بهزاد نبوي: خاتمي يواجه مصاعب لكنه يحظى بشعبية واسعة وبرنامجه الإصلاحي يتقدم

الزعيم الثوري الإيراني لـ«الشرق الأوسط»: المحافظون يتوسلون في صراعهم معنا اساليب موروثة من عهود الاستبداد * الرئيس خاتمي يرفض أي مغامرة مع العراق * ولاية الفقيه ليست من مبادئ الدين الإسلامي ولا من أصول المذهب الشيعي

TT

في ذروة حملة المحافظين في ايران ضد الرئيس محمد خاتمي ورموز التيار الاصلاحي من نواب البرلمان والصحافيين وقادة الطلبة، فتح المهندس بهزاد نبوي زعيم منظمة «مجاهدي الثورة الاسلامية» وهي احد الفصائل الرئيسية في «جبهة الثاني من الجوزاء» الاصلاحية ونائب طهران في البرلمان الايراني قلبه في حوار صريح مع «الشرق الأوسط»، معرباً عن ثقته الكاملة بزوال «دولة الاستبداد» و«ديكتاتورية» الاقلية المحافظة وتعزيز أسس ومبادئ الديمقراطية على ايدي الرئيس محمد خاتمي وأنصاره الاصلاحيين بدعم الطلبة والنساء والملايين من الايرانيين المطالبين بالتغيير الهادئ والديمقراطي في مسار الحكم وخطاب واداء الحاكم.

وتجدر الاشارة الى ان بهزاد نبوي يعد في مقدمة رموز حركة الاصلاح ومن اكثرهم تعرضاً لحملات الاجهزة الخاضعة لسيطرة مرشد الثورة المباشرة من القضاء الى الاذاعة والتلفزيون، ولا يمر يوم دون ان توجه الصحف المحافظة مثل «كيهان» و«رسالت» و«قدس» و«سياسة روز» اليه انتقادات واهانات واتهامات. ومنذ اعتقال عبد الله نوري وزير الداخلية السابق وشلل الدكتور سعيد حجاريان كبير مستشاري خاتمي إثر تعرضه لمحاولة اغتيال على أيدي عناصر قريبة من استخبارات الحرس الثوري اصبح بهزاد نبوي الهدف الاول لحملات الجبهة المضادة للاصلاحات، وحسبما قال احد مسؤولي القضاء، فانه بعد قطع الساعدين الايمن والايسر للرئيس خاتمي، اي الوزير السابق عبد الله نوري والكاتب سعيد حجاريان، حان الوقت لاستهداف قلب حركة الاصلاح بهزاد نبوي.

«الشرق الأوسط» حاورت الرجل الذي لعب دوراً مهماً في وضع الحجر الاساس لنظام الجمهورية الاسلامية في ايران وتولى مناصب رفيعة منذ اوائل الثورة، بينها نائب رئيس الوزراء ووزير الصناعة ونائب رئيس البرلمان ومن غرائب حياة زعيم منظمة مجاهدي الثورة الاسلامية انه ينتمي الى عائلة ثرية معروفة في ايران. ووالده الدكتور نبوي الذي غادر وطنه بعد الثورة بسبب معارضته الشديدة لحكومة رجال الدين، اختار باريس منفى له، بينما كان نجله بهزاد وزيراً في الحكومة الاسلامية، والاهم من ذلك ظل الوالد ملكياً طول عمره، بينما بهزاد نبوي الذي قضى عدة سنوات من شبابه في سجون السافاك (البوليس السري في عهد الشاه)، لا يزال رغم المعاناة التي عاشها مؤمناً بمبادئ وقيم الثورة ويدافع عن الخميني ونهجه ويسعى مع اتباعه لتطبيق شعارات الثورة وتحقيق اهدافها.

* لماذا هذه الهجمة الشرسة ضدكم؟ اليس بهزاد نبوي احد ابرز كوادر الثورة والنظام؟ ما هو سبب هذا العداء القوي الذي يبديه اركان الجبهة المناهضة للاصلاحات لكم؟

ـ في بلدنا ليس هناك، للاسف، خط فاصل بين المبارزة السياسية والتنافس المشروع من جهة والكراهية من جهة اخرى، نرى ان هناك من لا يؤمنون بالتنافس السياسي المسالم النزيه، بل حينما يواجهون الهزيمة في الانتخابات مثلاً، بدلاً من الاعتراف بنتائج المبارزة الانتخابية، يتوسلون اساليب ومناهج ورثناها من 25 قرناً من الحكم الاستبدادي. وباستثناء فترة قصيرة في تاريخنا المعاصر (فترة حكم الزعيم الوطني الراحل الدكتور محمد مصدق) لم تتوفر لنا فرصة كي نجرب خلالها اصول اللعبة الديمقراطية. ونرى اليوم انه يجري توجيه اتهام التجسس والخيانة ونهب بيت المال والاساءة الى الاسلام والمقدسات الى الاصلاحيين بهدف اخراجهم من الساحة. والمجموعة التي تعارض الاصلاحات تعتمد على منهج اساسه تصوير من يعارضونها كفارا ومرتدين ومناهضين للثورة ومن ثم السعي لاخراجهم من دائرة الحكم. ان جزءاً من هذه المجموعة يعتبر فهمه للاسلام والدين هو الفهم الحقيقي للاسلام ويرى انه فقط يدرك مفاهيم وقيم الدين الاسلامي ويدافع عنها. وفور أن يبدي شخص ما رأياً يعارض هذا الفهم تتوجه اليه اصابع الاتهام بالكفر والزندقة ومعاداة الثورة. ان ما يقال هذه الايام (من قبل المحافظين) ضد البعض سبق ان قيل بشأن اشخاص صالحين. انه لمن المؤسف ان هناك من هو مؤمن وزاهد ورغم ذلك يدلي باقوال كاذبة ويردد اتهامات لا اساس لها ضد الاصلاحيين.

وبالنسبة للحملات الموجهة ضدي، فانني لا اعرف ملابساتها ودوافعها، والبعض يشير الى دوري في حركة الاصلاح وانتصارات الرئيس خاتمي، ما يجعلني هدفا لمن يريدون القضاء على الحركة وايقاف مسيرة الاصلاحات، غير انني لا اعطي لدوري اهمية اكثر من دور حوالي 22 مليون ناخب صوتوا لخاتمي. ولما قررت التنازل عن منصب نائب رئيس البرلمان عشية الانتخابات الرئاسية، اثاروا في صحفهم ضجة كبيرة بانني اطمح في الحصول على كرسي وزاري رفيع، وركزوا جهودهم من اجل نسف طريقي الى المنصب الوزاري الرفيع الذي منحوني اياه في تصوراتهم، بينما لم اكن قط مرشحاً لتولي مسؤولية في الحكومة ولا ارغب اساساً في استبدال الكرسي الذي اعطاني اياه الشعب في البرلمان بأي كرسي وزاري. هكذا كما ترون، ينشرون خبراً من اساسه كذب وتلفيق، ثم يعلقون عليه ويتهمونني تارة بانشاء لجنة (X) التي حسب مزاعمهم كان اعضاؤها يعينون الوزراء في حكومة خاتمي الجديدة، وتارة اخرى بقيادة مجموعة راديكالية داخل التيار الاصلاحي هدفها القضاء على خاتمي والنظام. والغريب انه بعد اعلان اسماء الوزراء وايضاح الحقيقة، لم يعتذر هؤلاء (اركان الجبهة المناهضة للاصلاحات) عما قالو من دون حق حول بعض الاشخاص وبهزاد نبوي واحد منهم، بل انهم يواصلون تحركاتهم ضد الاصلاحيين بنفس المنهج وبخطاب مشابه.

* لا يمكن انكار دور بهزاد نبوي وسعيد حجاريان في حركة الاصلاح التي انطلقت بعد انتخاب الرئيس خاتمي العام 1997 والبعض يعتبرونكما المهندسين الرئيسيين للاصلاحات وعمودين للمجتمع المدني.

ـ لا اعتقد ان هذا التقييم صحيح، وحتى بالنسبة للسيد حجاريان لا اعتقد بانه وضع أسس استراتيجية الاصلاحات، رغم انه مفكر ومنظر بارز. ان حركتنا الاصلاحية ليست حركة منظمة ذات تنظيم عقائدي، وخاتمي فقط هو الشخص الذي بعث بروح جديدة في مقولة الاصلاحات، بفوزه في مايو (ايار) 1997.

* ماضيكم الثوري وسنوات السجن ومسؤولياتكم بعد قيام الثورة، تعطيكم رصيدا لا يملكه غيركم بين كوادر الثورة، فلماذا هذه الهجمة الشرسة ضد الرجل الذي يثق به خاتمي ويأخذ آراءه باعتباره مستشاراً خاصاً له؟

ـ لقد شرحت في ردي على سؤالكم الاول بعض الاسباب والدوافع وراء الحملة المتواصلة ضدي. ولا اعتقد ان السلطة ابعدتني من الحكم خلال السنوات التي قضيتها بعيداً عن الحكم (سنوات رئاسة هاشمي رفسنجاني) بل لم اكن مستعداً لتولي المسؤولية في فترة معينة. وعلى سبيل المثال قدمت استقالتي بقراري الشخصي ومحض ارادتي من منصب مساعد الشؤون اللوجيستية في قيادة اركان القوات المسلحة. وفي انتخابات الدورة الرابعة للبرلمان بعد رحيل الامام الخميني، رفض مجلس صيانة الدستور ترشيحنا ولم يسمح لنا بان نشارك في الانتخابات غير انه يجب ان نكون منصفين فالاجواء التي كانت تسود المجتمع انذاك حولوها ضدنا، اي ضد اليسار الاسلامي، واعتقد ان الناخبين ايضا لم يصوتوا لنا. وقد تكرر الوضع في مايو (ايار) 1997، اي انهم شنوا حملة شعواء ضد خاتمي، لكن رغم ذلك فان الشعب هذه المرة صوت له، علماً ان القوى اليسارية قامت بترشيح خاتمي ومن ثم اعلنت بقية القوى المطالبة بالاصلاحات دعمها لترشيحه. ان تصويت عشرين مليون ناخب لخاتمي تسبب في تبديل الجو وتغيير الرأي العام حيال اليسار الاسلامي.

* هناك خلاف بين الاصلاحيين والمحافظين حول تعريف الاصلاحات وأبعادها. لكن الخلاف على هذا الموضوع لم يعد محصوراً بين هذين الطرفين فحسب، بل انه قائم ايضاً بين الاصلاحيين انفسهم، فكيف يرى بهزاد نبوي الاصلاحات وأبعادها وما هي الديمقراطية التي يطالب بها، والمجتمع المدني الذي وعد خاتمي بانشائه هل امكن تحقيقه؟

ـ ليس لدي اي تعريف جديد للاصلاحات، اذ ان مفهوم الاصلاحات لم يكن امراً مستجداً جاء به خاتمي، بل انه قد تطور خلال السنين، الى ان ولدت حركة الاصلاح. ولو اردنا تقديم تعريف محدد للاصلاحات فيجب ان نعود الى شعارات الثورة واهدافها. اذ ان الاصلاحات هي تطبيق وتأسيس شعارات الثورة ومبادئها. وكان لدينا ثلاثة شعارات رئيسية اثناء الثورة: الاستقلال والحرية والجمهورية الاسلامية. واليوم تسعى حركة الثاني من الجوزاء الاصلاحية الى تطبيق هذه الشعارات. علماً ان معنى الاستقلال ليس اقامة سور حول بلادنا لفصلها عن بقية مناطق العالم او ان نكون على عداء وخلاف مع العالم. ان ثورتنا في بدايتها لم تكن ثورة انعزالية بل منفتحة ومرتبطة مع العالم. لقد رحب العالم بانتصار ثورتنا واعترفت دول العالم الواحدة بعد الاخرى بالنظام الجديد. ان الاستقلال الذي كنا نطالب به هو نقل مركز اتخاذ القرار بشأن امورنا من الخارج الى الداخل وليس قطع صلاتنا مع الخارج.

والشعار الثاني الذي تبنته الثورة هو شعار «الحرية» ويعني، الحرية السياسية والاجتماعية وحرية التعبير والصحافة في اطار الدستور. اننا نومن بالدستور ونحترم اصوله. فلهذا نعارض ولا نقبل بوجهة نظر اولئك الذين يضعون الحرية والهرج والمرج في خانة واحدة. ان الحرية التي يطالب خاتمي والاصلاحيون بها هي الحريات المصرح بها في الدستور.

والشعار الثالث كان «الجمهورية الاسلامية» معناه، قيام نظام ديمقراطي يأخذ شرعية من الشعب في انتخابات حرة تجري في البلاد. وبالنظر الى ان الاسلام هو دين اغلبية الشعب فان جمهوريتنا تحمل صفة اسلامية. «ان الحركة الاصلاحية لم تطرح شعاراً جديداً، بل انها تطالب بتطبيق شعارات الثورة والدستور.

وخلال سنوات الحرب وبسبب الظروف الخاصة التي عاشتها بلادنا، ومعارضة بعض ممن كانوا يعارضون، منذ بداية الثورة تطبيق بعض الشعارات لم نتمكن من تطبيق شعارات الثورة الاصلية بل حصلت انحرافات هنا وهناك. والحركة الاصلاحية لا تطالب الا بتطبيق شعارات الثورة وعدم خرق الدستور من قبل اصحاب السلطة. ان اهتمام الثورة لم يكن مركزاً على التزام او عدم التزام هذه المواطنة او تلك بالحجاب الكامل، بل ان هناك اهتمامات اكثر اهمية مثل صيانة حقوق الشعب وضمان احترام السلطة للحريات القانونية للشعب. انظروا الان الى المجتمع، حيث نرى ان شبابنا ما زالوا يدعمون القراءة المنفتحة عن الدين ويعتمدون على المنهج الديمقراطي لتحقيق طموحاتهم ومطالبهم، ولولا التوجه الاصلاحي للدين لكان الجيل الجديد منفصلا اليوم عن النظام بسبب القراءة المتداولة عن الدين. واقصد القراءة القائمة على الخشونة والقهر والتي نسمعها ونراها في احاديث وخطب وكتابات الجبهة المناهضة للاصلاحات.

* ألا ترون تعارضاً بين الديمقراطية التي تريدون تطبيقها في ايران ونظرية ولاية الفقيه كما يطرحها المحافظون، اذ انهم يدعون ان الولي الفقيه يحظى بصلاحيات فوق القانون.

ـ اود ان اقول اولا بانني لست من العلمانيين، بل اعتقد بالحكومة الدينية، ونظام ولاية الفقيه هو احد وجوه الحكومة الدينية. في الفقه الشيعي هناك بعض الفقهاء وعددهم ليس كبيرا ممن يؤمنون بنظرية ولاية الفقيه وكان الامام الراحل الخميني واحدا منهم. ونظرا الى انه كان قائد الثورة ونظرة ولاية الفقيه كانت نظرته حول الحكومة فاننا بسبب ايماننا به وبسياساته، قبلنا بولاية الفقيه في اطارها الدستوري. وما ينبغي ذكره ان فكرة ولاية الفقيه ليست ضمن مبادئ الدين الاسلامي بل انها ليست ايضا من ضمن اصول مذهبنا الشيعي، ما يعني ان من لا يقبلون بهذه الفكرة ليسوا كفرة ومرتدين، بل ان العديد من المراجع والفقهاء الشيعة يعارضون هذه الفكرة ولا يتبنونها. وما نحن ملتزمون به هو الدستور. وبالطبع فان مبدأ ولاية الفقيه في الدستور يجب الا يكون في التناقض مع بقية المبادئ والاصول الدستورية. اي ان لا يأتي فوق الاستقلال والحرية والجمهورية الاسلامية. ان ولاية الفقيه التي نقبل بها ليست سلطة فوق سلطة القانون والدستور. ان المادة 110 في الدستور حددت بشكل واضح حدود وابعاد صلاحيات وسلطات الولي الفقيه. ولم يقل الامام الخميني غير ذلك، فهناك مجلس الخبراء الذي ينتخب الشعب اعضاءه في اقتراع مباشر، ويتولى هذا المجلس انتخاب الولي الفقيه ما يعني انه يأخذ شرعية من الشعب بواسطة مجلس الخبراء المنتخب. ان من يختاره الله لا يمكن عزله، بينما من مسؤوليات مجلس الخبراء عزل الولي الفقيه ان وجد انه غير مؤهل أو مريض لتولي المسؤولية. ولاية الفقيه كما جاءت في الدستور لا تتعارض مع الديمقراطية، وكون الولي الفقيه شخصية غير حزبية لا تنتمي الى خط سياسي معين، يجعله رمزا للوحدة الوطنية وسيادة الشعب. وكما ان رئيس الجمهورية مسؤول امام الشعب، فان الولي الفقيه مسؤول ايضا، ان قراءتنا مختلفة عن قراءة اولئك الذين يعتبرون الولي الفقيه سلطانا مستبدا يفعل بما يشاء ومن غير الممكن مساءلته.

* ما هو رأيكم في اداء خاتمي وحكومته في الفترة الاولى لرئاسته وفي الاشهر الاخيرة التي لاحظنا فيها تراجعا في مواقف الحكومة عن الشعارات والمواقف التي تبناها خاتمي في فترة ولايته الاولى؟

ـ ان الحركة الاصلاحية رغم جميع التحديات والمشاكل التي واجهتها ولا تزال تواجهها وبشدة اكثر قد نجحت قبل كل شيء في تعريف الشعب بحقوقه المشروعة. ويجب الا ننسى بان مطالب الشعب في تطور مستمر وتوسع متواصل، فلهذا فان تحقق هذه المطالب يتطلب جهدا مستمرا وفرصة كافية. ولو سألتم طالبا في الجامعة عن مدى نجاح خاتمي في تنفيذ شعاراته ووعوده فلربما قال ان خاتمي لم يفعل شيئا ولم يكن موفقا في تطبيق برامجه. الا ان حديث هذا الطالب هو نفسه دليل على نجاح خاتمي، اذ انه لم يكن بمقدور ليس فقط الطلبة بل رجال الحكم ونواب البرلمان ان يوجهوا انتقادات الى الحكومة واركان النظام، بينما اليوم يجري مناقشة جميع الامور وكافة المسؤولين بصراحة ودون خوف من الحكومة. وبمقارنة اوضاع ايران اليوم مع الوضع قبل الثاني من الجوزاء 23 مايو (ايار) 1997 في كافة المجالات بما فيها السياسة الخارجية والاقتصاد والسياسة الداخلية سنجد فرقا كبيرا. في المجال الاقتصادي كنت اقرأ تقريرا قبل ايام ورأيت فيه ان الدخل القومي ومستوى دخل الفرد في المجتمع ونسبة التقدم في الانتاج الصناعي ومعدل الاستثمار شهدا نموا وارتفاعا لم يشهدا مثله منذ قيام الثورة. ان 22 مليون ناخب صوتوا لخاتمي للمرة الثانية رغم جميع المشاكل والدعاية الموجهة ضد خاتمي والاصلاحيين. صحيح انه قد تم تعطيل 49 صحيفة اصلاحية في السنة الاخيرة لولاية خاتمي الاولى من قبل القضاء، غير ان حجم توزيع الصحف اليومية حاليا يفوق مليونين ونصف المليون نسخة ما يعني ان ما بين 12 و15 مليون ايراني يتابعون الاحداث عبر الصحف ويقرأون التقارير والتحليلات بصورة مستمرة. اليس ذلك انجازا؟ خاصة اذا اخذنا بعين الاعتبار حجم توزيع الصحف المتدني قبل انتخاب خاتمي.

* اعلن خاتمي انه كان يواجه ازمة كل تسعة ايام خلال ولايته الاولى، ونرى الان ان الازمات مستمرة في ولايته الثانية. ما هي اسباب هذه الازمات ولماذا يسعى التيار المناهض للاصلاحات لاثارتها وافتعالها؟

ـ ان معارضي الحركة الاصلاحية ينقسمون الى فئتين، الاولى تدعي بانها مؤيدة للنظام والثورة وما تقوم به ضد خاتمي والاصلاحيين ليس الا جهادا في سبيل الدفاع عن الثورة وولاية الفقيه ضد من يريد الاساءة الى النظام والثورة والولاية. والفئة الثانية تضم المنافقين (مجاهدين خلق) والقوى المعادية للنظام التي تنوي اسقاط النظام والسيطرة على الحكم، وترى ان خاتمي بشعبيته وبرامجه الاصلاحية وتمسكه بالديمقراطية يعد حاجزا منيعا في سبيل تحقق اهدافها فلهذا اننا نشاهد، منذ انتخاب خاتمي انه هو الهدف الرئيسي لدعايات المنافقين والملكيين والشيوعيين.

* بعض المراقبين يقولون ان خاتمي قد ورث مشاكل عدة من الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني، وان جزءا من وقته وجهوده يصرف لتسوية المشاكل التي لم يكن له اي ارتباط بها؟

ـ بالتأكيد، ان الحرب والمشاكل التي شهدها مجتمعنا، كانت من العوامل التي حالت دون تطبيق شعارات الثورة، ومن ثم هناك مشاكل اقتصادية حادة نتيجة لسوء الادارة وعوامل تاريخية، يسعى خاتمي وزملاؤه لايجاد حل لها.

* الجنرال محسن رضائي امين مجمع تشخيص مصلحة النظام والقائد السابق للحرس، اتهم في مقابلة مع «الشرق الأوسط»، كوادر الاعمار (انصار الرئيس السابق رفسنجاني) بأنهم مسؤولون عن الازمات التي واجهها خاتمي والاصلاحيون. فهل تتفقون مع تقييمه؟

ـ لا اعرف نية السيد رضائي من طرح هذا الكلام، غير انني على يقين بان احد أهم اهداف التيار المناهض للثورة هو ايجاد الشقاق والهوة بين الاحزاب والتنظيمات المجتمعة تحت مظلة الثاني من الجوزاء. ولا اقبل قط بتقييم رضائي.

* كيف يرى بهزاد نبوي الخريطة السياسية اليوم في ايران؟ هل يتمتع خاتمي بنفس المكانة التي تمتع بها بعد انتخابه؟ وما هو وضع التيار المعارض للاصلاحات؟

ـ اعتقد ان خاتمي لا يزال يحظى بموقع ممتاز وربما وضعه هو افضل وضع بين رؤسائنا منذ قيام الثورة. وقد بدأ خاتمي ولايته الثانية وثقة الناس به اعلى من السابق. ان الشعب اعطى خاتمي شيكا ابيض، اذ انه يثق به ويدعم خطواته. غير انه في العالم الثالث ليس الدعم الشعبي كافيا لكي يقوم الحاكم المنتخب بازالة الجبل. ودائما هناك عوامل اخرى لها تأثير مباشر على نجاح او فشل الحاكم والمسؤول. خاتمي ليس ضعيفا بل انه يعتمد على نهج قائم على التقدم خطوة خطوة وبهدوء.

* يبدو ان قضية الفصل بين المواطنين باعتبارهم «منا»، اي من مؤيدي النظام، او «ليسوا منا» اي الملايين الذين لا يتفقون مع اهل النظام، لم تحسم بعد اذ نشاهد تغييرا في حدود الخط الفاصل. وفي الامس كان النظام ينظر الى المعارضين ومعظم الايرانيين المغتربين باعتبارهم «ليسوا منا»، واليوم ينظر التيار المناهض للاصلاحات الى انصار خاتمي باعتبارهم «ليسوا منا» وكل ذلك في وقت قال الرئيس خاتمي لـ«الشرق الأوسط» خلال زيارته لنيويورك قبل عامين ان شعار «منا» و«ليسوا منا» باطل وهو غير معني به، اذ انه يعتبر الايرانيين جميعا ما عدا فئة عميلة للنظام العراقي، اهل البيت. ما هو رأيكم في هذا الشعار؟ ولماذا لا تتخذ الحكومة اجراء لتسهيل عودة الايرانيين المنفيين في الخارج الى وطنهم؟

ـ ان النقاش حول مقولة «منا» و«ليسوا منا» لا يتوقف عند تقسيم من يعارضون النظام ومن يؤيدونه، بل انه يخص ايضا اطراف السلطة والتيارات السياسية داخل النظام، وخاتمي يعتبر جميع الايرانيين «منا»، غير ان ازالة العوائق حيال عودة ما يزيد على مليونين ونصف مليون ايراني مغترب الى الوطن لا تتم فقط بالنيات الحسنة وبارادة خاتمي، بل ان النظام باجمعه مسؤول عن الامر. ولا بد ان يأتي بقرار جماعي بحيث لا يمكن ان يشجع خاتمي الايرانيين على العودة والاستثمار في البلاد ولكن بقية المسؤولين يثيرون المشاكل لهم. واعرف ان خاتمي عازم على حل هذه المشكلة.

* ما هو موقفكم حيال مستقبل العلاقات الايرانية ـ الاميركية وانتم احد الموقعين على اتفاقية الجزائر التي مهدت للافراج عن الرهائن الاميركيين في السفارة الاميركية بطهران. الى ذلك فقد حقق خاتمي انجازات مهمة بتطبيق مبادئ سياسته الخارجية منها تعزيز وتوسيع العلاقات مع السعودية وبريطانيا والاتحاد الاوروبي، الم يحن الوقت لمراجعة علاقاتكم مع اميركا وفتح صفحة جديدة بينكما؟

ـ نحن لا نعتبر قضية علاقاتنا مع الولايات المتحدة ذات بعد ايديولوجي، ولا نعتقد بأن وجود او عدم وجود العلاقات بيننا له اهمية من البعد الايديولوجي والعقائدي، بل علينا ان نأخذ في الاعتبار مصالحنا القومية حينما ننظر الى الامر. اننا لم نكن عازمين على قطع علاقاتنا مع الولايات المتحدة بل ان اميركا اقدمت على ذلك وكما اننا اقدمنا على تحسين علاقاتنا مع السعودية والاتحاد الاوروبي وروسيا والصين واليابان باتباع سياسة ازالة التوتر، نستطيع ان نفتح الحوار مع اميركا من اجل تطبيع العلاقات، وليس قصدي، اقامة علاقات الصداقة مع اميركا على غرار العلاقات الايرانية ـ الاميركية في عهد النظام السابق، فالاجواء تغيرت اليوم والمقومات مختلفة، وسياسة خاتمي القائمة على مبدأ ازالة التوتر ومنع المغامرات في سياستنا الخارجية ساعدت كثيرا في ايجاد فهم افضل لدى الحكومة الاميركية حيال ايران، وفي السنوات الاخيرة توسع باب الحوار بين الشعبين الايراني والاميركي وقد يكون ذلك مقدمة لتغيير في توجه الادارة الاميركية حيال ايران. ان خاتمي يسعى لكسب الرأي العام الاميركي. بينما شعارات ودعايات التيار المناهض للاصلاحات مركزة على ان تثبت ان الاميركيين مجرمون وفاسدون وقتلة، اي انهم في نهاية المطاف لا يعادون الادارة الاميركية فحسب بل الشعب الاميركي ايضا. وما يجب قوله ان هذه الشعارات والدعايات فارغة ولا تقوم على اساس نظرة ايديولوجية، بل في حالة غياب خاتمي، فان هؤلاء (المحافظين) سيهرولون الى التطبيع مع اميركا.

* ما هو رأيكم بشأن العلاقات الايرانية ـ العراقية، كيف يبرر البعض فتح الحوار مع العراق والزيارات المتبادلة لمسؤولي البلدين والعلاقات التجارية بعد ثماني سنوات من الحرب، ودعم العراق المستمر لمجاهدين خلق، فيما يعارضون التطبيع مع اميركا التي لم تحاربكم بل حاربت عدوكم الاول صدام حسين واسقطت عدوكم الثاني طالبان في افغانستان؟

ـ في قضية العلاقات مع العراق ايضا لا اعتقد بان هناك عداء بيننا على اسس ايديولوجية بل المصالح الوطنية تتحكم بمسار علاقاتنا. هناك قوى اجنبية ترغب في ان تظل علاقاتنا مع العراق متوترة، اسرائيل لا تريد سلاما بيننا، المنافقون (مجاهدين خلق) يأملون بألا يسود السلام على حدودنا مع العراق وان تبقى علاقاتنا متوترة وعصبية. وفي الداخل ايضا هناك بعض القوى تسعى بطرح شعارات غير منطقية لاستعداء العراق. ان خاتمي يرفض اي مغامرة مع العراق ويطالب بتنظيم سياستنا تجاه بغداد وفقا لمصالحنا القومية. ان استمرار التوتر في علاقتنا مع العراق هو فقط لمصلحة اسرائيل والمنافقين.

* اسرائيل تستغل دائما الشعارات والخطب الصادرة من بعض المسؤولين في ايران، لتبرير سياستها القمعية بحق الشعب الفلسطيني وسلطته الوطنية. وكلما ارتفع صوت في ايران مثل اصوات عبد الله نوري وزير الداخلية السابق وصحافيين وشخصيات اصلاحية مثل الدكتور محمد رضا تاجيك مستشار خاتمي واحمد زيد آبادي، تدعو لتبني سياسة براغماتية ازاء القضية الفلسطينية بدعم خيار السلام الذي اختاره الشعب الفلسطيني وقيادته، انطلقت حملة شعواء ضد هذه الاصوات في صلاة الجمعة والصحف المناهضة للاصلاحات؟

ـ سياسة خاتمي والبرلمان قائمة على دعم الشعب الفلسطيني وقيادته الشرعية والمنظمات الفلسطينية دون شرط او قيد حول خياراتها. اذ ان هذا الامر هو من اختصاص الشعب الفلسطيني وقيادته.

* الجبهة المناهضة للاصلاحات اثارت ضجة كبيرة مؤخرا حول مسؤوليتكم في شركة «بتروبارس» ثم اطلقت بالونا حول علاقة بعض رموز الاصلاح في البرلمان مع شهرام جزايري المعتقل حاليا بتهمة كسب الثروة بطرق غير مشروعة ما هو تعليقكم على ذلك؟

ـ هذه الضجة وامثالها لها لون سياسي محض وكم قلت سابقا فانهم اطلقوا شائعات منحتني منصبا في الحكومة، ثم عملوا انفسهم في سبيل حرماني من هذا المنصب الخيالي.. وقصة شهرام جزايري تشبه قصة ندوة برلين، وكما انهم (المحافظون) قاموا بتعطيل الصحف واعتقال بعض الكتاب والشخصيات السياسية بذريعة مشاركتهم في ندوة برلين، وقد برأ القاضي علي بخشي ساحتهم في محكمة الاستئناف، فانهم بصدد عرض مسرحية جديدة اعد السيناريو لها نفس الاشخاص الذين اعدوا سيناريو برلين، والهدف هذه المرة هو البرلمان والنواب المتمسكون بميثاقهم مع الشعب ولا تخيفهم التهديدات والمحاكمات والسجن، ان الهدف النهائي هو خاتمي والحركة الاصلاحية المتمثلة في البرلمان بأغلبية ساحقة.