أجهزة الكومبيوتر الضخمة تعود إلى دائرة الضوء وترد الهجوم اعتمادا على «لينكس»

توفر مهارات هذا النظام في المنطقة سيتيح للشركات المحلية الاستفادة من مزايا هذه الأجهزة الجبارة وبرمجياتها

TT

توقع عديد من المراقبين نهاية عصر الكومبيوتر العملاق، والذي تمثل بأجهزة مثل كومبيوتر «آي بي أم» فائق القدرة (Mainframe) الشبيه بالثلاجة الكبيرة، ولكن آخر تطورات تقنيات الانترنت وبالأخص تقنيات «لينكس» قد أعادت الكومبيوترات الضخمة الى الواجهة في عالم الأعمال الالكترونية الجديد.

فقد هيمنت كومبيوترات «آي بي أم» الضخمة على عالم الحوسبة العالية طوال عقدي الستينات والسبعينات من القرن الماضي، وارتبطت صورتها في أذهان الناس بذلك العالم الغامض، عالم الأجهزة العملاقة المبردة بالماء بسبب الحرارة العالية المنبعثة منها، والمحفوظة في بيوت زجاجية يحوم حولها تقنيون بمعاطف بيضاء. أما في الثمانينات والتسعينات فلقد ترسخت رؤية تعتقد بأن الكومبيوترات الضخمة سوف تستبدل بأنظمة الخادم المستفيد (Clientserver)، الأرخص ثمنا والأكثر مرونة والأقل مركزية، وصار السؤال هو متى ستنقرض الكومبيوترات العملاقة.

ثم جاءت أنظمة الأعمال الالكترونية، وظهرت الحاجة الماسة الى أجهزة خادمة أقوى وأسرع، أجهزة متينة لا تعرف الفشل أو التعطل، ومناسبة لمختلف الأغراض، ابتداء بالشبكة العالمية الى أجهزة مزود التعاملات وقواعد المعلومات والتخزين، أجهزة قادرة على التعامل مع كميات المعلومات الهائلة التي يريد العملاء نشرها على الانترنت. يبحث الناس عن الأجهزة ثم يتذكروا الكومبيوترات الضخمة.

ويقول ستيوارت ألسوب، الكاتب في مجلة «فورتشن» الشهيرة، في رسالة موجهة الى رئيس مجلس ادارة «آي بي أم» لو غارتنر ومؤرخة بالثامن عشر من فبراير (شباط) 2002 : «كنت قد كتبت عمودا أتنبأ فيه بموت الكومبيوتر العملاق، ولكن اسمح لي الآن أن أتراجع عن كلامي». ورغم أن أجهزة الكومبيوتر الضخمة التي تعود الى حقبة 1991 قد انقرضت فعليا، الا أنه من الواضح أن الشركات والمؤسسات لا تزال تدار مركزيا، بواسطة أنظمة حوسبة متينة يمكن التنبؤ بسلوكياتها والاعتماد عليها، وهذه هي بالذات الأنظمة التي تتخصص فيها «آي بي أم».

وتتمتع أجهزة الكومبيوتر الضخمة بسمعة أسطورية بأنها لا تعرف التعطل، ولقد عاد أخيرا الاهتمام بهذه الميزة والبحث عنها بحماس، والى جانب ذلك تتمتع الكومبيوترات الضخمة بالأداء الفائق والاعتمادية العالية وانخفاض تكلفة تشغيلها. أما الآن ومع تقنيات نظام التشغيل المفتوح «لينكس»، صارت تتمتع أيضا بمرونة مدهشة. ورغم الانهيار العام في الاقتصاد الرقمي، فقد تكون أجهزة الكومبيوتر الضخمة هي بيئات العمل الوحيدة في عالم تقنية المعلومات التي تنمو بقوة وثبات. ففي عام 2001 نمت سعة الكومبيوتر الضخم بنسبة 12%، مقاسة بوحدة MIPS (Million Instructions per Second) أعدد العمليات التي تتم بالثانية الواحدة، بينما ارتفعت عوائدها بشكل مستمر خلال خمسة أرباع سنة مالية متتابعة، في الوقت الذي يواجه فيه مزودي الأنظمة الشخصية صعوبات، أو يشهدوا هوامش أرباحهم الضئيلة أصلا وهي تواصل الانخفاض التي تشرف على التلاشي.

لقد دفع التباطؤ الاقتصادي العالمي الشركات الى البحث عن وسائل فعالة للاقتصاد في النفقات وتبسيط التعقيدات التي تلازم تقنية المعلومات، مما أدى الى تجديد الاهتمام بأسلوب الحوسبة المركزية. وتستطيع الكومبيوترات الضخمة أن تقتصد كثيرا من نفقات التملك، فهي مبنية على هياكل تلائم بصورة فريدة أنظمة الأعمال الالكترونية الحساسة. وقد قام عدد كبير من الشركات والمؤسسات في التسعينات بالاستثمار في شراء أجهزة خادمة (Servers) أكثر وأكثر، وساد توجه عام نحو الأجهزة المكرسة، التي يستضيف كل جهاز منها تطبيقا واحدا فقط من تطبيقات الشركة. وأدى هذا في بعض الأحيان الى ظاهرة تمدد الأجهزة الخادمة، حيث اضطر مديرو الأنظمة الى ادارة العشرات، وأحيانا، المئات من أجهزة الخادم، التي تشغل مساحات هائلة من المكاتب وتلتهم كميات ضخمة من الطاقة، وتتعطل على الدوام. وبينما تعاني بعض الأجهزة من أحمال مضاعفة تفوق طاقتها، تقبع أجهزة أخرى تكاد لا تعمل شيئا معظم الأوقات.

وتسمح التقنيات الحديثة التي تعتمد عليها أجهزة الكومبيوتر الضخمة اليوم بتقسيم خادم المؤسسة الواحدة الى عدة أجزاء لتكوين «أجهزة خادمة افتراضية» بواسطة تقنية تسمي «خاصية الصورة الافتراضية» (Virtual Image Facility VIF)، التي تتيح عمل كل قسم كجهاز مستقل منفصل تماما عن الأجهزة الأخرى. وبما أن الكومبيوتر الضخم يستطيع أن يدير نفسه تلقائيا لتوزيع موارد النظام على أفضل صورة ممكنة، بناء على أولويات محددة مسبقا بخصوص الأحمال المختلفة وأجهزة الخادم الافتراضية، فانه يحقق معدلات استفادة عالية جدا تصل الى 90%، أي أن الأموال المنفقة على التقنية سوف تستغل على أفضل وجه ممكن.

وكانت «آي بي أم» قد أعلنت في يناير (كانون الثاني) الماضي عن كومبيوتر «لينكس» ضخم، يمكن تقسيمه ليشغل العشرات بل المئات وحتى الآلاف من الأجهزة العاملة بنظام «لينكس»، التي يعمل كل منها وكأنه جهاز مستقل تماما من أي زاوية نظرت اليه، ولن يؤثر تعطل أحدها، على سبيل المثال، بأي صورة من الصور على بقية الأجهزة. بل أنه يسمح بالدمج والتوفيق بين أكثر من نسخة من نسخ «لينكس» سواء كانت «تيربو لينكس» أو «ريد هات» أو «اس.يو.اس.اي».

أما بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط فان هذه الأخبار على مستوى عال من الأهمية، حيث تتوفر مهارات وخبرات «لينكس» بكثرة فيها، مما يعني أنه ستتاح أمام الشركات المحلية فرصة ذهبية للاستفادة من المزايا الهائلة التي تقدمها تقنيات الكومبيوترات الضخمة. ومن بين هذه المزايا التي توفرها للشركات والمؤسسات أنها تسمح لها بتشغيل «لينكس» في بيئة 64 بت حقيقية، وهو أمر مستحيل في الأنظمة المعتمدة على الكومبيوتر الضخم. الى جانب ذلك كله، فان أصحاب أنظمة الكومبيوتر الشخصي سوف يستطيعون الآن الاستفادة من الكثير من التطبيقات الجديدة المكتوبة خصيصا لبيئة عمل «لينكس».

ويذكر أن بعض أنواع الشركات، كشركات الخدمات والبنوك والمؤسسات المالية، تضطر عادة الى تركيب العشرات وأحيانا المئات من أجهزة الخادم لتشغيل برامج مثل التطبيقات الشبكية وأجهزة خادم الملفات والطباعة والبريد الالكتروني. وعادة ما تكون معدلات الاستفادة في هذه الأجهزة منخفضة جدا، اذ تتراوح بين 10-20% في العادة، ويرجع هذا الى الحاجة الى أجهزة احتياطية زائدة ومتطلبات العمل في أوقات الذروة. ولا شك بأن القدرة على توحيد هذه الأجهزة أو اعادة تثبيتها في بيئة «لينكس»، ستؤدي الى رفع معدلات الاستفادة من موارد الخادم، وفي الوقت نفسه تبسط كثيرا من تعقيدات بينة تقنية المعلومات التحتية، واختصار حجم الكادر والتسهيلات اللازمة لادارتها.

ولا شك بأن لكثير من المؤسسات والشركات اهتمام كبير بامكانية جمع كل أنظمة ادارة الأعمال لديها في صندوق واحد. ومن المؤكد أن تحصل الشركات التي تعاني من أوضاع هذا العصر الاقتصادية الصعبة على عوائد حقيقية لاستثماراتها التقنية، عندما تستطيع جمع 200 جهاز خادم في جهاز واحد، من دون أن تضطر لشراء أية أنظمة جديدة طيلة خمس سنوات. فهذه الأجهزة ستجمع بين مزايا «لينكس» الشهيرة من مرونة ونفقات تشغيل منخفضة، مع الخبرات الكثيرة المتوفرة في المنطقة، التي تعاني من شح في الخبرات التقنية بشكل عام، وبين قوة أجهزة الكومبيوتر الضخمة وأدائها الفائق وثباتها وسهولة تحديثها واعتماديتها العالية، وهي المزايا التي ستستطيع تطبيقات «لينكس» الآن الاستفادة منها. وفي الظروف الحالية والضغوطات الاقتصادية التي تجبر الشركات على مركزة أعمالها وتحقيق أقصى استفادة ممكنة من بناها التحتية الموجودة لديها، تأتي أجهزة «لينكس» الضخمة لتجمع بين الماضي والمستقبل وتهدي حلا مثاليا لشركات العصر.