أحمد المسلماني لـ «الشرق الأوسط»: أتوقع خوض «الإخوان» الانتخابات قوائم أو أفرادا

مستشار الرئيس المصري أوضح أن تطلع الناس إلى السيسي رئيسا طبيعي لأنهم يبحثون في الأوقات الاستثنائية عن «صفات قائد»

TT

ارتبط أحمد المسلماني، المستشار الإعلامي للرئيس المصري المؤقت عدلي منصور، بالمطبخ الرئاسي منذ بداية تشكيلة الحكم الانتقالي بعد 30 يونيو (حزيران)، وما تبعها من عزل الرئيس السابق محمد مرسي. ولعب أدوارا مهمة في المطبخ الصغير في قصر الاتحادية، الذي يشبه حكومة حرب في مرحلة لم تنته بعد، وكانت أزماتها - خاصة في الشهور الأولى - يومية، وتحتاج إلى قرارات صعبة، بعد أن رفضت جماعة الإخوان المسلمين الإقرار بأنها فقدت فرصتها في الحكم بعد المظاهرات التي خرجت في 30 يونيو (حزيران).

ومارس المسلماني، خريج الاقتصاد والعلوم السياسية في عام 1992، والذي اشتهر سابقا ببرنامج تلفزيوني حواري كان له تأثيره الجماهيري قبل 25 يناير (كانون الثاني) 2011، أدوارا سياسية بتكليف من الرئيس المنصور، كان أولها الحوار مع الإخوان المسلمين قبل فض اعتصامي ميداني رابعة العدوية ونهضة مصر، في محاولة لإقناعهم بالاشتراك في الحكم الانتقالي، قبل أن ينقطع الحوار ويصل إلى طريق مسدود.

ويبدي المسلماني تفاؤلا بالمستقبل بعد إنجاز الاستفتاء على الدستور، والذي ستظهر نتيجته الرسمية اليوم، وسط توقعات بنسبة قبول تتجاوز التسعين في المائة، ومشاركة تفوق بكثير الاستفتاء السابق على دستور 2012 الذي كان سبب أساسيا في الغضبة الشعبية على حكم «الإخوان».

ويرى المسلماني في حوار أجرته معه «الشرق الأوسط» في القاهرة أن الأسوأ أصبح من الماضي، وأن إقبال المواطنين على الاستفتاء نجاح كبير. وأكد أن المائة يوم المقبلة هي «مائة يوم حاسمة» في ما يتعلق بخريطة المرشحين للرئاسة، وأيضا خريطة الأحزاب التي تدفع بمرشحيها للانتخابات البرلمانية، معربا عن أمله في أن تأتي القيادة الجديدة قوية.

وعن ترشح الفريق أول عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع، للرئاسة، قال المسلماني «أعتقد أن هناك فرصة كبيرة، وهذا منطقي، لأن الدول في أوقات الأزمات أو الصعود الكبير تحتاج إلى مواصفات قائد أكثر من مواصفات رئيس»، على غرار نموذجي شارل ديغول في فرنسا وأيزنهاور في الولايات المتحدة.

وإلى نص الحوار..

* كيف ترى التصويت على الدستور ونسب المشاركة، والمقارنة مع الاستفتاءات السابقة؟

- الاستفتاء على الدستور الجديد بدأ بخبر سيئ وآخر جيد. السيئ هو الحادث الإرهابي أمام إحدى محاكم الجيزة في منطقة إمبابة، ووقع مبكرا في نحو الساعة السابعة، وقامت به جماعة الإخوان كضربة استباقية تهدف إلى محاولة تحجيم القبول على الاستفتاء. ورغم معرفة المواطنين بالحادث، فإنهم لم يعطوه أهمية، وتوجهوا إلى صناديق الاقتراع، وبكثافة عالية، وهذا أعده نجاحا كبيرا جدا. والخبر الجيد هو وصول مؤشر البورصة إلى أعلى مستوى له منذ عام 2010 مع فتح لجان الاستفتاء، وبالتالي فالخبر الجيد يعطي أملا للمستقبل، وتجاوز الخبر السيئ يعطي النتيجة نفسها.

وفي الاستفتاء الذي جرى، رفعت درجة التجريم من جنحة إلى جناية لمن يحاول التصويت مرتين، وهذا لم يحدث سابقا في تاريخ مصر. كما كان هناك مراقبون في كل مكان. فربما تكون هذه التجربة هي الأولى للقياس عليها إلى حد كبير، وفي المجمل فإن الغرب سينظر إلى نسبة المشاركة لأن له مصلحة في التشكيك، ونحن ننظر إلى نسب التأييد.

* عندما نتحدث عن الاستفتاء، هل ترى أن المصريين عندما خرجوا للتصويت في الاستفتاء، وسط المؤشرات بأنهم قالوا نعم، كان ذلك أملا في المستقبل والرغبة في الخروج من حالة الارتباك التي كانت السمة العامة بعد 25 يناير 2011؟.. وما هي رؤيتك للمرحلة المقبلة، وهل ستكون صعبة أيضا مثل ما قبل الاستفتاء؟

- أنا متفائل بالنسبة للمستقبل القريب والبسيط والبعيد، وأرى أن الأسوأ أصبح من الماضي، وفي نهاية المطاف سنكون إلى الأفضل. والخطوة المقبلة إما انتخابات رئاسية أو برلمانية، وسوف يحدد الرئيس ذلك، وتحدثت معه حديثا في هذا الأمر، وهو لم يقرر بشكل نهائي أيهما أولا. وهناك اتجاه بأن تكون الرئاسية أولا، وهذه رغبة حزب الوفد وحزب الجبهة والتيار الشعبي وقوى سياسية أخرى، وهناك من يرى إبقاء الخارطة كما هي، وهذه رؤية التحالف الشعبي وبعض الأحزاب اليسارية وحزب النور والقوى السياسية الأخرى.. أي الأمرين سيقرر الرئيس؟ هذا سيتضح خلال أيام. وأيا كان الأمر، أرى أن الإقبال على الاستفتاء مبشر جدا.

كما أرى أنه في مصر تاريخيا، وربما في العالم كله، هناك درجة شخصنة في السياسة لدى الناس، والذي يرى في السياسة أنها ليست فيها شخصنة هو في الواقع غير موضوعي، وإلا لما ركزت الانتخابات الأميركية على نجمين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وهي كلها صناعة سينمائية بحتة.

وفي مصر، كانوا يقولون في الماضي نريد أن ننتخب سعد زغلول أو (مصطفى) النحاس أو جمال عبد الناصر، وهذا يعني أن الأسماء كانت حاضرة دائما. والعائلات السياسية في النظم الديمقراطية العريقة، مثل عائلة كيندي، وعائلة بوش - والآن هناك تفكير في بوش الثالث - وهناك عائلات نهرو وغاندي في الهند، أو عائلات نواز شريف وبي نظير (بوتو) في باكستان.. وبالتالي فالعائلة السياسية والشخصنة موجودة.

والناس اليوم في مصر ربما ينظرون إلى شخص الفريق السيسي من هذا المنظور، فهم يرون أن هناك ثورة ورمزا لها هو الفريق السيسي، وبالتالي ربما هذا يحمسهم أكثر بأن يكون لديهم خيار واضح بشأن المستقبل. وتحدثت مع الفريق السيسي منذ أيام، وحسبما فهمت منه فهو لم يحسم أمره بعد، وقد يترشح أو لا يترشح للرئاسة. وإذا ترشح الفريق السيسي للرئاسة فاعتقد أن فرصه ستكون كبيرة، لأن الاتجاه كبير ناحية الفريق السيسي، وهذا منطقي لأن البلاد في أوقات الأزمات أو الصعود الكبير أو الهبوط الكبير تتطلع إلى مواصفات «قائد» أكثر من مواصفات «رئيس». وهذا نموذج شارل ديغول في فرنسا وأيزنهاور في أميركا، والكثيرون يتطلعون إلى الفريق السيسي رئيسا، إذا ترشح وفاز.

والبعض يقول إنه يواجه تحديات خارجية، والبعض يقول إن هذه التحديات ستقل، وأنا في تقديري أن التحديات قائمة وهو في منصب الرئيس، وقائمة وهو في منصب وزير الدفاع، وقائمة وهو خارج السلطة؛ لأنها تحديات تخص الدولة المصرية وليس فقط شخص الفريق السيسي. وميزة أن تكون السلطة لها شعبية ولها تأييد حقيقي أنها تقوي المناعة السياسية للدولة المصرية في مواجهة الخارج والداخل أو الأعوان المحليين للخارج. فكرة الزعيم والقائد المنتخب ديمقراطيا - وهو أكبر من أن يكون رئيسا بطريق الصناديق - والذي عنده ما يسمى في علم السياسة «الكاريزما»، تعطي قوة كبيرة جدا للشعب أن يؤازره، خاصة في مرحلة تقشف محتملة، فمن سيتحمل مرحلة التقشف.. وسيتحمل فاتورة تنمية حقيقية؟.. كل هذا يحتاج إلى أن يكون الشعب مؤمنا بالقيادة لكي يتحمل القادم.

وما فعلته جماعة الإخوان هو عكس ما كان ينبغي أن يحدث.. فإدارتهم لم تكن علمية أو أمينة على البلاد، وكل ما كان يهمهم الأصوات. وإذا كان الرئيس القادم كل ما يهمه هو التصفيق والأصوات فإن التصفيق سيغرق هذا الوطن، واستجداء الأصوات سيغرق الوطن أيضا. وأتمنى أن تكون لدينا قيادة لا تلتفت للتصفيق ولا للأصوات، وربما لا تلتفت أصلا للنجاح مرة ثانية، وأن يأتي كـ«جراح»، بمعنى أن يكون أمينا في إجراء ما يلزم لهذا الوطن. أما إذا نظر مثل الرئيس السابق محمد مرسي إلى مغازلة كل الأشخاص، بمن فيها كما قال مرة «الحفاظ على سلامة المخطوفين والخاطفين»؛ إذا وصلنا إلى تملق حتى المجرمين والإرهابيين والذين يخالفون القانون في الشوارع والطرقات والمباني.. فإن التملق سيقتل المستقبل، واستجداء وعبادة الصناديق كلها أمور تقتل المستقبل، وأتمنى أن تكون هناك قيادة أقوى من الصناديق.

* في تقديرك، متى سيتخذ الرئيس منصور قرارا بأي الاستحقاقات يسبق الآخر (الانتخابات الرئاسية والبرلمانية)، وكيف ستكون مسألة المرشحين للرئاسة؟

- أظن سوف يحسم أمر أيهما أولا قريبا، بعد إعلان نتيجة الاستفتاء، لأنه لا يوجد وقت كثير، فكل هذا ينبغي أن يطبق في ظرف خمسة أشهر تقريبا، أي 150 يوما، ليكون لدينا رئيس وبرلمان. وانتخابات البرلمان والرئاسة، أيا كان الترتيب، في كل الأحوال نتحدث عن أن الفارق بينهما سيكون شهرين وبضعة أيام.. عموما المائة يوم المقبلة هي المائة يوم الحاسمة، في ما يتعلق بخريطة المرشحين للرئاسة وأيضا خريطة الأحزاب التي ستدفع بمرشحيها للانتخابات البرلمانية، وبالتالي دخلنا بالفعل معركة المائة يوم الحاسمة بالنسبة للانتخابات الرئاسية والبرلمانية.

* هل يمكن القول إن المؤشرات يمكن أن تظهر خلال أسبوع؟

- ليست لدي معلومات حول التوقيت الذي سيعلن فيه الرئيس، وإذا قال الرئيس إن الانتخابات الرئاسية أولا فهذا معناه أنه في غضون عشرة أيام، أو أسبوعين على الأكثر، يكون الفريق السيسي قد حسم موقفه. وإذا كانت الانتخابات البرلمانية أولا سيكون أمامنا ثلاثة أشهر للفريق السيسي لكي يحسم موقفه.

* ما هي اعتبارات الرئيس في اتخاذ القرار؟

- الرئيس لديه طلبات من هذا الاتجاه، وطلبات من الاتجاه الآخر. وعندما جلس الرئيس أربع جلسات مع القوى المختلفة، كان أغلب الاتجاه للانتخابات الرئاسية أولا. لكن هذه اللقاءات كانت استرشادية، لأنه جرى اختيار الشخصيات بطريقة منتقاة وليست لهم أسس تمثيلية، وبالتالي رأيهم غير ملزم للرئيس، إنما اتضح أن القوى السياسية التي كانت موجودة من مثقفين ومبدعين وأدباء وشباب وعمال وفلاحين وقادة أحزاب سياسية من كل الاتجاهات، كان المزاج العام لديها يميل للرئاسة أولا.

* هناك من يرى أن الوضع المثالي أن تكون البرلمانية أولا وبعدها الرئاسية..

- هذا له منطق والآخر له منطق. المطالبة بالرئيس أولا تقوم على أن الرئيس هو رأس الدولة، وبالتالي يؤدي ذلك إلى وضوح في شكل الدولة المصرية وتراتبيتها في الداخل بالنسبة إلى الخارج. أيضا هناك حجة قوية جدا بأن «ثورة 30 يونيو» قامت على بند أساسي محدد جدا، هو انتخابات مبكرة.. وبالتالي حين تقدم الانتخابات الرئاسية فأنت تستجيب لمطالب ثورة يونيو. والأمر الثالث أن الإحساس الداخلي بشأن الاستثمار والاقتصاد والسياحة والأمن يتعلق بالرئيس أكثر من البرلمان، وأنه حدث في السابق أن كان هناك برلمان قبل الرئيس ولم يؤد (ذلك الوضع) إلى استقرار.

العيب الذي يوجه هو أنه سيكون هناك فراغ تشريعي، يمكن الرئيس القادم أن تكون عنده سلطة تشريعية أثناء الفترة ما بين تسلمه لمهامه إلى حين تسلم البرلمان لمهامه. وهذه الفترة قد تصل إلى أكثر من شهرين، لكنها حجة ليست وجيهة جدا، لا سيما أن الرئيس عدلي منصور كانت معه منذ ثورة 30 يونيو السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية ولم يجر استغلال السلطة التشريعية على نحو غير سليم، ولم يطعن أو يتخوف أحد، فلا مبرر للخوف من وجود السلطة التشريعية مع الرئيس المقبل لمدة شهرين.

وكثيرون الآن يريدون الانتخابات الرئاسية أولا، لكن القرار النهائي لدى الرئيس، وهو ربما لا يشرح لماذا اتخذ هذا القرار بالمعنى التفصيلي، لكنه مؤتمن على اتخاذ القرار الأنسب للأمن القومي المصري والمصلحة العامة.

* جزء مما يقال عن مقدمات اختطاف «الإخوان» لما بعد 25 يناير هو ارتباك القوى السياسية والشباب، وأن القوة الوحيدة التي كانت جاهزة هي «الإخوان»، ولهذا حدث ما حدث. هل ترى القوى المدنية الأخرى قادرة على خوض الانتخابات وتنظيم نفسها خلال المرحلة الراهنة بما يؤهلها لكسب صناديق الاقتراع، أم يمكن أن يتكرر الوضع نفسه مرة أخرى؟

- هذا سؤال مركب، أولا أعتقد أن الأحزاب السياسية ليست بالقوة المطلوبة، وهذا هو ما دفع البعض للدعوة لإجراء الانتخابات بالقائمة الفردية حتى تقوى الأحزاب السياسية. الأحزاب تقول إنها تريد القائمة حتى تقوى. والنقطة التالية في الموضوع أن جماعة الإخوان وجودهم تراجع بشكل كبير جدا في الشارع، وحتى لو أن التيار المدني ليس بالقوة الكافية تنظيميا، فإن الفكرة المدنية أصبح لديها القوة الكافية، وبالتالي الذي سينجح الفكرة وليس التنظيم.. سيصوت المصريون للفكرة المدنية وضد الفكرة المقابلة، أكثر مما سيصوتون لقوة هذه التنظيمات.

والنقطة الأخرى هي إلى أي مدى سيكون لجماعة الإخوان ظهور في الانتخابات المقبلة. وفي تقديري هم سيدخلون هذه الانتخابات؛ لكن دخولهم قد يكون مع حزب معروف، والبعض يتحدث عن دخولهم مع أحزاب صغيرة، وقد يشارك الصف الرابع وليس الخامس منهم، أو يدخلون بأشخاص غير معروفين مع بعض الأحزاب بصورة فردية.

لكن تقديري كباحث في العلوم السياسية أن «الإخوان» سوف يخوضون الانتخابات القادمة في حالة القوائم أو الفردي ويتحالفون مع بعض الأحزاب الرسمية الموجودة في البلاد، وربما تتمكن المؤسسات السياسية من معرفة ذلك أو لا، لكنهم سوف يشاركون. وإذا ظهرت كتلة قوية فسوف يعلنون عن ذلك باسم جديد، لأن القانون يجرم الجماعة. إنما لو حدثت خسارة فادحة لهم فهم لن يعلنوا عن ذلك، لكنهم سوف يحاولون أن يكون هناك تمثيل لفكر الجماعة داخل مجلس الشعب.

* هل هناك فرصة سياسية للتسوية مع «الإخوان» لتخفيف الاحتقان؟

- بعد قانون الإرهاب (عد الجماعة تنظيما إرهابيا) لم يعد ممكنا أي تسوية مع هذا المصطلح «جماعة الإخوان المسلمين»، لأن هذه الجماعة بحكم القانون هي جماعة إرهابية، وبالتالي أصبح التفاوض السياسي وما إلى ذلك مستحيلا من الناحية القانونية والسياسية.

وأنا شهدت قصة هذه المفاوضات منذ البداية، وكنت أحد الذين يتفاوضون مع الإخوان بعد 30 يونيو مباشرة، وكانت الرئاسة مطلعة على حديثي معهم. هم قبلوا الدخول في الحكومة، وكنا نتحدث عن حجم تمثيل الوزراء الإخوان في حكومة 30 يونيو، قبل أن يجري تكليف الدكتور حازم الببلاوي، وأثناء تكليفه كانت هناك مفاوضات.

إنما منذ أحداث الحرس الجمهوري، وحتى حادث المنصورة (تفجير مبنى الأمن) وما بعد ذلك، هذه كانت محطات فيصلية في مسار الجماعة، أدت في النهاية إلى أنه لم تكن هناك أي آفاق للحوار، وبعد حادث المنصورة وإعلان الجماعة «جماعة إرهابية» لم يعد ذلك ممكنا قانونيا. إنما أتمنى أن يحدث تطور بأن يكون مكتب إرشاد الإخوان في 2013 مثلما حدث مع (رئيس الوزراء التركي السابق نجم الدين) أربكان في تركيا، الذي خرج من التاريخ فيه، وجاء بعده (رئيس الوزراء التركي الحالي رجب طيب) أردوغان.. وأقصد أردوغان السابق وليس الحالي بمواقفه. هذا سيحدث إذا نجح بعض أفراد الجماعة في أن يسقطوا هذا الاسم ويخرجوا باسم جديد؛ لأنه اسم أصبح التعاون معه صعب جدا. والمسألة ليست الاسم فقط، فيجب أن يعكس الاسم الجديد تسامحا واعتدالا ووسطية، مثلما كانت جماعة الإخوان في السابق، وأن تجري إهالة الثرى على التيار المتطرف الذي أدخلها في هذا النفق المظلم. إذا نجحت الجماعة في الانقلاب على نفسها، والانقلاب على الذين أغرقوها في هذه الصدامات، فيمكن أن يكون هناك تطور في المستقبل. فصيغة الإسلام الحضاري والإسلام السياسي المعتدل هي الصيغة الأنسب لأن تكون شريكة في الحوار مع السلطة القادمة في البلاد، إنما لم يعد ممكنا بحكم القانون إجراء أي حوارات معهم (بصورتهم القائمة).

* هل تشعر بأن هناك تيارا قادرا وسط جماعة الإخوان على عمل مثل هذه الصيغة؟

- في اللحظة الحالية يوجد أفراد كثيرون فيهم أمل أن يسقطوا الصورة التاريخية للجماعة، وأن يشكلوا تيارا إسلاميا معتدلا جديدا، ويكون جزءا من حياة الديمقراطية.. ولا يمد يده لتنظيم القاعدة، وإنما يمد يده للتيار المدني.. لكن هؤلاء الأفراد الكثر ليسوا بالقوة الكافية لعمل ذلك خلال عام 2014، وأن يقوموا بذلك أو يسقطوا الجزء العلوي للجماعة، إنما ذلك وارد مع الوقت، وهذه حركة التاريخ الطبيعية، لا أعتقد أن الجماعة ستستمر بصيغتها القديمة، وأعتقد أنه قريبا جدا سوف ندخل إلى مرحلة ما بعد الإخوان.

* هل تعتزم زيارة حلايب وشلاتين الأسبوع المقبل، وما هي الأسباب؟

- بداية، منصبي مستحدث في الرئاسة المصرية وغير مسبوق، وربما هذا أثار لغطا في البداية حيث إنني قمت بدور ليس دوري، وواجهت هجوما في هذا الإطار. والنقطة الأولى في ذلك، قبل أن أجيب عن زيارتي لحلايب وشلاتين، أن هذا المنصب غير مسبوق، بمعنى أن المنصب في عهد الملك فاروق كان يسمى السكرتير الصحافي لجلالة الملك، وكان وقتها الأستاذ كريم ثابت، وفي عهد الرؤساء جمال عبد الناصر وأنور السادات وحسني مبارك كان هناك السكرتير الصحافي لرئيس الجمهورية، وآخر من تولى هذا المنصب هو الأستاذ محمد عبد المنعم. ومن بعده لم يعد هذا المنصب قائما، واستبدل باسم المستشار الإعلامي للرئيس، وليس السكرتير الإعلامي لرئاسة الجمهورية، ومن ثم لم توجد مهام سابقة لهذا المنصب يقاس عليها حتى يقال إنني أتعدى على ملفات أخرى.

* قمت بمهام سياسية بتكليف من الرئيس في مهام كثيرة جدا؟

- صحيح قمت بمهام كثيرة جدا، لماذا؟ لأننا نتعامل على أنه منصب مستحدث ولا توجد مرجعية له حتى يقاس عليها، والأمر الثاني يتعلق بإدارة الرئيس عدلي منصور، وهو أنني أعمل مع زملائي المستشارين كفريق واحد؛ والرئيس هو الذي يقرر من يفعل ماذا. وبناء على ذلك قمت ببعض المهام الأساسية خلال فترة وجودي بالاتحادية (القصر الرئاسي)، وكانت المهمة الأولى هي الحوار مع جماعة الإخوان، ثم انقطع الحوار، وكانت المهمة الثانية جولة القوى السياسية التي قمت بها مع القوى السياسية والحزبية والشخصيات السياسية الأبرز في البلاد، فالتقيت مع عمرو موسى وحمدين صباحي كل على حدة. والمهمة الثالثة قمت بزيارة للملكة للعربية السعودية، وكانت أول زيارة لمسؤول مصري في النظام الجديد. ثم مهام أخرى داخلية، كانت آخرها زيارة الدكتور مجدي يعقوب في مركزه لجراحة القلب بأسوان. ومن ضمن تلك المهام هناك زيارة لحلايب وشلاتين، تأتي بناء على رغبة السكان في حلايب وشلاتين وزعماء القبائل ورموز العائلات والقوى الشبابية.

وسبق أن التقت مجموعات من حلايب وشلاتين بالرئيس في الاتحادية، وطلبوا منه زيارتهم، وبناء عليه أوفدني الرئيس لهذه المهمة. وهناك مطالب للسكان، بعضها قديم وبعضها حديث، وتسعى الحكومة لتلبيتها، وبعضها ربما يكون في المستقبل. ولهذا سوف ألتقي معهم وأستمع إلى مطالبهم، وسوف أرفع تقريرا إلى الرئيس للتعرف على مطالب منطقة حلايب وشلاتين.

* بالنسبة للعلاقات العربية هناك دول تقف مع مصر مثل السعودية والإمارات والكويت العلاقات معها قوية، وبعض الأطراف العربية الأخرى هناك حالة احتقان معها مثل قطر، وفي أحيان تونس، هل هناك أي محاولة لحل هذه المشاكل؟

- شكل الخريطة العربية حاليا فيه «3+1»، فالمملكة العربية السعودية على رأسها، ودولة الإمارات ودولة الكويت مع مصر، والدعم العظيم الذي قدمته المملكة وخادم الحرمين الشريفين ووزير الخارجية الأمير سعود الفيصل والأدوار السعودية في الحقيقة كان بالنسبة لنا أساسيا في دعم الدولة المصرية بعد 30 يونيو. وكذلك الدعم الإماراتي كان أساسيا أيضا، وكذلك الدعم الكويتي.

وهذا يشكل مربعا جديدا - مع مصر - لشكل العلاقة إذا جاز التوصيف، وما بين هذا المربع وقطر توجد مسافات متفاوتة، والعلاقة مع تونس تذهب وتعود، والعلاقات مع ليبيا قوية رغم وجود بعض التيارات الإسلامية الموالية للإخوان وتأثيرها ليس كبيرا وتحاول التأثير. لكن العلاقة مع الدولة الليبية الآن نحاول أن تكون أكثر قوة في المستقبل. أما العلاقة مع الجزائر فهي قوية جدا، ووزير الخارجية قام بزيارة الجزائر أخيرا. وكذلك العلاقة مع المغرب، ومع باقي الدول العربية العلاقة طبيعية.

ونحن تمنينا أن تكون قطر جزءا من الصف الخليجي أولا، ومن الصف العربي ثانيا، ومن الصف الإسلامي ثالثا. واندهشت لأن قطر أول دولة أصدرت بيانا يشيد بـ30 يونيو، وأول دولة - وربما تكون الوحيدة - التي أشادت في بيان رسمي للخارجية القطرية بالقوات المسلحة المصرية وبالفريق السيسي تحديدا. كما تلقينا اتصالات من قطر في الأيام الأولى لثورة يونيو، من الشيخ تميم، واتصالات من قطريين آخرين في الحكومة القطرية، وتصورنا أن هذا سيكون بداية مرحلة جديدة.. لكن للأسف الأمور لم تمض في هذا الإطار، وقطر أصبحت تدعم الثورة المضادة في مصر، وأصبح الأداء القطري موضع استياء شعبي قبل أن يكون رسميا. إنما نحن نحرص على إعطاء الفرصة لآخر مدى، والسيد الرئيس قال إن «صبرنا أوشك على النفاد تجاه قطر». وحتى اللحظة، مصر تعطي الفرصة تلو الأخرى، لكن كما قال الفريق السيسي فإن مصر «لن تنسى من وقف معها، ولن تنسى من وقف ضدها». وسوف يكون هناك في وقت ما موقف، وأنا آمل ألا نصل إلى نقطة اللاعودة، وآمل أن قطر - لا سيما بعد الاستحقاقات السياسية القادمة - ستكون عندها فرصة لأن تعود للصف الخليجي ثم إلى الصف العربي.

* وماذا عن تركيا؟

- في عهد مبارك لم تكن هناك أي أزمة مع أردوغان. وأنا لا أعرف كيف لأردوغان البراغماتي، الذي نجح نجاحا كبيرا في إدارة شؤون بلاده في معظم السنوات الأولى ثم كان عمليا وبراغماتيا إلى أبعد الحدود مع إدارة مبارك والإدارات اللاحقة.. لا أعرف ما الذي دفعه ليكون أيديولوجيا إلى هذا الحد.. وكيف لشخص يدرك مقام وقيمة الدولة المصرية أن يتعامل معها هكذا. لا أعرف كيف حدث تحول من سياسي كان يعمل لتنمية بلاده بقوة إلى أن يصبح الآن عبئا عليها، وأصبحت الحريات هناك في مأزق، وأصبحت المظاهرات مستمرة والإطار الأخلاقي للنظام كله محل خطر ومراجعة. وأخشى أن يكون سقوط أردوغان هو سقوطا شاملا، لكن أخطر شيء هو تحول زعيم لدولة مهمة ورئيسة في الشرق الأوسط إلى خصم للشعوب العربية قبل أن يكون خصما لبعض الأنظمة العربية.

* في الذاكرة المصرية، بماذا يُحتفل من الثورات، ولدينا 30 يونيو و25 يناير و23 يوليو (تموز) من قبل.. وكل الدول لديها عيد وطني تحتفل به؟

- رأيي الشخصي لا نحتفل بالثلاث، وإنما الاحتفال يكون باستقلال مصر عن بريطانيا في تاريخ 28 فبراير (شباط). وفي العالم كله يجري الاحتفال بعيد الاستقلال، وليس بتغيير الأنظمة السياسية. وحتى قبل ثورة يناير كان لدي اجتهاد بأنه لا ينبغي أن يكون 23 يوليو هو اليوم الوطني لمصر، مع أنني مؤمن بأن يوم 23 يوليو كان يوما عظيما في تاريخ مصر، وأؤيد ما جاء بعد ذلك.

* عندما نعود إلى أحداث 25 يناير 2011، وتطورات بعض الدول العربية ونتائجها، هل أصبحت هناك عملية إعادة تفكير في الربيع العربي؟

- تقديري مبدئيا أن وصف «الربيع العربي» غير علمي، وأقصد أنه وصف دعائي لأن كل نموذج يختلف عن الآخر، وكل تجربة مختلفة عن غيرها في الدول مرت بأحداث تغيير. إنما جرى التعميم الغربي لفكرة الربيع العربي استنادا لفكرة ربيع براغ (شرق أوروبا).

والأمر الثاني أن الغرب هلل للربيع العربي، ولا أعتقد أنه يريد تقدم العالم العربي، لكنه أراد تسويق شيء ما. ولا أعرف ماذا وراء هذه الدعاية الضخمة للربيع العربي، وإنما الفكر الغربي بدأ ينحصر في هذا الإطار ويروج لفكرة أخرى كارثية، وهي حرب الثلاثين عاما. والذي أقصده أننا أخطأنا حين قلنا الربيع العربي، وتعجلنا في الوصف طبقا لتعبيرهم، والآن يجري الترويج لفكرة حرب الـ30 عاما، على غرار ما حدث في أوروبا بين عامي 1618 و1648، والتي انتهت بصلح، وكانت حربا مذهبية بين البروتستانت والكاثوليك، ومات فيها سبعة ملايين من دولة مثل ألمانيا تعدادها 20 مليونا، وهي كارثة. وبالتالي هم يبشرون بأنه لا خلاص للعالم العربي في المدى القريب، وأن القادم حروب مذهبية بين سنة وشيعة، وحروب قبلية، وحرب داخلية في المنطقة. وأرى في ذلك إشارة سيئة عمدية، وأرى أنها لن تحدث لأنها مفرطة في السواد في ما يخص العالم العربي. وبالعودة إلى ثورة يناير، أرى أنها ثورة عظيمة ومجيدة، أبرز مظاهرها تنظيف الميادين، وكانت جمعة قندهار أو جمعة القرضاوي (التي تجمع فيها الإسلاميون في ميدان التحرير وخطب فيهم خلالها الشيخ يوسف القرضاوي) بداية للثورة المضادة المنظمة من الخارج.