نبيل العربي: أتوقع سياسة إيرانية تؤكد عدم التدخل في شؤون الدول قولا وفعلا

الأمين العام للجامعة العربية لفت في حوار مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا يمكن اختزال الأزمة السورية في الأسلحة الكيماوية

TT

قبل توجهه إلى نيويورك للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، كشف الأمين العام للجامعة العربية الدكتور نبيل العربي، في حوار مع «الشرق الأوسط»، عن الكثير من كواليس الاجتماعات والاتصالات التي دارت طيلة الأشهر الماضية بشأن الأزمة السورية والقضية الفلسطينية والعلاقات الغربية وإمكانية إيجاد قواسم مشتركة لإنهاء الصراعات والنزاعات التي تهدد المنطقة.

وقال العربي إن محطته الأولى ستبدأ في لندن، حيث يلتقي وزير الخارجية ويليام هيغ، ثم يستكمل رحلته إلى نيويورك ليكون اللقاء الأول مع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون للتشاور حول آفاق أفضل لحل الأزمة السورية والتعاون المشترك. كما تحدث عن إيران والأمم المتحدة والإصلاحات المطلوبة ومجلس الأمن والفيتو ومدى تعطيله لحل الكثير من القضايا العربية.. وهنا نص الحوار:

* من خلال اتصالاتك مع الأطراف المعنية.. هل يصمد الاتفاق الروسي الأميركي أمام التطورات المتلاحقة والعواصف التي تحدث على الأرض في سوريا والتزام النظام بالكشف عما لديه من مخزون السلاح الكيماوي وكذلك الالتزام بوقف إطلاق النار الشامل تمهيدا للحل السلمي؟

- أولا ما حدث مؤخرا بين أميركا وروسيا بشأن سوريا هو اتفاق موقع وليس مجرد تفاهمات كما حدث في يوم 7 مايو (أيار)، والتي فسرها كل طرف وفقا لرؤيته، ولهذا فالأمر مختلف اليوم عندما جرى توقيع الاتفاق الذي يجب أن يراقب بدقة لعدة أسباب، منها خبرة تعامل الجامعة العربية مع النظام السوري، وأنا أعترف بأن لديه قدرة كبيرة على إضاعة الوقت والمماطلة والتسويف، حدث هذا عند زيارة مراقبي الجامعة، واليوم النظام السوري يعتبر أنه حقق مكسبا ومنتصرا وموقفه أقوى. لكن مع حالة الزخم التي بات يشهدها هذا الملف أعتقد أن كل الدول تريد الوصول إلى حل لهذا الموضوع، وأن كلا من الولايات المتحدة والاتحاد الروسي لديه رغبة في إنهاء الأزمة، خاصة أن الرئيس الأميركي عندما أعلن أنه يعتزم إجراءات عسكرية أدى ذلك إلى صدمة كبيرة لروسيا حول ماذا سيفعل الرئيس الأمير كي.

* ألا ترى أن المنتصر هو موقف الدول العربية التي لم تطالب بضربة عسكرية وإنما بمواقف رادعة تنهي الأزمة وتحافظ على الشعب السوري ووحدته؟

- الدول العربية رحبت بالاتفاق وبتنفيذه وألا تختزل الأزمة السورية في موضوع الأسلحة الكيماوية والتي أدت إلى مقتل 1400 مواطن، وطبعا مقتل أي فرد - رجلا أو امرأة أو طفلا – أمر لا يقبله الضمير الإنساني، خاصة استخدام الأسلحة الكيماوية المحرمة دوليا منذ الحرب العالمية الأولى وليس الثانية، وقد وقع بروتوكول جنيف وقتها، وسوريا طرف فيه منذ عام 1968، وبالتالي يجب ألا تختزل القضية في هذا رغم أهميته، والذي تطالب به الدول العربية منذ فترة هو الملف الأمني الذي أرسلناه لمجلس الأمن منذ تاريخ 22 يناير (كانون الثاني) عام 2012 لاتخاذ ما يلزم ووقف القتال وإيفاد مراقبين والدخول في العملية السياسية والتي تقرر إطارها وهو البيان الختامي لاجتماع جنيف في 30 يونيو (حزيران) عام 2012، والذي يؤدى إلى بدء مرحلة انتقالية أي الانتقال بالوضع الراهن إلى تشكيل حكومة بصلاحيات كاملة للاتفاق بين المعارضة والنظام. والآن ووفق معلوماتي فإن اللقاء الذي جرى بين وزيري خارجية موسكو وواشنطن وأعقبه الاتفاق اتفق أيضا على عقد اجتماع بينهما وينضم إليهما الأخضر الإبراهيمي الممثل الشخصي للأمم المتحدة والجامعة العربية في 28 سبتمبر (أيلول) الحالي، في نيويورك، وسيبحث في ثلاث نقاط هي: تمثيل الدول التي تشارك في اجتماع «جنيف 2»، وكيفية تمثيل إيران أو عدم تمثيلها وهي طرف اليوم في المعارك التي تدور هناك وتساند النظام السوري، وهنا أتذكر ما طلبه منا الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، من أفكار حول عقد مؤتمر «جنيف 2»، وقلنا من بينها إنه لا بد أن تشارك كل الدول التي تقوم بدور أو لها دور، ولدينا وسيلة نتفادى من خلالها اعتراض بعض الدول على مشاركة إيران، منها أن تشارك على أساس أن تكون المشاركة في سياق أن هذا الاجتماع من اجتماعات الأمم المتحدة. وبالتالي تمثل كل الدول المعنية وليس فقط الدول العربية، فيمكن دخول الدول الإقليمية، ويمكن اليونان وقبرص وكذلك إيران، وأقصد أن يكون اجتماعا عاما، كل دولة تلقي كلمتها وينتهي الاجتماع ويبدأ العمل بتمثيل الحكومة والمعارضة، والنقطة الثالثة موعد المؤتمر، وسوف أتحدث مع الأمين العام للأمم المتحدة في ذلك.

* الأسبوع المقبل مفترض أن يصدر فيه قرار من مجلس الأمن.. ألا ترى أنه من الأهمية أن يتضمن القرار دعوة لضرورة وقف إطلاق النار؟

- طبيعي أن يصدر قرار من مجلس الأمن، وإذا عدنا إلى العامين المنصرمين نرى المطالبة بهذا القرار، وسبق أن صدر قراران عندما ذهبت إلى الأمم المتحدة، وهما رقما 2042 و2043، بخصوص مسائل إنسانية وتأييد مهمة كوفي عنان، ولكن لم يصدر قرار لحل المشكلة، وأعتقد أنه في هذه المرة سوف يصدر القرار بكل المطلوب، لكن هل سيتضمن الإشارة إلى أن أي خرق للاتفاق سيؤدي إلى استخدام القوى العسكرية، أي تحت الفصل السابع؟ لا أعتقد أنه سيكون هناك نص لاستخدام قوة عسكرية، وإنما يستخدم عبارات منها أن عدم الالتزام والتنفيذ سيؤدي إلى نتائج وخيمة.

* عدم استخدام القوة العسكرية في سوريا هل هو انتصار للأسد، أم للدول العربية والجامعة العربية، وحرصها على عدم إعطاء غطاء شرعي لتمرير الضربة العسكرية لسوريا؟

- هو انتصار للمجتمع الدولي وللشعب السوري.

* لكن الجامعة العربية أكدت في كل قراراتها على الحل السياسي؟

- بالتأكيد كل ما صدر عن الجامعة هو الحل السياسي والإجراءات الرادعة طبقا لميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي.

* هناك من شن هجوما على الجامعة واتهمها بالتحريض ضد سوريا وقد طال الهجوم شخصكم؟

- منذ ثلاثة أشهر كان الهجوم على الجامعة بأنها لم تفعل شيئا للشعب السوري، والتقينا مرة مع عدد من السيدات المضربات عن الطعام وكان معي الأخضر الإبراهيمي، وكان السؤال نفسه: ماذا تفعل الجامعة للشعب السوري؟ وعندما حدث الهجوم الكيماوي وتحدثت واشنطن عن ضربة عسكرية انقلب الوضع وبدأ الهجوم أيضا. كيف يمكن للجامعة العربية أن تسمح للولايات المتحدة بأن تضرب دولة عربية وكأننا نعطي الإذن لواشنطن، وفي الحالتين لم يوضع في الاعتبار أن هناك قواعد في النظام الدولي وهي أن استخدام القوة في موضوعات معينة يخضع لمجلس الأمن فقط وفق قواعد الميثاق، وكل دول العالم تخضع لهذا، ونحن كجامعة عربية جزء من هذا النظام الدولي. الفصل الثامن الذي يطبق على المنظمات الإقليمية مثل الجامعة والاتحاد الأفريقي وغيرهما، ينص بكل وضوح على أنه على هذه المنظمات أن تسعى لتسوية مشاكلها أيا كانت، لكن في مرحلة معينة عندما تنتقل إلى ضرورة استخدام القوة لا يملك هذا الحق إلا مجلس الأمن. لكن وسائل الإعلام تتحدث بطريقة مختلفة، وكأننا لا نريد أن نقوم بالحل.

* المعارضة السورية رفضت الاتفاق الروسي الأميركي ووصفته بأنه يعطي فرصا للمماطلة للنظام..

- أتفهم موقف المعارضة وهو الوجه الآخر للعملة مما نقوله بألا تختزلوا القضية في الأسلحة الكيماوية، لأن التعامل مع هذا الموضوع صعب وطويل، ويمكن أن تحدث أمور كثيرة، خاصة أنه ربما يكون الجدول الزمني للتعامل مع السلاح الكيماوي سيستمر حتى عام 2014، وهى المدة نفسها التي تنتهي فيها ولاية الأسد. وبالتالي المعارضة تطالب الجامعة العربية والمجتمع الدولي بحل الأزمة من جذورها عن طريق حل سياسي، ومن ثم، أتمنى أن يصدر القرار من مجلس الأمن ويكون واضح المعالم تحت الفصل السابع من الميثاق، وأعتقد أن ذلك سيكون بداية للحل.

* ماذا عن زيارتك إلى لندن.. هل لديكم أجندة محددة خلال اللقاء مع المسؤولين؟

- سوف ألتقي وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ، وسيكون موضوع سوريا أولوية لمناقشة كل التطورات الراهنة.

* ماذا عن برنامجك في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العام للأمم المتحدة؟

- لدينا اجتماع وزاري عربي تشاوري يوم 24 من الشهر الحالي لمناقشة القضايا المختلفة، وسيكون الموضوع السوري على رأس جدول الأعمال، وبمجرد وصولي إلى نيويورك سوف ألتقي السكرتير العام بان كي مون، وبيننا اتصالات مستمرة ومشاورات هاتفية، وبيننا اتصال مساء اليوم (الأربعاء) كي أعرف منه خلفية التقرير الذي ألقاه حول نتائج عمل فريق التفتيش في سوريا، وسبق أن تحدثت معه منذ عشرة أيام وذكرت له أنني من خلال متابعتي وقراءتي استنتجت أن المفتشين سوف يتحدثون في أمرين هما: هل استخدمت الأسلحة الكيماوية؟ وما هو النوع الذي استخدم؟ لكن التقرير لن يحدد الجهة التي استخدمت السلاح، وكان رده أننا سوف نتحدث.

أيضا سوف ألتقي عددا كبيرا من وزراء الخارجية الغربيين، وسيجري عقد اجتماعات أفريقية ومع دول آسيوية وغيرها، والأسبوع الأول من اجتماعات الجمعية العامة مهم جدا، حيث يتحدث رؤساء الدول، وهذا تقليد قديم منذ عام 1946، وطبعا حديث أوباما في هذه الدورة سيكون مهما جدا لأنه سوف يقدم شرحا لموضوعات كثيرة جدا منها الملفان السوري والفلسطيني.

* لكن في حالة عدم تحديد الجهة التي استخدمت السلاح المحرم دوليا كيف يمكن تحديد المسؤولية عما ارتكب من جرائم؟

- نحن رفضنا قول من كان يتحدث عن الانتظار إلى حين إعلان نتائج تقرير المفتشين، لأننا كنا نعلم أنه لن يحدد الجهة التي استخدمت السلاح، لكن التحديد يمكن أن يظهر من خلال طريق آخر في التقرير، ويوضح أن الكيماوي تم استخدامه عن طريق المدافع أو الطائرات أو الصواريخ، ومن يمتلك هذه الأسلحة، ومن ثم تحدد الجهة التي استخدمت السلاح.

* وماذا عن خطاب الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني، هل تعتقد أنه سيقدم جديدا؟

- أتصور أنه سيقدم جديدا في السياسة الإيرانية، وسوف ألتقي وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف لأنه صديقي منذ 25 عاما، وسبق أن عمل معي في الأمم المتحدة، ويعرف بعضنا بعضا جيدا، وحتى مع وزير الخارجية السابق صالحي كان الحديث معه يدور حول أهمية عدم تدخل أي دولة في الشؤون الداخلية لدولة أخرى لأنه محرم دوليا، وتحدثت معه طويلا في هذا الموضوع واعتزم تكرار الموضوع نفسه مع الوزير الجديد.

* الملف الإيراني مهم في التوصل لتعزيز صيغ لعدم التدخل في الشؤون الداخلية وانعكاسه بالتبعية على وقف التصعيد في القضايا المشتعلة بالمنطقة؟

- بالتأكيد.

* هناك مقترح بأن يكون منتدى التعاون العربي الصيني على مستوى القمة.. هل سيناقش هذا الأمر مع وزير الخارجية الصيني في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة؟

- بصراحة تحسين العلاقات وتقويتها لا يحتاجان إلى قمة، ولدينا هذا العام القمة العربية الأفريقية في شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، وهي مهمة جدا، والشيخ صباح خالد الحمد وزير الخارجية الكويتي يقوم بدور كبير جدا ومهتم بهذه القمة ولديه علاقات طيبة للغاية مع الدول الأفريقية، وللكويت استثمارات كثيرة في أفريقيا، وبعد ذلك هناك القمة العربية الدورية في مارس (آذار) بالكويت أيضا، واليوم نعمل على إعداد ملف التطوير الخاص بمسار الجامعة العربية وضرورة إحداث تغيير كي تواكب العصر.

* ألا ترى أن الوقت قد حان لأن تكون قرارات الجامعة العربية ملزمة؟

- هذا من ضمن الموضوعات المطروحة، لكن ينبغي أن نتأمل الموضوع بدقة، فقرارات مجلس الأمن ملزمة ورغم ذلك نجد أن القرار 242 لم ينفذ حتى اليوم، وعليه أرى أن القرارات الملزمة لا بد أن يكون عليها توافق وقوة لتنفيذها.

* وإرادة ليس بمعنى كلمة فقط وانتهى الأمر..

- الإرادة تعني التنفيذ، وقرارات الجامعة مفروض أنها ملزمة.

* لكن الالتزام يعني السير نحو التغيير للأفضل؟

- هذا سنعمل عليه إن شاء الله.

* نعود مرة أخرى لموضوع الجامعة العربية.. كيف تراها، وما هو المطلوب لتنشيطها؟

- الجامعة العربية تمثل الجيل الأول من المنظمات الدولية التي تم إعداد ميثاقها في سبتمبر (أيلول) عام 1944 قبل أن تنشأ الأمم المتحدة والتي تعد في التصنيف الجيل الثاني بعد الجامعة العربية والتي جاءت بمفاهيم جديدة. وعندما أرادت الأمم المتحدة تطوير نفسها في نهاية الخمسينات واتضح أن فتح الباب لتغيير الميثاق سيكون صعبا جدا، اقترح أن يكون التطوير عن طريق وضع آليات جديدة تواكب المتطلبات الدولية , ولدينا مثال آخر نموذج الاتحاد الأفريقي والذي جاء بعد الجامعة العربية ويمثل الجيل الثالث، قام باستحداث آليات تتعدى الأمم المتحدة في التغيير، وحتى هذا لم نصل له بعد، وبالتالي لا بد أن ننتقل إلى مرحلة متقدمة ونستحدث مفاهيم جديدة، وعلى سبيل المثال، ميثاق جامعة الدول العربية ليست به كلمة واحدة عن حقوق الإنسان، واكتفى بكلمة «الشؤون الاجتماعية»، وبالتالي كان الاهتمام بمبادرة ملك البحرين لإنشاء محكمة حقوق الإنسان، ويجري إنجاز هذا الموضوع.

* مجلس الأمن والسلم العربي أين ذهب؟

- سيعاد النظر فيه وتوضع اعتبارات بشأن مدى رغبة الدول العربية في أهميته، ويجب أن نتوقع أن كثيرا من الأمور سوف تأخذ فترة حتى يتم الاتفاق عليها وسوف نعرض على القمة العربية القادمة ما يمكن إنجازه لتطوير مسار الجامعة العربية، وأتوقع أن ننجز موضوع المحكمة الخاصة بحقوق الإنسان، إضافة لموضوعات أخرى تقوم أربع لجان بمراجعتها لعرضها على القمة كما ذكرت.

* مرة أخرى.. كيف ترى مقترح إضافة آلية القمة إلى منتدى التعاون العربي الصيني حتى يشكل نقلة جديدة في العمل العربي مع الصين؟

- لا اعتراض ولدينا آليات نشطة لعمل المنتدى الوزاري العربي الصيني والذي يسير بنجاح شديدة، والتبادل التجاري تضاعف عدة مرات لصالح الصين، والمنتدى الروسي نحاول تطويره وتنشيطه للتعاون مع الدول العربية أكثر، أما مع واشنطن فالأمر توقف عند توقيع مذكرة تفاهم مع هيلاري كلينتون في شهر سبتمبر الماضي، ونرى أن هذا المنتدى مهم لأن التعاون ثنائي، ومن الأفضل أن يكون هناك تعاون عربي أميركي في إطار منتدى مبرمج بآليات فاعلة يستفيد منها كل الأطراف.

* بالنسبة لفلسطين هل نبدأ من نتائج اجتماع باريس الذي جمع بين وزراء خارجية دول مبادرة عملية السلام مع وزير الخارجية الأميركي؟

- اسمحي لي أن ابدأ بمقدمة صغيرة: قضية فلسطين لا تستطيع الدول العربية أن تحلها منفردة وهذا يختلف عن سوريا لأنه كان من الممكن أن تسهم التدخلات العربية المبكرة منذ شهر يوليو (تموز) عام 2011 في حلها، أما الموضوع الفلسطيني فمعروف أن قرارات من مجلس الأمن تصدر وملزمة لكنها لا تنفذ. وعليه شكلنا لجنة مبادرة السلام وكانت برئاسة الشيخ حمد بن جاسم، وفي الفترة الأولى كنا نبحث الذهاب إلى مجلس الأمن أو الجمعية العامة، وأنا كنت من أنصار الذهاب إلى الجمعية العمومية للحصول على المركز الذي حصلوا عليه حاليا والذي بمقتضاه أصبحت فلسطين دولة أمام الأمم المتحدة والمجتمع الدولي. وهذا يعني أن الأراضي التي تحتلها إسرائيل هي أراضي دولة أخرى وليست أراضي متنازعا عليها كما تدعي إسرائيل، لكن على آخر لحظة اختار الرئيس أبو مازن أن يذهب إلى مجلس الأمن وطلب عضوية كاملة وبعدما تحدث اقتنعت بوجهة نظره لأنه بعد كل هذه السنوات وبعد إعلان الدولة في المنفى عام 1988 يجب أن يطلب حقه. وبعد ذلك إذا لم يحصل عليه يستطيع أن يفكر في توجهات أخرى. لكن الهجوم كان على أبو مازن في مجلس الأمن بعد إلقاء كلمته من مختلف دول العالم. وكان شديدا، وكان هذا متوقعا، ومعروف أن الذي يعطى العضوية هو الجمعية العامة وفقا للميثاق ولكن بعد توصية من مجلس الأمن، ولم نحصل على التوصية والمهم بعد الحصول على قرار من الجمعية العامة المجتمع الدولي يعترف بأن فلسطين أصبحت دولة غير كاملة العضوية – عضوا مراقبا. وصدر القرار في اليوم نفسه الذي صدر فيه قرار التقسيم، أما اجتماعات الدول العربية التي بدأت حول مراجعة عملية السلام منذ عام 2011 انتهت إلى أهمية تغيير المسار ولا يمكن الاستمرار في إدارة النزاع، وإنما الرغبة في إنهاء النزاع، وعليه تم اتخاذ قرار واضح وقبلته كل الدول والولايات المتحدة ووعدت بالسير معنا في هذا الطريق.

وعند زيارة جون كيري في 4 مارس أعلن أنه يقبل إنهاء النزاع، والأكثر من ذلك ذلك وضعوا جدولا زمنيا مداه تسعة أشهر، ثم جاءت القمة العربية في الدوحة والتي أسندت مهمة زيارة وفد وزاري عربي إلى فيها واشنطن في 29 أبريل (نيسان) الماضي، والتقينا وزير الخارجية جون كيري، وكذلك حضر الاجتماع نائب الرئيس الأميركي واتفق على تولى هذا الموضوع، وعلى أهمية قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة، ولديهم خطة سوف يشرف عليها جون كيري بنفسه، والأمور الأمنية أسندت إلى الجنرال جولن آلن، وكان يعمل في أفغانستان، واتفقوا مع 12 رئيس مجلس إدارة شركات لإقامة مشاريع ضخمة في الضفة والقطاع لتحسين مستوى المعيشة خلال ثلاث سنوات – لكن هناك مشاكل تقوم بها إسرائيل وهى الاستمرار في بناء المستوطنات وهذا أمر غير مقبول، وهذه الموضوعات أثيرت مع وزير الخارجية الأميركي جون كيري في اجتماع باريس ووزراء الخارجية العرب المعنيين بلجنة المبادرة، ومعروف أننا عقدنا اجتماعا في عمان ثم باريس واتفق الجانبان على عقد اجتماع آخر في باريس خلال شهر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.

* هل تم تحديد أجندة هذا الاجتماع؟

- استمرار النقاش حول ما تم ووجهات النظر، كما سيتحدث الجانب الفلسطيني عن مشاكلهم التي تقوم بها إسرائيل.

*- قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن لا تنفذ بالنسبة لفلسطين وغيرها، ومع مشاركتكم في اجتماعات دورة سبتمبر هل يتبنى الجانب العربي طرح إنجاز التطوير بما يلزم لتنفيذ القرارات الملزمة في إطار إصلاح الأمم المتحدة ولديكم خبرة في هذا المجال؟

- هذا الموضوع كبير جدا وينصب كله وينتهي حول أن يكون في مجلس الأمن تمثيل أكثر تعبيرا عن نمو الأمم المتحدة. مجلس الأمن عندما كان عدد الأعضاء «51 + 11» كان مطلوبا تصويت سبع دول حتى يصدر القرار، وعندما وصل إلى 115 ارتفع العدد إلى 15، ومطلوب أن يزيد الآن – لكن هذه ليست المشكلة – وإنما تكمن في ماهية نطاق استخدام حق النقض الفيتو، واليوم لا توجد في ميثاق الأمم المتحدة كلمة عن نطاق استخدام الفيتو، وإن هذا الموضوع يجعل الدول الخمس على وضع استخدام الفيتو في أي موضوع، ولدي أمثلة منها أنه ليس من المفروض إطلاقا أن أي قرار يطالب بوقف إطلاق النار يحدث عليه فيتو، أو أي قرار لإرسال معونات إنسانية يصدر ضده فيتو.. ليس من المعقول أن قرارا يتعلق بتهديد دولة لدولة أخرى يصدر ضده الفيتو، وحتى استخدام أسلحة الدمار الشامل للدول التي تهدد لا يتخذ قرار بالفيتو، وأرى ضرورة لتحرك المجلس لتصحيح هذا الوضع. أنا عندما كنت في إحدى الدورات قدمت هذه الملاحظات، ومفروض أن أي قرار يطالب الأمم المتحدة بأن تتحرى موضوعا معينا خطيرا يهدد السلم والأمن الدوليين، مثل موضوع إيفاد المراقبين إلى سوريا تم تحديد اختصاصهم، والمفوض أن اختصاصهم يشمل أيضا من في نظركم الذي قام باستخدام هذا السلاح، وخرج القرار بتحديد المهمة لأن دولا أخرى هددت بأنها سوف تستخدم الفيتو، وبالتالي أرى أن استخدام الفيتو أسيء كثيرا جدا وحان الوقت لتغييره.

* تقصد حان الوقت لرفع غطاء الفيتو الذي يهدد الأمن والسلم الدوليين؟

- لن يرفع الفيتو لسبب بسيط لأن ميثاق الأمم المتحدة ينص على أن أي تعديل للميثاق له أسلوبان، إما عن طريق مؤتمر أو طريق الدول الخمس مع السكرتير العام، ولكن لا بد أن توافق الدول الخمس. وهنا أذكر بكل تقدير وإجلال موقف الوفد المصري في سان فرانسيسكو عام 1945 والذي تقدم باقتراح برئاسة عبد الحميد باشا بدوى وكان أول قاض مصري في محكمة العدل الدولية، والاقتراح طالب بتعديل هو أن يكون اتخاذ القرار بالأغلبية.

* هذا معقول؟

- معقول جدا.

* هل يمكن تقديم هذا المقترح مرة أخرى بعد المشاكل التي نعاني منها بسبب الفيتو؟

- الميثاق ينص على أنه بعد عشر سنوات من بدء العمل بالميثاق، أي من عام 1955، إذا لم تتقدم أي دولة بالدعوة لعقد اجتماع للنظر في مراجعة الميثاق يدرج البند أوتوماتيكيا أو تلقائيا على جدول أعمال الجمعية العامة وقد أدرج ولم يتحرك.

* يمكن أن يتحرك في الاجتماع المقبل؟

- كيف؟

* من خلال المجموعة العربية؟

- سوف تصطدم بالحائط، والحل الوحيد في نظري هو إخراج بعض الموضوعات من نطاق استخدام الفيتو كما ذكرت.