مقاطعة منتجات تقنية المعلومات

TT

ليس من الصعب فهم المطالبة باستخدام سلاح المقاطعة للمنتجات التي تساهم في تزويد الآلة العسكرية الاسرائيلية بما يعينها على العدوان والإرهاب، وبخاصة إذا كان ذلك على مستوى كماليات يمكن أن يعيش الإنسان من دون أن يعتمد عليها، ولكن أن ينسحب ذلك على منتجات التقنية، فهو أمر لا يمكن أن يطالب به إلا من يريد أن يحافظ على استمرار توسع الثغرة التقنية الكبيرة التي تفصلنا عن العالم المتقدم في مغارب الأرض ومشارقها.

تصور أن نتوقف عن استخدام أو شراء أجهزة كومبيوتر لأن بها أجزاء أو برمجيات لشركات تتعامل مع الكيان الإسرائيلي، أو حتى لها مصانع ومراكز أبحاث في الأراضي التي يسيطر عليها. ماذا يعني ذلك؟ يعني أن هذه الكلمات التي تقرأونها بفضل تقنيات هذه الشركات والتي من بينها استخدام اللغة العربية نفسها، مع أنها ليست لغتهم بالطبع، ستتوقف لنكتب لكم الجريدة بخط اليد. وسيعني أن استخدامنا للانترنت وخدماتها المختلفة من مواقع بريد إلكتروني وساحات حوار وغيرها، والتي أصبحت هي نفسها تستخدم حاليا من قبل العرب والمسلمين كأسلحة إعلامية، سيتوقف لأنه سيمر من خلال نفس هذه التقنيات. وعدا عن سرد أمثلة أخرى، يكفي تشبيه ذلك بمطالبة الفلسطينيين ببساطة أن يتوقفوا عن استخدام الأسلحة الأمريكية والإسرائيلية الصنع في عمليات المقاومة التي كفلتها لهم التشريعات الدولية، لأنها تستخدم هي نفسها في قتل الفلسطينيين وتدمير بيوتهم. والسؤال كيف يمكن أن نقنع شركات التقنية العالمية أن تتوقف عن التعامل مع الكيان الإسرائيلي الذي يوفر لهم بنية تحتية مادية وبشرية فائقة المستوى ومناسبة لتطوير أعمالها وتحقيق تفوقها، وأن تضحي بها من أجل عيوننا، إن كنا نحن لا نستطيع أن نقدم لها البدائل، ولا حتى في المستقبل المنظور على الأقل؟ ومهما حاولنا أن نشرح لهذه الشركات عن مبرراتنا الأخلاقية والانسانية، فسترد علينا برد أكثر «إنسانية» بقولها: «ان التقنية والعلم أمور لا دين لها ولا انتماء، وأن عوائدها تعم البشرية جمعاء».

هل هناك بدائل؟ ربما ولكنها محدودة كما هو الحال بالنسبة للأسلحة، بل إنها في بعض الأحيان مستحيلة بالنسبة للبرمجيات، في الوقت الحاضر على الأقل. ودعونا نعد قائمة بالأجهزة التي ليس للشركات المنتجة لها علاقة باسرائيل أو أمريكا من قريب أو بعيد، هل سنجد شيئا حقيقيا يستحق الذكر؟ والنتيجة الأسوأ من ذلك هي لو حاولنا أن نعد قائمة بأنظمة التشغيل التي تدعم اللغة العربية (لغتنا نحن) لنرى كم منها صنعناه بأيدينا. ببساطة لا يوجد. وحتى مبادرات البرمجة والتعريب التي قامت بها شركاتنا العربية كانت قائمة على أدوات تطوير ومن خلال أجهزة من تلك التي يطالب بعضنا بمقاطعة منتجيها. الغربي يستطيع أن يجد بدائل لأنها متعددة أمامه ولأنها بلغته، ولأن قوانين بلاده تمنع أصلا احتكار أي منتج، أما نحن فلولا اهتمام الشركات الغربية بأن يكون لها أسواق استهلاكية في أي مكان في الأرض بما في ذلك العالم العربي، لتزيد من أرباحها وهو الأمر الذي كنا سنفعله لو كنا مكانها، أو لتزيد من معرفة أبنائنا لحاجتها لأعداد ضخمة من العمال التقنيين لمساعدتها في الاستمرار والتطور، فمن المتوقع أن ما حققناه حتى الآن من انجازات محدودة، لا أقول أنه لا شيء، ولكنه بالتأكيد سيكون أقل بكثير. هل يعني ذلك أن يبقى حالنا على ما هو عليه؟ بالطبع لا، بل على العكس علينا أن نستثمر اهتمامهم بأسواق بلادنا وأبنائها لنتعلم منهم ونطور منتجاتنا المحلية، حتى ولو بالغنا وقلنا ان ذلك قد يستغرق سنوات طويلة، فالمهم أن نبدأ، وبعد ذلك فلكل حادث حديث. ولا بد أن المتابع لما كنا نغطيه في صفحات تقنية المعلومات في جريدة «الشرق الأوسط»، سيجد كم تمتلك هذه الأمة من طاقات شبابية عربية مبدعة، لا تنتظر منا إلا أن نلتفت إليها ونستثمرها.

اود أن أتقدم بالشكر لكل من هنأني بفوزي بجائزة الصحافة العربية لتقنية المعلومات، وأجد من واجبي أن أشير إلى أن عملي لم يكن ليكتمل لولا أنه يتم، بعد توفيق الله، من خلال جريدة تميزت بفهم أهمية هذه التقنية، واهتمت اهتماما كبيرا وجادا في تقديمها للقارئ العربي في أفضل صورة ممكنة، لأنه يستحق ذلك.