صراعات ساخنة بين صحافيي ألعاب الكومبيوتر والنقاد والشركات

المنتديات الصحافية لألعاب الفيديو شملت «فور سيزونس» في طوكيو وانتهت في «ديزني وورلد» والصحافيون يدّعون أنهم مجبرون على تغيير آرائهم

TT

توم هام هو ذلك الشخص الذي يمكن أن يضع نفسه فوق مقعد قيادة طائرة نفاثة ويدخل بها حلبة ملاكمة في لاس فيجاس. وهو الشخص الذي يمكنه القفز من ارتفاع آلاف الأميال في هبوط حر من طائرة. وهو الشخص الذي يمكن أن يقضي الليل داخل قلعة مرعبة من قلاع العصور الوسطى في بريطانيا. ويحضر العرض الأول لفيلم أوشين 11 مع نجوم الفيلم جوليا روبرتس وبراد بت.

يعيش هام الحياة التي يحبها أي طفل في العاشرة من عمره. عندما لا يكون مسافرا في مقاعد الدرجة الأولى أو يتجول داخل الليموزين أو يحضر بطولة السوبر باول، فهذا الرجل البالغ من العمر 34 عاما يقضي ثماني ساعات من اليوم على مدار خمسة أيام في الأسبوع يلعب ألعاب الفيديو التي تُرسل إليه مجّانا في منزله بمدينة ريستون بولاية فيرجينيا.

كأحد المستشارين في صناعة الألعاب التي تبلغ ميزانيتها حوالي 20 مليار دولار، يُمطَر هام بالهدايا ويدعوه المسؤولون المتحمسون في شركات إصدار وبرمجة الألعاب ليطلبوا منه مباركة أحدث إصداراتهم، سواء أكانت ألعاب تصويب أم سباقاً أم مغامرات.

يقول هام: «مرات كثيرة أكون في رحلة سواء يوم الثلاثاء أو الأربعاء أو الخميس ثم أذهب الى البيت يوم الجمعة لاستبدال ملابسي والسفر مرة أخرى». وهو يقطع بذلك أكثر من 100 ألف ميل سنويا على مدار الثلاث سنوات الاخيرة في رحلات متعددة لمعاينة الألعاب. وهي الوظيفة التي يطلق عليها البعض في صناعة الألعاب اسم «بلايولا». ويمول هذه الرحلات المثيرة والمريحة شركات صناعة ألعاب الفيديو من أجل الاستفادة من آرائه وتقييم إصداراتهم من الألعاب.

بعد العمل لدى مجلات الهواة المغمورة ازدادت سطوة محرري الألعاب وامتدّت إلى المجلات المشهورة والصحف اليومية، إذ أصبحت صناعة الألعاب حاليا تنافس صناعة السينما وتكاد تتفوق عليها. لذلك فليس من المدهش أن نرى الآن معارض ألعاب الفيديو تنافس الحفلات الصاخبة التي ترعاها صناعة السينما والموسيقى رغم عدم وجود أي دليل يؤكد على أن هذه المعارض ينتج عنها مراجعات واستعراضات أكثر إيجابية إلا أنها تؤدي الى ترويج الألعاب ذات المستوى المتوسط والتي لم تكن لتلفت الانتباه لولا هذه المعارض.

يقول غلين روبنشتاين، وهو محرر ألعاب خبير من مدينة بيتالوما بولاية كاليفورنيا: «إنها طبيعة التسويق، فهو يخلق اهتماما واسعا وفي بعض الأحيان يعطي بعض الألعاب إحساسا زائفا بالأولوية».

وتختلف الألعاب عن وسائل الترفيه الأخرى في كونها تفاعلية. اللاعبون يتحكمون في الأحداث، وهم يطالبون دائما بمستوى أعلى من الواقعية. ولأنّ عددا قليلا جدا منهم قد اشترك بالفعل في سباقات سيارات حقيقية أو قام بقيادة طائرة نفاثة أو اشترك في بطولات كرة القدم الأميركية، فإن مغامرين مثل هام، تتمّ رعايتهم، يوفّرون لمقيّمي الألعاب المعلومات المطلوبة لمثل هذه التجارب الحقيقية. وبذلك يتمكن محرّر الألعاب من تقدير وتقييم اللعبة بشكل أفضل.

وتمثل الرحلات بالنسبة لبعض صحافيّي الألعاب إحدى الطرق لإنجاز العمل، وغالبا ما تكون هي الطريقة الوحيدة لمراجعة واستعراض الألعاب بالنسبة لهم ووضع أيديهم على الألعاب التي مازالت في طور البرمجة. الاّ أن النقاد يعتبروهم مثيري ضجّة يسعون للحصول على تغطية جيّدة. ويصفهم كيث وودز، الذي يدرّس مبادئ الصحافة في معهد «بوينتر» Poynter Institute في سانت بيترسبيرغ بولاية فلوريدا الأميركية، بأنهم «صحافيون صغار يكتبون لقراء صغار»، ويضيف قائلا: «السؤال هو هل هناك طريقة للحصول على المعلومات التي يحتاجونها دون الاضطرار إلى القفز من الطائرات وقضاء الليل في القلاع؟».

الأغلبية العظمى من محرّري الألعاب هم من الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين العشرين والثلاثين. والكثير منهم بدأ الكتابة في فترة المراهقة عندما انجذبوا إلى العمل كعشاق للألعاب. ورغم أن معظمهم يؤدي عمله بشكل طيب الاّ أن البعض منهم لا يستطيع تحمّل المسؤولية.

ويقول روبنشتاين: «إنك تشاهد شبابا صغار السنّ ينضمون لركب العمل» فهناك طبيعة إدمانية لهذه الأشياء. فهم يبدأون بالتفكير، يقولون «يمكننا أن نفعل هذا طوال الوقت»، ثم ينسون أن يغطوا الألعاب. «لقد رأيت الكثير من الناس ينطفئ حماسهم. فأنا أتذكر عندما كنت في السابعة عشرة من عمري أنني كنت أسافر كثيرا وأتناول عشاء فاخرا وأخرج مع أولاد أكبر مني في العمر. تخيل فعل هذه الأشياء ثم العودة للمنزل لأذاكر دروسي استعدادا للاختبار المدرسي في اليوم التالي. لقد كان ذلك جنونا».

هوليوود لها جاذبيّتها بالنسبة للصحافيين، وشركات التقنية تمتلك أجهزة باهظة الثمن، لكن شركات الألعاب تعتمد دائما على الأنشطة غير الروتينية لجذب الصحافيين. وعلى مدار السنين ازدادت الأحداث اتساعا. لكنّها لم تبدأ على هذا النحو. وتعود بدايات معارض ألعاب الفيديو إلى حوالي عشر سنوات، حين بدأت بمجموعة من المحرّرين يعملون في مجلة للهواة لم يتمكنوا من الحصول على المعلومات المطلوبة حول أحد إصدارات الألعاب المقبلة. قررت مؤسسة «سيجا» تغيير هذا الوضع، فأقامت مؤتمرا موسعا في سان فرانسيسكو لتُطلع الصحافيين على تفاصيل خاصّة بإصداراتها المقبلة من الألعاب. وأدّى هذا المؤتمر إلى نتيجة جيدة وانتشار إعلامي واسع. يقول روبنشتاين: «حتى ذلك الوقت كانت لشركات الألعاب اليابانية سمعة غير طيبة في تعاملها المروّع مع الصحافة». ويتذكر روبنشتاين أنه كان في الرابعة عشرة من عمره عندما حضر المؤتمر الذي أقامته «سيجا» بناء على دعوة مجّانية من الشركة، وهو يبلغ من العمر الآن 26 عاما. لقد أشعلت «سيجا» الشرارة الأولى لمثل هذه المعارض.

ولم تكن هذه المعارض بالشكل الذي نراه اليوم، فقد كانت مجرّد دعوة للجميع داخل قاعة المؤتمرات بأحد الفنادق لحوالي ثماني ساعات يقوم خلالها مدير الانتاج بعرض الألعاب، وكان الأمر يبدو كعرض لأنظمة التأمين.

لكن هذا الأسلوب حقّق نجاحا، فقد عاد المحررون من الاجتماع وكتبوا عن كل لعبة رأوها.

وفي السنوات التالية دعت «سيجا» الصحافة إلى عالم «ديزني» واستضافت مئات من الصحافيين في «الكاتراز» ومَوَّلت تكاليف ركوب طائرة مقاتلة من طراز «إف 14». وقد سارت شركات أخرى على هذا المنوال.

في العام الماضي دعت «كودماسترز»، وهي إحدى شركات برمجة الألعاب البريطانية، الصحافيين إلى صالة التمرين في لاس فيجاس لتعقد مؤتمرا حول لعبتها الجديدة التي تحمل اسم «ملاكمة مايك تايسون». وقد دفعت الشركة لمدربي الملاكمة المحترفين ليعطوا الصحافيين بعض الدروس ثم تدعهم يلاكمون بعضهم على الحلبة حيث أصيب أحد الصحافيين بكسر في الأنف وتعرض آخر لخلع في الكتف.

شركة «تيك تو إنترأكتيف» Take Two Interactive استضافت حدثاً في صحراء أريزونا لتعرض لعبتها الجديدة عن معارك قيادة السيارات. الصحافيون ارتدوا أزياء مموّهة وقاموا بقيادة السيارات وإطلاق النار من مدافع عيار 9 ملم أثناء قيادة سيارات الجيب بسرعة عالية.

أما في لعبة «سيفون فيلتر 2» Syphon Filter - 2 التي أصدرتها شركة «989 ستوديوز» تمّ تدريب الصحفيين على المعارك في توكسون، وزوّدتهم الشركة بأقنعة واقية من الغازات ومناظير واقية ومدافع طلاء وخرائط. بعد التمرين قاموا بلعب مهمّة إنقاذ خداعية خلّفت وراءها بعض الكدمات وشيئا من الدماء.

لعبة أخرى تدور أحداثها داخل أحد الحصون، تمّ عرضها للصحافة داخل قلعة إنجليزية يعود تاريخ بنائها إلى القرن الثاني عشر الميلادي وقد ظهر الفرسان في العرض وهم يتبارزون وتم تقديم الأقواس والسهام كهدايا.

وفي لعبة حوْل الدرّاجات المائية «جيت سكي» تمّ إقامة معرض في منتجع «دانا بوينت» حيث قضى الصحافيون النهار يحصلون على التدليك ويركبون الدراجات المائية في جو مرح. وفي لعبة مغامرات مرعبة تم عرضها داخل بيت مسكون في مرتفعات سانتا كروز، حيث كان الترفيه المسائي عبارة عن أحداث مرعبة. عندما يتم ربط هذه الرحلات بعضها ببعض، يمكن أن تكون الحياة في معارض الألعاب مرهقة بالفعل.

يقول تود موات، أحد محرّري الألعاب المعروفين والذي يعمل في تورونتو بكندا: «لقد قضيت بالمنزل أربعة أيام فقط طوال شهري يوليو وأغسطس من العام الماضي، أنه لجنون». الاّ أن النشاط والمرح المرتبط بهذه المعارض يمكن أن يخفف من الآلام والمعاناة.

صحافيو المعارض يقيمون في فنادق فارهة مثل فندق «موندريان» و«ستاندرد» و«سانت ريجيز» في لوس أنجليس وفندق «هودسون» في نيويورك وفندق «دبليو هوتيل» في سان فرانسيسكو وفندق «فور سيزونز»، كما أنهم يركبون سيارات الليموزين التي تقلهم من مكان لآخر. يقول هام: «لدي خادم شخصي يأتي يومياً لكي ملابسي وتلميع أحذيتي». وعلى صعيد الشركات فالأمر يستحق المبالغ المصروفة من أجله، طالما أنها تتراوح بين 20 ألفاً و100 ألف دولار، إذ تقوم الشركات بمقارنة الثمن المطلوب بالتكلفة العالية للدعاية في المجلات والتلفزيون. كما أنّ المناسبة تتسبب في وجود الكثير من المحرّرين المهتمين بهذا المجال في مكان واحد، مما يدفع الشركات إلى التدافع من أجل الترويج لمنتجاتها عن طريق دعوة الصحافيين لزيارة المقرّات الرئيسية وحضور الاحتفالات وزيارة مواقع العمل المنتشرة في مختلف أرجاء العالم.

تقول مارسي ديتر، مديرة العلاقات العامة بشركة «ميدواي» Midway: «إن المعارض تمنحنا فرصة اللقاء وجهاً لوجه مع وسائل الإعلام». وقد قامت شركة «ميدواي» بدعوة 25 صحافيا لزيارة مكتب التصميم التابع لها والموجود في قلعة أمبيرلي بمقاطعة ويست سسّكس البريطانية. وبالطبع قامت «ميدواي» بالتكفّل بكافة المصاريف، وكل ذلك من أجل الترويج للعبتها الجديدة باسم« ليجيون: ذا ليجيند أوف إكسكاليبر» Legion: The Legend of Excaliburوالتي يُتوقع صدورها في الخريف المقبل.

وفي الوقت ذاته ترفض شركة «ميدواي» والكثير من الشركات الأخرى دفع أية مبالغ نقدية مقابل التغطية الإعلامية لألعابها، والهدف من ذلك هو تكوين علاقة عمل جيدة مع وسائل الإعلام، وإمداد الممارسين للمهنة ـ في الوقت ذاته ـ بالمعلومات التي يحتاجونها.

تقول مارسي: «إنهم ليسوا مضطرين لتغطية ألعابنا، وما نقوم به هو محاولة لفت انتباههم وتكوين جسور ترابط قوية بيننا كشركات منتجة للألعاب وبينهم كصحافيين».

ويرى وودز من معهد «بوينتر» للعلاقات التجارية أن تلك الهدايا والرحلات المجانية التي تقدّمها الشركات للعاملين في المجال الصحافي تعتبر غير شرعية في حالة تأثيرها على مصداقية الحكم على اللعبة، ففي حالة تدخل الشركة بنفوذها وأموالها من أجل تحسين صورة اللعبة أمام الجمهور فإن الأمر يتحول لقضية أخلاقية، وفي بعض الحالات تهمة يعاقب عليها القانون. ونتيجة لذلك قامت دور النشر الكبرى كتلك المسؤولة عن مجلاّت مثل مجلة «كومبيوتر غيمينغ وورلد» Computer Gaming World و«بي سي غيمر» PC.Gamer و«أوفيشال بلاي ستيشن» Official PlayStation، بالإضافة لبعض مواقع الإنترنت المختصة بالألعاب مثل موقع «غيم سبوت» Gamespot.com وموقع «غيم سباي» Gamespy.com برفض أية هدايا أو رحلات مجانية من قبل الشركات إذا زادت قيمتها المادية عن 25 إلى 100 دولار. وحسب كلام أمير عجمي، كبير الصحافيين في موقع «غيم سبوت»، المختصّ بأخبار الألعاب والذي مركزه مدينة سان فرانسيسكو والمملوك من قبل «سي نت نتووركس» C Net Networks، فإن «شركات الألعاب مستعدة للدفع للصحافيين في أية لحظة من أجل الترويج لألعابها».

ورغم كل تلك الاحتياطات والقيود المفروضة على الصحافيين إلاّ أنّ التجاوزات مستمرة، مما يدفع البعض إلى الاعتقاد بأن السيطرة على المسألة أمر في منتهى الصعوبة، فشركات الألعاب مستعدة للدفع والصحافيّون يودّون القبض وتبقى المسألة معلّقة ومرهونة بأخلاقيات الصحافي.

ونتيجة للهفة شركات الألعاب يقوم معظم الصحافيين حالياً بالتمتّع بكل المزايا الممنوحة دون الالتزام والتقيّد بأي شيء في المقابل، إذ يحضرون الاحتفالات ويأكلون أفخر الأطعمة ليخرجوا في اليوم التالي للعالم برأيهم عن اللعبة بمنتهى الصراحة والمصداقية. يقول هام: «يمكنني الأكل كيفما شئت والاستمتاع بالتذاكر والإقامة المجانية، ولكن إذا كانت اللعبة سيئة فسأقول إنها سيئة إذ إنني لست ملتزماً بشيء مقابل الطعام والتذاكر والأمور الأخرى». ومعروف رأيه الصريح في لعبة «تايم كرايسيس2» Time Crisis II ووصفه إياها بخلوها من القصّة، وذلك بعد استمتاعه برحلة بريّة لمدة أسبوعين على نفقة شركة «نامكو» Namco صانعة اللعبة.

بينما يقول روب بيغورارو، مساعد هام والذي يعمل بصحيفة واشنطن بوست»، بأنه يرفض تماماً حضور أية مؤتمرات صحافية ما لم تكن على نفقة جهة العمل التي يتبع لها والهدف من ذلك رغبته في الإحساس بأنه غير مقيّد الرأي وغير مدين لأحد بإطراء أو شكر على الجميل.

وحالياً تقوم دور نشر وصحف كبيرة بنشر أعمال كتاب هواة ممن يقبلون الهدايا من الشركات مثل صحيفة «لوس أنجليس تايمز» ومجلة «نيوز ويك» وصحيفة «يو إس إيه توداي» رغم أن أنظمة هذه الصحف والمجلات ترفض أخذ أية هدايا أو تذاكر سفر من الشركات وتقوم دور النشر نفسها بتمويل رحلات الصحافيين العاملين لديها، أما أولئك الهواة فغالباً ما يقوم عملهم على التمويل الذاتي الذي قد تطاله أحيانا أيدي شركات الألعاب الكبيرة.

* خدمة: «لوس أنجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»