علاوي: المالكي ترك إرثا متعبا.. وسياسته ولّدت مشكلات لم نتصورها في أسوأ أحلامنا

رئيس الوزراء الأسبق وصف في حديث لـ «الشرق الأوسط» هجوم رئيس الحكومة المنتهية ولايته على السعودية بـ«المأساوي»

TT

يبدو الدكتور إياد علاوي، أول رئيس وزراء في العراق بعد تغيير نظام صدام حسين، غير متفائل أو متشائما حيال تكليف حيدر العبادي عن التحالف الوطني بتشكيل الحكومة العراقية المقبلة، لكنه (علاوي) بالتأكيد تتلبسه الخشية على مصير العراق والعراقيين وعلى العملية السياسية التي «وصلت إلى طريق مسدود، وعلى وحدة البلد الذي سيقسم بالتأكيد إذا بقيت الأوضاع على ما هي عليه».

علاوي الذي حصل في الانتخابات الأخيرة على 250 ألف صوت، وهو زعيم ائتلاف الوطنية التي لها 21 مقعدا في البرلمان العراقي.. «رغم التهميش والاعتقالات والاغتيالات والاجتثاث التي راح ضحيتها عدد من مرشحينا وأنصارنا، ومنع ناخبينا من الوصول إلى مراكز الاقتراع»، تحدث لـ«الشرق الأوسط» التي التقته في عمان، وقد طرح عبر حديثه الكثير من الأسئلة التي تعبّر عن حرصه على مستقبل العراق «الذي يمر بظروف صعبة للغاية»، مشيرا إلى أن «ائتلافنا سيشارك في الحكومة إذا سارت وفق خارطة طريق لا تهمش أحدا ولا تعتمد النهج الطائفي». وفيما يلي نص الحوار:

* كيف ترون الأوضاع اليوم بعد رحيل رئيس الحكومة نوري المالكي؟

- المالكي ترك إرثا متعبا جدا للبلد، وهذه السنوات الثماني التي أمضاها في الحكم ولّدت مشكلات لم نكن نتوقعها حتى في أسوأ أحلامنا، بعد 12 عاما من رحيل نظام صدام تعبث «القاعدة»، والتي هي على شكل «داعش» بالعراق، و«داعش» وليدة «القاعدة». العراقيون المنتفضون في بغداد وبقية المحافظات بصورة دستورية منذ فبراير (شباط) 2011 توسعت مظاهراتهم لتكوّن حراكا جماهيريا واسعا لم يلتفت إليه وإلى مطالب الجماهير التي جزء كبير منها مشروعة، هذا التهميش ولّد شرخا طائفيا وألحق ضررا بشرائح مهمة من المجتمع العراقي وبالوحدة الوطنية وبالقوات المسلحة التي استخدمتها الحكومة بعد سنة ونصف السنة لمواجهة المعتصمين وولّدت معارك حتى اليوم، وقد سماهم المالكي «داعش»، وهم ليسوا بـ«داعش»، وإنما هم عبارة عن حراك شعبي يتألف من العشائر والقبائل وقوى مدنية أخرى رافضة للتهميش الطائفي والإقصاء السياسي. يضاف إلى هذا أن العراق أصبح بلدا معطلا ومنشقا ومنقسما يفتقر لمؤسسات الدولة، حتى القوات المسلحة التي كنا نعتقد أنها قادرة على حماية البلد من التحديات الأمنية لم تلتزم بذلك، والجيش العراقي البطل مجرب وقوي، لكنه فقد هويته للأسف ولم يعد يملك ما يقاتل من أجله، هذا ما تم تركه للشعب العراقي. أنا حاولت، عندما تسلم المالكي السلطة، وخصوصا عام 2010، أن أدعمه وأساعده حتى إنني لعبت دورا في زياراته الأولى لبعض الدول العربية، وخصوصا المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية، وعندما كنت أسافر للقاء قادة بعض الدول العربية والأوروبية أكتب له رسائل، كتبت له ثلاث رسائل، فيما إذا كان هناك موضوع يمكن بحثه أو أنقل آراءه للآخرين، لكنه لم يجب عن أي رسالة، ثم انقلب علينا وبدا متحاملا وخرب الجهد السياسي، إذ إننا شاركنا معه في الوزارة الأولى لدعمه، لكننا انسحبنا منها لاحقا، وبدلا من أن ينفتح علينا حاول إغراء الوزراء بالمال، وأعني وزراءنا، وهذا عيب ولا يجوز بالعمل السياسي، نحن لم نأتِ ليزيح أحدنا الآخر، نحن كنا معارضين، وناضلنا من أجل تغيير نظام صدام حسين، وليس العمل ضد بعضنا البعض. وبعد الانتخابات قبل الأخيرة فازت «العراقية» على الرغم من عمليات الاجتثاث والتهميش والاعتقالات والقتل التي طالت مرشحينا وأنصارنا، لكننا فزنا وحققنا تقدما واضحا، ولكن بإصرار أميركي وإيراني، وبالتعاون مع رئاسة الجمهورية، تم الوقوف ضد «العراقية» وامتنعت رئاسة الجمهورية عن تكليفنا بتشكيل الحكومة بتأثير إيراني، وهذا ما اعترف به فيما بعد الرئيس جلال طالباني أمام عدد من أعضاء قائمتنا، وكان المالكي وراء كل هذا، واليوم يقول إن ائتلافه (دولة القانون) يجب أن يشكّل الحكومة باعتباره الفائز بالانتخابات الأخيرة، بينما أصر على حرمان «العراقية» من تشكيل الحكومة بعد فوزها في الانتخابات السابقة.. هذا ما تركه المالكي، خراب في العراق وللعملية السياسية.

* واليوم، كيف تنظرون للأحداث بعد رحيله؟

- اليوم هناك تكليف للسيد حيدر العبادي بتشكيل الوزارة، وهو جاء من رحم حزب الدعوة أيضا، نفس حزب المالكي، ولا نعرف حتى الآن توجهاته وبرنامجه وتوجهاته، وهناك أسئلة كثيرة تتعلق بما إذا سيتجه نحو التغيير الإيجابي أم أنه سينهج ذات الاتجاه السابق، هل سيتحدث بأسلوب جديد أم سيستخدم ذات اللغة السابقة؟، وهل سيدين المساوئ التي حدثت في السابق ويعزز الإيجابيات، إن وجدت، في المسيرة السابقة؟، هذه الأمور لا تزال مبهمة ومجهولة بالنسبة لنا، لكن الذي أعرفه جيدا هو أن المشهد العراقي لا يسر ومخيف ومؤذٍ، وخصوصا في ضوء التداعيات التي تحصل في المنطقة، يضاف إلى هذا كله أصبح المشهد السياسي لا يتقرر في العراق، وإنما في بعض العواصم، خاصة فيما يتعلق بالقرارات الاستراتيجية.

* أي عواصم تعني؟

- أعني طهران. قاسم سليماني (قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني) وباعتراف الإيرانيين زار العراق مؤخرا لإيجاد مخرج لأزمة تكليف رئيس الحكومة. وكذلك واشنطن التي عادت ودخلت على خط الوضع العراقي بعد أن كانت قد ابتعدت عنه ونسيته لفترة من الزمن. هاتان العاصمتان اللتان تتخذان القرارات السياسية المهمة نيابة عن الشعب العراقي. نحن قدمنا خارطة طريق واضحة لإنقاذ البلد وأرسلناها إلى بقية الأحزاب السياسية في العراق، وأملنا كبير بأن هذا التغيير الذي حدث يشكل فرصة جيدة للانتقال بالأوضاع نحو خير البلد والشعب، ونتمنى على الأخ العبادي أن يستثمر هذه لفرصة التاريخية التي منحت له، وأن يستثمر كذلك الدعم الدولي لقضية العراق، وأن يعمل من أجل ضمان وحدة العراق وإنقاذه من أزماته، وأن يترك مواقعه في حزب الدعوة ويكون رئيسا لحكومة العراق وليس ممثلا لحزب الدعوة، وأنا أتذكر أنني عندما كلفت رئاسة وزراء العراق من قبل مجلس الحكم تركت حركة الوفاق وسلمت القيادة بقرار مني لعماد شبيب، رحمه الله، ورفضت تعيين أعضاء في الحركة، باستثناء اثنين فقط، في مؤسسات الحكومة، وكنت أعتبر نفسي أعمل لكل العراق والعراقيين وليست لجهة أو طائفة معينة على الرغم من أنني كنت أتمتع بالصلاحيات التشريعية والتنفيذية. أملي بأن يستفيد العبادي من هذه الفرصة ويحقق للعراقيين ما لم يستطع المالكي تحقيقه ويشخص مواطن الضعف ويعلن عنها، وأن ينتقد التجربة السابقة لسلبياتها ويثمن إيجابياتها إذا كانت هناك إيجابيات، ليس من منطلق حزب الدعوة، وإنما من منطلق العراق ومصالح العراق، حتى نقدر على أن نبني علاقة ثقة وتواصل معه، هذا من جهة، ومن جهة أخرى عليه أن يوضح تصوراته بشأن ما يجب أن يكون عليه العراق، هناك ما لا يقل عن مليونين ونصف المليون نازح عراقي من محافظات مختلفة، والأخ العزيز مسعود بارزاني، رئيس إقليم كردستان قال لي إن عندهم مليونا و200 ألف نازح من المحافظات الغربية ومناطق مختلفة، هذا قبل أحداث «داعش»، وهناك نازحون من بقية المحافظات إلى بغداد ومحافظات أخرى، وماذا سيكون العلاج للمحتجين في الحراك الجماهيري؟ أم أنه سيتم تفتيت القضية؟ وهل سيتم إطلاق سراح المعتقلين وبضمنهم خمسة آلاف امرأة؟ هل ستتم إعادة النظر بالاتهامات التي وجهت للبعض والتي لم تبن على أسس حقيقية؟ وماذا عن المصالحة الوطنية واجتثاث «البعث»؟ وهل سنبقى سائرين على طريق الطائفية السياسية وإحداث شروخ طائفية في المجتمع؟ وهل ستتأسس دولة على أساس الكفاءة وليس الانتماء الجهوي؟ هل ستعمل الحكومة الاتحادية على إطلاق قانون النفط والغاز وتوزيع الثروات بصورة متساوية؟ وهل ستلجأ إلى الحوار الإيجابي مع إقليم كردستان وإيجاد آليات واضحة للتعامل مع أربيل لتخفيف الأزمات؟ الإجابة عن هذه الأسئلة تصب في وحدة العراق ونجاح الحكومة. خلال السنوات الثماني الماضية كان يجب إنجاز كل هذه الأمور، ولكن للأسف حتى اليوم تعقدت الأمور وزادت تعقيدا وتداعى البلد ودخلت قوى إرهابية من «داعش» تتكون من بضع مئات واستحوذت على مناطق هائلة من البلد وقتلت وشردت المواطنين الأبرياء.

* وماذا عن سياسات العراق الخارجية واتهام المالكي لبعض الدول العربية بالعداء للعراق؟

- من أكثر الأمور مأساوية هي توجيه الاتهامات من قبل الحكومة العراقية للدول العربية، وخصوصا السعودية التي دعمت العراق والعملية السياسية هي ودولة الإمارات العربية، اتهامات مستندة إلى أكاذيب، هل يعني أنه إذا جاء أفغاني أو قطري أو سعودي أو يمني أو سوداني ليقاتل ضمن صفوف «القاعدة» أو «داعش» في العراق، أن حكوماتهم هي التي أرسلتهم؟ وهل هذا يعني أن الحكومة العراقية هي التي أرسلت الميليشيات التي تقاتل في سوريا لدعم نظام بشار الأسد. كل الدول العربية وقفت ودعمت الحكومة العراقية ورئيسها السابق، لكنه وجه لها الاتهامات بدلا من الانفتاح عليها، ولهذا استبشرت هذه الدول خيرا عندما حدث التغيير في العراق مؤخرا.

* تتحدث كثيرا عن التغيير مع أن العبادي هو قيادي في ذات حزب الدعوة الذي يتزعمه المالكي وينتمي إلى نفس الائتلاف الذي يقوده المالكي، فما الذي يجعلكم تتفاءلون بحدوث تغيير إيجابي؟

- لا نتوقع الكثير، لكننا نتمنى عليه (العبادي) أن يستفيد من سلبيات المرحلة السابقة ومن الدعم المحلي والعربي والإقليمي والدولي الذي تلقاه في ترشيحه لرئاسة الحكومة، ولهذا قلت إن على الأخ العبادي أن يؤشر على مواطن خلال الفترة السابقة، وهو كان بقيادتها، وأن يفك ارتباطه مما حصل بالسابق ويبدأ بتنفيذ برنامج وطني واضح يصب باتجاه تحقيق حكومة شراكة وطنية ناجزة ومصالحة وطنية وعملية سياسية ناجحة لا تستثني إلا الإرهابيين وسارقي المال العام، والخروج من نفوذ التدخل الأجنبي وبناء مؤسسات الدولة على أسس غير طائفية وجهوية، هذا ما نؤمن بأنه المخرج الوحيد من الأزمة في العراق، وفي اعتقادي هذا ما يجب أن يصير وإلا لن يبقي عراق، يضاف إلى ذلك يجب ضم جماعة الحراك الوطني في أي حكومة قادمة باعتبارهم ممثلين لقوى وطنية مهمة ووقفت بصورة سلمية ضد الكثير من الإجراءات الخاطئة، وكانت لهم مطالب جزء منها مشروع وجزء آخر يمكن أن يكيف، هؤلاء يجب إشراكهم ولا يجوز الاعتماد على عناصر استفادت من النظام.

* هل التقيتم في أربيل بعض شيوخ العشائر المحتجين على الحكومة؟

- نحن نعرفهم جيدا منذ زمن طويل وهم أصدقاؤنا وإخوتنا، وبعضهم نرتبط معهم بعلاقات عائلية، مثل بيت السليمان الذين نعرفهم أبا عن جد وليس الآن، وكذلك الشيخ علي الحاتم وعشائر العبيد، ودحام المجمعي من عشائر المجمع، والجميلات بالأنبار، والشيخ مشحن كان عضوا في ائتلافنا، وحسين الشعلان، كيف لنا ألا نلتقي بهم ونتحدث معهم؟ هؤلاء هم من وقفوا معنا في القضاء على نظام صدام حسين، وعندهم مطالب مشروعة عبروا عنها بصورة سلمية وليس عبر الكفاح المسلح، بل كانوا محتجين والحكومة نكلت بهم، نعم نحن نتواصل معهم ومع بعض الأكاديميين والبعثيين الذين تركوا حزب البعث، وأنا أول مسؤول عراقي فتح أبواب الحوار بين المقاومة والبعثيين من جهة والإدارة الأميركية واستطعنا أن نقنع جزءا من المقاومة بالاشتراك في العملية السياسية، فإذا كان الحوار مع شيوخ العشائر من شمر وغيرهم يوقف نزيف الدم وإزهاق الأرواح فلماذا لا نتعاون ونتحدث معهم؟ هؤلاء ناس مسالمون وعروبيون ووطنيون وأشراف ولهم فضل وتاريخ في تأسيس هذا البلد وأجدادهم من قادوا ثورة العشرين ضد الاستعمار البريطاني. أنا أعتقد أن مثل هذا الحوار كان يجب أن تقوم به الحكومة نفسها، لماذا كل هذا نزيف الدم؟ هناك إرهابيون يجب إلقاء القبض عليهم ومحاكمتهم حسب القوانين المعمول بها بدلا من توجيه الاتهامات جزافا أو أن هذا سني وذاك شيعي ومعارض.

* باعتقادكم ما هي صحة التهم الموجهة لسياسيين عراقيين بارزين من قبل المالكي؟

- أنا لا أعرف ما هي تهمة طارق الهاشمي، نائب رئيس الجمهورية السابق، أو تهمة رافع العيساوي، وزير المالية السابق، أو ما هي تهمة أحمد العلواني، عضو البرلمان السابق؟ ولا أعرف ما هي قصة محمد علاوي، وزير الاتصالات السابق، ولماذا رئيس الحكومة ضده؟ ولماذا يطاردون سنان الشبيبي، محافظ البنك العراقي السابق، من بلد إلى آخر؟ ولا نعرف ما هي التهم ضد كريم وحيد، وزير الكهرباء السابق، أو الدكتور علاء العلواني وهو طبيب معروف وكان وزيرا للصحة ومسؤولا كبيرا في منظمة الصحة العالمية؟ وهناك الكثير من أمثالهم، لماذا هذه الاتهامات؟ وهل من حقهم أن يفصلوا التهم حسب ما يشاءون ويطلقون الأوصاف: هذا ضد العراق، وذاك خائن، تماما مثلما كان نظام صدام يفعل؟ المالكي يقول إن كل المعارضة عملاء وليسوا عراقيين، هذا الكلام نفسه كان يطلقه النظام السابق علينا وعلى المعارضة، وبين هؤلاء سني وشيعي ومسيحي وكردي، أي واحد إذا كان لا يؤيدهم فهو ضد العراق. دعني أقل لك هذه القصة، تربطني علاقة عميقة وقوية مع الأخ مسعود بارزاني وأكنّ له احتراما كبيرا جدا، كلمني في وقت متأخر، بعد الساعة الواحدة والنصف فجرا قبل عدة أشهر، وأنا أعرفه بأنه ينام مبكرا ويصحو مبكرا فاستغربت الأمر، سألته عن الموضوع فقال: لقد طفح الكيل، وكان منفعلا. وتابع قائلا: لقد وصل الموضوع إلى قطع أرزاق الناس وقطع رواتب الموظفين في إقليم كردستان، فكيف لي أن أسكت عن ذلك؟ فتحدثت معه وهدأته وقلت له المهم أن الانفعال لا يقود إلى الإخلال بالدستور، فأجاب: من غير المعقول أن يصل الأمر إلى قطع رواتب الناس. وأنا هنا أستغرب هذا التصرف، كيف يمكن لرئيس الحكومة أن يعاقب جزءا من الشعب العراقي بسبب اختلافه مع رئاسة إقليم كردستان؟ ما ذنب الموظف الذي يعول أسرته ويعتمد على راتبه ليجد نفسه بلا راتب وبلا مصدر مالي؟ إذا كانت هناك مشكلة سياسية تحل بالحوار وليس بمعاقبة الشعب الكردي. البناء كله خاطئ، والتوجه خاطئ، وهذا لا يجوز في بلد مثل العراق يمر بظروف صعبة جدا، ويضاف إلى ذلك ظروف المنطقة والظروف الدولية التي تزيد في تفاقم الأوضاع.

* هل تعتقدون أن هذه الظروف ستؤدي إلى تقسيم العراق؟

- إذا لم يحدث أي تغيير إيجابي، نعم البلد متجه نحو التقسيم. إذا نلاحظ المحافظات التي حدثت فيها الاحتجاجات والحراك الجماهيري والتي استغلت «داعش» ظروفها ودخلت إليها لن تعد تخضع وتقبل للركون إلى سيطرة بغداد عليها، اليوم يطرح المتوازنون مشروع النظام اللامركزي، والمتشددون يطالبون بإقامة الفيدراليات والأقاليم، أما الإخوة الأكراد في إقليم كردستان والذين أوغلت الحكومة المركزية بالضغط عليهم يتجهون للكونفدرالية وإجراء الاستفتاء على استقلال الإقليم. أنا وفي جلسة مع الأخ مسعود بارزاني وفي اجتماع منفصل مع الأخ نيجيرفان بارزاني، قلت لهما إذا تم إصدار قانون النفط والغاز وتحقق مبدأ تقسيم الثروات الوطنية فهل ستنحسر المشكلات. أجابني الأخ مسعود بارزاني قائلا: «كل المشكلات ستتراجع وحتى مسألة كركوك سوف تتراجع». وأنا أقول ذلك الآن علنا عبر جريدتكم. عندما عدت إلى بغداد كلفت أحد الأصدقاء، مجيد جعفر، وهو من المتخصصين في مجالي النفط والغاز والموارد المالية بكتابة دراسة موسعة وعملية حول هذا الموضوع وسلمتها للأخ عدنان الجنابي، نائبا عن «العراقية» ورئيس لجنة النفط والغاز في البرلمان السابق، حيث أنجز مشروعين، أحدهما عن النفط والغاز، والآخر عن توزيع الموارد المالية، وتمت إحالة المشروعين للأمم المتحدة التي دعت الكتل السياسية لاجتماع في مقرها ببغداد حول الموضوع وتمت دراسة المشاريع وقدمناها إلى مجلس النواب، لكن الحكومة اعترضت وقالت نحن نقدم المشاريع، وحسب القانون فإن الأولوية للمشاريع التي تتقدم بها الحكومة ثم مجلس النواب، وبالنتيجة الحكومة لم تقدم أي مشروع قانون ولم تسمح للجان البرلمانية بتقديم مشروع القانون، وهذا الموضوع خلق عقدة كبيرة بين إقليم كردستان والمحافظات من جهة وبين المركز من جهة أخرى. عندما تكون هناك قوانين واضحة تنظم الشراكة في الاقتصاد والأمن واتخاذ القرارات المهمة تكون كل الأمور واضحة، لكن ما حدث هو عكس ذلك، تهميش وتوجيه اتهامات واضطهاد للناس.

* إزاء ما ذكرتم من تجاوزات قام بها المالكي تجاه البلد والناس، باعتقادكم هل سيتعرض (المالكي) للمساءلة القانونية أو القضائية؟

- بالتأكيد، هو ومسؤلون آخرون في الحكومة يجب أن يتعرضوا للمساءلة، صارت انتهاكات للأرواح وقتل بالجملة، اعتقالات، خروقات للدستور، فساد مالي فظيع، اتهامات لوزراء، هناك وزراء أبلغوني بأنهم سيرفعون دعاوى ضد المالكي وضد مسؤولين في حكومته وبينهم ابن عمي محمد علاوي، وزير الاتصالات المستقيل. أنا من قلت له أنت لا تستطيع أن تنسجم مع هذه الحكومة ولا يليق بك أن تبقى فيها وعليك أن تستقيل وفعل، وبعد استقالته بدأ عليه هجوم كبير واتهامات رخيصة تشوه سمعته وتاريخ عائلتنا مع أن الجميع يشهد على نزاهته وإخلاصه للبلد ولعمله، وسبب استقالته أنه كشف صفقات فساد مدعومة من المالكي ولم يوافق عليها.

* باعتقادكم لماذا هذا الإصرار على أن يحكم حزب الدعوة العراق؟ ولماذا يجب أن يكون رئيس الحكومة من هذا الحزب للمرة الثالثة (الجعفري والمالكي والعبادي)؟

- أنا تحدثت مع قيادات التحالف الوطني ودعوتهم لاختيار مرشح لرئاسة الحكومة من خارج حزب الدعوة، هناك أشخاص أكفاء ومؤهلون لرئاسة الحكومة من أطراف أخرى في التحالف الوطني، مثل عادل عبد المهدي أو أحمد الجلبي، أو حتى (إبراهيم) الجعفري، ومع عبد المهدي هناك نوع من الاطمئنان كونه إيجابيا ومنفتحا على الآخرين، وكل الطيف العراقي مقتنع به، ولا أدري كيف آلت الأمور إلى هذه النتيجة؟ وما أعرفه هو أن إيران كانت لها دور مؤثر في جميع المرشحين في المراكز الرئيسة، وكان من الأفضل لو أن المرشح كان من غير حزب الدعوة على الرغم من أننا نأمل أن يقوم العبادي بما يجب.

* هل ستشاركون في حكومة العبادي؟

- إذا حقق ما يضمن وحدة العراق والخلاص من أزماته وحكم البلد باعتباره رئيسا لحكومة العراق وكل العراقيين وليس مسؤولا في حزب الدعوة وقدم برنامجا يضمن سلامة البلد فسنكون معه، وبعكس ذلك فسنكون ضد توجهاته. مشاركتنا في الحكومة تعتمد على مرحلتين، الأولى خارطة الطريق، فإذا اتفقنا عليها أو على جزء كبير ومهم منها فسنشارك، ونريدها حكومة شراكة وطنية حقيقية، نحن لا نبحث عن امتيازات شخصية ولا عن مصالح ضيقة، وإنما نبحث عن مصالح العراقيين وامتيازات لهم. على أي أساس يهاجر مسيحيو العراق وهم السكان الأصليون للبلد؟ منذ أكثر من عام وهم يتركون بلدهم ما عدا ما حدث لهم مؤخرا في الموصل على أيدي «داعش» التي أرغمتهم وبشكل مقزز على ترك بيوتهم ومدينتهم، وكذلك الإيزيديون الذين تعرضوا للمذابح والتهجير القسري، وقبلهم أهل الأنبار وتكريت وسامراء وديالي ومن بابل ومن بغداد وحزام بغداد ومن الناصرية والبصرة، لماذا كل هذا حدث ويحدث؟ نحن لا نريد أن يكون في العراق مواطنون من الدرجة الأولى والثانية والثالثة، نريد أن يشعر العراقي بأن كل العراق له ويعيش بكرامة ومرفوع الرأس، بغير ذلك لا يمشي الحال. فإذا سارت الحكومة المقبلة بهذا الطريق فأهلا وسهلا، وسنكون جنودا من أجل إنجاحها، وبخلافه سيكون لنا موقف آخر بالتأكيد.

* هل هناك احتمال أن يكون إياد علاوي وزيرا في الحكومة المقبلة؟

- أستطيع أن أقول لكم إن الموضوع يعتمد على مسار الحكومة المقبلة، فإذا جاء المسار بالطريقة الصحيحة التي تحدثنا عنها آنفا، ووفق خارطة الطريق التي قدمناها فلن أجلس فقط مؤيدا، بل أكثر من هذا، أما إذا لم يتحقق ذلك فسنقف بالضد، ليس من الحكومة فقط، وإنما من العملية السياسية برمتها لأنها وصلت إلى طريق مسدود، وإذا لم يتم تصحيح العملية السياسية فلا معنى للحكومة ولا لمجلس النواب ولا للبلد أو الدولة. العملية السياسية قادت العراق إلى الدمار بسبب التهميش والطائفية السياسية وهيمنة النفوذ الخارجي عليها وبسبب الإقصاء. بسبب فشل العملية السياسية لم يستطع مجلس النواب السابق الذي ترأسه الأخ أسامة النجيفي، وهو رجل فاضل ومتمكن، من أن يصدر قانونا مهما واحدا، القوانين صارت تصدر على أساس هذا للشيعة، وذاك للسنة، وقانون للأكراد، وآخر للمسيحيين، وهذه القوانين لم تتحرك أو تفعّل، حتى القوانين البسيطة عجز البرلمان عن إصدارها مثل قانون الأحزاب وقانون المحكمة الاتحادية، وقانون الانتخابات، ناهيك بإصدار النظام الداخلي لمجلس الوزراء وقانون النفط والغاز وقانون الهيئات المستقلة.

* هل تعتقدون أن هناك حلا للأزمة بين بغداد وإقليم كردستان؟

- أولا، نحن ممتنون للأكراد، ليست كقيادة فقط، وإنما كشعب لأنهم استضافونا عندما كنا في المعارضة وتحملوا قسوة النظام السابق بسبب وجودنا عندهم أيضا، وأنا تربطني علاقات وثيقة مع الإخوة الأكراد، وخصوصا السيد مسعود بارزاني، وبغداد تتحمل مسؤولية سوء العلاقة بين الحكومة المركزية والإقليم، وهذا أضر بالعراق وبالشعب العراقي كله، وأضر بجزء مهم من شعبنا، وهم الأكراد، الذين لعبوا دورا مهما في تاريخ العراق، فهم أول من نادوا بشعار «الحكم الذاتي لكردستان والديمقراطية للعراق»، عندما انطلقت ثورتهم بقيادة الراحل ملا مصطفى بارزاني، ومنحوا الحكم الذاتي عام 1970 من قبل حزب البعث، ولو كانت الأمور قد سارت بشكل سليم منذ ذلك الحين لما كان قد حدث للعراق ما حدث، وعندما جاء بنا الأميركيون عام 2003 كان من الضروري أن يكون هناك وعي وممارسة للتعامل الأخوي والشفافية في العلاقة مع الإخوة الأكراد، بدلا من دفعهم إلى مستوى من التطرف الذي وصل إليه البعض منهم أو للانعزال أو حصرهم بمواقف عانوا منها مما أدى إلى تعقيد وتوتر لأوضاع السياسية. هذا ليس صحيحا، وأنا ولمرات كثيرة تحدثت بعمق عن المشكلات التي يعيشها العراق، وأقسم بأن مشاعره الوطنية مخلصة جدا إزاء البلد والشعب العراقي، وممارساته تؤكد ذلك، وهو رجل عندما يعطي كلمة يلتزم بها وليس عنده أوجه متعددة، بل وجه واحد وكلمة واحدة ولا يتمتع بازدواجية بتفكيره أو سلوكه نهائيا.

* وماذا عن السنة في العراق؟

- لنفترض أن بعض السنة قد أساءوا، ما كان يجب أن يتم التعامل معهم بالطريقة التي تعاملت بها الحكومة من سياسات إقصاء وتهميش وعدوانية.

* الرئيس باراك أوباما قال في حديث نشرته «الشرق الأوسط»، إن الشيعة ضيعوا الفرصة، أو فشلوا في حكم العراق، ما هو تعليقكم؟

- من يقصد بالشيعة؟ ثم لماذا الإدارة الأميركية اعتمدت أسلوب تقسيم المجتمع العراقي إلى سنة وشيعة وأكراد. الشيعة لم يفشلوا في العراق، بل هناك نمط من الشيعة هم من فشل، وهؤلاء لا يمكن أن تسميهم كممثلين عن شيعة العراق، بل هؤلاء فشلوا ليس لأنهم شيعة، بل لأنهم فشلوا في إدارة العراق، وهناك سنة شاركوا في الحكم وفشلوا، وقناعتي التامة أن العملية السياسية يجب ألا تعتمد على المحاصصة وألا يدّعي أحد أنه يمثل هذه الطائفة أو تلك، فالتحالف الوطني يمثل جزءا من المجتمع الشيعي وليس كل الشيعة، والكتل السنية تمثل جزءا من السنة وليست كل السنة، ولو كانت الدولة العراقية باقية ولم تتفكك، ولم يحدث سوى إزاحة نظام صدام حسين، لكانت نتائج الانتخابات تغيّرت، لكن الانتخابات بقيت محصورة على ناس وليس كل الناس.