ألعاب الكومبيوتر والتطبيع من القتل

TT

ما هي الهدية التي ستختار لابنك لو أردت أن تكافئه لأي سبب من الأسباب، أو لتتخلص من «زنه» فوق رأسك؟ ستكون هذه الهدية في الغالب لعبة كومبيوتر. ولن تضطر إلى أن تتعب نفسك بمساعدته على الاختيار، فخياره جاهز بسبب المعرفة والخبرة التي حصل عليها من زملائه «المجربين» في المدرسة أو في الحارة، وكل ما هو عليك فعله هو أن تدفع الثمن، وتوصله بجهاز التلفاز، ثم تدعه لوحده مشكورا بعد أن قمت «بواجبك»، خاصة انك ستشعر أن المنزل قد أصبح أكثر هدوءا نوعا ما، إلى أن تكتشف أنك لن تتمكن وباقي أهل البيت من الاستمتاع ببرامج التلفاز إلا بعد وصلات من الصراع والصراخ من ابنك، لتكتشف أن عليك أن تشتري له تلفازا ملونا صغيرا تضعه وجهاز الألعاب في غرفة الأولاد، لتبدأ رحلتك مع الراحة، إلا عند اضطرارك لفك الاشتباك بين أولادك إذا كانوا أكثر من واحد، في حالة عدم اتفاقهم على تحديد من يلعب أولا. وفي حساب الربح والخسارة، ستجد أنك الرابح وبخاصة بعد أن تخلصت من ازعاج الأولاد في حبسهم مع ما تظنونه «الكومبيوتر» بعيدا عنك. وأحب أن أقول لك هنا انك واهم، وأن ما قمت به لم يكن سوى خطأ في حق أولادك.

صحيح أن لألعاب الكومبيوتر فوائد، كالتدرب على سرعة رد الفعل، والقيام بالحركة الصحيحة في الوقت المناسب، ودقة الملاحظة والانتباه، هذا عدا عن أن العديد منها يقدم للاعبها معلومات إضافية، وبخاصة إذا كانت اللعبة مصممة أصلا لتكون لعبة تعليمية. بل ان بعض المؤسسات الأميركية قد وجدت أنه يمكن بتصميم ألعاب الكومبيوتر بأسلوب معين المساعدة على تدريب الأطفال المصابين بصعوبة في القراءة، وأن هناك أبحاثا لمؤسسة الفضاء والطيران الوطنية الأميركية «ناسا» قد أثبتت أنه من الممكن استخدام ألعاب كومبيوتر لمعالجة للأطفال الذين يتميزون بالحركة المستمرة (هايبر آكتيف)، بزيادة فترات الانتباه والتركيز لديهم. ولكنها في المقابل مليئة بالمخاطر، فالكثير من هذه الألعاب يركز على القتال الدموي الوحشي الذي تقشعر له الأبدان. فما رأيك لو علمت أن اللعبة التي «تريحك» من إزعاج ابنك، هي لعبة يستمتع فيها بضرب خصمه حتى يقطع أوصاله وتخرج الدماء من جسمه كالنوافير، ثم يقطع رأسه ويمسكه مزهوا بانتصاره عليه وهو يقطر دما؟ أم يقود سيارات وطائرات تخلف الدمار وكرات اللهب المبهرة التي تصيب ضحايا عشوائيين؟

هل ستقول انه لا بأس بذلك ما دام كل الأولاد يلعبون بهذه اللعبة؟ ولكن من قال ان هؤلاء الأولاد وآباءهم ليسوا على خطأ؟ دعه غارقا بألعابه المدمرة، وستعلم نبأه بعد حين. أتذكر هنا منظرا لا ينفك يأتي إلى ذاكرتي كلما جاء حديث عن ألعاب الكومبيوتر، ففي أحد الأيام كنت في زيارة لمنزل أقرباء لي، وأتيح لي فيها أن أراقب أحد أبنائهم، وكان في الرابعة من عمره حينها، أثناء تشغيله للعبة «ستريت فايتر» الدموية على جهاز الألعاب. ما صدمني كان الأشكال التي تغير فيها وجه ذلك الطفل، فمن تركيز كامل على الشاشة التلفزيونية، لتسديد ما يمكن من ضربات قاتلة على جسد عدوه الافتراضي على الشاشة، وهو يحرك يده وأصابعه بعصبية على جهاز التحكم، إلى ملامح الأسى والحزن بعد أن انتهت اللعبة بهزيمته لمقتل الشخصية التي يتحكم بها، ثم النشوة بسبب أنه ستتاح له عند تشغيل اللعبة مرة أخرى إمكانية الانتقام من خصمه بقتله. دقائق طويلة مليئة بمشاعر تختلط فيها الدموية والقسوة وحب الانتقام في عقل ونفسية طفل نحب أن نصفه بالبريء، لأن هذا هو المفروض أن يتصف به، لأن ما «تدرب» عليه هو أبعد ما يكون عن معاني البراءة. وما سمعته عن أولاد آخرين كبروا مع هذه الألعاب أشد إزعاجا، فهناك أطفال لا يكادون يصلون إلى بيوتهم، حتى يتوجهوا إلى غرفهم لاكمال لعبة الأمس، أو لتجربة لعبة جديدة حصلوا عليها من أصحابهم، وكلما كانت أكثر دموية كانت ممتعة أكثر. وأولاد يصل بهم الحال إلى تفضيل العزلة والابتعاد عن الناس، مع ضعف في التحصيل العلمي، ووهن الجسد، وبخاصة إذا صاحبه الطعام غير الصحي، بالإضافة إلى إصابتهم بالتلعثم عند الكلام، عدا عن آثار نفسية أخرى، والوالدان لا يقومان الا بالشكوى من عدم معرفتهم بما حصل لأولادهم الذين لم يحرموهم من أي شيء وبالذات «الألعاب». وهم لا يدرون أن ما ينغرس في نفوسهم الآن قد يظهر أثره فيما بعد بدموية وتطبيع مع القتل سيبرر لهم كل فعل سيئ ومؤذ فيما بعد، خاصة أن الأبحاث تشير إلى العقل الباطن للأطفال الذين تقل أعمالهم عن سبع سنين يحتفظ بمؤثرات العنف فيه أكثر من هم في عمر أكبر.

لن يكون الحل بحرمان أولادكم من الألعاب، ولكن في أن تتحملوا مسؤوليتكم تجاههم كما يجب، وذلك أولا بمراقبة نوعية ما يستخدمونه من ألعاب مهما كان مصدرها، ثم تحديد أوقات لهم للعب لا يتجاوزونها. وتشجيعهم على ممارسة النشاطات الرياضية والاجتماعية المختلفة.

[email protected]