تفصيل الهواتف الجوالة للمراهقين هو ما تصبو إليه الشركات لجذب القطاع الواسع من المستخدمين

الهاتف بالنسبة للشباب في جميع أنحاء العالم مظهر كمالي ومرسال فوري ولعبة ومركز اجتماعي ورمز استقلال

TT

وقف جوش بوسيلير، وهو مصمم صناعي ذو شعر أجعد وأذن صغيرة حادة، أمام مجموعة من الشباب المراهقين الذين ملأوا الغرفة وراح يقلب سلسلة من تصاميمه. ورفع رسما لحامل هاتف جوال على شكل رباط جورب، فامتعضت وجوه الشباب وسأل أحدهم: «هل على الواحد منا أن يرتدي ذلك الشيء؟»، وصاح آخر: «إنه يناسب النساء».

لقد تم التقاط كل كلمة بكاميرا فيديو، ونقل كل شيء إلى شاشة في غرفة مجاورة حيث يجلس رفاق بوسيلير، وهم مديرون من شركة هواتف جوالة صغيرة تدعى «وايلدسيد" (Wildseed) ومقرها في إركلاند، ويراقبون ردود الفعل ومدى استجابة الشباب لما يعرض عليهم. صاح إريك هول، رئيس فريق واجهة المستخدم في الشركة والذي كان يراقب الشباب وهم يقيمون درجات لونية مختلفة من بلاستيك أزرق اللون: «أوه، هل رأيك ذلك؟ لقد كانت على وشك أن تصوت للدرجة B حتى قامت فتاة أخرى بمقاطعتها». (فازت الدرجة D من اللون الأزرق، بينما الدرجة B كانت فاتحة جدا حسبما قال الشباب).

وقد بات تحليل أفكار واحتياجات المراهقين استراتيجية هامة في صناعة الأزياء والترفيه. فإنتاج المنتج غير المناسب معناه السقوط خارج دائرة المطلوب، وبالمقابل ليكن ما تنتجه مدروسا حسب الذوق العام وستجد أن بإمكانك بناء شركة ناجحة اعتمادا على القوة الشرائية للمراهقين.

الآن، وبينما تقوم المجموعة المركزية في «وايلدسيد» بعرضها، يتحرك مصنعو الهاتف الجوال على تلك الخلفية المحيرة نفسها، بهدف إنتاج هواتف جوالة مصممة خصيصا للمراهقين. وتعيد بعض الشركات تجهيز طرازات الهواتف الحالية بأدوات مختلفة بأن تضيف السمات والملامح التي تجذب المستخدمين الصغار. في حين يعيد آخرون، مثل «وايلدسيد»، تصميم هواتف المراهقين من الأساس بشكل كامل. وتركز الشركات أنظارها على الصغار لسبب وجيه، وهو أن 38 في المائة من المراهقين الأميركيين فحسب يحملون هواتف جوالة، وبالتالي فإن لدى السوق مساحة واسعة للنمو.

وحتى الآن، وبدورات تطوير المنتج ولغاية سنتين، فإن تصميم هاتف يوافق أذواق المراهقين الأميركيين المتغيرة بسرعة قد يكون صعبا مثل الشقلبة على زلاجة متحركة. وهناك في الأساس ثلاثة اهتمامات هي: ما تبدو عليه الهواتف، وما تفعله، وما تكلفه. لكن تشكل مسائل التصميم في الغالب فارقا دقيقا لا يكاد يرى، وذلك لأن الهاتف الجوال بالنسبة للمراهقين، على غير ما هو عليه الحال بالنسبة لمعظم البالغين، لا يعد وسيلة اتصال فحسب، بل هو مظهر كمالي وشكل من أشكال الموضة ومرسال فوري ولعبة ومركز اجتماعي، وهو بالإضافة إلى هذا وذاك رمز استقلال في المرتبة الثانية بعد السيارة، حسبما يقول الكثير منهم، هذا عدا عن كونه امتدادا لشخصيتهم. ويقول كايل فوكس، طالب المدرسة الثانوية البالغ من العمر17 عاما والذي كان يتحادث مع أصدقائه خارج مجمع تجاري في سياتيل: «تحقيق الشخصية مهم فعلاً بوجود الهاتف، ولا أريد أن أحمل الهاتف نفسه الذي يحمله الآخرون».

ولدى نوكيا خط من الهواتف تسميه هواتف «التعبير»، التي قد ولدت منتجات ثانوية مثل الأغلفة القابلة للتعديل والأنوار المُضافة والنغمات القابلة للتحميل. وفي حين أن لدى نوكيا شيئا ما لبداية مبكرة في سوق الهواتف الخاصة بالمراهقين، فإن الشركات الأخرى تحاول أن تدركها بسرعة، سواء من ناحية الموضة أو الوظيفة. ويجيء الهاتف الجوال v من «موتورولا» مجهزا براديو «إف إم» مدمج، كما تخطط «وايلدسيد» لتقديم هاتف براديو وسماعة رأس. ولدى أحد هواتف «سامسونج» برنامج المراسلة الفورية «أميركا أونلاين ماسنجر» (AOLInstantMessenger). وتقدم شركات أخرى هواتف تتيح للمستخدم أن يؤلف النغمات، ولدى شركة «سوني إريكسون موبايل كوميونكيشنز» (Sony EricssonMobile Communications) هواتف مزودة بكاميرات ونظام مراسلة مدعوم بالوسائط المتعددة.

وتخطط «وايلدسيد» لإنتاج هواتف مخصصة حول موضوعات الموضة الشائعة. ستكون لدى الهواتف جلود ذكية، ويقصد بها غلاف قشري الشكل مزود بشرائح كومبيوتر تسمح للمراهقين بأن يغيروا الوظائف وأيضًا مظهر الهاتف. هناك أغلفة ذات أشكال مرشوشة للمتزلجين، على سبيل المثال، تأتي بنغمات صاخبة وأيقونات ذات مظهر خشن. (يتوقع لهذه الهواتف أن تطرح في وقت لاحق من هذا العام عبر مختلف شركات تقديم الخدمات اللاسلكية، ومن بينها «ليب وايرلس» (LeapWireless)، وهي شركة تركز على التسويق للمراهقين.

وتقول «وايلدسيد» إن بحثها يظهر أن الهاتف الجوال لا يكون مفضلا للمراهق من ناحية صغر الحجم والخفة والبريق، فما يريده المراهقون من الهاتف الجوال ان يتراوح بين العناصر المحسوسة (الموسيقى والتراسل واللعب) والعناصر التجريدية (النمط والشخصية). وقد أظهر المراهقون قلقهم حول مسألة التكلفة أيضا ـ المتعلقة بكلٍ من الهواتف والمكالمات. لكن في حين تزداد شعبية الأحذية الرياضية ذات الأسعار المرتفعة، سينفق المراهقون المال على الأشياء التي يريدونها فعلاً. وقد أنفق المراهقون في أميركا البالغ عددهم 34 مليونا متوسطا مقداره 104 دولارات في الأسبوع ـ من مالهم الخاص أو من مال آبائهم، أو من الاثنين معا ـ خلال السنة الماضية، وذلك طبقا لما أوردته شركة «تين إيج ريسيرتش أنلمتيد» (Teenage Research Unlimited)، الشركة التي تتعقب عادات الإنفاق لدى المراهقين. وتطمح شركات الهواتف الجوالة إلى زيادة حصتها من ذلك الإنفاق. ويحاول علماء الاجتماع والمسوقون المجهزون بكاميرات الفيديو والكومبيوترات ونماذج الاستفتاءات اكتشاف طريقة حياة المراهقين وكيف تتناسب الهواتف الجوالة مع حياتهم تلك. عم يتكلمون في الرسائل الفورية؟ كيف يستمعون للموسيقى؟ أي نوع من الرسومات التعبيرية يستخدمون؟ كيف تتعامل الفتيات ذوات الأظافر الطويلة مع أزرار الهواتف الجوالة؟ هل ينام المراهقون بصحبة هواتفهم؟

قد لخصت «وايلدسيد» وجود المراهقة في رسم بياني بثلاث دوائر: الترفيه والعلاقات والموضة. وأشار إريك إنغستروم، الرئيس التنفيذي للشركة، إلى حيث تداخلت الدوائر الثلاث، وعلق قائلا: «أي منتج يمكنه أن يضع نفسه هنا سيكون ناجحا مع المراهقين».

وترى شركات الهواتف الجوالة المراهقين حلفاء محتملين، والسبب هو أن المراهقين يتلقون التقنية الجديدة ويفهمونها بلهفة. ويمكنهم أن يساعدوا في إعادة تعريف الهاتف الجوال بطريقة لا تقدر عليها سوق الشركات نفسه.

ويقول مايكل وود، وهو نائب للرئيس في «تين إيج ريسيرتش أنلمتيد»: «بينما يستخدم الكبار التقنية الجديدة بشكل كبير لتسهيل العمل، فإن المراهقين يستخدمونها في الغالب لأمور وعوامل اجتماعية». وكمثال ذكر النجاح الساحق الذي حققه نظام المراسلة الفورية والذي يقوم الآن بغزو المجتمع.

ويعتبر فهم الكيفية التي أصبحت بها الهواتف الجوالة دعامة اجتماعية للمراهقين أمرا حاسما في تصميمها لهم. إذ سيلعب المراهقون الألعاب لشغل وقتهم، أو يتكلمون حتى لو لم يكن هناك من يمكن التكلم معه. نيكول زوبان، 16 عاما، مراهقة أخرى في المجمع التجاري في سياتيل، تقول إنها تتظاهر أحيانًا بأنها تتكلم في الهاتف الجوال، فالناس لا يعرفون أنك لا تتكلم مع أي شخص حقيقة. واستجابةً لحاجة المراهقين في أن يروا (وليس فقط أن يسمعوا) بهواتفهم الجوالة، صممت «وايلدسيد» هاتفا ليكون تحفة أو قطعة عرض بالأزرار التي تومض في الوقت نفسه مع الموسيقى في الراديو المدمج. وبهذا يصبح بإمكان المراهقين أن يظهروا للآخرين أنهم مشغولون. وتقول «وايلدسيد» إنها قد طورت تلك المزايا وأخرى غيرها بالاستماع للمراهقين. فخلال السنتين الماضيتين، عملت الشركة على استدعاء المراهقين بانتظام للمجموعات المركزية حيث يدفع للواحد منهم 20 دولارا للتسكع في أنحاء المكان وأكل البيتزا ولعب ألعاب الفيديو على جهاز «إكس بوكس» وإبداء تأييدهم أو معارضتهم للاقتراحات المتنوعة التي تطرح. فالهاتف الجوال الذي استخدم رموز مورس في التراسل، على سبيل المثال، جذب أنظار المراهقين الفاترة. لكن ميزة أخرى، وهي الكتابة في الهواء (airtexting) قد جذبت التأييدات المتحمسة. ويستطيع المراهقون أن يطبعوا عبارة نص مثل «اتصل بي» في هواتفهم ويلوحون بها ذهابا وإيابا في الهواء، وفي حين يتحرك الهاتف، يترك صفاً من الأنوار الحمراء الوامضة على العبارة ترتسم خلفه.

ويقول هول من «وايلدسيد»: «لقد تعلمت الشركة كذلك أن الكثير من التعديلات والتخصيص قد يخاطر في كونه منفرا للمراهقين. فعلى سبيل المثال، تعتبر مؤلفات النغمات ممتعة، لكنها لا تجذب المراهقين على نطاق واسع، ما يضع ضغطا كبيرا جدا على الأطفال ليكونوا فنانين. إنهم لا يريدون أن يكونوا فنانين، ولا متفردين بالكامل». بعبارة أخرى فإن الصيغة لجذب المراهقين هي الشخصية مسبقة التجهيز. ورغم الطفرة في الهواتف الجوالة الجديدة، فإن الخبراء يقولون إن المفتاح إلى جذب سوق المراهقين قد يتركز في النهاية بشكل أقل على الأجهزة منه على الماديات.

ويتراجع استخدام المراهقين للهاتف الجوال في الولايات المتحدة بعيدًا خلف الاختراق البالغ 80 في المائة لبعض الدول الأوروبية والآسيوية، في جزء كبير منه بسبب عقود الاشتراكات التي تمتد لستة أشهر وسنة والتي تصر عليها شركات الخدمات اللاسلكية الأميركية باعتبارها عقودا بأفضل الأسعار. ويرفض آباء كثيرون السماح لأبنائهم المراهقين بالاشتراك في عقود الهواتف الجوالة لأنهم يخشون من الفواتير الهاتفية الكبيرة. وتعتبر الاشتراكات التي لا تتطلب عقودا، اشتراكات مكلفة. في حين تكلف الاشتراكات مسبقة الدفع، وهي المنتشرة بكثرة في أوروبا، حوالي 50 سنتا للدقيقة في الولايات المتحدة. وتطلب شركات الخدمة مبالغ كبيرة تصل إلى 1500 دولار تدفع سلفا لقاء الاشتراكات الشهرية.

ويقول ناليني بي. كوتامراجو، مرشح الدكتوراة في علم الاجتماع بجامعة كاليفورنيا في بيركيلي، والذي أعد بحثا في جامعة «سري» بإنجلترا يقارن فيه بين استخدام الهاتف الجوال من قبل المراهقين في أوروبا والمراهقين في أميركا: «يرى المراهقون أن تقنية الهاتف الجوال تمنح القوة، لكن في أميركا لكي يحصل مراهقون على هواتف جوالة، فإنهم يحتاجون للحصول على والد يوقع عقدا لمدة سنة، وهذا لا يوجد فيه ما يمنح القوة».

* «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»