البرفسور الأميركي جيفري ساكس: سعادة الشعوب مقياس لنجاح حكومات المستقبل

رئيس مركز الأرض بجامعة كولومبينا قال إن مفهوم السعادة يمثل نظرة جديدة لرؤية الحكومات * معرض إكسبو الدولي 2020 في دبي سيمثل منصة مهمة لتسليط الضوء على مستويات السعادة والإنجازات الكبيرة في الإمارات * يجب إنهاء الصراع في سوريا والوصول إلى تسوية علمية

د. عادل الطريفي في حوار مع البرفسور جيفري ساكس
TT

وصف البرفسور الأميركي جيفري ساكس رئيس مركز الأرض بجامعة كولومبيا في الولايات المتحدة الأميركية، سعادة المجتمعات كمقياس رئيس لنجاح الحكومات في مختلف أنحاء العالم، حيث أصبح مؤشر تقدم الشعوب يقاس بناتج السعادة الإجمالي بدلاً من الناتج المحلي الإجمالي للدول.

وقال ساكس في الجلسة الحوارية والتفاعلية بعنوان "السعادة: مقياس نجاح الحكومات" ضمن فعاليات اليوم الثالث من "القمة الحكومية 2014"، والتي اختتمت مؤخراً، إن مفهوم السعادة يمثل نظرة جديدة لرؤية الحكومات وسعيها لدعم أفراد المجتمعات عبر توفير عوامل الرفاه المادي والمعنوي والأمان والاستقرار، مما يؤدي في النهاية إلى نشر شعور السعادة والرضا عن مجمل حياة الأفراد الاجتماعية والمهنية.

ويعد البرفسور جيفري ساكس خبيرا ورائدا في مجال دراسات التنمية ومكافحة الفقر، ولديه مؤلفات عديدة ودراسات عن التنمية، عن الأوضاع الاقتصادية في مختلف دول العالم، وخلال التسعينات كان له دور مهم جداً أثناء التحول الاقتصادي والسياسي الذي طغى على أوروبا الشرقية، وكانت له مساهمات كبيرة جداً في تقديم حلول لتلك البلدان بالانتقال من النمط الاقتصادي التي كانت عليه الى نمط اقتصادي أفضل، ومحاربة الفقر وبعض الظواهر السلبية في تلك البلدان.

* ما هي الخطة التي يمكن بها نشر السعادة في البلدان؟

- اذا ما كنا نتحدث عن المقاربة في الفلسفة، فعلينا الحديث عن فيلسوف، وان أهم فيلسوف في التاريخ بالنسبة لهذه المنطقة والعالم ربما هو ارسطو، لأن أرسطو بطبيعة الحال لعب دوراً جوهرياً في مساعدة البشرية على التفكير بالسعادة، على مدى 2500 عام، ولعب دوراً اساسياً في الفلسفة العربية الجميلة، وفي فلسفة الديانات الكبرى في العالم، كتب نصاً رائعاً أراه مليئاً بالإلهام، وألهم أجيالا من البشرية على مدى أكثر من 2000 سنة، وهو كتاب مليء بالأخلاقيات، وفي هذا الكتاب تحدث أرسطو عن الحياة التي ترمي الى إسعاد الناس، والسعادة هي ما تسعى إليه البشرية، ولكنه طرح سؤالاً هو: ما هو معنى السعادة، وهذا الكتاب في الواقع هو تنقيب عن فكرة السعادة. وفي العهد اليوناني أعطى أرسطو مفهوماً لمعنى السعادة، وهو "يومونيا" باللغة اليونانية، وهو عبارة عن موضوع شائك ومعقد، ولكنه لايزال مناسباً بالنسبة لنا رغم مرور 2000 سنة على إعلانه هذا المبدأ، ولأن النقطة الأساسية التي تطرق اليها ارسطو بالإضافة الى كبار الحكماء في عصره، هي ان السعادة ليست شيئا نقدمه للآخرين، والسعادة ليست فقط تلبية الاحتياجات او الرغبات او السعي للحصول على الوسائل المادية، وان السعادة هي نوع من المسعى للحياة، وان يكون الانسان سعيداً يعني السعي الى نوع ما من الحياة للأفراد وكذلك للمجتمعات، ومن ثمة فان شيئا يمكن للحكومات ان تقوم به بما يتعلق بنشر السعادة هو تشجيع الأفراد على السعي بسعادتهم، وتطالبهم ايضاً بنوع ما من الحياة ليس فقط من خلال تقديم الخدمات الى الجمهور، إذاً مفهوم السعادة الذي تطرق اليه أرسطو مهم في رأيي ويبدأ من مفهوم أرسطو والذي مفاده: البشرية، هي كائنات اجتماعية تعيش في مجتمعات، مسؤوليتنا ان نكون أعضاء جيدين في المجتمع، هذه مسؤولية الأفراد وهي ليست شيئا طبيعياً على الرغم من أنها جزء لا يتجزأ من طبيعتنا البشرية، إذاً، السعادة هي مسعى فردي وليست فقط انجازا لطموحات الفرد، السعادة تعني الفضيلة، وهذه الفكرة اعتقد انه تخلي عنها في اغلب مجتمعاتنا، وهي ايضاً مهمة للغاية يجب العودة إليها، ان يكون الانسان سعيداً يعني ان تكون لديه حياة مليئة بالفضيلة، وهذه ليست حياة سهلة يمكن للإنسان ان يعيشها لأنها تحتاج الى جهد وتحتاج الى السعي المستمر، والالتزام المتواصل، وهذه الفكرة الاساسية هي ليست فكرة ربما لا نجدها في العالم المعاصر، وفي الولايات المتحدة لا نطلب من الناس ان يكونوا فضلاء، نطلب منهم الحصول على المال ليس إلا، الحكومة ليس لديها احساس بمسؤوليتها، فيما يتعلق بالفضيلة نادراً ان يكون هناك قادة يطلبون من الجمهور ان يركزوا على الفضيلة، نتذكر العام الماضي في الذكرى الخمسين لاغتيال الرئيس الاميركي الأسبق جون كيندي، فهو من الرؤساء القلائل الذين ركزوا على الفضيلة، وقد قال: لا تسأل عما يقدمه لك بلدك، ولكن اسأل عما تستطيع ان تقدمه لبلدك. وهو من بين القادة القلائل من الرؤساء الذين يطلبون من جمهورهم التحرك، لأن الجمهور يغتنم الفرصة عندما يطلب منه تقديم الخدمة العامة، وهو لم يقل ان الحكومة ستبدل وستقدم كل شيء وتقدم جميع الخدمات، ولكن طلب من المواطنين ان يفكروا فيما يستطيعون أن يقدموا لبلدهم. أكد أرسطو ان الفضيلة ليست شيئا خلقيا، ولكنه شيء يجب إنجازه وهذه فكرة مهمة للغاية برأيي. الفضيلة يجب ان نتعلمها بالأمثلة الجيدة، يجب ان نتعلمها من خلال الممارسة، من خلال ممارسة التعاطف والرحمة وممارسة العمل الجيد، ويجب تعلمها من خلال التعلم، وهذه فكرة ليست منتشرة كثيراً، الحرية يجب ان تصل الى أقصاها، هذه الأيام افعل ما تريده، استغل حريتك الى أقصى حد، استغل رغباتك الى أقصى حد، ولكن هذه ليست الفضيلة ولن تفضي الى السعادة في نهاية المطاف، وأخيراً فإن أرسطو كان يدافع ويدعو الى مفهوم الوسطية، وقال لا يجب أن تنكر الرفاهية المادية، ولكن لا تبحث عنه كهدف نهائي وحيد لأن ذلك لا يؤدي الى الفضيلة، لا يجب ان نتخاذل، ولكن لا يجب ان تكون جباناً الى أقصى حد، يجب البحث عن الوسطية، والبحث ربما عن هذه الوسطية - هذا الطريق المعتدل - هو أمر مهم للغاية، خاصة في هذا العصر الذي فيه كل شيء متاح، وهذه الأفكار موجودة في الكثير من النظريات، هناك نظرية تساعد بشكل كبير في التفكير بالسعادة، مفادها إن البشر، نحن البشر، لدينا سلم من الاحتياجات، وفي قاعدة هذا السلم، احتياجات الفيزلوجيا، فالأشخاص لا يمكن ان يكونوا سعداء إذا كانوا جوعى، ولا يمكن ان يكونوا سعداء إذا كان أطفالهم يموتون بسبب أمراض يمكن تجنبها، هناك ملايين من الأشخاص في قاعدة هذا الهرم لا يجدون تلبية لاحتياجاتهم، أيضاً في مناطق الحروب وفي المناطق الغير مستقرة، وكذلك ايضاً بالنسبة للأمن للأفراد، وبينما نرتقي في جسم هذا الهرم فإن الاحتياجات تصبح أكثر روحانية، الحب والانتماء الى المجتمع وتقدير الذات، وفي هذه النظرية هناك ما يسمى بإثبات الذات، أو ان يستطيع الانسان ان يحل المشكلات، ولديه حرية السعي الى تحقيق أهدافه، إن نقطة البداية في خطة نشر السعادة بين المجتمعات تتمثل في تركيز الحكومات على سعادة الأطفال عبر توفير جميع المتطلبات الحالية والمستقبلية على جميع المستويات، نقدر سعي الإمارات على نشر السعادة، وتميزها بالتركيز على سعادة الأطفال عبر توفير جميع الشروط والمتطلبات اللازمة لذلك، وتتميز الدولة بدور ريادي في هذا المجال يمكن أن تستفيد منه بقية حكومات العالم، وأنوه الى ضرورة الاهتمام بسعادة الأطفال، حيث أنه إذا لم يبدأ الأطفال حياة سعيدة، يصعب إدراك هذا النقص في وقت لاحق، وبالتالي فان أهمية تلبية احتياجات الأطفال النفسية والجسمانية منذ الصغر سيساهم في تحقيق السعادة لهم، حيث أنهم يحتاجون إلى بيئة آمنة وغذاء مناسب وصحة وحب من الوالدين، والتحفيز لكي ينشأوا بطريقة سليمة، ان 25% من الأطفال في الولايات المتحدة ينشأون في مناطق فقيرة، حيث يعانون من خلل في التعليم وكذلك السلوك غير السوي بسبب تجاهل احتياجاتهم في السنوات الأولى من العمر، وأشير هنا الى ما حققته دبي والامارات بعد أن استضافت معرض إكسبو الدولي 2020، والذي سيمثل منصة مهمة لتسليط الضوء على مستويات السعادة والإنجازات الكبيرة التي حققتها الإمارات خلال الأيام الماضية والمقبلة، هناك طريقتان لقياس السعادة، الأولي هي "الدرجة الشعورية" وتعني وجود الرضا والابتسامة على وجه الإنسان، مما يؤدي إلى التفكير الجيد، في حين تتمثل الطريقة الثانية في "الدرجة الانعكاسية" المرتبطة بمفهوم أرسطو للسعادة، والذي يتلخص في ارتباط السعادة بالفضيلة والقيم السامية والتعاطف المجتمعي والالتزام المتواصل.

إن هناك أبعادا عديدة لقياس السعادة، منها تلبية الاحتياجات الأساسية ووجود الدعم الاجتماعي وصحة الأفراد الجسدية. عندما يشعر المواطنون بأن المجتمع الذي يعيشون فيه مجتمع كريم تنتشر فيه الفضيلة فهذا يمنحهم السعادة، إذا كان المجتمع ليس فيه خير ويسعى فقط للأهداف المادية فإن هذا المجتمع لا يشهد رخاء، وهذا من أهم الأمور الرائعة في الإسلام، ويجب على الحكومات الالتزام بمحددات السعادة، ومنها جودة الحوكمة والعدالة وشفافية الحياة السياسية ومبادئ الفضيلة، وأن السعادة هي هدف ينبغي أن نسعى إليه ويعتمد على صحة المجتمعات وأداء الحكومات، فالسعادة لا تقتصر على التقدم فحسب، ولكن تنجز من جانب الأفراد إذا ما التزموا بالفضيلة، لدينا جمعياً كمواطنين المشاركة في حل المشكلات، العالم مليء بالفرص الكثيرة، وأن نرى الكثير من الامور المتقدمة، وهذا ما لاحظناه في القمة في الأيام الماضية، ولكن ايضاً هناك الكثير من المشكلات، ولكن أحب ان أقول إن أزمة البيئة العالمية ستكون كبيرة في المستقبل، وستتفاقم في المستقبل، في جميع انحاء العالم، والمواطنون يتعين عليهم حل المشاكل الداخلية التي تتعلق بالتغير المناخي والمرتبطة بعدم استقرار الجو ونظام الطاقة، وأحد الأمور التي يجب أن تفعلها الحكومات، هو إشراك المواطنين، أراه أمراً رائعا وهو إشراك الطلاب كقائمين على حل المشكلات، ونحن نقوم على إعادة بناء مجتمع يعمل على حل المشكلات ويواجه الحاجات ويولد الفرص، وهذا هو دور المواطنين وليس دور الحكومات فقط لحل المشكلات، ولكن في تمكين المواطن على حل هذه المشكلات، وأحد الأمور التي أقوم بها مع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون هي المساعدة على خلق شبكة من المعارف، وان نجمع الجامعات والطلاب في جميع انحاء العالم معاً، في نوع من الشبكات غير الحقيقية حتى تكون هناك حياة فعالة، ونوع فعال من حل المشكلات، وأنا أؤمن أن الأمر لن يكون فقط مهما لتلبية التحديات في تغير النواحي المناخية، ولكن خلق السعادة والمسؤولية والمشاركة ومعنى الحياة والأغراض في الحياة أعتقد ان هذا المستوى روحي.

* ان احد المكونات او القضايا التي نواجهها هنا الدخل المادي، هل يمكننا قياس السعادة بالدخل؟ وعندما نقول الدخل، هل قيمة الناتج المحلي مهم للبلدان؟ هل الثروات او البلدان الثرية تعد أكثر سعادة من البلدان التي لا يوجد بها الكثير من الموارد؟

- بالطبع المال والمادة مهمة، ولكن ليست كل شيء، وأعتقد ان هذا التعيبر موجود منذ 2000 عام، وما وجدناه هو أن الفقر بالطبع يؤلم، والأشخاص الاثرياء لديهم نوع جيد من الحياة، ولكن عند مستوى معين، فان ذلك لا يقارن بجوانب أخرى في الحياة، وفي الولايات المتحدة كان لدي بعض التناقض، ولكن منذ الستينات كان الدخل كمتوسط ارتفاع ثلاث مرات وقياس الرفاه لم يتغير على الاطلاق منذ 60 عاما، وهذا بالطبع يعد قلقاً عند مرحلة ما. الولايات المتحدة ليست الاكثر سعادة في العالم على الرغم من وجود اكثر الثروات لديها، وهناك الكثير من الجهد الذي يسعى إليه الفرد نحو المادة، هذا لا يعد من المحددات للسعادة، وهناك سعي لاتجاه واحد، وبالطبع فان زيادة المكاسب من ناحية، يبعد المجتمعات عن أمور كثيرة، كأهمية مساعدة المجتمع وتشجيع رفاهية الأطفال وتعزيز السلوك المتعاطف، إذاً الدخل مهم لتلبية الحاجات الاساسية، فهو لا يهم الأغنياء، لكن يهم الاشخاص الذين هم بحاجة الى هذه المداخيل، كل المراحل والاشخاص الاذكياء الذين تحدثوا عبر التاريخ سواء ارسطو وغيره، كلهم تكلموا عن المسافة للنكران، ومع الطريقة الحديثة وما تظهره الإثباتات هو هل ان السعادة تكون من خلال الرضى بمستوى المداخيل؟ فان تجنبنا المكونات الأخرى سينتهي الأمر بأننا غير سعداء.

* ما هي الدروس التي يمكننا استنتاجها عن السعادة؟ وكيف تبلغ الحكومات مستوى لتأمين السعادة لشعوبها؟

- اولاً: كما تتخيل فأنا أعتقد ان الحكومات تلعب دوراً كبيراً وهائلاً وتقع على عاتقها مسؤولية كبيرة. ثانياً: يمكن للحكومات ان تحقق الكثير. ثالثاً: اظن ان نية الحكومات تهم كثيراً، وهي الحكومات التي تهدف الى إرساء الخير وتحقيق نتائج خيرة وهي مؤتمنة، ويمكن ان تحقق الكثير من التغيرات، لقد تعرضت لمواقف كثيرة، حيث تعرضت الدول لأزمات كبيرة وأزمات اقتصادية ومالية وأزمات سياسية كبيرة، ولقد عملت مع الدول على مساعدتها لتخطيها، أحياناً نجحنا وأحياناً لم ننجح، ولكن الأمر الأساسي الذي رأيته ثقة الجمهور والحكومة لتحقيق هذا النجاح، ولكن على الحكومة ان تربح هذه الثقة عبر الشفافية والوضوح، وعبر تسويق وتعزيز رؤية واضحة بشكل شفاف وواثق. قد لا يحب الجمهور ما تفعله الحكومة، ولكنهم يتفقون على ان الحكومة تعمل ما بوسعها لتحقيق هذه النتائج، وعندما تكون هذه الثقة موجودة يمكن للحكومة ان تحقق كل التغيرات حتى تلك التي تعد غير شائعة على المدى القصير، لأن الجمهور قال "إن وفقنا بالحكومة على ان تأخذنا بالاتجاه الصحيح فثمة الكثير من المال حيال هذه الثقة".

* رأيت ذلك في بولندا عندما انتهت الشيوعية وتعرضت بولند لأزمات كثيرة، وكانت بحاجة الى تغيرات كثيرة، وكان هناك الكثير من القلق، ولكن الناس وثقت بالحكومة واستطاعت ان تحقق الكثير، ناقشت مع بعض المسؤولين من الحكومات العربية مسائل كثيرة، أحدهم قال لي إن سألتني فان السعادة مثالية، بمعنى ان الحكومة لن تعي أبداً او تصل ابداً الى نقطة معينة، حيث يمكن ان تقول انها لن تؤمن السعادة لشعبها، وان الأزمات لن تنتهي الى الأبد، خاصة اذا علمنا اننا نعيش في منطقة تعد الأزمات أمرا طبيعيا. ما رأيك؟

- كما الجميع نحاول ان نعرف كيف يمكن تخفيض الأزمات في هذه المنطقة، هذه المنطقة مليئة بالتعاسة في الكثير من الأماكن بسبب الكثير من عدم الاستقرار، وأخشى انه ليست لدي إجابة سحرية لهذه المسألة كما الجميع، ولكن أشعر ان الكثير من الأماكن وفي أماكن الأزمات ربما العالم الخارجي يدعم نوعاً من التسوية والسلام بدلاً من دعم جهة مقارنة بالجهة الأخرى وبالتالي تزداد هذه النزاعات، ثمة الكثير من التدخلات في هذه الدول، ليست في مصلحتها الخاصة، ولكن هذه الاماكن تتم رؤيتها على انها نطاق من نزاع أكبر بكثير بين القوى العظمى، هذا خطير جداً، ولطالما كان الشرق الاوسط مكانا يتعرض للكثير من التدخلات الخارجية، ليست هناك من فرص لقيادة حقيقية داخلية، ولكن حان الوقت لإنهاء هذه النزاعات لكي تتمتع هذه المنطقة بازدهار الابتكارات والتقدم، ومن دون ان تكون هناك معادلة سحرية. آمل ان ننتقل الى مكان ما حيث نحل العنف والصراع السوري عبر إنهاء العنف بشكل سريع ونسمح بإنهاء هذا الأمر.

* بما يتعلق بالمسألة السورية، حيث أن الواضح ان الأمر لن ينتهي، خاصة من قبل الاشخاص الذين يحاربون من كلا الجهتين، كيف يمكن ان نحل هذه المسائل بدلاً من القوانين الدولية، كضغط الولايات المتحدة وغيرها من الدول على الطرفين؟

- هذه الموضوعات معقدة جداً خارج اطار معرفتي، ولكن أعتقد ان حل النزاع في سوريا هو ان نوقف تدفق الأسلحة القادمة من الخارج، لأن سوريا بلد جميل، انه احد مهود الحضارات، ويتم تدميره بشكل كبير بالأسلحة الفتاكة وعبر تغذية الداخل بالأسلحة، يجب ألا نغذي هذا النزاع بالأسلحة، يجب ان نغذي الناس والشعب، ومن ثم نحد من تدفق الأسلحة الى سوريا، وان الامر لن ينتهي لأنه ليس هناك من طرف في هذا النزاع سوف يصبح مسيطرا عسكرياً مقارنة بالآخرين، إن كانت كل الاطراف تعطي أسلحة وترسلها للداخل أوقفوا هذا الأمر، وأوقفوا القتال، وليتم الأمر عن طريق التسوية السياسية، لقد رأيت الكثير من التسويات السياسية خلال عملي في السنوات الماضية، عملت مع 130 دولة خلال فترة عملي، نحن لا نربح حرباً بأن نكون المنتصر الوحيد، سوف أعطي مثالاً: في العام 1989، كانت بولندا تحاول التخلص من سيطرة الاتحاد السوفيتي، وكانت بولندا تمر بمرحلة انتقالية من الشيوعية لكي تصبح دولة أوروبية عادية ودولة ديمقراطية عادية، وتطلب الأمر تسوية ما بين الكثير من القوى المختلفة، الرئيس في ذلك الوقت كان رئيساً خلال المرحلة الشيوعية، وكانت هناك حركة معارضة. وبدلاً من ان تقول المعارضة إننا سوف نسحق القوى الموجودة، اتفقا على ممارسة تسوية حتى لو دخلت المعارضة الحكومة، كان هناك ائتلاف للقوى، ولم تربح أية جهة بخلاف الجهة الأخرى، وخلال سنتين تخلى الرئيس عن الرئاسة، وكانت هناك مرحلة انتقالية مستمرة، وهذا برهن لي أننا لا نستطيع ان نربح عبارة كوننا المنتصرين الوحيدين، وانما نربح أن نرسي تسوية بين كل الاطراف وندع الوقت لكي يبرئ كل الجراح، ولا يجب ان نكون الرابحين الوحيدين. سوريا التي تدمر من قبل هذا النزاع من بين اكثر الاماكن جمالاً، حيث تعد مهد الحضارات منذ 7 آلاف سنة، أصبحت دماراً . وان قالت الولايات المتحدة الاميركية يجب ان يكون هذا الطرف هو الحكومة والطرف الآخر قال إن ذلك الطرف هو الحكومة فلن نصل الى تسوية أبداً، وإن استطاع السوريون ان ينفذوا تسوية فان على العالم ان يدعم هذه التسوية، ويتوقف عن إرسال الاسلحة، إذاً فلندع السلام يصل الى حل عملي.

* في السنوات الثلاث الماضية كانت هناك نقاشات حول الثورات العربية، ثمة الكثير من وجهات النظر، إحداها ان الاصلاح المتدرج والاصلاح الاقتصادي هل هو الطريقة الصحيحة لتحقيق سعادة المجتمع. أما النقاش الآخر فمبني على عملية التحول الراديكالية بأن تكون هناك ثورة ويكون هناك تهليل في الاعلام الغربي حول الربيع العربي وحول الوعود التي من الممكن ان يأتي بها، وبعد سنوات من الحروب والنزاعات وخسارة الحريات والازدهار الاقتصادي في بعض هذه الدول، فان دولاً سوف تصلح نظامها بشكل متدرج كالدول الأخرى، وسوف تكون هناك حريات داخلية، ما هو رأيك في هذا الموضوع؟

- اعتقد ان القضية معقدة، فعندما أشاهد البلدان التي أعجبتني كثيراً وأوليت لها اهتماما كثيرا مثل مصر، فان تلك الدول يوجد بها طرفان متحاربان أحدهما يعتقد ان الطريق الى الامام يتمثل في سحق الطرف الثاني، كان الأمر واضحاً وهو يتضح أكثر فأكثر في الأوقات الصعبة التي تمر بها مصر، وليس هناك حوار هادف بين الأطراف المتحاربة، لأن هناك رؤى مختلفة وليس هناك طرف واحد في المجتمع المصري، وهناك اختلافات دينية واجتماعية وفئوية وطبقية، وما فشلت فيه مصر حتى الآن هو إيجاد حوار، "وما يثير قلقي في الوقت الحالي هو ان مصر بلد عريق ويعود عمره الى 7 آلاف عام وهي بلد الحضارة القديمة، ورؤية مصر في هذه الحالة في ظل هذا الصراع مع وجود أطراف خارجية تدعم طرفا على حساب طرف آخر، فهذا لن يعطي النتيجة التي يرمي لها الشعب المصري".

* التقيت بالرئيس المصري السابق محمد مرسي، وبالرئيس الحالي عدلي منصور، من الأمور التي أثارت انتباهي في لقائي مع الرئيس عدلي منصور، أشار الى الدستور وقال: خلال عهد الاخوان المسلمين أعيدت صياغة الدستور بطريقة تحد من الحريات وطموح الشعب المصري، وقال لي ان الدستور المقترح الذي صيغ عدل هذا الجانب، هل الدستور يهم عندما يتعلق بالسعادة؟ هل يمكن ان تحقق السعادة من خلال هذا؟

- تعرف عندما يمر بلد بظروف سياسية، فالسؤال الذي يطرح هو إيجاد عملية يمكن ان تفضي الى إرساء الشريعة وإعطاء توجه واضح للبلد، وإذا ما نظرت الى تفاصيل التجربة المصرية منذ بداية ما يسمى بالربيع العربي وحتى اليوم، أود القول إن كل طرف يحاول الاستفادة قدر المستطاع من الناحية التكتيكية بدلاً من السعي الى ايجاد انفتاح يسمح الى جسر الهوة بين مختلف جوانب المجتمع، وكل طرف يرى استخدام تلك الآلية، وهذا يقلقني بصراحة، يقلقني أن أرى أنه إذا ما قامت الحكومة الحالية بقمع الحركات الأخرى وتعلن بعض الحركات غير شرعية، قد تفعل ذلك بحكم السلطة، لكن ذلك لن يفيد المجتمع، وأي مجموعة تمثل فئة من المجتمع تعتقد انها يمكن ان تسيطر على الوضع فان مصر ستظل بلادا غير مستقرة، هل اننا نحتاج الى مصر كبلد مستقر ونحتاج مصر ايضاً كقائد في العالم، إنني قلق بشأن فعل هذه المحاولات التكتيكية، الخروج الى الشارع وانتزاع السلطة وقمع الطرف الآخر، انتقال ذات اليمين وذات الشمال، نعتقد ان هذا مهم، وهو محفوف بالمخاطر، وأعتقد انه يجب التأكيد على الحوار والانفتاح والحلول الوسط ونصر طرف على الطرف الآخر.

* بما يتعلق بمؤشر الاستهلاك والتضخم فإننا لا نرى ان هذين عاملان في مقياس السعادة، ولكن نرى فقط الناتج المحلي وغير ذلك. في الواقع هذا ما يقاس به الثراء المادي، هل هناك علاقة ما بين قياس السعادة والتضخم؟

- هذا سؤال وجيه، إذا كنت تعيش في بلد يعاني من نسبة تضخم عالية فسيكون البلد غير سعيد، أما إذا كنت تعيش في بلد يرى أو يعاني تفجرا في التضخم فستجد ان هناك شعبا غير مفرط في السعادة. وقال احدهم "ليست هناك طريقة أكيدة لتغيير وضع مجتمع أكثر من خفض قيمة العملة، وبالتالي التضخم يؤدي الى الاضطرابات الاجتماعية، وهذا صحيح، لأني عشت في بلدان عانت من نسب مفرطة من التضخم، أغلب بلدان العالم نجحت في التحكم بنسب التضخم، ولكن إذا ما نظرت الى البلدان التي عانت التضخم فهذه البلدان تعاني من انعدام وجود السعادة ويطمئن أن ذلك سيكون في المستقبل.