نبيل فهمي: نعتز بالاتحاد الأفريقي ونطالب بمراجعة قرار مجلس السلم والأمن بعد 30 يونيو

وزير الخارجية المصري أكد لـ «الشرق الأوسط» أن بلاده باتت تنتهج أسلوبا مختلفا مع دول القارة كـ«شركاء»

وزير الخارجية المصري نبيل فهمي
TT

قال وزير الخارجية المصري، نبيل فهمي، إنه يعتزم القيام بزيارة دول القارة الأفريقية لتصحيح صورة بلاده، مشيرا إلى أن اعتزاز القاهرة بالاتحاد الأفريقي لا يمنعها من مطالبته بمراجعة قرار مجلس السلم والأمن بتعليق عضوية مصر بعد 30 يونيو (حزيران).

وأعرب فهمي عن اعتقاده أن موقف الاتحاد الأفريقي بتعليق عضوية بلاده في أعقاب عزل الرئيس السابق محمد مرسي يعكس «قصورا في المواثيق الأفريقية» التي لا تنطبق بأي شكل على الحالة المصرية، ويتوجب مراجعة القرار بشكل فوري.

وأضاف فهمي في حوار مع «الشرق الأوسط» بشأن جولته الأولى لبعض دول حوض النيل، أن بلاده على قناعة بأن تعليق مشاركتها في المنظمة الأفريقية هو أمر يضر في المقام الأول بمصالح الاتحاد الأفريقي، مشيرا إلى أنه أوضح الكثير من المآخذ للمسؤولين الأفارقة، وفي مقدمتها أن موقف مجلس السلم والأمن الأفريقي مستغرب تماما بالمقارنة بمواقف مختلف الأطراف الدولية والإقليمية التي باتت تؤكد دعمها الكامل لخارطة الطريق والتزام الحكومة المصرية بتنفيذها.

وأوضح الوزير أن السياسة الخارجية المصرية تسعى إلى التجاوب مع هذه التغيرات التي شهدتها القارة الأفريقية، حيث بات بلاده تنتهج أسلوبا مختلفا مع الدول الأفريقية كشريك للتنمية، سواء من خلال التعاون على المستوى الحكومي أو القطاع الخاص، بزيادة التبادل التجاري والاستثمارات بما يعود بالنفع وتحقيق المصالح المشتركة لجميع الأطراف.

وشدد على أن الاهتمام المصري بأفريقيا بعد ثورة 30 يونيو اهتمام استراتيجي طويل الأجل ولا يرتبط بمصالح وقتية ترتبط فقط بمياه النيل على الرغم من الأهمية الفائقة التي يحظى بها هذا الملف، وضرورة أن يكون نهر النيل أداة للتعاون والتفاهم وليس للصراع فيما بين دول الحوض.. وإلى أهم ما جاء في الحوار:

* شهد اهتمام مصر بأفريقيا قدرا من التراجع على مدار سنوات طويلة، ما رؤيتك لموقع الدائرة الأفريقية ضمن أولويات السياسة المصرية حاليا؟

- بداية، أود أن أؤكد أن السياسة الخارجية المصرية، بما لديها من تقاليد عريقة، لا تتحرك من فراغ، فلدينا مبادئ راسخة تحكم هذه السياسة في مقدمتها تحقيق المصلحة الوطنية للبلاد والحفاظ على أمنها القومي. ولا شك أن ثورة 30 يونيو التصحيحية رسخت مبادئ مهمة جديدة للسياسة الخارجية في مقدمتها التعبير عن صوت الشعب المصري وإرادته وتطلعاته المشروعة. ومنذ أن تحملت مسؤولية وزارة الخارجية، حرصت على أن أؤكد أن هذه المبادئ ستكون الأساس لبرنامج عمل الوزارة، وأكدت أن إعادة «مركزة» الدور الخارجي لمصر، سواء في المحيط الإقليمي أو الدولي، ستكون على رأس أولوياتي خلال فترة الحكومة الانتقالية الحالية التي أرى أن عليها مسؤولية تاريخية في استعادة مصر لمكانتها الطبيعية إقليميا ودوليا. وأشرت إلى أن محور التركيز سيكون الدائرتين العربية والأفريقية بالنظر إلى أن مصر عربية الهوية وأفريقية الجذور والمصالح.

لقد تشكلت الحكومة الحالية بعد ظرف تاريخي وبعد ثورتين، وبالتالي فعلينا أن نستجيب لتطلعات المجتمع المصري في مستقبل أفضل، ولكي نستجيب لتلك التطلعات يتعين أن يكون لدينا منظور مستقبلي طويل الأجل. ومن يتابع تحركاتنا الخارجية يجد أنها تعكس ما التزمنا به فور حلف اليمين بوضع الدائرة الأفريقية في المكانة اللائقة بها ضمن أولويات العمل الدبلوماسي، فمصالح مصر الاستراتيجية ترتبط بأفريقيا، وعودة الدور الريادي لمصر في القارة الأفريقية ليست ترفا أو رفاهية نستطيع الاستغناء عنها، كما أن البعد الأفريقي في السياسة الخارجية المصرية له تاريخ طويل ومشرف يرتبط بمساندة مصر كفاح الشعوب الأفريقية للتحرر من الاستعمار ونظام الفصل العنصري وإرساء أسس التعاون الأفريقي المشترك من خلال إنشاء منظمة الوحدة الأفريقية التي كانت مصر أحد الآباء المؤسسين لها ثم الاتحاد الأفريقي، فضلا عن دور مصر المستمر في خدمة عملية التنمية في الدول الأفريقية الشقيقة.

ومن هنا، أود إعادة تأكيد حقيقة مهمة مفادها أن الاهتمام المصري بأفريقيا بعد ثورة 30 يونيو ليس فقط اهتماما وقتيا أو للحصول على دعم الدول الأفريقية تجاه قضية أو مسألة بعينها، وإنما بهدف بناء علاقات استراتيجية تقوم على مبادئ تحقيق المكاسب والمنافع المتبادلة للجميع دون الإضرار بمصالح أي طرف، وذلك من خلال المشاركة بين مصر وأشقائها الأفارقة من أجل التنمية والتعرف على احتياجاتها التنموية والعمل على الاستفادة من الخبرات الفنية المصرية المتراكمة وتشجيع القطاع الخاص المصري على مضاعفة استثماراته في أفريقيا.

* كيف تقيم مستقبل العلاقات بين مصر ودول حوض النيل بصفة خاصة وباقي الدول الأفريقية بصفة عامة في ضوء استراتيجية المشاركة من أجل التنمية التي تحدثت عنها؟

- حقيقة الأمر أن القارة الأفريقية شهدت تغيرات كبرى خلال العقود الماضية، حيث تمكنت الكثير من الدول الأفريقية من تحقيق معدلات جيدة جدا في النمو وباتت مناطق جاذبة للاستثمارات الأجنبية للاستفادة من الثروات الكبيرة المتوفرة لديها، كما خاضت الدول الأفريقية تجارب مختلفة في عملية التحول الديمقراطي، ومضت قدما في تطوير منظومة التعاون الأفريقي بإنشاء الاتحاد الأفريقي ومؤسساته المختلفة، ومن ثم فإن السياسة الخارجية المصرية تسعى إلى التجاوب مع هذه التغيرات، حيث ننتهج أسلوبا مختلفا مع الدول الأفريقية الشقيقة كشريك للتنمية، سواء من خلال التعاون على المستوى الحكومي أو القطاع الخاص بزيادة التبادل التجاري والاستثمارات بما يعود بالنفع وتحقيق المصالح المشتركة لجميع الأطراف.

ولا شك أن المبادرة التي أعلنت عنها في بيان مصر أمام الدورة 68 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك بإنشاء «الوكالة المصرية للمشاركة من أجل التنمية» تمثل تجسيدا لهذا التوجه، حيث إن الوكالة الجديدة ستوجه أنشطتها للدول الأفريقية الشقيقة بالأساس، وستعمل على تشجيع القطاع الخاص المصري وتقديم الحوافز له للعمل على زيادة استثماراته الحالية في القارة الأفريقية بما يفتح آفاقا جديدة لها ويحقق مصالح الطرفين.

أما بالنسبة للاستراتيجية المصرية في منطقة حوض النيل فهي تمثل جانبا من التوجه المصري الجديد نحو القارة الأفريقية، يضاف إليها مسألة ضمان الأمن المائي لمصر من خلال التحرك المكثف بكل السبل المشروعة للحفاظ على الحقوق والمصالح المائية المصرية في مياه النيل، بل والعمل على زيادة حصة مصر لتلبية مطالب التنمية في بلادنا، وفي نفس الوقت نحترم تطلعات دول وشعوب حوض النيل بما في ذلك الشعب الإثيوبي الشقيق في مجال التنمية. ومن ثم، نتطلع إلى التوصل إلى حلول عملية من خلال الحوار تضمن مصالح الجانبين. فكل طرف يريد أكثر مما لديه، سواء كان ذلك من المياه أو الطاقة أو التنمية الاقتصادية، وإنه لا مجال لتلبية مثل هذه التطلعات دون العمل والتعاون المشترك بين دول حوض النيل.

* قمت بجولة أخيرا في أفريقيا شملت أوغندا وبوروندي رافقك فيها وزيرا الزراعة والإسكان، ما مغزى هذه الجولة، وماذا دار خلال لقاءاتك بالمسؤولين في البلدين من نقاش، وهل حققت الجولة الأهداف المرجوة منها؟

- تعكس هذه الجولة الأولوية التي نوليها لعلاقاتنا بالأشقاء في منطقة حوض النيل وأفريقيا بشكل عام، وتعد ترجمة فعلية لما سبق أن ذكرته حول الاهتمام المصري بأفريقيا بعد ثورة 30 يونيو وأنه اهتمام استراتيجي طويل الأجل ولا يرتبط بمصالح وقتية ترتبط فقط بمياه النيل، على الرغم من الأهمية الفائقة التي يحظى بها هذا الملف، وضرورة أن يكون نهر النيل أداة للتعاون والتفاهم وليس للصراع فيما بين دول الحوض.

والتقيت خلال الجولة رئيسي أوغندا وبوروندي ونقلت لهما رسالتين من الرئيس عدلي منصور تتعلق بنظرة مصر المستقبلية والأولوية التي تعطيها لأفريقيا بصفة عامة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، وهي رسالة تعاون وصداقة أكدنا خلالها اهتمام مصر بدعم البلدين في برامجهما للتنمية والبناء على ما هو قائم من تعاون.

وفي ضوء الاهتمام المصري بالتعرف على الاحتياجات التنموية للأشقاء في أفريقيا، فقد رافقني في الجولة كل من وزير الزراعة واستصلاح الأراضي ووزير الإسكان والمرافق والتنمية العمرانية، وهو ما ترك رسالة واضحة وقوية للقيادات السياسية والمسؤولين بالبلدين على الأولوية القصوى التي توليها مصر لتعزيز علاقاتنا مع دول حوض النيل في شتى المجالات، كما حرصت خلال الزيارة على التأكيد للمسؤولين بالدولتين على أن التوجه المصري لدول حوض النيل ليس توجها تكتيكيا، ولا يستهدف تحقيق مصالح وقتية مرتبطة بملف مياه النيل أو غيره، رغم الاهتمام الخاص الذي توليه مصر لهذا الملف لارتباطه بالأمن المائي المصري، ولكنه توجه يعكس انتماء مصريا للقارة الأفريقية بشكل عام، ودول حوض النيل على وجه الخصوص.

وفي أوغندا التقيت الرئيس يوري موسيفيني الذي أكد وزن مصر الأفريقي، وأهمية مشاركة مصر في القضايا الأفريقية، والفائدة التي تعود على الاتحاد الأفريقي من الوجود المصري المكثف. كما شدد على أن مصلحة دول حوض النيل في التعاون ومراعاة مصالح واحتياجات الأطراف الأخرى وأنه يجب العمل سويا باعتبارنا مشاركين في نهر حيوي للجميع في تنمية المنطقة من مصباتها إلى منابعها، مؤكدا أنه سيعمل مع مصر لبناء علاقات ثنائية ولبناء مستقبل أفضل لأفريقيا بشكل كامل.

كذلك، التقيت وزير الخارجية، حيث تناولنا وسائل وآليات تنمية العلاقات الثنائية بين مصر وأوغندا والتعاون الثقافي والتعليمي وما توفره مصر من منح تعليمية، وكان هناك توافق على أن الجهود الحكومية من الجانبين مفيدة، لكن يجب أن تستكمل وتدعم بمشاركة من القطاع الخاص. وأعرب لي الوزير الأوغندي عن تقدير بلاده للمشروعات المصرية القائمة حاليا في أوغندا ومن بينها مشروع جديد للطاقة الشمسية والمساهمة المصرية في شركة سكك حديد شرق أفريقيا بين ميناء مومباسا وكمبالا، وإنشاء أول مجزر إلى حديث في شرق أفريقيا بأوغندا. كما اتفق وزير الزراعة خلال الزيارة على إنشاء مزرعة مشتركة بأوغندا لإنتاج التقاوي للمحاصيل المهمة مثل الذرة، وبعض أنواع الخضراوات، ومزرعة أخرى للذرة الصفراء والقمح، فضلا عن إنشاء المجزر الآلي المشار إليه.

وعرض وزير الإسكان على رئيس الوزراء الأوغندي استعداد مصر تنظيم دورات تدريبية في قطاعات التشييد والبناء والمساعدة الفنية في مشروعات الإسكان الفنية ومشروعات الإسكان الاجتماعي وافتتاح فرع لمركز بحوث البناء والإسكان المصري في أوغندا لتقديم الاستشارات الفنية اللازمة. هذا بالإضافة لما توفره وزارة الخارجية من خدمات طبية بدعم من الصندوق المصري للتعاون مع أفريقيا.

* وبالنسبة لزيارة بوروندي؟

- في بوروندي، التقيت أيضا الرئيس بيير نيكرونزيزا الذي أكد أن مصر لها مكانة أفريقية عظيمة وأن أفريقيا من دون مصر ليست كاملة، وأن بوروندي ومصر لهما علاقات طويلة وتمتد ولم تتعرض في أي لحظة لأي أزمات.. وأنهم يؤيدون الدور المصري في أفريقيا وسيعملون داخل الإطار الأفريقي أو في إطار دول حوض النيل وشرق أفريقيا على ضمان أن يكون النيل منبعا للرخاء والتعاون للجميع، وألا تمس مصالح أي طرف من الأطراف. كما تناولت المباحثات التي جرت على مستوى وزاري اهتمام مصر بدعم جهود بوروندي للتنمية، ورغبة مصر في تعزيز ما هو قائم من تعاون في المجال العلمي والطبي والتوسع في ذلك إلى جانب التعاون في قطاع الطاقة والتعليم ومساعدة القطاع الخاص في بوروندي على التعامل مع المشكلات التي تواجه الاستثمارات الأجنبية بها.

وفي تقديري، أستطيع القول إنه بعد هذه الجولة الثانية لي في القارة الأفريقية بعد زيارة كل من السودان وجنوب السودان، أستطيع القول إن رسالة الشعب المصري بعد ثورة الثلاثين من يونيو قد وصلت بالفعل إلى شعوب وحكومات الأشقاء في أفريقيا بأن هناك جدية مصرية في التعامل مع أفريقيا.. وأن العمل لا يزال أمامنا ونريد أن ننشط مع القطاع الخاص المصري ونسهل عمله في أفريقيا حتى يكون هناك عائد على القطاع الخاص المصري واستفادة ووجود مصري في أفريقيا بما يحقق مصالح جميع الأطراف ودون الإضرار بمصالح أي طرف.

وخلال الفترة القادمة نعتزم استمرار التواصل مع أفريقيا من خلال زيارات يقوم بها نائب وزير الخارجية في الوقت الذي لا أستطيع فيه القيام بزيارات أفريقية، كما أنني كلفت سفيري مصر في أوغندا وبوروندي ومساعد الوزير للشؤون الأفريقية بمتابعة المناقشات التي جرت حتى لا تؤدي البيروقراطية من كلا الطرفين إلى عرقلة تنفيذ المشروعات مما سيكون له أثر سلبي وليس إيجابيا. لقد أكدنا للأشقاء الأفارقة أننا لن نعد بشيء لن ننفذه وإذا وعدنا بشيء سيجري الوفاء به أخذا في الاعتبار الظروف الدقيقة التي تمر بها مصر.

* هل تخطط للقيام بجولات أخرى مماثلة مستقبلا لتصحيح رؤية مصر للعلاقة وحرصها على القارة الأفريقية؟

- في الواقع هي عدة جولات وليست جولة واحدة، وقد قمت بالفعل حتى الآن بجولتين شملت الأولى أوغندا وبوروندي، وهناك برنامج جرى وضعه على مدى الأشهر الستة المقبلة بمعدل زيارة أفريقية كل شهرين. ونأمل أن يجري تنفيذه في ظل تنازع المواعيد ولكن كان لا بد أن نثبت لأنفسنا وغيرنا أننا جادون في التزامنا الأفريقي وهذا كان سبب إصراري على إتمام زيارة أوغندا وبوروندي وعدم المشاركة في اجتماعين وزاريين مهمين بباريس ولندن في نفس التوقيت.

ومن المقرر أن تشمل جولاتي خلال الأسابيع المقبلة عددا من دول وسط وغرب أفريقيا، فضلا عن دول حوض النيل. وتأتي هذه الجولات في إطار حرصنا الدائم على تعزيز العلاقات والتواصل المستمر مع مختلف دول قارتنا الأفريقية، فنحن على قناعة راسخة بأن سياستنا الخارجية تقوم على قاعدة أفريقية وعربية، وهو أمر حرصت على تأكيده منذ أن توليت منصبي، كما أننا ندرك أن مصر تحتاج إلى أفريقيا بقدر احتياج أفريقيا لمصر، ويتعزز هذا الإدراك بالنظر إلى حجم القضايا ذات الأهمية على مختلف الأصعدة الثنائية والإقليمية، بل والدولية مثل موضوعات إصلاح المنظومة الدولية وتحرير التجارة الدولية وأجندة التنمية والبيئة وغيرها، وهي جميعها قضايا يجب أن تتعامل معها أفريقيا بموقف جماعي، بما يؤكد أهمية دورها في صنع القرار العالمي، ويحفظ حقوق ومصالح شعوبها، وهو أمر يأتي على رأس أولويات تحركات مصر في المحافل الدولية.

* من أين تبدأ مصر مع إثيوبيا لتصحيح مسار العلاقات لتشمل التعاون الكامل وفي كل المجالات؟

- هناك اتصالات مستمرة، فالحوار لا ينقطع مع الجانب الإثيوبي، فقد كان أول اتصال هاتفي قمت به بعد تعييني مع وزير خارجية إثيوبيا، فضلا عن لقائي مع الوزير الإثيوبي في نيويورك والذي أكد لي حرص بلاده على تجاوز الشكوك التي سادت العلاقات بين البلدين في الماضي والنظر إلى المستقبل.

في اعتقادي أن السبيل المثلى تكمن في استكشاف سبل التعاون مع إثيوبيا لتحقيق المصلحة المشتركة للبلدين، والابتعاد عن تناول قضية المياه كمعادلة صفرية يربح أحد أطرافها على حساب خسارة الآخر، بل والأهم أن نجعلها فرصة لتحقيق تطلعات الشعبين للتنمية على أساس مبدأ تحقيق المكاسب للطرفين دون الأضرار بمصالح أي طرف، وهو أمر ممكن من خلال إيجاد الحلول المبتكرة البناءة والنظرة المستقبلية.

وأعتقد أن الجانب الإثيوبي يدرك تماما الأهمية البالغة التي توليها مصر لقضية الأمن المائي في ظل اعتمادها الكامل على مياه نهر النيل، وأننا نسعى لزيادة الموارد المائية التي تحصل عليها مصر وليس فقط الحفاظ على الحصة السنوية في ضوء الاحتياجات المتزايدة للمياه، كما أننا لا نعارض في حق إثيوبيا في الاستفادة من مواردها الطبيعية في تحقيق التنمية دون الإضرار بمصالح وحقوق مصر المائية. ونأمل في أن تبدأ الاجتماعات الفنية التي ستعقد بداية نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل بين وزراء الري في كل من مصر والسودان وإثيوبيا في وضع هذه القضية على الطريق الصحيح بما يخدم مصالح جميع دول الحوض. فلا يوجد بديل عن التعاون بين دول حوض النيل بحيث يصبح نهر النيل كما ذكرت أداة للتعاون والتكامل وليس سببا للصراع والتنازع.

* ما مدى تجاوب القارة الأفريقية مع مصر بعد موقف مجلس السلم والأمن بتجميد مشاركة مصر في أنشطة الاتحاد الأفريقي بعد ثورة 30 يونيو؟

- بداية، يتوجب عدم الخلط بين موقف مجلس السلم والأمن الأفريقي الخاطئ والمتسرع بتجميد مشاركة مصر في أنشطة الاتحاد الأفريقي، وبين مواقف وعلاقات مصر الثنائية بالدول الأفريقية كل على حدة ومشاركة مصر في محافل إقليمية ودولية تتناول قضايا أفريقية. فالدول الأفريقية كانت دوما سندا ودعما لنا، وهي الأقدر على تفهم تطلعات الشعب المصري، في ضوء النضال التاريخي المشترك وروح التضامن بين الشعوب الأفريقية. ولهذا فقد حرصت مصر منذ بداية الأحداث على التواصل مع أشقائها الأفارقة وإيفاد المبعوثين لإحاطتهم بمختلف التطورات والتحديات، وكانت الردود إيجابية ومتفهمة وداعمة، وأكد الكثير من الأشقاء الأفارقة من خلال رسائل نتلقاها بشكل مستمر، ثقتهم في حكمة الشعب المصري واحترامهم لخياراته، وقدرته على بناء الديمقراطية التي يستحقها، وأكدوا قناعتهم بأن مصر مستقرة ومزدهرة هو أمر ضروري لأفريقيا، نظرا للدور المهم الذي تقوم به مصر في الدفاع عن قضايا القارة. ذلك باستثناء دولة أو دولتين اتخذتا مواقف متسرعة تنم عن فهم مغلوط، وتعاملنا في حينه بحسم يؤكد عدم تهاوننا في أي أمر يخص إرادة الشعب المصري، وعلى كل فنحن نرصد في الفترة الأخيرة الكثير من المؤشرات الإيجابية التي تعكس في تقديرنا إدراكا متزايدا لدى الأشقاء الأفارقة بضرورة التسليم بإرادة وصحة خيارات الشعب المصري، فضلا عن الإجماع الأفريقي والدولي بدعم تنفيذ خارطة الطريق وفقا للتوقيتات الزمنية التي توافقت عليها القوى السياسية المصرية.

* تلقت مصر دعوة للمشاركة في القمة العربية الثالثة بالكويت خلال الشهر المقبل، فهل ستكون هناك مقترحات مصرية محددة على أجندة القمة العربية الأفريقية؟

- تولي مصر أهمية خاصة لهذا المحفل، حيث كانت مصر صاحبة السبق في إنشائه منذ استضافتها للقمة العربية الأفريقية الثالثة عام 1977، وحرصت مصر منذ ذلك الوقت على تدعيم التعاون العربي - الأفريقي في مختلف المجالات، وسينعكس هذا الاهتمام في المشاركة المصرية رفيعة المستوى، واللقاءات التي سيعقدها رئيس الجمهورية مع القادة العرب والأفارقة لدفع العلاقات الثنائية والتباحث حول مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك.

وأود أن أشير إلى أن القمة الثالثة التي ستستضيفها الكويت الشقيقة تكتسب أهمية إضافية في ضوء أنها تنعقد تحت شعار «شركاء في التنمية والاستثمار»، وستولي جانبا كبيرا من اهتمامها لتفعيل مقررات التعاون الاقتصادي والتنموي بين الدول العربية والأفريقية، كما سيسبقها عقد منتدى اقتصادي بمشاركة رجال الأعمال والخبراء من الجانبين، وهو ما يستهدف تأكيد أهمية العلاقات الاقتصادية في تعزيز الروابط بين الشعوب وتحقيق تطلعاتها إلى التنمية.