رئيس مفوضية حقوق السجناء والمحتجزين في البحرين: نعمل على تحقيق مبدأي الرقابة والتطوير.. وعملنا مستقل تماما

نواف المعاودة قال في حوار مع («الشرق الأوسط») إن الحراك الحقوقي لدى بلاده فعال ومتجدد

نواف المعاودة
TT

وصف نواف المعاودة، رئيس مفوضية حقوق السجناء والمحتجزين التي أمر العاهل البحريني الملك حمد بن عيسى آل خليفة، بتشكيلها أمس، الحراك الحقوقي في مملكة البحرين بأنه حراك فعال ومتجدد، مشيرا إلى أن ذلك ارتبط ببنية الإصلاحات الدستورية والمؤسساتية التي شهدتها المملكة منذ أكثر من عقد.

وأضاف المعاودة أن «البحرين في هذا المجال تسعى لمواكبة أهم المعايير المتبعة في مجال حقوق الإنسان على المستوى الدولي».

وقال المعاودة، في حوار أجرته معه «الشرق الأوسط»، إن بلاده «كانت سباقة في التوقيع على كثير من المعايير والمواثيق الدولية مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان».

وبخصوص آليات عمل مفوضية حقوق السجناء والمحتجزين، قال المعاودة إنها «هي نفسها التي تضمن تحقيق الاستقلالية والحيادية لها، ويمكن اكتشاف ذلك بوضوح من خلال استعراض تلك الآليات التي نص عليها مرسوم إنشائها».

وأكد المعاودة أن المفوضية «تتولى تحديد أسلوب عملها باستقلال تام ودون التدخل من أي جهة، ولها تحديد الزمان الذي تراه مناسبا لزيارة النزلاء والموقوفين في أماكن احتجازهم سواء كانت الزيارة معلنة أو غير معلنة، والتحقق من الأوضاع القانونية لاحتجازهم والمعاملة التي يتلقونها».

* أعلنت مملكة البحرين إنشاء مفوضية مستقلة أطلق عليها «مفوضية حقوق السجناء والمحتجزين»، فما الدوافع التي تقف وراء إنشائها، وهل يرتبط ذلك بالحراك الحقوقي، على الصعيد الرسمي، الذي شهدته البحرين خلال السنوات القليلة الماضية؟

- إن الاهتمام بقضايا ومبادئ حقوق الإنسان في مملكة البحرين، شهد نقلة نوعية كبيرة، منذ تدشين المشروع الإصلاحي للملك حمد بن عيسى آل خليفة، بشكل أصبحت معه البحرين متقدمة في هذا المجال على الصعيد العربي والإقليمي، من خلال جملة من التشريعات والخطوات الإجرائية والمؤسساتية التي ترجمت هذا التوجه البحريني في صور متعددة ومتنوعة، وقد اكتسب هذا التوجه الرسمي زخما كبيرا خلال السنوات الثلاث الماضية بعدما عرف بأحداث 2011 وما تبعها من تشكيل اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق التي أصدرت تقريرا مفصلا شمل توصيات محددة صبت في اتجاه تعزيز حقوق الإنسان. وبالفعل، قامت مملكة البحرين بتنفيذ هذه التوصيات من خلال عدة محاور؛ أبرزها التعديل التشريعي والقانوني مثلما حدث في قانون العقوبات، وقانون الإجراءات الجنائية، وإصدار مدونة (قانون) سلوك رجال الشرطة. ومن ضمن هذه المحاور أيضا، إنشاء المؤسسات الضامنة لجملة من الحقوق والحريات؛ مثل: الأمانة العامة للتظلمات، ووحدة التحقيق الخاصة بالنيابة العامة، ومفوضية حقوق السجناء والمحتجزين، التي جاء إنشاؤها لتعزيز تنفيذ التوصية رقم (1722) من توصيات اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، حيث صدر مرسوم ملكي يحمل رقم 61، في الثاني من سبتمبر (أيلول) 2013، بإنشاء هذه المفوضية، ونص المرسوم على اختصاصها بمراقبة السجون ومراكز التوقيف ومراكز رعاية الأحداث والمحتجزين، وغيرها من الأماكن التي من الممكن أن يجري فيها احتجاز الأشخاص بالمستشفيات والمصحات النفسية، بهدف التحقق من أوضاع احتجاز النزلاء والمعاملة التي يتلقونها لضمان عدم تعرضهم للتعذيب أو المعاملة اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة، وتمارس المفوضية مهامها بحرية وحيادية وشفافية واستقلالية تامة.

* ما اختصاصات مفوضية حقوق السجناء والمحتجزين، وما الفلسفة العامة التي تعكسها؟

- لمفوضية حقوق السجناء والمحتجزين، اختصاصات محددة، وهي تمثل صلاحياتها في التعامل مع كل ما يتعلق بنزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل (السجون) ومراكز التوقيف، وغيرها من أماكن الإيداع والحبس الاحتياطي، وتنبع هذه الاختصاصات والصلاحيات من فلسفة عامة تقوم على مبدأي الرقابة والتطوير، فهي من جانب تمارس دورا رقابيا على المراكز والأماكن سالفة الذكر، ومن جانب أخرى، تمارس دورا في تطوير الظروف والبيئة التي يعيش فيها النزلاء والموقفون والمحتجزون وتقدم المقترحات العملية الهادفة إلى دعم مسألة إعادة التأهيل والدمج المجتمعي، باعتبار أن تلك المراكز والمقار ليست بهدف العقاب، إنما هي مؤسسات قانونية ووقائية تطبق أحكام القضاء، مع احترام حقوق النزيل أو الموقوف، الدستورية والقانونية بصفته إنسانا، وقد فصل مرسوم إنشاء المفوضية اختصاصاتها وحددها في خمسة اختصاصات وهي:

أولا: زيارة النزلاء في السجون ومراكز التوقيف ومراكز رعاية الأحداث والمحتجزين وغيرها من الأماكن التي من الممكن أن يجري فيها احتجاز الأشخاص كالمستشفيات والمصحات النفسية، والوقوف على أوضاع احتجازهم والمعاملة التي يتلقونها.

ثانيا: زيارة الأماكن التي يجري فيها حجز النزلاء المشار إليهم للتحقق من توافر المعايير الدولية بشأنها.

ثالثا: إجراء المقابلات والتحدث بحرية مع النزلاء في أماكن احتجازهم وغيرهم من الأشخاص المعنيين من أجل فهم طبيعة وأهمية مشاكلهم.

رابعا: إبلاغ الجهات المختصة بحالات التعذيب أو المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة التي قد تتكشف للمفوضية.

خامسا: تقديم التوصيات والاقتراحات المتعلقة بتحسين أوضاع النزلاء والمعاملة التي يتلقونها وذلك إلى الجهات المختصة.

* ما المعايير التي جرى الاستناد إليها عند إنشاء مفوضية حقوق السجناء والمحتجزين، وهل تلبي المعايير الدولية المتبعة في المؤسسات التي تتعامل مع السجناء والمحتجزين؟

- إن الحراك الحقوقي بمملكة البحرين حراك فعال ومتجدد، وارتبط ذلك ببنية الإصلاحات الدستورية والمؤسساتية التي شهدتها المملكة منذ أكثر من عقد من الزمان، ومملكة البحرين في هذا المجال تسعى لمواكبة أهم المعايير المتبعة في مجال حقوق الإنسان على المستوى الدولي، وكانت سباقة في التوقيع على كثير من المعايير والمواثيق الدولية؛ مثل: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وكذلك اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، كما أنها صدقت على الميثاق العربي لحقوق الإنسان، وغيرها من الاتفاقيات والمعاهدات ذات الصلة بمجالات حقوق الإنسان المتنوعة. أما على الصعيد العملي والمؤسسي، فقد ارتبطت مسألة الاستفادة بالخبرات والمعايير الدولية المتعلقة بالسجناء والمحتجزين بإنشاء المؤسسات ذات الصلة بهم، مثل المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، والأمانة العامة للتظلمات، ومفوضية حقوق السجناء والمحتجزين، التي استند إنشاؤها إلى عدة مرجعيات دستورية وقانونية ومعيارية، منها الأخذ بعين الاعتبار مبادئ البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب (OPCAT) الذي جرى اعتماده بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في جلسة 18 ديسمبر (كانون الثاني) 2002، وكذلك من خلال الاستفادة بخبرات مفتشية جلالة الملكة للسجون في بريطانيا، وجرى أيضا الاسترشاد برأي رئيس اللجنة الفرعية لمكافحة التعذيب التابعة للأمم المتحدة.

وبجانب ذلك، فإن تطوير عمل وآليات المفوضية من خلال تطوير المعايير التي تتبعها، هي مسألة واردة ومتوقعة بعد الممارسة العملية على أرض الواقع وما يتمخض عنها من ملاحظات وتوصيات تهدف إلى التطوير المستمر الذي يعد سمة أساسية من سمات أي مؤسسة ناجحة.

* ما الآليات التي تحدد طريقة عمل المفوضية، وهل تضمن لها ركائز ضرورية مثل الاستقلالية والحيادية؟

- آليات عمل مفوضية حقوق السجناء والمحتجزين هي نفسها التي تضمن تحقيق الاستقلالية والحيادية لها، ويمكن اكتشاف ذلك بوضوح من خلال استعراض تلك الآليات التي نص عليها مرسوم إنشائها، فعلى سبيل المثال: تتولى المفوضية بذاتها تحديد أسلوب عملها باستقلال تام ودون التدخل من أي جهة، ولها تحديد الزمان الذي تراه مناسبا لزيارة النزلاء والموقوفين في أماكن احتجازهم سواء كانت الزيارة معلنة أو غير معلنة، والتحقق من الأوضاع القانونية لاحتجازهم والمعاملة التي يتلقونها، وكذا التحقق من عدم تعرض النزلاء والموقوفين للتعذيب أو المعاملة اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة، وذلك وفقا للمعايير الدولية لحقوق الإنسان، ولا يجوز أن يتعرض الأشخاص الذين يدلون بمعلومات للمفوضية لأي نوع من العقاب بسبب تلك المعلومات.

كما يكون لها جهاز إداري معاون يتكون من عدد كاف من الموظفين، يجري تعيينهم بقرار من رئيس المفوضية، وهي من تضع لائحة داخلية لتنظيم أعمالها الفنية والإدارية والمالية، تصدر من رئيس المفوضية بناء على موافقة أغلبية أعضائها، كما تضع مدونة سلوك للأعضاء والعاملين في المفوضية تضمنها عدم تعارض المصالح.

كما أوجب مرسوم إنشائها على القائمين على السجون ومراكز التوقيف وغيرها من الأماكن تمكين المفوضية من مباشرة مهامها وإمدادها بالمعلومات التي تطلبها عن النزلاء والموقوفين.

* ما ضمانات تحقيق الشفافية فيما تقدمه المفوضية من مخرجات ونتائج لأعمالها وأنشطتها، لا سيما أن ذلك يرتبط أيضا بمسألة الاستقلالية والحيادية؟

- طالما وجدت الضمانات التي تكفل تحقيق الاستقلالية والحيادية في أعمال وأنشطة المفوضية، وجدت من ثم الآلية التي تحقق مبدأ الشفافية، فكلها عناصر مرتبطة بعضها ببعض، والآليات التي تكفل تحقيق مبدأ الشفافية آليات واضحة وصريحة بل وملزمة في بنية المفوضية، فهي ملزمة بوضع تقرير عقب كل زيارة تقوم بها للسجون ومراكز التوقيف، تضمنه التوصيات التي تراها بشأن أوضاع النزلاء والموقوفين والإجراءات الوقائية التي تحسن من أوضاعهم، وتعرض مسودة التقرير على الجهات المعنية للرد على ما جاء بها خلال فترة معقولة يجري الاتفاق عليها بين المفوضية والجهة المعنية.

كما أنها تضع تقريرا سنويا عن جهودها ونشاطها وسائر أعمالها، تضمنه ما تراه من اقتراحات وتوصيات في نطاق اختصاصاتها، وتحدد فيه الممارسات الجيدة التي تكشفت لها وأيضا ما قد يكون من مآخذ أو معوقات في الأداء وما جرى اعتماده من حلول لتفاديها، وتقدم المفوضية نسخة من تقريرها السنوي إلى مجلس الوزراء.

وألزمها مرسوم إنشائها كذلك أن تراعي في تقاريرها وتوصياتها، القواعد ذات الصلة الصادرة عن الأمم المتحدة في مجال منع التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة والقواعد الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وتنشر التقارير بالطريقة التي تراها.

* ما طبيعة العلاقة بين مفوضية حقوق السجناء والمحتجزين والأمانة العامة للتظلمات التي تمارس دورا مشابها فيما يتعلق بمراقبة السجون ومراكز التوقيف؟

- مفوضية حقوق السجناء والمحتجزين أصبحت رابع جهة لها الحق في مراقبة مراكز الإصلاح والتأهيل (السجون) وغيرها من مراكز التوقيف والحبس الاحتياطي، بعد القضاء، والنيابة العامة، والأمانة العامة للتظلمات. وبالتأكيد، فإن لكل جهة من الجهات المذكورة، صلاحياتها وسلطاتها في أداء هذا الدور تبعا لما رسمه لها القانون والمراسيم ذات الصلة، وفيما يخص العلاقة بين مفوضية حقوق السجناء والمحتجزين والأمانة العامة للتظلمات، فهي علاقة وظيفية تقوم على التعاون والتكامل بين الطرفين، سواء من حيث التشابه في اختصاص مراقبة مراكز الإصلاح والتوقيف، وهو الاختصاص المقر للأمانة العامة للتظلمات بموجب مرسوم ملكي، وهو مرسوم رقم 35 الذي صدر في مايو (أيار) 2013، أو من حيث إن من يترأس المفوضية هو نفسه من يتولى منصب الأمين العام للتظلمات، وكذلك فإنه يكون للمفوضية الاعتماد المالي الكافي الذي يدرج ضمن المخصصات المالية المقررة للأمانة العامة للتظلمات.

* هل تؤثر العلاقة بين مفوضية حقوق السجناء والمحتجزين والأمانة العامة للتظلمات، في التوجه العام للمفوضية وتجعله قريبا من توجهات الأمانة العامة؟

- الهدف الأساسي للجهتين وغيرهما من المؤسسات العاملة في مجال حقوق السجناء والمحتجزين هدف واحد، أي ضمان حقوقهم الأساسية المقرة لهم بموجب الدستور والقوانين، ولذلك فليس من المستغرب أن تتقارب هذه المؤسسات في توجهاتها العامة، أما آليات وأسلوب العمل ومخرجات الأنشطة فهي التي تختلف تبعا لطبيعة وشكل وصلاحيات كل مؤسسة، وبالنسبة للعلاقة الوظيفية بين المفوضية والأمانة العامة للتظلمات، فهي علاقة إدارية في المقام الأول، نبعت من كونهما تجسيدا لتنفيذ التوصية رقم 1722 من توصيات اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، أما الآليات التنفيذية لعمل المفوضية فهي نابعة من ذاتها من خلال ضمانات الاستقلالية والحيادية التي سبقت الإشارة إليها، وهو ما يتحقق أيضا من خلال النظر إلى كيفية اختيار أعضائها، فهي تتشكل من ثلاثة أعضاء يرشحهم الأمين العام للتظلمات، أربعة أعضاء ترشحهم المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، على أن يكون من بينهم من منظمات المجتمع المدني عضوان يرشحهما المجلس الأعلى للقضاء، وعضوان يرشحهما النائب العام، كما يجوز للأمين العام للتظلمات أن يرشح لعضوية المفوضية اثنين من الأطباء، أحدهما طبيب نفسي.