنما أقول لا يمكن أن نشيطن فصيلا من الشعب لا هنا ولا في أي بلد. الحل أننا محكوم علينا أن نعيش معا وأن نجد وسيلة وصيغة لنعيش معا في سلام اجتماعي، ولن يتحقق لك السلام الاجتماعي في أي وقت في عملية تقوم على إقصاء الآخر.

*أطراف سياسية أخرى ترى أن تيار «الإخوان» أو حتى تيار الإسلام السياسي كله خسر خسارة شديدة فلماذا أمنحه حبل نجاة؟

- أنا لا أعطيه حبل نجاة، أنا أعطيه حقه كمواطن، ولا أتعامل فقط معه كفصيل سياسي، بل أتعامل معه كجزء من المجتمع المصري وأقول له حقوقه، هناك حقوق كونية، ولا بد أن أعطيه حقه في أن يكون جزءا ويشارك في كل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ما دام يلتزم بالقواعد التي اتفق عليها المجتمع، والتي نأمل أن تكون بالتوافق. الدستور الجديد ما زلت آمل في مشاركة السلفيين ومشاركة «الإخوان» فيه، وأن يكون هذه المرة بالتوافق حتى نستظل جميعا بهذه القيم سواء كنا من اليمين أو من اليسار أو من الوسط، وإنما نعرف أن هناك قواعد تحكمنا ونعمل في إطارها. لو وصلنا إلى هذا التوافق لوصلنا إلى الصورة الأكبر وهي أننا يجب أن نجد صيغة نعيش بها معا، ولا توجد وسيلة أخرى لنعيش معا وإلا سنرى تكرارا لما يحدث في سوريا والعراق إذا بدأنا ننقسم على أساس ما يطلق عليه ديني وهو ليس خلافا دينيا حقيقيا، أو على أساس عرقي لغوي، وفي النهاية سندمر أنفسنا.

ليست هناك بدائل أمامنا، وأنا أعرف غضب الشعب المصري، وأعرف أن «الإخوان» قد يكونون يودون أن يجعلوا من أنفسهم ضحية. إنما الحل لا هذا ولا ذاك، الحل أن نحكم عقولنا وضمائرنا ونحكم إنسانيتنا حتى نصل إلى حل تعود به مصر أخرى دولة متصالحة مع نفسها.

*في تفسير ما حدث في 30 يونيو، أرجع البعض ذلك إلى سوء الإدارة خلال فترة العام السابق، وهناك آراء ترجعه إلى القلق على هوية الدولة، أو ما يطلق عليه البعض الأخونة..

- هوية الدولة إحدى المشاكل الوهمية.. مصر لها سبعة آلاف عام ولا أحد يصحو صباحا ويقول «أنا هويتي ماذا؟».

*أقصد ما كان يقال عن أخونة الدولة؟

- هذه ليست هوية وإنما محاولة مجموعة فرض فهمها للدين على باقي الشعب، أي محاولة فرض رؤيتهم لما يعتقدون أنه الدين الإسلامي على باقي أفراد الشعب. وباقي أفراد الشعب بما في ذلك الأزهر الشريف كان على خلاف معهم. في الدين الإسلامي الاختلاف رحمة، لا يستطيع أحد أن يفرض فهمه للدين ويقول هذا هو الدين وليس هناك تفسير آخر. أنا أعتقد أن السبب الرئيس هو فشلهم في الأداء، طبعا الأخونة هي بمفهوم عملية الإقصاء، فمن ليس معنا ليس منا وضدنا. وهذا ضد الديمقراطية التي أتت بهم، لقد جاءوا بالديمقراطية ليكونوا فصيلا في مجتمع متكامل. وقد حاولوا إقصاء أغلبية الشعب المصري وهذا أنا أسميه طغيان الأقلية.

والمجلس العسكري خلال فترة حكمه لمدة سنة وضعنا على طريق خاطئ، لأنه كان يجب أن نبدأ بالدستور، كذلك السنة التي أعقبت الانتخابات الرئاسية كانت سنة فاشلة تماما من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، والمجتمع بدأ يدخل حالة استقطاب. الناس وصلوا إلى حد أنهم رأوا أن تغيير النظام هو أمر حتمي، وتغيير رئيس الجمهورية هو أمر حتمي، والانتخابات المبكرة هي أمر حتمي. أيا كان العدد الذي نزل الشارع 15 مليونا أو 20 مليونا، فقد نزلوا وهم نفسيا لم يكن في ذهنهم العودة إلى منازلهم قبل أن يرحل الرئيس مرسي، ولذلك تدخل الجيش في هذا الوقت، أو طلب تدخل الجيش في محاولة لإنقاذ البلد من حرب أهلية.

أنا كنت أرى ذلك قادما من قبلها من أوائل يونيو، وكنت أرى أن الشعب المصري في وضع نفسي يقضي بأنه لا بد من تغيير، وللأسف الدكتور مرسي لم يفهم هذه الرسالة وجماعته لم تفهم هذه الرسالة.. وهناك مبعوثون أجانب، مثل المبعوثة الأوروبية كاثرين أشتون، ذكروا أنه في أي دولة ديمقراطية لو حصل هذا (30 يونيو) فلا بد أن يقدم الرئيس استقالته. هم لديهم وسائل أخرى مثل سحب الثقة في أميركا، نحن لم تكن لدينا أي من هذه الأدوات سوى أن الناس ينزلون إلى الشارع، وإذا لم يكن الجيش قد تدخل في وقت مناسب كان الأمر سينتهي إلى حرب أهلية.

*وهو ما أثار جدلا ومواقف خاصة خارجيا؟

- كنا في خيار بين شقي الرحى في مصر، إما أن يدخل الجيش الذي بدأ يعطي رسائل بأنه لم يسمح بانهيار الدولة ومنح مهلتين أسبوعا و48 ساعة، ويضع حدا لهذا الاستقطاب، أو ننتهي بحرب شوارع. الجيش تدخل نعم، لكن هل بمفهوم انقلاب عسكري؟ لا يمكن أن تصف هذا بأنه انقلاب عسكري ومعك ووراء ظهرك 20 مليونا يقولون لك يجب أن يستقيل الرئيس مرسي، ولذلك حتى فكرة الانقلاب العسكري انتهت في الاتحاد الأوروبي وأميركا، الجميع يقول إن هذا ليس انقلابا وإنما الجيش تدخل للإنقاذ وتصحيح مسار الديمقراطية ومسار الثورة. وهذا شيء لم يكن مرغوبا فيه بما في ذلك من الجيش نفسه، الفريق عبد الفتاح السيسي يقول حتى اليوم يا ليت الرئيس مرسي كان نجح، وأنا أقول ليته كان نجح، وليته استمع إلى رأي الشعب، وكانت هناك محاولات على مدى شهور لكي يستمع، إنما الرئيس فشل، وأقول فشل لسياسات الإقصاء وعدم الخبرة في إدارة شؤون البلاد.

*لو تحدثنا عن المرحلة الانتقالية وخريطة الطريق الموضوعة لـ9 أشهر.. هل ترى في ظل الوضع الحالي أنها قابلة للتطبيق أم أنها ستأخذ وقتا أطول؟

- أنا أعتقد أننا قد نفك الاحتقان الحالي لو «الإخوان» تفهموا أنه لا رجوع إلى الوراء، مثلما حدث بعد سقوط نظام مبارك، فالحزب الوطني فهم أن هناك ثورة ورغبة في التغيير، نريد أن يفهم «الإخوان» مثل الحزب الوطني أن هناك رغبة في التغيير، وكما أطلب من قواعد الحزب الوطني أن تشارك في العملية السياسية الجديدة نطلب من قواعد «الإخوان المسلمين» أن تشارك في العملية السياسية الجديدة. إذا سار الأمر كهذا أعتقد أن المرحلة الانتقالية ستنتهي خلال 9 أشهر أو سنة حتى أكون صادقا، وهناك الآن لجنة خبراء تعمل على الدستور، وستنتهي من عملها خلال 30 يوما، ثم هناك لجنة من 50 شخصية محدد لها 3 أو 4 أشهر على أقصى تقدير، ثم يطرح الدستور للاستفتاء، وأعتقد أنه سيكون دستورا فيه تعديلات شاملة وجوهرية حتى يكون ديمقراطيا يضمن الحقوق والحريات لكل فرد في المجتمع المصري، الطفل، والمرأة، والقبطي، وتداول السلطة.. لو عملنا هذا يكون أكبر إنجاز في تاريخ مصر المعاصرة، لأنه منذ عام 1952 لم يكن في مصر دستور حقيقي يمكن أن نطلق عليه أنه دستور ديمقراطي بالمعنى الصحيح.. وبعد ذلك ستكون انتخابات برلمانية وانتخابات رئاسية، وسيكون هناك برلمان منتخب ورئيس منتخب.

*كانت هنالك تصريحات أخيرة لأحد قيادات «الإخوان» في «نيويورك تايمز» يقول فيها إنهم ينتظرون مبادرة حسن نية..

- ليس هناك حوار بمعنى حوار على المستوى الرسمي، هناك طبعا كثير من المتطوعين وكثير من الوسطاء، إنما فعلا حتى يبدأ هذا الحوار لا بد أن يعلنوا نبذ العنف، يعلنوا أنهم انتهوا من عمليات الترويع وقطع الطرق. لا تستطيع أن تبدأ الحديث معهم وهناك عملية ابتزاز، بمعنى إذا لم تتكلم معي سأقطع طريقا.

هناك الأطراف الموجودة.. وموجود معنا في مصر حاليا برناردينو ليون ممثل الاتحاد الأوروبي، وويليام بيرنز نائب وزير الخارجية الأميركي، وهناك الشيخ عبد الله بن زايد وزير الخارجية الإماراتي، وخالد بن عطية وزير خارجية قطر، ليسوا لأنهم الذين سيحلون المشكلة وإنما يبذلون مساعي حميدة مع كل الأطراف حتى نتوصل إلى وقف العنف وبعد ذلك يكون هناك حوار بشأن كيف يشارك «الإخوان» وغيرهم في كتابة الدستور، وبشأن المشاركة في الحياة السياسية.

*على صعيد الشارع يبدو أن هناك حساسية شديدة من الوفود الأجنبية للوساطة في شأن محلي..

- طبعا هو شأن محلي إنما نحن جزء من العالم، والعالم قلق، بالنسبة لنا مصر دولة كبيرة وتأثيرها كبير، كل هؤلاء لم يأتوا للتدخل في الشأن المصري، إنما هناك بعضهم له صلات بـ«الإخوان المسلمين»، ومن المفيد أن يقدموا النصيحة إلى جماعة الإخوان. بالنسبة إلى الأمم المتحدة أنا على اتصال دائم بسكرتير عام الأمم المتحدة، وليس معنى ذلك أنهم يتدخلون في شؤوننا، لكن كل من يستطيع أن يقدم مساعي حميدة ويقدم مشورة في كيفية حل هذه المشكلة نرحب به، ولا بد أن تكون لدينا ثقة في أنفسنا، فنحن دائما في العالم العربي نتحدث عن مسألة التدخل الأجنبي، وليس هذا هو الذي سيحل مشاكلنا، لكن لا بد أن نحلها بأنفسنا، وليس عن طريق الأجنبي، ولكن أي شخص يستطيع أن يقدم مشورة أو نصيحة إلى الأطراف مرحب به.

*الفريق السيسي انتقد موقف الرئيس باراك أوباما والإدارة الأميركية، وفى الوقت نفسه طالبهم بممارسة ضغوط على «الإخوان».. هل تتوقع ذلك، وهل لديهم مثل هذا النفوذ؟

- لا بد أن نفهم في العالم العربي أن كل الدول تبحث عن مصالحها، ويجب أن تفعل ذلك، بما فيها مصر والولايات المتحدة والسعودية. الولايات المتحدة كانت لها علاقة بـ«الإخوان» نتيجة أنه كان هناك رئيس من «الإخوان» لمدة سنة، وأنا تصوري أنهم رأوا في ذلك فرصة بالنسبة لهم أن يتعاملوا مع الإسلام السياسي، و«الإخوان» هم رأس الإسلام السياسي في كل المنطقة، وأن يتوصل الأميركان إلى صيغة للعيش المشترك مع الإسلام السياسي كان بالنسبة إليهم فرصة عظيمة، ولأنه أيضا خرجت من عباءة جماعة الإخوان المسلمين «القاعدة» و«الجهاد» وكل هذه الجماعات.. إلخ. واليوم تفهم الأميركيون الأمر، تقبلوا أنه حصل تغيير في مصر. «الإخوان» ليسوا موجودين، إنما إذا كان الأميركان لا تزال لهم صلات بـ«الإخوان»، ويستطيعون أن يسدوا إليهم النصح بأنه حان الوقت لأن يقبلوا الوضع الحالي، ويدخلوا في العملية السياسية الموجودة، فأهلا وسهلا، لكن لا أرى أن هناك توترا في العلاقة حاليا.

*يدور الحديث حول وجود حمائم يريدون تسوية سياسية، وصقور داخل الحكم يريدون الحسم، والراغبون في استمرار الجهد السياسي أقلية..

- في أي دولة ستجد وجهات نظر مختلفة، وكما ذكرت أن الشعب صبره ينفد، ويرى عمليات عنف، وأن الدولة غير متمكنة من السيطرة على الطرق وغيره. وكذلك هناك من هم في الجيش والشرطة الذين يرفضون الإخلال بهيبة الدولة، وهناك آراء مختلفة، ونحن لا نختلف على الهدف أن هذه العملية لا بد أن تنتهي وأنها لا يمكن أن تستمر (الاعتصام)، وأن الخلاف في وجهات النظر، وأنا في رأيي أنه لا تزال هناك فسحة من الوقت، وأن هناك وسائل يجب أن نستخدمها وأن نلجأ إليها بما في ذلك المساعي الحميدة التي يقوم بها كل من يأتي إلينا من الداخل والخارج، وذلك قبل القول بأنه يجب فض هذه الظواهر بالقوة.. لا بد أن يكون هناك إبراء ذمة، بمعنى أننا أبرأنا ذمتنا بأننا فعلنا كل شيء لحفظ الأرواح. لكني ما زلت أرى أن القوة لن تحل المشكلة على المدى الطويل، ولا بد أن يكون هناك نوع من التصالح.

*يصفك كثيرون بأنك الأب الروحي لـ25 يناير، إلا أنك تعرضت لسهام كثيرة وانتقادات وحملات ما زالت مستمرة. في المرحلة الانتقالية الأولى توقع فريق من أنصارك أن تخوض الانتخابات الرئاسية السابقة لكنك رفضت ولك أسبابك، ثم قررت أن تأخذ المسؤولية في هذه المرة وقد تكون تكلفتها السياسية عالية وليست سهلة..

- في السابق رفضت لأن هذه الثورة لم تقم لكي نعمل نصف ديمقراطية، وقد قلت منذ اليوم الأول إنه لكي تبني دولة لا بد أن تتفق على القواعد ثم تبني المنزل. رفضت أن أخوض سباق الرئاسة في 2012 وأنا لا أعرف صلاحيات وظيفتي، وحتى لا يوجد دستور، وقد رأينا كيف انتهينا، والإعلانات الدستورية التي أعلنها مرسي، وإلغاء المحكمة الدستورية. هذه المرة قبلت الاضطلاع بالمسؤولية لأن العشرين مليونا الذين خرجوا في 30 يونيو طلبوا مني القيام بدوري، جبهة الإنقاذ وآخرون طلبوا ذلك، وقبلت لأن البلاد كانت فعلا في وضع ستنهار فيه. أنا قبلت مهمة انتحارية، لم أدخل لكي أكون رئيس الجمهورية أو نائب رئيس الجمهورية. ووضعت كل خبرتي ومصداقيتي على المحك. لم تكن تستطيع أن تترك البلد في الوضع الذي كان فيه. منذ سنتين كان هناك أناس يمكن أن يترشحوا، لكن اليوم في حالة الاستقطاب الموجودة، الـ20 والـ30 مليون الذين خرجوا، جبهة الإنقاذ، وتمرد، وجبهة 30 يونيو، كلفوني، ولم أكن أستطيع أو أملك أن أجلس على السور غير مشارك. المسؤولية كبيرة وكل يوم مطلوب منا أن نصدر قرارات ليست سهلة.

*ماذا لو رفض «الإخوان» المشاركة.. وهل هناك بصيص أمل في الوصول إلى حل معهم؟

- آمل، كما فهم نظام حسني مبارك أنه لا رجعة للوراء آمل أن يفهم «الإخوان» أيضا أنه لا رجعة إلى الوراء. وأعتقد أن قيادات «الإخوان» المعتدلين قد فهموا أنه لا عودة إلى الوراء، وأن عودة مرسي غير مطروحة. وفي محاورتهم مع الناس لا يتحدثون عن عودة مرسي، وإنما يتحدثون عن الدستور وعن البرلمان. آمل أن يكون هناك واقع جديد نشأ بعد 30 يونيو، ونحن لا نعمل على إقصائهم كما كانوا يفعلون بإقصاء غالبية الشعب المصري، ونقول لهم نحن نمد أيدينا إليكم لكي تشاركوا على أساس واقع جديد، لتأسيس بيت جديد حتى بأسلوب عقلاني وواقعي مثل باقي الديمقراطيات في العالم، حتى ننطلق معا، وأنتم لكم رأيكم وآيديولوجيتكم، ونحن لنا رأينا وآيديولوجيتنا.

يجب أن نعيش في إطار لا نخرج فيه عن القواعد الأساسية، لا أستطيع أن أعود وأقول كما حدث كمثال إن وجود سيدة في وزارة الثقافة حرام، ولذلك يخرج الدستور وينص على حرية العقيدة والمساواة لإنهاء هذه المسائل، وبذلك نكون قد وضعنا الأرضية المضبوطة ثم ننطلق للعمل، وآمل أن نصل لهذا، أما إذا وصلنا إلى طريق مسدود في رأيي فستدخل مصر في طريق لا نود أن ندخل فيه إطلاقا.

*إحدى مشاكل الفترة الانتقالية الأولى انقسامات القوى السياسية، وكانت جماعة «الإخوان» هي القوة السياسية الوحيدة المنظمة وباقي القوى ليست كذلك.. كيف نضمن أنه بعد عام بعد الوصول إلى الانتخابات لا نصل إلى نفس النتائج الماضية؟

- أعتقد أن ما حدث في السابق لن يتكرر لسببين، أولهما أن «الإخوان» فقدوا الكثير من مصداقيتهم في الشارع المصري نتيجة سوء الأداء، والثاني أن القوى المدنية بدأت تفهم أن قوتها في وحدتها، لأن هذه الدكاكين الصغيرة لن تصمد لأيد أن تعمل معا ويكون لها هدف واحد وتتواصل مع الشعب حقيقية. الظروف التي أدت إلى حصول «الإخوان» والسلفيين على مكاسب سياسية أكبر من قوتهم الحقيقية كانت ظروفا استثنائية، في وقت فقد فيه الناس الثقة في نظام حسني مبارك والبيروقراطية المصرية، بينما كانت هذه الجماعة تقدم لهم مساعدات اجتماعية في بعض الأحياء الفقيرة، وتطلق شعارات الإسلام هو الحل، وأن هؤلاء أهل الله، وكانت هناك ظروف مختلفة، ولكن أعتقد أن الوضع تغير الآن، ومع ذلك يجب أن ينافسوا وإذا أخذوا أقلية أو أغلبية يكون هذا في إطار دستور يضمن في الوقت نفسه أنه لا طغيان لأغلبية ولا أقلية، وكل واحد يحصل على حقوقه في سياق قضاء مستقل يضمن حقوق الأقليات، بمعنى أن الدستور يحدد أنه لا تستطيع أن تطغى السلطة التنفيذية على القضائية كما فعل الرئيس مرسي. الدستور هو الأساس وإذا نجحت في عمل الأساس فلا أعتقد أن البيت سوف ينهار.. قد تحدث خلافات لكن سيظل المنزل قائما.

*كيف ترى العلاقة بين الرئاسة والحكومة المدنية والقوات المسلحة، أقصد مسألة من له سلطات وبيده القرارات؟

- هناك توافق.. مثلا بالنسبة للوزارة أنا على توافق مع الوزراء لأن نصفهم أصدقائي، وسبق أن عملت معهم، والرئيس - عدلي منصور - رئيس المحكمة الدستورية العليا هو قاض وعنده فكره المستقل ويفهم معنى العدالة، ونعمل معا كل يوم، وعندنا مجلس الدفاع الوطني، والفريق أول عبد الفتاح السيسي لم أعرفه من قبل، لكنه يعمل ويفهم دوره العسكري والقوات المسلحة، وبالتالي يمكنني القول بأن هناك توافقا، ويحدث اختلاف في الرؤية أحيانا مثل أي اختلاف في أي أسرة ونجلس معا ونصل إلى توافق.

*هل ترى أن الفترة الانتقالية المحددة بتسعة أشهر توجد فيها فرصة لإعادة الإنعاش الاقتصادي ولو بشكل نسبي؟

- هذا أساسي، اليوم نحن نتحدث عن هذا، ولذلك نريد أن نوقف العنف الموجود، ونوقف بؤر الاحتقان ونبدأ في الحديث عن الاقتصاد. هناك معونات كثيرة وقروض كثيرة جدا قادمة لنا بالذات من دول الخليج. نريد أن تهدأ الأمور حتى تبدأ الاستثمارات الخاصة المباشرة في التدفق. في ذهننا، ودائما أقول للحكومة هذا الكلام، لا بد أن يشعر الناس بأن هناك تغييرا، ولا بد أن يشعروا بأن هناك أملا، ولو كان تغييرا صغيرا إلى الأمام. اليوم كنا نتحدث مثلا عن قروض متناهية الصغر لـ600 ألف مصري. وإحدى دول الخليج مستعدة لأن تقدم مليار دولار لنبدأ هذا المشروع خلال هذا العام. هذا شي عظيم، لأن مشكلتنا في النهاية هي الفقر. نصف الشعب المصري يعيش تحت خط الفقر المدقع، وثلث الشعب المصري لا يقرأ ولا يكتب. وكل الذي نراه من غضب وانقسامات في رأيي لا صلة له بالدين، وإنما هو غضب يرتدي عباءة الدين، وفي دول أخرى يرتدي عباءة اللغة، وفي دول غيرها يرتدي عباءة اللون والجنس.

*كان لصندوق النقد الدولي تعليق قال فيه إنه لن يتفاوض إلا مع حكومة منتخبة..

- أعتقد أنه حين تهدأ الأمور سنتفاوض مع صندوق النقد الدولي. والمجتمع الدولي كله يرغب في أن يتفاوض معنا وكذلك صندوق النقد، وأعتقد أنه سيكون أكثر مرونة وفهما، اليوم لا نريد من صندوق النقد 4 مليارات، ولكن شهادة ثقة في الاقتصاد المصري. وأنا أرى إلى أي حد كبير يمكن أن ينطلق الاقتصاد المصري. الأموال ستتدفق، والسياحة ستعود، لكن بشرط حل المشكلة الأمنية، وأن يشعر الناس بالاستقرار. هنا يمكن أن ينطلق الاقتصاد بسرعة كبيرة جدا. الناس أصابهم الملل بعد عامين ونصف العام (من الإطاحة بنظام مبارك)، ولم يروا شيئا إلا غياب الأمن وغياب الاقتصاد، ولا بد أن أعطيه الأمل وأعطيه الحلم.

*هناك قلق شديد في العالم العربي على مصر، فماذا تقول للعرب عن الوضع المصري مستقبلا. هل هناك أمل في العودة إلى الاستقرار؟

- مصر دولة كبيرة، وبالطبع هناك أمل، كلما قصرنا مدة الفترة الانتقالية، وكلما وصلنا إلى صيغة للتعايش المشترك. وهذا الأمر ليس بالنسبة لمصر فقط، ولكن أيضا هي رسالة للعالم العربي. العالم العربي كله متفجر، انظر لسوريا وانظر للعراق وانظر للصومال ولليمن. اليوم العالم العربي في أسوأ حالاته حقيقة.. في أسوأ حالاته من الناحية الأمنية. العالم العربي يحتاج لصيغة يتعامل من خلالها مع القرن الحادي والعشرين، ويتعامل مع نفسه، ويتعامل مع بعضه كأمة عربية. مصر كانت دائما مثالا. نحن نقول للعرب إن شاء الله سيكون هناك أمل قريبا. توجد مصاعب وما زلنا ندخل طريق الديمقراطية. والديمقراطية فكرة جديدة على العالم العربي، وليس لنا حل إلا السير في طريق الديمقراطية.. مثل الطفل يحبو ثم يمشي.. نحن ما زلنا في سنة أولى حضانة في مراحل الديمقراطية. هناك عثرات في الطريق، إنما إن شاء الله سنمضي إلى الأمام. لكني أطلب من كل العرب أن يساعدونا، كما نطلب من كل العالم أن يساعدنا اقتصاديا وبكل مشورة وبكل نصح. مصر منفتحة على العالم كله، وليس لديها ما يطلق عليه الخوف من التدخل الأجنبي ما دامت لديها ثقة في نفسها.. وهي جزء من عالم كبير وأسرة إنسانية واحدة، وطبعا أسرتها الصغيرة هي الأمة العربية، والدول العربية. والحقيقة جزء كبير منهم ساعدنا بعد 30 يونيو مساعدة كبيرة، ومستمر في المساعدة. أقول ساعدونا واصبروا علينا.

*هل تفكر في الترشح للرئاسة، نعرف أنك قلت إنك لا تطمح لذلك، لكن ماذا لو تعرضت لضغوط ومطالب بالترشح؟

- هذا الأمر غير مطروق، وآمل ألا تكون علي ضغوط، وآمل أن أقاوم الضغوط، لأنني حقيقة أرى أن هناك جيلا جديدا يجب أن نعطيه الفرصة.. فرصة بفكر جديد، ونستمر نحن، أعني أن يكون هناك مزيج من خبرة الكبار وعزم الشباب. وإذا وضعنا المرحلة الانتقالية على الطريق السليم سأكون أكثر الأشخاص سعادة حتى أتمكن من السفر لرؤية أحفادي في لندن الذين لم أزرهم منذ ستة أشهر.

*هل تفكر في جولات خارجية؟

- اليوم الناس كلهم يأتون إلينا، لكن بالطبع هناك قمة الأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول)، والتي ستعطيني فرصة للتواصل مع كثير من الرؤساء هناك، لكي أشرح لهم الوضع في مصر، وكذلك الموضوع الاقتصادي، وكذا مشكلة مياه النيل، لا بد أن ننظر إليها ونبحث لها عن حل في إطار من التعاون المشترك مع الدول الأفريقية، ولا يمكن إطلاقا أن يكون هناك صدام. وكذلك ما يتعلق بالشأن العربي مثل القضية السورية، حيث كان عندي اليوم صباحا الأخضر الإبراهيمي (المبعوث العربي الأممي المشترك بشأن سوريا) وكذا المشاكل في العراق واليمن والصومال. العالم العربي في حالة تشرذم اليوم، والجامعة العربية غير موجودة، ولا بد أن أعود وأعيد هذا كله، لأن هذا هو المجال الحيوي لي وللعرب. لا يمكن أن نرى الاتحاد الأوروبي بالشكل الذي هو عليه باختلاف الثقافات والأجناس، وغيره، بينما (كعربي)، بكل ما أملكه من مقومات مشتركة، أصبحت عدو نفسي. العالم العربي بالنسبة لي أسبقية. اليوم في السودان مشاكل، وفي سوريا مشاكل، وكذلك ليبيا وفلسطين. المجال الحيوي (لمصر) كله ملغم. فالأمة العربية هي الأسبقية ثم أفريقيا، ثم أعود مرة أخرى لأمارس دوري الذي يجب أن أمارسه في العالم كقاطرة دفع.

*هل ترى الربيع العربي جاء بالسلب أم بالإيجاب على العالم العربي؟

- نحن ننتقل من مرحلة عقود من الاستبداد لمرحلة تغيير كامل في اتجاه الديمقراطية. من الممكن أنه كان لدينا تفاؤل أكثر من اللازم عندما توقعنا أن كل هذا سيحدث في فترة وجيزة، في ستة أشهر. وفعلا، في أول مرة التقيت فيها بالمشير حسين طنطاوي (الرئيس السابق للمجلس العسكري الذي أدار المرحلة الانتقالية بعد تخلي مبارك عن السلطة) قال لي العملية ستنتهي خلال ستة أشهر. أنا قلت له لا، لن يحدث في ستة أشهر، لكنني لم أكن أتوقع أن المشاكل ستكون بهذا الحجم الذي نراه اليوم، لا بأس. عقبات في الطريق لكن لا عودة إلى الوراء. إذا أردنا أن نكون جزءا من العالم فلا بد أن نكون جزءا من القيم العالمية، التي تقوم أساسا على الديمقراطية التي تعني أن الإنسان يكون حرا ويتمتع بحد أدنى من الحياة الحرة والكريمة. ولا يمكن الرجوع عن هذا.

*لو رجعنا لمسألة الدستور والخطأ الذي ذكرت أنه حدث بإجراء الانتخابات قبله.. وجهة النظر المضادة تقول إنه جرى استفتاء، والناس صوتوا فيه..

- بعد نحو 50 سنة من الحكم الاستبدادي كان تنظيم «الإخوان» منظما في ذلك الوقت، وفي المقابل لم تكن الأحزاب المدنية منظمة، وكانت لا تزال في مرحلة النمو. و«الإخوان» وجدوا أن فرصتهم أن يندفعوا إلى الانتخابات.. كما أن الاستفتاء على الدستور استُغل فيه الدين حين كان يقال إن التصويت على نعم يعني التصويت على الشريعة الإسلامية. وتحول التصويت على الاستفتاء إلى مسألة دينية. أنت تصوت على الشريعة أم مع الكفار. تم استغلال الدين والتجارة بالدين، والحقيقة أن الدين أسمى وأقدس من أن يتاجر به. ونحن منذ دستور سنة 1923، والدستور المصري يقول مصر دولة دينها الرسمي الإسلام. ومن سنة 1980 قال الدستور إن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس للتشريع. هذا ليس محل خلاف. هويتنا إسلامية ونعيش كمسلمين ومسيحيين منذ آلاف السنين في وئام وتوافق. القيم في الإسلام لا تختلف عن أي قيم مدنية أخرى، بل بالعكس، يوجد فيه كل هذا الكلام الذين نتحدث عنه، لكن التفسير الذي يقوم به البعض وهو أخذ قشور الإسلام وإغفال جوهر الإسلام، هو الذي أدى بنا إلى الوضع الذي نحن فيه اليوم. الاستقطاب الموجود يوحي بأن مصر انقلبت إلى مسلمين وكفار. هذه المشاكل (في الحقيقة) غير موجودة إطلاقا.. لذلك نعود مرة أخرى، في رأيي، في الدستور وفي الأزهر الذي يكون منارة للإسلام المستنير، ويجب أن نتواصل مع بعضنا بعضا. ولو تواصلنا سنفهم أنا و«الإخوان» والسلف أننا كلنا مصريون وكلنا سنعيش معا وكلنا سيكون لدينا نفس الآمال ونفس المشاكل، مشاكل مصطنعة وليس حلها عن طريق العنف. العنف يفتح جروحا جديدة ولا يضمد أي جروح.

*الناس يسألون متى تنتهي الاعتصامات وأعمال العنف.. بعد العيد أم قبل العيد؟

- آمل أن يكون ذلك قبل العيد. توجد جهود مكثفة لإنهاء الاعتصام أو على الأقل تحجيم الاعتصام، وأن يكون اعتصاما سليما ولا يخرج إلى ما هو خارج الإطار السلمي مثل قطع الطرق وترويع الناس. إذا استمر فليستمر كاعتصام سلمي في ميادين محددة ولا يعطل حياة الناس، فنحن بلد ديمقراطي، وسنستمر في الحوار حتى تنتهي كل هذه الاعتصامات سواء اعتصامات «الإخوان المسلمين» أو الاعتصامات لأغراض فئوية وغيرها، إنما الاعتصام بهذا الشكل الموجود باستعمال العنف وبالرغبة في العودة إلى ما قبل 30 يونيو فهذا غير مقبول. وأعتقد أن هذا الأسبوع سيكون أسبوعا حاسما حتى نهاية العيد.

*بالنسبة لموضوع سيناء.. متى يعود إليها الاستقرار؟

- في سيناء توجد جماعات تكفيرية وإرهابية كثيرة. من الممكن أن يكون العدد 10 آلاف أو 12 ألفا على ما أسمع.. أعداد كبيرة ويسكنون مع الناس. حل مشكلة سيناء مرتبط بحل المشاكل هناك. هناك علاقة بين البعض في جماعة الإخوان المسلمين، كما سمعت، والوضع في سيناء. لا نود أن يكون هناك حل أمني قمعي قوي إلا إذا اضطررنا إليه. إنما نأمل في إطار المصالحة، وإطار التوصل إلى توافق مع جماعة الإخوان، أن تهدأ كذلك الأمور في سيناء، وأن تبدأ فيها عملية سياسية أمنية. حل مشكلة سيناء ليس صعبا على ما أفهم من القوات المسلحة.